تبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة

    هناك عمليتان مرتبطتان في نقل وإيصال الأفكار والأساليب الجديدة من مصادرها البحثية إلي المزارع وحتى قبولها أو رفضها من قبلهم وهما: عملية الذيوع أو الانتشار وعملية التبني.

    وتعرف عملية الذيوع Diffusion process بأنها العملية التي تنتقل بواسطتها المبتكرات إلي أعضاء النظام الاجتماعي أو بأنها انتقال الفكرة الجديدة من مصادرها إلي الذين يتبنونها في النهاية، ويتضح من التعريف بان عملية الذيوع تختص بنشر تلك الرسائل التي تحمل أفكارا جديدة، كما انه لا يوجد اختلافات جوهرية بين عناصر عملية الاتصال وعناصر عملية الذيوع وفي تسمية عناصرها.

    أما عملية التبني Adoption Process فتعرف بأنها العملية الفعلية التي يمر بها الفرد منذ سماعة عن الفكرة الجديدة لأول مرة حتى اعتناقها وجعلها جزءا من سلوكه.

    وتعتبر عملية التبني عملية ذهنية تتبع تسلسلا بأفعال محددة، ويمكن تقسيم العملية إلي خمسة مراحل متتالية، وهذه المراحل هي:

1- مرحلة الوعي والتنبيه (الانتباه للفكرة):

    في هذه المرحلة يسمع المزارع لأول مرة عن الفكرة أو الطريقة الحديثة أو المبتكرة فقد يعرف الفرد اسم الفكرة الجديدة ولكن يجهل الكثير عن فوائدها وطريقة تطبيقها. والوظيفة الرئيسية لهذه المرحلة إنها تعتبر البداية التي تحرك الفرد للمراحل التالية فقد تؤدي في النهاية إلي قبول الفكرة أي تبنيها أو رفضها.

2- مرحلة الرغبة والاهتمام:

    إن الوظيفة الرئيسية لهذه المرحلة هو زيادة معلومات الفرد أو المزارع عن هذه الفكرة أو المبتكر، حيث يتولد لدي الفرد في هذه المرحلة بعض الاهتمام لمعرفة المزيد من المعلومات عن هذه الفكرة، فيبدأ بالبحث عن تفاصيل الطريقة وكيفية العمل بها تحت ظروفه الخاصة، ما هي الفوائد المتوقع الحصول عليها من تطبيق الطريقة ثم إمكانيات تطبيقها لديه.

3- مرحلة التقييم:

    يقوم المزارع بموازنة ما تجمع لدية من معلومات والاحتمالات ليقرر كون الفكرة الجديدة مفيدة بالنسبة لظروفه الخاصة ويقدر ما لها من مزايا ليقبلها أو يرفضها، كما انه يسال نفسه العديد من الأسئلة: هلي في مقدوره تطبيقها، وهل يزيد ذلك من دخله، وما هي التضحيات والتكاليف وهل يستحق هذه المحاولة المجازفة، وطبقا لتقديره يتخذ قرارا بشان تبني الفكرة أو رفضها والوظيفة الأساسية لهذه المرحلة هي الموازنة لدي الفكرة من مزايا أو عيوب.

4- مرحلة التجربة:

    بعد أن يقرر المزارع أهمية الفكرة الجديدة مستندا إلي التقييم الذهني وبعد حصوله علي المعلومات اللازمة لإجراء التجربة تحت ظروفه الخاصة وفي ضوء إمكانياته يبدأ بتطبيق الفكرة الجديدة علي نطاق ضيق، والوظيفة الرئيسية لهذه المرحلة هي تجربة الفكرة الجديدة عمليا وفقا لظروفه الخاصة وتقرير فائدتها وإمكانية التبني الكامل لها. فهي اختبار عملي لمعرفة صلاحية الفكرة التي يتقرر في ضوئها اتخاذ القرار بتبنيها أو رفضها.

5- مرحلة التبني:

    إن الوظيفة الرئيسية لهذه المرحلة هو تقييم نتائج التجربة واتخاذ القرار بالاستمرار في استعمال الفكرة  علي نطاق واسع في المستقبل بعد تأكده من صدق الفكرة وفائدتها له وقناعته بها فينفذها وتصبح جزءا من سلوكه.

