زراعة الأسماك والنباتات معا ليس مفهوما جديداً 

1 – حالة الامن العذائي العربي :

      جميع الدول العربية تقريبا مستوردة صافية للسلع الغذائية لدعم مختلف المواد الغذائية من الأسماك والمحاصيل من اجل تلبية الطلب عليها من قبل المستهلكين:كما ان تجارة الدول العربية في مختلف السلع الغذائية هي بدرجات متفاوتة ولكن الميزان التجاري العام في السلع الغذائية هو سلبي الي حد بعيد.هذا الميزان السلبي للتجارة يشير الي وجود فجوة كبيرة بين الصادرات والواردات بحيث يحتاج الي تقليص للمساهمة في التغلب علي نقاط الضعف في الوضع العام للاقتصاديات الوطنية .

هل من الممكن ان تصبح الدول العربية مكتفية ذاتياً في انتاج الاغذية؟ اجمالا المنطقة ككل بالتـأكيد لا تفتقر الي الموارد المالية ويمكن ان تستمر في الاعتماد علي الواردات لتلبية الطلب علي الغذاء ولكن هذا ليس وضعاً مثاليا ولمعالجة هذا الخلل وفي حين ان الفوائض المتوفرة للدول المنتجة للنفط من صادرات النفط ومشتقاته هي اكثر من كافية لتلبية احتياجات البلدان المنتجة له ولكن الدول غير المنتجة للنفط سوف تستمر مشاكلها في تلبية احتياجاتها من السلع الغذائية الاساسية  .  وعلاوة علي ذلك      ان الانخفاض العالمي الحالي في اسعار النفط يفرض ضرورة تنويع الاقتصاديات الوطنية. وخاصة الدول المنتجة للنفط بحيث يصبح ذلك ضرورة وليس خياراً . 

2 – الاستغلال الافضل للموارد الطبيعية العربية : 

عموما العديد من الدول العربية لا تعتبر فقيرة في موارد مصائد الاسماك او الموارد الزراعية والتي من الممكن ان تكون اكثر انتاجية مع استخدام افضل لتلك الموارد الدول العربية عموما ليست قاصرة من وجود قوي عاملة لديها . ليس فقط في مجال مصايد الاسماك او الزراعة . كما ان هناك الملايين من رؤوس الماشية . ومعظمها في السودان . وهو مخزن طبيعي لها ولكن غير مستغلة بشكل كاف للثروة الحيوانية وكذلك الاراضي الخصبة والموارد المعدنية غير المستغلة بشكل جيد . وفي الواقع هذه الموارد الطبيعية برغم وفرتها اضافة الي النفط . هناك مستويات عالية من البطالة الواضحة والمقنعة ما يعني ان هناك ما هو اكثر مما يكفي من فرص العمل المتاحة لتلبية احتياجات معظم مشاريع التنموية . 

ومن جهة اخري فان الاستغلال الافضل للموارد الطبيعية المتوفرة ليس هو القيد الوحيد علي التوسيع في انتاج الاغذية . القيد الاول والاهم هو توافر المياه . هناك تزايد في عدد الدول العربية التي اصبحت دون المستوي من الفقر المائي . واضافة الي ذلك ادي الاستغلال المفرط للموارد المائية الجوفية الي العديد من المشاكل في بعض البلدان مما نتج عن ذلك ارتفاع مستويات الملوحة في المياه الجوفية . ان بيت القصيد هنا هو انه اذا كانت الموارد المائية لا يمكنها ان تتماشي مع احتياجات الانتاج الغذائي للشعب . فان الدول العربية سوف تستمر بالضرورة الي الاعتماد علي واردات الغذاء . وهذا يتوقف علي مواردها المالية التي بعضها اكثر قدرة علي ذلك من غيرها . 

