كان من أثر التقدم الحضاري الذي حققه الانسان تلك الظواهر ذات الخطر والتي تهدد أمنه وسلامته وقد يكون تلوث البيئة في صورتيه : المائية والجوية الظاهرة الاولي التي تشغل باله ويهتم بها الاهتمام كله فهو دائب السعي لداء هذا الخطر الذي يشير العلماء المتخصصون  إلي فداحة اثاره علي الانسان صحة ومقاما .
    وتسيرالجهود المبذولة في هذا الصدد في اتجاهين اساسيين :
الاولي : ما يرتبط بالجانب العلمي للمسكلة تحديدا لكنها واثارها ثم بحثا عن افضل الاساليب لمحو اثارها الضارة علي الكائنات الحية او بالاحري تقليلا لتلك الاثار الضارة والعلماء في تلك السبيل يقدمون ما يعين الانسان علي بلوغ هدفه باستخدام تجهيزات تيسر عليه الأمر .
الثاني : ما يعالج المشكلة من جانبها التنظيمي بمعني التشريعات والنظم علي المستوي الدولي أو المحلي لتحديد الضوابط والاجراءات الواجب اتباعها بما يحقق للانسان أمنه وراحته ويجنب الطبيعة الاثار الضارة للتلوث .
    والتشريعات البيئية أخذ عناصر ثلاث تكون بتلاحمها منظومة الحفاظ علي البيئة والبعد بها عما يصيبها من اضرار قد يستحيل محو اثارها ذلك ما استقرت عليه المجتمعات المتقدمة في تناولها للقضايا البيئية تلك المكونات الثلاث هي الجانب العلمي والجانب الاجتماعي والجانب التشريعي .
    ولا اتحيز ان قلت ان الجانب التشريعي يمثل عنصرا نظامي هذه المنظومة فهو الذي يحيل نتائج البحوث العلمية وتوصياتها وكذا نظرياتها الاجتماعية الي اسلوب ملزم يلتزم به الكافة رضا أو كراهية بما يحقق بالفعل تحويل القول إلي سلوك ملزم .
    وقد عمدت الكثير من الدول الي فرض العقوبات المادية منذ الخمسينيات من هذا القرن كوسيلة للحد من انبعاث الملوثات وللسيطرة علي مسببات تدهور البيئة الا انه بمرور الزمن وزيادة معدلات التضخم فان الغرامات المفروضة اصبحت لا تمثل رادعا كافيا للحد من انتشار الملوثات ولقد كانت للتشريعات البيئية الصادرة في السنوات الاخيرة بغية مكافحة التلوث الصناعي اثار عديدة علي الصناعة فالمعايير التي تحكم اطلاق الملوثات في البيئة تفرض قيوداً جديدة علي عمليات التصنيع وتتجه الصناعة تدريجيا الي تخصيص جزءا يسيرا من مواردها المالية لمواجهة التحديات التي تواجهها البيئة والعمل علي حلها وذلك بتغيير في طرق التشغيل وادخال التكنولوجيا النظيفة في عمليات الانتاج وتدرك الحكومات أهمية تشجيع هذا الاتجاه فقد اتخذت اجراءات محدودة لمساعدة الصناعة علي ادخال التكنولوجيا قليلة الفاقد وتقديم التسهيلات المادية اللازمة للوفاء بالمعايير المقيدة لانبعاث الملوثات .
    ومن المهم الاشارة إلي أن للمشاكل البيئية نهجا وحلولا فريدة وتستلزم المعايير المقيدة دراسة واسعة بالخصائص البيئية والامكانات الفنية والبشرية والمالية لكل دولة علي حدة او حتي للمناطق المتنوعة في داخل دولة واحدة حتي يمكن سن التشريعات القابلة للتنفيذ والتخلي عن انماط التشريعات الموحدة التي طبقت في الماضي والتي لا تفي بمتطلبات حماية البيئة حاليا .
    وتستهدف التشريعات وضع معاييرعملية للسيطرة علي التلوث وايقاف المخاطر البيئية هذه المعايير قد تكون مباشرة بحيث تنص علي الحدود القصوي لاطلاق الملوثات أو غير مباشرة عن طريق تطبيق الاجراءات الرادعة او تحديد نوعيات الانتاج وفرض الضرائب لتشجيع استعادة الموارد المهدرة الا انه يتعين عند اعداد المعايير مراعاة خصائص البيئة المستقبلة للملوثات وقدرتها الذاتية علي الاستيعاب وتكاليف معالجة التلوث وتأثيرها علي اسعار المنتجات ومن الملاحظ أن تشريعات مكافحة التلوث المعمول بها حاليا في حالات كثيرة لا تمنح الهيئات التنفيذية السلطة اللازمة لمكافحة مصادر التلوث كما انها لا تحدد الجزاءات الفعالة لمعاقبة المخالفين ومن جهة  أخري لا يجري في معظم الاحوال الالتزام علي نحو ملائم بالاجراءات الواجب اتباعها عند اصدار التراخيص المتعلقة بتصريف الملوثات .
