أن الخطوة المحورية في التعافي من العلاقات الإعتمادية هي توديع الماضي وترك البيت، وتكلمنا عن الأدوار الجامدة التي كان عليك أن تلعبها في الأسرة التي نشأت فيها. والآن يجب أن تعرف كيف أثرّ فيك لعب هذه الأدوار بصورة قهرية جامدة، وذلك لتتحرر من الأدوار التي كنّا نلعبها داخل أسرنا، لنراجع هذه الأدوار بإختصار:
البطل
غالباً ما يكون الطفل الأكبر هو الشخص الذي يأخذ الجميع تضحياته كأمر مُسلّم به دون أن يعطونه أدنى تقدير أو مديح عن الأمور التي يفعلها.ولكن هذه الشخصية كثيراً ما كانت تحصل على المديح من خارج الأسرة. وغالباً ما يتحمل هذا الطفل مسؤولية الشخص الناضج في مراحل مبكرة من عمره كأن يعتني بالأطفال أو يقوم بالتسوق أو التنظيف وخلافه.
كبش الفداء
كبش الفداء هو الشخص الذي يتلقى الاهتمام السلبي لما يتصف به من تمرد ويقوم به من سلوكيات سلبية غير مرغوبة. وكبش الفداء هو الذي يحمل كل ذنوب الأسرة ويلام على كل مشاكلها بالرغم من أن هناك مشاكل واضحة في والديه مثلاً ليس له ذنب فيها.
المهرج
يحصل مهرج الأسرة على الاهتمام بأن يقتنصه بنفسه. وهو يعالج المشاكل والآلام عن طريق الضحك والتهريج. فهو يستخدم أسلوب التشويش ليتشتت الانتباه عن المشاكل.
الطفل المنسي
الطفل المنسي هو الطفل الذي لا يلاحظه أحد ولا يعيره أحد أي اهتمام. وهو يفضل أن يكون بمفرده ويهرب من الاضطراب الموجود في الأسرة بأن يحاول أن " يمشي حاله " ويبعد عن طريق الجميع وهو الطفل الذي يقال عليه أنه لطيف وهادئ وطيب ومسالم.
من الجائز جداً أن تستمر وأنت شخص بالغ في لعب هذا الدور الذي كنت تلعبه في الطفولة وهذا ما حدث مع شاب يدعى هاني، فقد شب هاني في ظل والده الذي كان رجلاً فاشلاً خسر كل أمواله واستدان بسبب سوء تقديره للأمور. وكان هاني يعوض هذا الاضطراب في الأسر بأن لعب دور البطل. وعندما كبر أصبح مدمن عمل
بصورة شديدة العنف وذلك في محاولة لا واعية أن يكمل لعب دور البطل الذي كان يلعبه أثناء الطفولة وبشكل سحري "يفتدي" الأسرة التي نشأ فيها بالرغم من أنه خرج من هذه الأسرة وكوّن لنفسه أسرة جديدة. وأدى به إدمان العمل هذا إلى إهمال أطفاله وغيابه عنهم بالأسابيع الطويلة وتهدد زواجه بشكل خطير. كل هذا لأنه لا يزال يعيش في الأسرة التي نشأ فيها ولم ينجح بعد في توديع الماضي.
البعض الآخر يتخذون موقف عنيف ضد الأسرة التي نشأوا فيها. ويقومون بالعكس تماماً وبصورة غير طبيعية أيضاً. وهذا ما حدث لأشرف الذي قضى طفولته يلعب دور البطل ويأخذ على عاتقه تحقيق أحلام الأسرة وتوقعاتها من خلال تفوقه الدراسي. وبعد بلوغه سن العشرين. تحولت حياته إلى النقيض فبدأ في شرب الخمر وتعاطي المخدرات وادمان الجنس والعلاقات السيئة. وكانت هذه هي الطريقة التي تمرد بها على دور البطل الذي فرض عليه طوال فترة طفولته ومراهقته.
السؤال المحوري بالنسبة لك هو التالي : بالنسبة لك كشخص ناضج، هل لا تزال تلعب نفس الدور الذي كنت تلعبه وأنت طفل في الأسرة التي نشأت فيها. أو هل سلوكك الحالي ما هو إلا محاولات للتمرد على هذا الدور؟
إن كل من هذين الموقفين يعد قيد.
إن الاعتراف بأن الدور الذي كان عليك أن تلعبه في الطفولة، لا يزال يؤثر عليك الآن _ إما لأنك ما زلت تمارسه أو لأنك تمردت عليه،هو بداية هامة للغاية للتغير والشفاء ولكن عليك أن تُحرر نفسك تماماً من تأثير هذا الدور.
ربما يشتمل هذا على شيء من حزن الفقد على الدور القديم الذي اعتدت عليه. فعلى سبيل المثال لو كنت قضيت كل حياتك السابقة في دور البطل المضحي، ثم اكتشفت بعد كل هذه السنين أنك لم تستطيع أن تنقذ أسرتك من أي ألم، لن يكون من السهل عليك الإعتراف بضياع كل مجهوداتك ولابد أن يصاحب التخلي عن هذا الدور شيء من الحزن وألم الفقد وهذا الألم ناتج من مواجهة حقيقة أن كل تضحياتك ونجاحاتك لم تستطع أن تقي أسرتك من آلامها وعيوبها. كما أنك يجب أن تحزن لفقد السنين التي ضاعت في هذه المحاولات والألم الذي كان عليك أن تمر فيه بوصفك البطل المضحي.
لن تتحرر من هذه الأدوار إلا بعد أن تفحصها جيداً وتحزن على فقدها وتطلق الأدوار غير المرغوب فيها من طفولتك. وبهذا تتخلص من سبب هام من الألم في حياتك الحاضرة. ذلك الألم الذي يُعدّ وقوداً للإعتمادية والسلوكيات القهرية في حياتك. وعندئذ فقط يمكنك أن تتخذ قرارات جديدة سليمة في حياتك وتسمح لنفسك باختيار أدوار جديدة أكثر مناسبة.
خطاب موجه للبيت الذي نشأت فيه:
هذه طريقة كثيراً ما نستخدمها كطريقة عملية لترك البيت وتوديع الماضي وهي كتابة خطابات لوالدينا. وعندما تكتب خطاباً لا تنوي إرساله، يمكنك أن تخرج كل مشاعرك التي كانت مدفونة بداخلك. كخراج مزمن مليء بالتقيح لفترة طويلة. وإذا كان واحد من والديك أو كليهما قد توفى، بالطبع لن يمكنك إرسال الخطاب. ولكن إن كنت تكتبه لوالد حي، يمكنك أن تختار أن تكتبه مرة أخرى بطريقة ألطف وترسله.
أكتب الخطاب معبراً عن مشاعر الحب والرقة والغضب والمرارة والإحباط والإعجاب أيضاً...كل مشاعرك، فكتابة مثل هذا الخطاب تطلق الذكريات الحبيسة والمشاعر المدفونة وهذا أمر ضروري للشفاء.
لا يقصد من كتابة مثل هذه الخطابات الإساءة للوالدين أو التقليل من شأنهم أو كرامتهم، ولا تهدف أبداً للإدانة أو الاتهام. وإنما هي وصف أمين للجروح والإساءات، وربما تحتوي أيضاً على المديح و الاعتراف بالجميل عندما يكون ذلك واجباً.
ساحة النقاش