إن الاعتمادية هي:
- أن تؤمن بخرافة أنك تستطيع أن تجعل نفسك سعيداً من خلال محاولات مستمرة للتحكم في الأشخاص والأحداث الخارجية.
- أن يكون الإحساس بالسيطرة أو فقدان السيطرة أساسي ومحوري في كل شئ تفعله أو تفكر فيه..
- هي محاولة التحكم في المشاعر الداخلية من خلال أفعال أو ممارسات خارجية لجلب اللذة أو الإحساس بالتحكم والسيطرة أو الهروب من الألم.
- هي محاولة لسد جوع دفين للحب من خلال ممارسات وعلاقات وأشياء وربما طرق تفكير مسيطرة على الذهن.
وفيما يلي سوف نعرض بعض أعراض هذه الحالة التي يعاني منها كثيرون ربما بدرجات ونوعيات متباينة. حاول أن تتعرف، أي من هذه الأمور موجود في حياتك دون الإنكار وفي نفس الوقت دون محاولة إيجاد ما هو ليس موجوداً.
1. الإحساس بأنك مدفوع لشيء ما بطريقة "قهرية".
إن إحساس المرء بأنه مدفوع نحو شئ ما بطريقة قهرية يمكن أن نعرفه بأنه "إدمان" شئ ما. والإدمان أمر سهل التعرف عليه إن كان إدماناً للخمر أو للمخدرات. ربما نستطيع بسهولة أن نسمي إدمان الخمر والمخدرات وأشياء أخرى كالجنس والإفراط في الطعام ، أنها أمور "سيئة"، ولكن توجد إدمانات أخرى أكثر خبثاً وربما يعتبرها البعض أموراً " حسنة "مثل إدمان العمل مثلاً. فالمجتمع يقدر من يدمنون العمل أو يدمنون النجاح الدراسي. ولكن هؤلاء الناس الذين يقدرهم المجتمع ويعتبرهم ناجحين، كثيراً ما لا يكونوا سعداء بل تعساء وأسرى لسلوكياتهم القهرية هذه.
2. الإحساس بأنك لا زلت تعاني من الأمور التي كانت سائدة في الأسرة التي نشأت فيها.
لم ينشأ أحد في أسرة كانت فيها كل الاحتياجات مسددة في كل وقت ولكن بعض الأسر تعاني من اضطراب شديد. فالشخص الذي ولد في أسرة كان الأب فيها مدمن للخمر أو للمقامرة، ربما يشب هو ويصبح مدمناً للعمل أو لإرضاء الآخرين أو مصاباً بهوس الكمال. ربما تكون قد استطعت أن تميز السلوكيات القهرية في حياتك.
الآن فكر في الأسرة التي نشأت فيها، ما هي السلوكيات القهرية التي كان يعاني منها أفراد أسرتك، على قدر ما تستطيع أن تتذكر؟
3. الإحساس الشديد بصغر النفس.
"إنت مهم جداً بالنسبة لي، إنت عارف كده؟" "برافو إنتي عملتي عمل عظيم __أنا فعلاً فخورة بيكي" "أشكرك يا حبيبي، أنا مقدر مساعدتك جداً".
كثير من الأطفال في الأسر المضطربة قد كبروا من الطفولة للبلوغ دون أن يسمعوا أي من هذه العبارات الهامة المشجعة التي تؤكد لهم قيمتهم وكرامتهم وأهميتهم. وهكذا يشعرون بشكل مستمر ومزمن بالفراغ وعدم القيمة، وكأنهم يفتقدون شيئاً يتمتع به كل الآخرين.
ويبحثون عن قيمتهم بشكل مستمر من خلال الآخرين وتكون الفكرة المحورية التي تردد في أذهانهم ربما بشكل غير واعي تماما هي: لو حصلت على إعجاب الآخرين بي ورضاهم عني، سوف أشعر بقيمة نفسي.
4. الإيمان بأن سعادتك تتوقف على الآخرين.
الرغبة الدفينة في إصلاح الماضي من خلال التحكم في الحاضر هي من السمات الأساسية للاعتمادية. وكثيراً ما نرى أشخاص يحاولون تعويض الحرمان الذي تعرضوا له في طفولتهم من خلال إغراق أولادهم بالعطايا المادية لكي يجعلوا أولادهم يحبونهم وقد يصل الأمر لحد التسيب الكامل والإفساد. وهؤلاء هم آباء وأمهات اعتماديون. أما الأصحاء فهم واعين لحقيقة أنهم لا يستطيعون التحكم في الأشخاص أو الأحداث ويقبلون هذه الحقيقة.
تأمل هذين الموقفين:
- وقف عادل في طابور ليحصل على السندوتشات التي طلبها. وبعد أن حصل على طلبه، طلب من البائع طلباً آخراً، ثم طلب ثالثاً فتأخر قليلاً. فصاح فيه أحد الواقفين في الطابور. فارتبك عادل وأسرع بالانتهاء من طلبه وكاد يوقع السندوتشات من يده وهو يقول: معاه حق، أنا غبي وأناني، ده شئ واضح لدرجة أن ماحدش مستحملني.
- بعد دقائق يصل أسامة للبائع (شخص آخر من الطابور ولكنه يتمتع بصحة نفسية أفضل)، ويتكرر نفس الموقف ويصيح فيه شخص متذمراً بنفس الطريقة ولكن رد فعل أسامة مختلف فيقول في نفسه عبارة مثل هذه: الراجل ده زعلان كده ليه قوي، يمكن يكون مستعجل أو متضايق من حاجة.