اولا التشريعات والاتفاقيات البيئية في بعض الدول :
    التشريعات الخاصة بحماية البيئة ليست امراً مستحدثا فقد كان هناك بعض الاجراءات المحدودة التي اتخذت في هذا الشأن خلال القرن الثامن عشر مثل بعض الاوامر التي كان يصدرها حكام بعض المقاطعات التي تحرم القاء القاذورا في الانهار أو تحرم صيد أنواع معينة من الطيور النافعة للانسان .
    وقد ازداد اهتمام الانسان بتلوث البيئة عندما شعر بزيادة هذا التلوث مع الزيادة في التقدم الصناعي والتكنولوجي وبدأ كثيرا من الدول تعيد النظر في تشريعاتها وقوانينها الخاصة بهذا الشأن وأهتم كثيرا منها باصدار تشريعات جديدة تتعلق بحماية مصادر المياه وحماية البيئة البحرية والبيئة الزراعية ومنع تلوث الهواء وهي قوانين يمكن جمعها معا تحت اسم قوانين البيئة .
    ويمكن تقسيم قوانين البيئة بصفة عامة الي قسمين رئيسين يتضمن القسم الأول التشريعات التي تحمي الماء والهواء والتربة من التلوث وكذلك القوانين الخاصة بالمحافظة علي الثروة النباتية والحيوانية والقوانين الخاصة بتنظيم طرق تداول المخلفات وطرق التخلص منها اما القسم الثاني من هذه القوانين فيشتمل علي التشريعات الخاصة بالصحة العامة والمتعلقة بتنظيم استخدام الموارد الطبيعية في الدولة واسلم الطرق للمحافظة عليها.
    ولم يقتصر امر المحافظة علي البيئة علي التشريعات والقوانين التي تصدرها الحكومات ولكنه تعدي ذلك الي كثير من الافراد العاديين الذين شعروا بخطورة هذا التلوث علي جميع عناصر البيئة المحيطة بهم فتكونت جمعيات اهلية في كثير من الدول تنادي بضرورة حماية البيئة والمحافظة عليها من التلوث وتقاوم في اصرار كل ما يتسبب في الاضرار بأي عنصر من عناصر هذه البيئة حتي لو كان المتسبب في حدوث هذا الضرر هو حكومة الدولة نفسها .
    وقد صدر في كثير من دول العالم العربي تشريعات تستهدف حماية كثير من عناصر البيئة من التلوث ومن أمثلة ذلك التعليمات التي أصدرتها وزارة الزراعة في جمهورية مصر العربية عام 1928 والتي تحرم صيد بعض الطيور النافقة للانسان مثل طائر أبي قردان الذي يساعد الفلاح علي القضاء علي بعض الآفات الزراعية وأيضا بعض التعليمات الأخري الخاصة بجمع القمامة وطرق التخلص منها في المدن والذي صدر عام 1898 .
    كذلك صدرت في جمهورية مصر العربية قوانين أخري خاصة بحماية مصادر المياه من التلوث وقد تم تعديل هذه القوانين عدة مرات وكان اخر هذه التعديلات القانونية رقم 94 لسنة 1994 الذي اشتمل علي القوانين الخاصة بصرف المخلفات السائله وتم تقسيم المجاري المائية في هذا القانون إلي ثلاثة اقسام هي نهر النيل وفروعه ومصارف الاراضي الزراعية البحيرات والبحار
    وقد احتوي هذا القانون علي معايير خاصة يجب مراعاتها بالنسبة للمخلفات الصناعية جددت فيها نسبة الاكسجين الحيوي ونسبة الاكسجين الممتص ونسبة المواد العالقة والرقم الهيدورجيني ونسبة الكبرتيدات وما قد يوجد في هذه المخلفات من زيوت وشحوم كما نص القانون علي الا تزيد درجة حرارة المخلفات السائلة علي 35 درجة مئوية لمنع التلوث الحراري للمجاري المائية .
    وقد حرم هذا القانون تحريما مطلقا القاء مياه المجاري مياه الصرف الصحي في نهر النيل أو في احد فروعه .
    وهناك تشريعات مماثلة لحماية البيئة في كثير من الدول الصناعية خاصة التي تركزت تشريعاتها في حماية البيئة من المخلفات الصناعية متعددة الانواع والتي يتصف بعضها بخطورته الشديدة علي الصحة العامة وعلي جميع العناصر البيئيه .