3 – ما معني التكامل بين انتاج الاسماك والمحاصيل : 

"اكوابونكس" هي عبارة عن نظام استزراع متطور بحيث يدمج بين تربية الاحياء المائية(اسماك ومنتجات بحرية..الخ)والزراعة المائية(خضار وفاكهة ونباتات..الخ) لتوفير نظام الانتاج الغذائي المستدام ومشترك وينتج عن ذلك منتجات سمكية ومحاصيل زراعية وبأسعار معقولة . كما انه يشير الي اي نظام يجمع بين تربية الاحياء المائية التقليدية ( تربية الحيوانات المائية مثل انواع مختلفة من الاسماك والمحار والقواقع وجراد البحر او الجمبري في خزانات) مع الزراعة المائية ( زراعة مختلف المحاصيل والنباتات في الماء) في بيئة تكافلية . ان تربية الاحياء المائية العادي وافرازات من الحيوانات من الممكن ان تتراكم في احواض المياه وتتسبب في زيادة السمنة . ولكن في نظام " اكوابونكس" يتم تغذية المياه لنظام الزراعة المائية حيث يتم تقسيم المنتجات عن طريق البكتيريا المنترجة الي النترات والنتريت حيث يتم استخدامهما لتغذية المحاصيل ومن ثم يتم اعادة تدوير المياه الي دورة اخري . 

ان زراعة الاسماك والنباتات معا – ليست مفهوما جديداً . بل تم استخدامه في حقول الارز في مصر واجزاء من آسيا لعدة قرون . ويساهم في نمو المدن والي تلبية الطلب المتزايد علي ارتفاع عدد السكان . وتنويع الاقتصاد وتضييق الفجوة بالنسبة للواردات للسلع الغذائية كدفعة لتحقيق الامن الغذائي وزيادة فرص العمل ورفع مستويات الدخل لتحسين مستويات المعيشة وخاصة في المجتمعات الفقيرة ومزايا مختلفة اخري ولكن الاهم من ذلك انه من الممكن ان تساعد لتلبية المتطلبات المتزايدة علي رفع مستوي الجودة للمنتجات المحلية لاستفادة كل من التجار والمستهلكين . 

ان التكنولوجيا الحديثة لزراعة الاسماك والمحاصيل في نظم الانتاج في حلقة دائرية مغلقة تستخدم نظام اعادة تدوير تربية الاحياء المائية للمدخلات البارزة الوحيدة في هذه العمليات هي الاسماك والطاقة اللازمة للمضخات وسخانات المياه . لا يوجد  تربة وعدم وجود نفايات من المنتجات – النفايات السمكية تخصب المحاصيل بينما المحاصيل تعمل علي تنقية المياه للاسماك . 

نظام " الاكوابونكس " من الممكن ان يأتي في عدد لا يحصل من الاشكال حتي في المساحات او الحدائق الخلفية للمنازل والاسطح وكذلك حجم الاستثمارات التي من الممكن توفيرها للانفاق علي نظام يمكن ان تتنوع لتناسب حجم الانفاق الممكن علي مشروع لهذا الغرض بحيث يشمل مثلا احواض السمك . احواض الاستحمام .براميل . وحمامات السباحة القديمة . احواض المياه واحواض بلاستيكية . وحتي احواض متطورة من الصلب او الالياف الزجاجية مصممة خصيصا لهذا الغرض ان الاحتمالات لا حصر لها . ولكن مع معرفة بسيطة للمبادئ الاساسية لنظام الاستزراع المتكامل يمكن بسهولة ان يبني طالما ان الاحواض لا تسمح بتسرب المياه منها .

تكنولوجيا " اكوابونكس " تمثل مفهوما جديداً نسبيا في انتاج الاسماك والمحاصيل بشكل تكامل بحيث شهدت زيادة في الاهتمام والاستخدام علي مدي السنوات القليلة الماضية التكنولوجيا اثبتت حتي الان شعبية في استراليا واصبحت تستخدم علي نطاق واقع في امريكا واجزاء اخري من العالم وحتي الان تم انتاج عدد محدود من المنتجات بأسلوب " اكوابونكس " وذلك يعود الي حداثة هذه التكنولوجيا . 

