يعتقد كثير من العلماء أن إحساس الرجل بالنقص يزيد أو ينقص تبعاً لعلاقته بأمه وبأبيه.
ويرى بعضهم أن العلاقة بين الأم والأب داخل الأسرة الأبوية الحديثة تزيد من إحساس الطفل بالنقص وذلك لسببين:
سيطرة الأب بسبب قوانين الأسرة.
شدة التصاق الأم بطفلها بسبب تفرغ الأمهات للأمومة.
وأثبت بعض علماء النفس أن العلاقات غير المتكافئة داخل الأسرة رسبت في نفوس الأطفال الذكور والإناث عقد النقص. لكنهم وجدوا أن إحساس الذكر بالنقص يختلف عن إحساس الأنثى بسبب اختلاف التربية التي يتلقاها كل منهما.
فالولد يتربى على أن الذكورة قوة وسيطرة وامتلاك، وتتربى البنت على أن الأنوثة ضعف وخضوع وطاعة وإرضاء للرجل بأي شكل.
وأصبح جمال الرجل في قوته الذكورية وسيطرته وثروته التي يمتلكها من مال أو أرض، وأصبح جمال المرأة في جسدها وشعرها وبشرتها ورموشها.
ويرتبط الشعور بالنقص في كل من الرجل والمرأة حسب هذه المقاييس التي وُضِعَت للذكورة والأنوثة فالمرأة قد تتصور أنها غير مرغوبة جنسياً (لسبب من الأسباب وأهمها عند المرأة ألا تكون جميلة الشكل)، وتفقد الثقة في نفسها كامرأة، وتشعر بعقدة نقص، أي تشعر أن أنوثتها أقل من غيرها من النساء. وقد تكون هذه المرأة جميلة فعلاً بالمقاييس السائدة لجمال المرأة لكنها تعتقد في أعماقها أنها ليست مرغوبة. والمهم هنا هو الإحساس الداخلي وليس المظهر الخارجي، فالجمال شأنه شأن المال لا يمكن أن يعطي إحساساً بالثقة إنسان يفتقد هذه الثقة أصلاً داخل نفسه. إن المرأة الجميلة قد تطرب لسماع كلمات الإعجاب من الرجل ولكنها تشعر في أعماقها أن هذا الإعجاب ليس موجهاً إليها ذاتها كشخص وإنما هو موجه إلى شكلها الخارجي، وهناك أيضاً الرجل الثري الذي يرضيه أن يكون محاطاً بالأصدقاء والمريدين ولكنه يشعر أن هؤلاء الناس يصادقونه من أجل ماله وليس لأنهم يسعدون بصداقته وصحبته.
لقد لوحظ أن أكثر النساء تزيناً وبهرجة وإظهاراً لجمالهن الجسدي الأنثوي هن أكثر النساء إحساساً بالنقص، وان محاولتهن الدائبة للمبالغة في التجمل والتزين ليست إلا مداراة أو تعويضاً عن ذلك الإحساس الدفين بالنقص وبأنهن نساء غير كاملات.
وكذلك الرجال، لوحظ أن أكثر الرجال استعراضاً وإبرازاً لعضلاتهم الجنسية والذكورية والصفات التي أشيعت عن الذكورة والرجولة من حيث القوة والقسوة وعدم الاكتراث بالنساء، لوحظ أن هؤلاء الرجال هم أكثر الرجال إحساساً بالنقص، وأن محاولتهم الدائبة للمبالغة في إبراز العضلات واستعراض صفات الرجولة ليست إلا مداراة أو تعويضاً عن ذلك الإحساس الدفين بالشك في رجولتهم.
هناك من الأسباب الكثيرة في مجتمعنا ما يشكك الرجال في رجولتهم والنساء في أنوثتهم وما يرسب عقد النقص في نفوس الكثيرين من الشباب والشابات.