العوامل التي تؤثر في تبني الأفكار الجديدة

    تختلف الفترة التي تمر علي المزارع منذ تعرفه علي الفكرة الجديدة حتى تبنيها باختلاف الأفراد ونوع المجتمع والجماعات التي ينتمي إليها، كما يتوقف ذلك علي طبيعة الفكرة في حد ذاتها والجهة التي صدرت عنها هذه الفكرة. ويمكن تقييم العوامل التي تؤثر علي تبني الأفكار الجديدة إلي الأقسام التالية:

أولا: العوامل الاجتماعية: وتنحصر هذه العوامل في الأتي:

1- نوع المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد:

    تختلف المجتمعات الريفية كثيرا فيما بينها فهناك المجتمعات التقدمية التي تسعي إلي التغير باستمرار والداعية إلي الأخذ بالجديد وهناك المجتمعات التقليدية المحافظة التي يسود فيها الكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية التي تنبذ التغير وتنظر إلي كل ما هو جديد بشك وريبة وهو ما ينعكس بطبيعة الحال علي تبني الأفكار الجديدة, ولقد تبين من الأبحاث والدراسات بان الأفراد المقيمين في مجتمعات غير متجانسة من ناحية الدين والثقافة والمهن يكونون أكثر تقبلا للأفكار الجديدة علي عكس المجتمعات المتجانسة.

2- المكانة الاجتماعية:

    فالأفراد الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية عالية يرغبون في تبني الأفكار الجديدة بسرعة أكثر من الآخرين.

3- الأسرة والأقارب:

    تعتبرالأسرة والأقارب من المصادر المرجعية الهامة التي يجع إليها المزارع عند اتخاذ قرار تبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة ويتوقف ذلك علي الصفات المميزة لأعضاء الأسرة بكونها أسرة تحبذ التغيير، ومن القيم الأسرية التي وجد لها ارتباط بعملية تبني الأفكار الزراعية هي رغبة الزراع في تعليم أبنائهم.

ثانيا: العوامل الشخصية:

    وهي العوامل التي ترتبط بالفرد نفسه ومن العوامل الشخصية التي ثبت تأثيرها علي تبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة ما يلي:

1- السن:

    تشير النتائج الأبحاث إلي أن الزراع المتقدمين في السن مقارنة بالشباب ومتوسطي السن اقل ميلا لتقبل الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة، وفي دراسات أخري ظهر أن اكبر معدل لتقبل الأفكار بين الزراع كان في من هم متوسطي الأعمار.

2- التعليم:

    وجد أن معدل التبني يزداد بازدياد المستويات التعليمية، فالمزارع المتعلم أسرع في الاستجابة من المزارع الأمي وأكثر استعدادا لتقبل وتبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة.

3- العضوية والمشاركة في المنظمات الاجتماعية والسياسية والزراعية والاقتصادية:

    لقد وجد أن هناك علاقة موجبة بين عضوية الفرد ومشاركته الفعالة في أنشطة المنظمات الاجتماعية والسياسية والزراعية والاقتصادية وبين تنبيه للأفكار والأساليب الزراعية الجديدة، وربما يرجع سبب ذلك إلي الدور الفعال الذي تقوم به المنظمات في تطوير المجتمعات الريفية والذي يعتبر عاملا مشجعا لتبني الأفكار الجديدة، من خلال هذه المنظمات له تأثير كبير علي استجابة وتنبيه للأفكار والأساليب الزراعية الجديدة.

4- المهنة:

    وهي نوع العمل الرئيسي الذي يزاوله الفرد، فقد أثبتت نتيجة الدراسات بان الفرد المتخصص بالمهنة التي يزاولها يكون أكثر تقبلا للأفكار الجديدة عن غير المتخصص في المهنة.

ثالثا: عوامل اقتصادية:

    من العوامل الاقتصادية التي لها ارتباط في عملية تبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة نذكر ما يلي:

1 – الدخل المزرعي:

    يهيئ الدخل المزرعي المرتفع فرصة كبيرة للمزارع ليتبني الأفكار الجديدة وذلك لإمكانية الحصول علي تلك الأفكار ووسائل تنفيذها من ناحية، ولتلافي الأخطار التي قد تنجم عن فشل تلك الخبرات من ناحية أخري، لان كثيرا ما يعتقد المزارع بان الإقدام علي أسلوب جديد فيه مخاطرة وغير مأمون العواقب. وقد وجد نتيجة للدراسات، بان هناك علاقة ايجابية بين زيادة دخل المزارع وبين تبنيه للأفكار والأساليب الجديدة.           