4 – " اكوابونكس " لدعم الامن الغذائي العربي : 

هذا النظام هو وسيلة فعالة للغاية لانتاج الاسماك والمحاصيل المختلفة ومن المعتقد في هذا النظام ان النباتات تنمو اسرع مرتين باستخدام نفس مقدار المساحة وطرق زراعية اخري . وتشمل الفوائد انتاجا اثنين من المنتجات القابلة للتسويق بسعر واحد

كما اظهرت المنتجات نمواً بنسبة 5% افضل من ذلك التي تزرع مباشرة في التربة ومعدلات اعادة استخدام المياه هي قريبة من 100% ( استبدال المياه المطلوبة هي التي تتبخر فقط ) كما ينظر اليها علي انها وسيلة مستدامة عالية الانتاج في اسلوب تربية الاسماك فقط الخارج وبدون استخدام اما بأسلوب "اكوابونكس " يتم استخدام المياه الغنية كما تعتبر هذه المياه الغنية كسلعة داخل النظام بدلا من ان تكون فاقد بحيث تستخدم لزراعة المحاصيل لمرة واحدة وقد استخدمت محاصيل المواد الغذائية وتنظيف المياه . كما يتم اعادة المياه الي الاسماك لمزيد من الاستزراع السمكي وتبدأ بعد ذلك دورة اخري دائمة . 

يتطلب دعم الامن الغذائي في المنطقة زيادة في الاستثمارات في مجالات الثروة السمكية والزراعية ففي قوانين التبادل التجاري في المواد الغذائية بين الدول العربية ثمن رفع الحواجز الجمركية وذلك في حد ذاته يساعد علي إحداث نوعا من التكامل المنشود في مجال الزراعة والثروة السمكية . ولكي يكون التبادل التجاري فعال يجب ان يكون الانتاج الزراعي كافيا من حيث الكميات وتنوعها . في حدود الموارد المائية المتاحة . وهذا يتطلب الاستثمار في مشاريع مختلفة . 

ان نظام دمج تربية الاسماك بالمياه المالحة مع المحاصيل يمكن ان يؤدي الي انتاج الغذاء البديل في المناطق الساحلية وفي الاراضي القاحلة والمناطق الحضرية/والشبه حضرية . كما يمكن زراعة حوالي 50 نوعا من النباتات المقاومة للملوحة ومن الحبوب او استخدام تطبيقات لاستخراج وقود الديزل الحيوي . كما يمكن زراعة الخضروات الورقية للبيع لاغراض الطهي او الاعلاف . ان الفجوة بين المياه المالحة والمياه الشروب في نظام"اكوابونكس"من الممكن ان تنخفض باستخدام استراتيجيات محددة لتفوق معدل نمو النباتات اقل بوجود الملح . 

5 – مشاريع رائدة بنظام "اكوابونكس " في دول عربية : 

مما هو جدير بالذكر ان هناك عدة دول عربية انشأت بالفعل بعض المشاريع الرائدة في نظام "اكوابونكس " لاقت مبدئيا نجاحاً معقولاً . 

بعض الامثلة لهذه المشاريع تشمل مشروع في مصر وهو " مشروع البستان " الذي انشئ عام 2011 لتربية اسماك البلطي النيلي ومحاصيل زراعية . وتشمل اهداف المشروع الرئيسية النمو الاقتصادي . الاستفادة من الاراضي الزراعية المالحة لاستخدامها في الانتاج وتوليد الدخل وتنويع مصادر الدخل للمزارعين . وزيادة الامدادات الغذائية الطازجة . وفرص العمل للنساء . وسبل العيش والاستقرار في المجتمعات الزراعية المحلية وزيادة كفاءة استخدام مصادر المياه الجوفية . وفي دولة الامارات العربية المتحدة انشأ ما وصف بأنه اكبر مشروع لنظام "اكوابونكس " في العالم .وبدأ المشروع بحيث مخطط له ان يكون اكبر مركز لبيع المحاصيل الورقية المستخدم في اعداد السلطة لمحلات السوبر ماركت كما سيقوم بتسويق الاسماك بها وانشأ المشروع منحة في " صندق خليفة " ويجمع المشروع بين تربية الاسماك التقليدية مع نظام يستخدم مخلفاتها كسماد للاغراض الزراعية في الاحواض . وفي سلطنة عمان انشأ "مشروع الرائد لاكوابونكس"بالتعاون مع شركة " ووتر فارمرز" الكندية وهو المشروع التجاري الاول في السلطنة الذي أنشأ لهذا الغرض.و"مجموعة الرائد "هي شركة مملوكة محليا حيث يتم التركيز علي الجودة العالية للسلع والسيادة الغذائية للسلطنة . كما تنوي الشركة تطوير عملها في السلطنة علي نطاق واسع بالتعاون مع " شركة الرائد للاعمال التجارية " والمشروع الاساسي انشأ في موقع "منومة" وهو الآن في المرحلة الثالثة في التوسع كما تتوقع بدأ الانتاج بكميات تجارية من الفاكهة والخضار والمحاصيل الورقية بالنظام المتكامل مع تربية اسماك البلطي النيلي . 