إن أجهزة الإعلام وبالذات التليفزيون، وأن الصحف والمجلات وبالذات المجلات المصورة، تعرض على الناس كل يوم بغير انقطاع ذلك السيل من الإعلانات التجارية لترويج البضائع،
هذه الإعلانات التي ترتكز أساساً على أجساد النساء العاريات الجميلات الرشيقات الأنيقات أو أجساد الرجال ذوي القوة والعضلات والأسنان الناصعة البياض، ينظر الناس العاديون إلى هؤلاء بحسرة، ويقارنون أنفسهم بهم، ويشعرون بعد كل مقارنة بتلك المسافة الكبيرة التي تفصل بينهم وبين الجمال، ويتحسرون في أعماقهم، ويخجلون من أجسادهم وتترسب في نفوسهم عقد النقص، وأنهم اقل ذكورة (أو أنوثة) منن هؤلاء الرجال أو النساء.
من أجل ترويج البضائع بهذه الإعلانات، من أجل أن يثرى ثراء فاحشاً هذه القلة من أصحاب السلع والصناعات المختلفة يتعذب ملايين الرجال والنساء في أعماقهم بسبب ذلك الإحساس بالنقص وعدم الاكتمال.
وقد اتضح أن عدد الرجال الذين يشعرون بنقص في رجولتهم أو ذكورتهم أكثر من النساء اللائي يشعرن بمثل هذا النقص في أنوثتهم. أن الرجل في حالة دائمة إلى أن يثبت رجولته وذكورته. وأنه في حاجة دائمة إلى ما يؤكد له أنه رجل، وأن رجولته قوية لا تضعف. وهو في حاجة إلى من يجدد له هذا التأكيد من حين إلى حين حتى يظل واثقاً من نفسه ومن رجولته. ومن هنا نستطيع أن نفهم حقيقة هؤلاء الرجال الذين ينفشون أوداجهم (كالديوك) الذين ينظرون إلى الناس (وبالذات النساء) شذراً، الذين يبرمون شواربهم ويبرزون عضلاتهم ويدقون الأرض غطرسة وكبرياء، الذي يقول الواحد منهم عن نفسه أنه "حمش"، هؤلاء هم أكثر الرجال معاناة من عقدة النقص.
إن نضج الرجل (أو المرأة) مرتبط بقدرة هذا الرجل على التخلص من الإحساس بالنقص، هذا الإحساس الذي يترسب في نفسه كطفل تربى وعاش وسط أسرة أبوية احتلت فيها العلاقات الإنسانية بين الأم والأب من ناحية، وبين الأطفال والأهل من ناحية أخرى.
وأن نضج الرجل (أو المرأة) مرتبطاً أيضاً بقدرة هذا الرجل على التخلص من الإحساس بالذنب، هذا الإحساس الذي يترسب في نفسه كشخص عاش في أسرة ومجتمع بشري مزق الإنسان إلى جزئين متنافرين متناقضين هما الجسد والنفس، والصق تهمة الإثم بالجسد.
إن الرجل الناضج هو الذي لا يفصل بين جسده ونفسه ويحس في أعماقه أنه شئ واحد،
وهو ذلك الرجل الذي لا يشعر أن أقل من الرجل الوسيم ذي العضلات الذكورية الذي يطل عليه كل يوم من شاشة التلفزيون معلناً عن بضاعة جديدة، أو مؤدياً لدور البطل في فيلم من الأفلام.
أنه الرجل الذي تصالح مع نفسه وجسده وتآلف مع جميع أجزائه الذكرية والأنثوية فلم يعد يخجله أن يبكي تأثراً، ولم يعد يخيفه أن يفشل عضوه الجنسي في الانتصاب أحياناً، ولم يعد يخفي رقته وحنانه وإنسانيته خوفاً من أن يُتهم بأنه ليس رجلاً، أو بأنه امرأة.
أنه الرجل الذي وثق في نفسه وتغلب على عقدة النقص والخوف القديم من المرأة وأصبح يشعر أنه ليس أقل منها وأنها ليست أقوى منه وأن الرجل كالمرأة والمرأة كالرجل ولا يمكن الفصل بينهما، ولا يمكن اعتبار أحدهما أسمى من الآخر.
إن مجرد تشبيه الرجل بالمرأة (لفظياً) يعد نوع من أشد الشتائم والإهانات للرجل ومن هنا ندرك كم يصبح النضج الحقيقي شيئاً متعذراً لكثير من الرجال، وكم يفضل الأغلبية الساحقة من الرجال أن يكونوا كما فرض عليهم المجتمع أن يكونوا بدلاً من أن يكافحوا من أجل أن يكونوا على حقيقتهم.
ساحة النقاش