2- حجم المزرعة:

    توجد علاقة موجبة بين حجم المزرعة التي يقوم المزارع بزراعتها وتبنيه للأفكار والأساليب الزراعية الجديدة، بمعني انه كلما زاد حجم المزرعة كانت فرصة المزارع كبيرة ليتبني الأفكار الجديدة والعكس بالعكس.

3- نوع الحيازة الزراعية:

    لقد تبين من الدراسات وجود علاقة موجبة بين ملكية الأرض وتبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة. وسبب ذلك يرجع إلي أن الملاك الزراعي عادة يكون لديه سيطرة كاملة علي العمليات الزراعية وكذلك لديهم حرية التصرف في اتخاذ القرارات التي تتناسب ظروفهم الخاصة بالإضافة إلي إمكانياتهم المادية وعلي العكس من ذلك نجد المستأجر اقل ميلا لتبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة نظرا لعدم استقراره.

4- مستوي المعيشة:

    لقد تبين من الدراسات العديدة وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين مستويات المعيشة العالية للزرع ومدي تبنيهم للأفكار والأساليب الزراعية الجديدة.

رابعا: عوامل ترتبط بطبيعة وصفات الفكرة الجديدة:

    إن سرعة تبني الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة تعتمد علي طبيعة ونوع الخبرة التي يراد تبنيها ويوجد عدد من الصفات المميزة للأساليب الجديدة التي تؤدي إلي الإسراع في عملية تبنيها وفيما يلي بيان ذلك:

1- الميزة النسبية للفكرة:

    ويقصد بها درجة تفوق الفكرة الجديدة علي الفكرة القديمة، وهذا التفوق النسبي غالبا ما يعبر عنه بالعائد الاقتصادي نتيجة لتطبيق الفكرة الجديدة وبمعني أخر انه كلما ارتفع العائد الاقتصادي من تطبيق الفكرة كلما زاد معدل تبينها. وهذا ينطبق أيضا علي الأفكار سريعة العائد بالنسبة للأموال المستثمرة فيها عن الأفكار التي يتحصل فيها علي عائد بعد فترات طويلة نسبيا.

2- مدي تعقد الفكرة الجديدة:

    إن الأفكار والأساليب الجديدة الواضحة والسهلة الفهم والاستيعاب تكون أسرع في تبنيها من الأفكار والأساليب الجديدة المعقدة التي يصعب فهمها أو استعمالها، أي أن درجة تعقد الفكرة الجديدة يؤثر علي درجة تبينها من قبل المزارعين.

3- انسجام الفكرة الجديدة مع القيم السائدة:

    ويقصد بذلك توافق الأسلوب الجديد مع القيم والخبرات السابقة لدي المزارع، فكلما توافقت الفكرة الجديدة مع المعايير الثقافية السائدة في المجتمع كان هناك احتمال اكبر لتبنيها بسرعة، وكذلك فان الخبرات الجديدة المتوافقة مع العمليات الزراعية المتبعة يكون احتمال تبنيها اكبر وأسرع، أي أن فرصة التبني تكون اكبر في حالة ربط الجديد بالقديم.

4- إمكانية تجزئة أو تقسيم الفكرة:

    والمقصود بها إمكانية إجراء التجربة علي نطاق ضيق أو علي فترات زمنية متتالية وذلك للتأكد من نجاحها فان ذلك يساعد علي تبنيها بمعدل اكبر من الأساليب التي لا يمكن تجزئتها أو تقسيمها.

5- القابلية للانتقال من فرد إلي أخر ومن بيئة إلي أخري:

    يقصد بذلك سهولة انتشار نتائج تطبيق الفكرة الجديدة وانتقالها للآخرين فقد وجد بان قابلية الأفكار الجديدة للانتقال من مجال لأخر يساعد في تبنيها السريع كما يجب ملاحظة أن هناك تفاوتا بين الأفكار الجديدة من حيث سهولة ملاحظة نتائجها أو انتقالها من فرد لأخر أو من مجال لأخر.