    وقد ادي بعض هذه التشريعات والقوانين الي حدوث بعض الخلاف بين حكومات هذه الدول وبعض الشركات الصناعية التي تعمل فيها وكان بعض هذه الشركات يري في هذه القوانين قيودا عليها وعبئا علي انتاجها ومن أمثلة هذه التشريعات الذي اصدره الكونجرس الامريكي تحت اسم قانون سياسة البيئة الامريكي عام 1969 وقد اعطي هذا القانون السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة حق دراسة الاثار التي قد تترتب علي اقامة اي مشروع صناعي قبل منح الترخيص باقامته كما منح المحاكم سلطة ايقاف العمل بالمشروعات التي قد ينتج من مزاولتها لانشطتها تلوث البيئة باي شكل من الاشكال . 
    كذلك اصدرت اليابان قانونا اخر يلزم كل المؤسسات الصناعية باتخاذ كل الاحتياطيات اللازمة لمنع تلوث البيئة المحيطة بها اما بمنع صدور اي مخلفات ضارة عنها واما بمعالجة هذه المخلفات جيداً قبل صرفها .
    وينص القانون الياباني الصادر عام 1970 والذي تم تعديله عام 1972 علي الاجراءات الواجب اتباعها لمنع تلوث مصادر المياه وتم فيه حصر اربعة وسبعين نوعا من المخلفات الصناعية التي قد تؤدي الي تلوث المياه كما حدد معايير خاصة لكل نوع من انواع الصناعية .
    كذلك صدر في بولندا أول قانون لحماية مصادر المياه عام 1922 ثم اعيدت صياغة هذا القانون بعد ذلك عدة مرات .
    وقد اصدر كثيراً من الدول الاخري قوانين مماثلة للمحافظة علي مصادر المياه واهتمت كل منها بان تعطي قوانينها اهم الصناعات القائمة بها فنجد ان الاتحاد السوفيتي سابقا اصدر قانوناً من هذا النوع عام 1937 ثم اعيدت صياغته مرة عام 1957 ثم مرة اخري عام 1960 وتضمن وضع معايير خاصة لنحو سبعين مادة من مخلفات الصناعة السائلة وحدد الاجراءات الواجب اتباعها قبل القاء هذه المخلفات في المجاري المائية في الوقت الذي نجد فيها ا تشيكوسلوفاكيا قد حظرت صرف نحو ثلاثين مادة فقط في المجاري المائية قبل معالجتها .
    كذلك نجد ان بلجيكا اصدرت عام 1967 وكذلك عام 1969 تشريعات خاصة تحدد فيها مواصفات المخلفات الناتجة من مصانع الالبان والاغذية المحفوظة باعتبار ان هذه اكثر الصناعات انتشارا فيها .
    وقد اهتم كثير من الدول بحماية البيئة البحرية المحيطة بها فنجد ان كندا قد اصدرت عام 1971 تشريعا ينظم صرف مخلفات بعض المصانع مثل مصانع الورق ومعامل تكرير البترول ويحدد طرق معالجة هذه المخلفات قبل القائها في المياه الاقليمية كذلك اصدرت الولايات المتحدة قانونا مشابها عام 1972 باسم قانون حماية البيئة البحرية وقانونا اخر باسم قانون ادارة المناطق الساحلية .
    وقد اهتمت الامم المتحدة ايضا بحماية البيئة البحرية وخصصت لذلك مجموعة من خبرائها الدوليين وأوكلت اليهم دراسة كل ما يتعلق بتلوث هذه البيئة وطرق حمايتها من التلوث .
    وتنص اغلب القوانين الخاصة بحماية البيئة البحرية علي عدة نقاط هامة تجب مراعاتها عند صرف المخلفات فيها منها : التيارات البحرية السائدة وسرعتها واتجاهاتها وعمق المياه ودرجة حرارتها وحركة الامواج علي ان يؤخذ في الاعتبار كمية المخلفات المراد التخلص منها وخواصها الكيميائية والبكتيريولوجية ودرجة تركيز هذه المخلفات ودرجة سميتها وقابليتها للذوبان في الماء وكذلك التفاعلات التي قد تنشأ بينها وبين مياه البحر .
        كذلك لقيت مشكلة تلوث الهواء اهتماما كبيرا من كثير من الدول وخصوصا في الاعوام الاخيرة بعد ان اصبح هذا التلوث ملحوظا في كل مكان ولذلك نجد ان كثير من الدول قد اصدرت تشريعات خاصة للحد من هذه المشكلة ومن أمثلة ذلك صدور قانون خاص بتلوث الهواء في الولايات المتحدة عام 1955 وتم تعديله بعد ذلك مرتين في عام 1959 ثم في عام 1962 كما صدر بها قانون اخر عام 1960 خاص بالغازات الناتجة في عادم السيارات .

                                                          أ . د . احمد برانية

المصدر: الاتحاد التعاونى للثروة المائية - جريدة الصياد - العدد 69 يوليو - أغسطس 2014
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

426,455