لقد لاحظ أسامة أنه لا يستطيع التحكم في توجه الشخص الغاضب، فلم يلق اهتماماً كبيراً، أما عادل فقد تأثر كثيراً برد فعل الزبون الغاضب وسمح لهذا الموقف أن ينال من شعوره بقيمته.
5. الإحساس بأنك مسؤول بشكل مبالغ فيه عن سعادة الآخرين.
يحاول الكثير من الاعتماديين أن يتجنبوا مواجهة ألمهم الخاص بأن يحملون مشاكل وهموم الآخرين. فإذا تعثر زواج أحد الأصدقاء مثلاً، يشعر الشخص الاعتمادي في نفسه: كان لازم أساعدهم ليحلوا مشاكلهم، أنا مُقصر.
وإن كان الاعتماديون غير قادرين على حل مشاكلهم الشخصية، فكم بالحري مشاكل الآخرين "وهكذا يشعرون دائماً بالذنب تجاه الآخرين".
العلاقة بالأشخاص المهمين تتراوح بشكل مؤلم ما بين الاعتمادية الكاملة والاستقلال الكامل.
لقد خلقنا الله لكي نكون مستقلين عن بعضنا البعض وفي الوقت نفسه معتمدين على بعضنا البعض. وفي النهاية نحن مسؤولين تماماً عن خيرنا وسعادتنا الشخصية.
ولا يجب أن نتوقع أن يكون أي شخص آخر مسؤول عن تسديد كل احتياجاتنا. وعلى الجانب الآخر، خلقنا الله وبداخل كل منا احتياج للشركة والرفقة، معه ومع الأشخاص المهمين في حياتنا.
أما الاعتماديون فهم الذين يجدون أنفسهم دائماً على أقصى النقيضين فيكون لسان حالهم واحداً من اثنين: إما "ما قدرش أعيش من غيرك " أو "بيك من غيرك حاقدر أعيش".
وغالباً ما نجد الأغاني العاطفية تعبر عن واحدة من هاتين الحالتين، فأغلب الأغاني إذن لا تتكلم عن الحب الحقيقي بقدر ما تتكلم عن الاعتمادية.
6. الشخص الاعتمادي بارع في الإنكار والكبت.
قد يكون الإنكار هو الطريقة الوحيدة المتاحة حتى يستطيع الإنسان أن يعيش في ظل ظروف بائسة مؤلمة. غالباً ما ننكر حقيقة أننا قد عشنا طفولة بائسة أو كنا في أسرة لم تسدد احتياجاتنا العاطفية. ربما نكون مدفوعين بالإحساس بالواجب و"الأصول" فلا نسمح لأنفسنا بالاعتراف بعيوب والدينا وبالأذى الذي ربما سببوه لنا. ربما نلتمس الأعذار لدرجة الإنكار. ولكن لقد آن الأوان لأن نتخلى عن الإنكار والكبت.
7. الشخص الاعتمادي دائماً قلق بشأن أمور لا يستطيع أن يغيرها ويظل يحاول تغييرها.
يلتزم الشخص الاعتمادي بمجموعة من العبارات التي تبدأ بكلمة "لو":
لو كنت عرفت أربي عيالي كويس ما كانش جوزي سابني.
لو كنت قدرت أخلي نادية تحبني ما كانتش خانتني.
لا يقتنع الأشخاص الاعتماديون بحقيقة أنهم لا يستطيعون التحكم في الآخرين. ويحتفظوا بوهم أنه كان بمقدورهم التحكم في سلوكيات الآخرين من خلال أمور يفعلونها أو لا يفعلونها.
8. الشخص الاعتمادي كثيراً ما يتخذ مواقف حادة من النقيض للنقيض.
يعتبر مجدي من الأشخاص المحترمين وهو معروف بأنه شخص عميق وقائد روحي حكيم. وفي العمل يخضع مجدي لثلاثة من الرؤساء، فهو عادة في وضع خاضع. وهو هادئ وكفء في العمل، كما أنه محبوب من الجميع.
ولكن في البيت، هناك شخصية أخرى فهو مدمن للغضب والصياح وعندما يدخل المنزل يختبئ الجميع في "غرفهم" لأن "بابا جه". الجميع يرتعبون من صياحه وشتائمه ويحاولون دائماً أن يتجنبوه. إذا وجد لعبة ملقاة في غرفة الصالون مثلاً، يكون هذا آخر يوم في حياة هذه اللعبة ويكون يوم "أسود" على حياة الجميع في البيت.
وإذا كان من الممكن لأصدقاء مجدي أن يروا شريط "فيديو" لسلوك مجدي في المنزل، سوف لا يصدقون أنفسهم.
9. الشخص الاعتمادي يبحث دائماً عن شيئاً مفقوداً في الحياة.
يبحث الشخص الاعتمادي دائماً خارج نفسه لكي يجد معنى وهدف للحياة. ويحاول أن يملأ الفراغ الكبير الذي بداخله.
هل الزمن هو أعظم طبيب؟
الاعتمادية لا تتحسن بمرور الوقت. بل على العكس، ستسوء.
ولكن توجد خطوات يجب أن تتخذها حتى لا تسير الأمور من سيئ لأسوأ. وهذه الخطوات لا تتم من تلقاء نفسها. والأمر يتوقف على رغبتك في التخلص من أشباح الماضي التي لا تزال تؤثر عليك اليوم وهي الأسباب الحقيقية الدفينة للاعتمادية.
ساحة النقاش