فئات المتبنين للأفكار والأساليب الزراعية الجديدة

    لقد بينت الدراسات أن تبني أي فكرة جديدة في أي مجتمع لا يتم في وقت واحد بالنسبة لجميع الأفراد في المجتمع بالرغم من سماعهم أو تعرفهم عليها في وقت واحد وإنما يستغرق ذلك فترة زمنية تتباين من فرد لأخر لعدة اعتبارات ولقد قسم روجرز المتبنين إلي خمس فئات وان هذه الفئات الخمسة عند تحديدها علي منحني توزيع المتبنين.

 

1- المبتكرون أو المجددون:

    وهم الزراع الذين يبادرون بتقبل الفكرة الجديدة وتبلغ نسبتهم في أي مجتمع 2.5وهؤلاء لهم صفاتهم البارزة إذا أنهم يميلون إلي المغامرة ولديهم رغبة كبيرة في التجديد وهم معرفون برغبتهم الشديدة في تجربة الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة قبل كل الزراع في المجتمع كما يتصف المبتكرون بصفات أخري من بينها أنهم متعلمون تعليما جيدا ويمتلكون مزارع كبيرة وذو دخول مرتفعة ولهم مكانة اجتماعية عالية ومنفتحين علي العالم الخارجي ويتصلون بالمصادر الأصلية للمعلومات وقليلو الامتثال للأشكال التقليدية في المجتمع ولهم أوجه نشاطات متعددة في المجتمع وخارج المجتمع.

2- المتبنون الأوائل:

    وتضم هذه المجموعة القادة المحليين وقادة الرأي وهم يحظون باحترام وتقدير الناس وهم يحظون أيضا بمكانات عالية ويميلون إلي التخصص في أعمالهم ويعتبرون مصدرا مرجعيا للزراع حيث يرجعون إليهم في طلب النصح والمشورة وهم علي اتصال وثيق بالمرشدين الزراعيين ودعاة التغير في المجتمع والشعار الذي يتبعه المتبنون الأوائل هو آن يكونوا أول المجربون للفكرة الجديدة كما أنهم ليسوا أخر المتخليين عن الأسلوب القديم وتبلغ نسبتهم 13.5%.

3- الغالبية المبكرة (المتقدمة):

    وتبلغ نسبتهم 34% وهم المجموعة الذين يسبقون فئة الزراع العاديين في تبني الأفكار والأساليب الجديدة ويكون تعليمهم وخبراتهم الزراعية واتصالاتهم مع المرشدين الزراعيين تفوق الزراع العاديين ويمثل الزراع في هذه الفئة المزارع المتوسط في نواحي كثيرة من ناحية العمر والثقافة والتجربة والحيازات الزراعية.

4- الغالبية المتأخرة:

    يتقبل أفراد هذه الفئة الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة في مرحلة زمنية متأخرة عن فئة الغالبية المبتكرة ويتصف الزراع في هذه الفئة بأنهم متشككون وحيازتهم الزراعية اقل من المجموعة السابقة ودخولهم غالبا ما تكون اقل ومكانتهم الاجتماعية اقل من المتوسط وكذلك تعليمهم، كما إن اتصالاتهم مع المرشدين الزراعيين تكون اقل من الزراع المتوسطين إذا ما قورنت بهم فهم يحصلون علي الأفكار الجديدة من الزراع الآخرين خاصة من فئة الغالبية المتقدمة وليس لهم دور كبير في مجال القيادة في مجتمعاتهم.

5- المتخلفون (المتأخرون):

    يحتل أفراد هذه الفئة المكان الأخير في تقبل الأفكار والأساليب الزراعية الجديدة ويتصل أفراد هؤلاء المجموعة بأنهم متقدمون في السن ومستواهم التعليمي منخفض وحيازتهم الزراعية صغيرة واطلاعاتهم محدودة وهم يعيشون في شبه عزله عن الآخرين وتبلغ نسبتهم 16%.

   

 

 

     

 

المصدر: كتاب الارشاد الزراعي
hegawyhegawy

المهندس/ محمد عبدالله الحجاوي

  • Currently 116/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
39 تصويتات / 4477 مشاهدة
نشرت فى 2 سبتمبر 2010 بواسطة hegawyhegawy

محمد عبدالله الحجاوي

hegawyhegawy
مرحبا بكم في موقعنا »

عدد زيارات الموقع

494,188

تسجيل الدخول

ابحث

م/ محمد عبدالله الحجاوي

حاصل علي بكالوريوس علوم زراعية _ جامعة قناة السويس ، يعمل بشركة الإسماعيلية مصر للدواجن.