كما ان هناك عدة مشاريع جاري انشاؤها في المملكة العربية السعودية والمغرب ودول عربية اخري وهي قيد التجارب .كما انه يوجد في معهد الكويت للابحاث العلمية مشروع تجريبي صغير حيث يمثل فرصة مثالية لاختيار التكنولوجيا لاستخدامها علي نطاق اوسع في مناطق مختلفة من انحاء البلاد . 

6 – الفرص المتاحة للتنمية بنظام "اكوابونكس" : 

هناك حاليا دراسات لايجاد سبل جديدة لتلبية احتياجات السكان المتزايدة للمواد الغذائية والدول العربية ليست استثناء. ووفقاً لمنظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة انه بحلول عام 2050 سيصبح عدد سكان العالم 9 بلايين نسمة علي كوكب الارض وسوف يتطلب ذلك اكثر من 50% من الانتاج الغذائي مما هو متحقق اليوم وهناك ندرة في الاراضي الخصبة الصالحة للزراعة وعدم وجود موارد محتملة للمياه العذبة للري والتملح التدريجي لطبقات المياه الجوفية مما يزيد في التحديات الكبيرة علي كيفية انتاج اكثر – بطريقة مستدامة وبموارد اقل . 

يتم حاليا انتاج عدة انواع من الاسماك في المزارع التي تستخدم نظام "اكوابونكس"   والبلطي هو الاكثر شعبية بسبب التحمل العالية لنوعية المياه ونمو سريع لتسويق اسماك القاروس الاسيوي تمت عليه عدة دراسات لاستزراعه بنظام "اكوابونكس" ومن المتوقع ان يجد هذا النوع من اسماك القاروس اقبالاً جيداً في الدول العربية فهي سمكة سريعة النمو والتي يمكن زراعتها في كثافات عالية مما يجعلها مثالية للتكنولوجيا الدائرية وبالنسبة للمحاصيل الاخري من الممكن زراعة الخس والخيار والطماطم والاعشاب والنباتات ومحاصيل اخري حسب الحاجة والطلب عليها وكذلك انواع اخري من الاسماك . 

هناك العديــد مـن الدراسـات وثـروة مـن المؤلفــات حــول هـذا الموضوع وكذلك علي المواقع علي شبكة الانترنت منها علي سبيل المثال : www.backyardaquaponics .com.

وغيرها من المواقع التي تحتوي علي كتيبات واقراص الفيديو الرقمية والاقراص المدمجة . كما ان هناك العديد من المعلومات عن جميع جوانب النظام وعن الشركات المتخصصة بهذا المجال وكذلك معلومات عن افراد ومستشارين وخبراء.كما ان هناك معلومات لمن يرغب في اقامة مشاريع خاصة به مثل " الصناعات المنزلية " فهناك حزم مكتاملة للحصول علي مزيد من المعلومات التفصيلية الواردة في وسيلة سهلة للمهتمين لفهم وبناء النظم الخاصة لزراعة الاسماك والمحاصيل الخاصة هناك كذلك بعض الشركات الاستشارية المخصصة التي تقدم دورات تدريبية وكذلك دراسات الجدوي والادارة لهذا الموضوع ولاستثمارات كبيرة في هذا المجال . 

ملاحظة : هذه المقالة ترجمة لمقالة نشرت باللغة الانجليزية في مجلة " الزراعة في العالم العربي " رقم 1 المجلد 32 . يناير 2016 . 


المصدر: الاتحاد التعاونى للثروة المائية - جريدة الصياد- العدد 78 فبراير - مارس 2016
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

476,764