أكدت الدراسة المهمة التي أجرها الدكتور أحمد برانيه استاذ اقتصاد لتنمية الموارد السمكية بمعهد التخطيط القومي ومستشار الاتحاد حول الهدر البيئي في بحيرة المنزلة الأسباب – الاثار – التكلفة – المعالجة أن الوظائف والخدمات البيئية التي توفرها بحيرة المنزلة تنحصر في أنها مصدر مهم لانتاج الأسماك ومساهمتها في تنمية مياه الصرف التي تصب فيها وحماية أراضي الدلتا الزراعية وغيرها من تأثيرات المياه الجوفية والمياه البحرية فضلاً عن تقليل المخاطر الناتجة عن حدوث الفيضانات الساحلية ناهيك عن تحسين المناخ في المدن والمجتمعات الساحلية وموائل حيوية للتنوع البيولوجي في البحر المتوسط .
أكدت الدراسة انخفاض مساحة البحيرة من 700 ألف فدان في الثلاثينيات من القرن الماضي إلي حوالي 130 ألف فدان في الوقت الحاضر .
أولا : توصيف بحيرة المنزله :
عـــام :
تقع بحيرة المنزله في الركن الشمالي الشرقي من دلتا النيل وتعتبر من أكبر البحيرات الساحليه . وتأخذ البحيرة شكل مستطيل تقريباً . وهي بحيرة ضحله العمق يتراوح عمقها ما بين 0.7 – 1.5 م . وحتي وقت قريب وقبل التوسع في تجفيف مساحات كبيرة من سطح البحيرة كانت البحيرة تطل علي خمسة محافظات هي بور سعيد ودمياط من الشمال ومحافظتي الشرقية والدقهلية من الجنوب ، الا ان البحيرة قد خرجت من نطاق محافظتي الشرقيه والاسماعيلية بعد عمليات التجفيف التي تمت .
مصادر تغذية البحيره بالمياه :
1 - المياه المالحه :
- يتم تبادل المياه بين البحر المتوسط والبحيره في حالات المد والجزر من خلال ثلاثة بواغيز هي ( اشتوم الجميل القديم – اشتوم الجميل الجديد – البغدادي ) الا ان هذه البواغيز تتعرض للاطماء بل الغلق أحيانا خاصة بوغازي اشتوم الجميل الجديد والقديم.
- قناة الاتصال عند كوبري الرسوه ببور سعيد والتي تصل بين قناة السويس وأقصي شرق البحيره .
- عدد 4 فتحات ثانويه تصل الجزء الشمالي من البحيره (والمعروفة بالمثلث ) علي طريق دمياط بور سعيد الذي تم انشاؤه منذ عدة سنوات .
2 - المياه الشروب ( مياه منخفضة الملوحه ) ومياه الصرف الصحي والصناعي :
– عن طريق فتحات مصارف رئيسيه هي بحر البقر – مصرف السرو – مصرف فارسكور، حادوس – مصرف المطريه وجميعها تصب في جنوب البحيره – قناة الرطمه والصفاره والتي تمتد من مصب فرع النيل في دمياط الي اقصي الشمال الغربي للبحيرة.
ويعتبر مصرف بحر البقر من أطول المصارف ، حيث يقدر طوله بحوالي 190كم ويمتد من القاهرة مروراً بمحافظات القليوبيه والشرقيه والاسماعيليه حيث يستقبل الصرف الصحي للعديد من المدن والتجمعات السكنيه في تلك المحافظات بالاضافة الي الصرف الصناعي للعديد من المنشآت الصناعيه . وبالنسبه للمصارف الأخري فإن الوضع لا يختلف كثيراً عن مصرف بحر البقر والجدول رقم ( 1 ) يوضح متوسط مياه الصرف الزراعي والصناعي التي يتم صرفها يوميا لأهم المصارف التي تصب في البحيره .
تطور مساحة البحيره :
انخفضت مساحة البحيره من 700ألف فدان في الثلاثنيات من القرن الماضي الي حوالي 130ألف فدان في الوقت الحاضر ، أي أن البحيره فقدت أكثر من 80% من مساحتها الأصليه خلال العقود الماضيه ، وذلك نتيجة عمليات التجفيف وانشاء الطرق والتوسع الزراعي والعمراني . كما أن حفر ترعة السلام واقامة الطريق الدولي الساحلي عبر بحيرة المنزله كان احد الاسباب الرئيسيه في تقلص مساحة البحيره وتقسيمها علاوة علي عمليات استصلاح الأراضي للأغراض الزراعيه .
وقد ادت هذه الأنشطه إلي تقسيم البحيرة إلي عدة اجزاء منفصله هي :
1 - منطقة المثلث
وهو الجزء الشمالي والذي تم فصله عن الجسم الاصلي للبحيره بعد انشاء طريق بور سعيد – دمياط علي ساحل البحر من الشمال ، وطريق دمياط – شطا – بور سعيد جنوباً ، وطريق دمياط – عزبة البرج بطول 15 كم من الناحيه الغربيه .
ويقع هذا الجزء في نطاق محافظة دمياط . وتتصل منطقة المثلث بالبحيره الأم من خلال عدة فتحات علي طريق دمياط – بورسعيد ، وتقدر مساحة هذا الجزء بحوالي 33 ألف فدان معظمها مزارع سمكية تقدر مساحتها بحوالي 15 ألف فدان ينتج الأسماك البحريه والقشريات .
2 - منطقة قعر البحر
وهذه منطقة شبه معزوله تقدر مساحتها بحوالي 2000 فدان وتقع في حدود محافظة بور سعيد ، ويتم تغذيتها بالمياه من قناة السويس من خلال قناة القابوطي ، وكذلك من عدة فتحات علي الطريق الدائري لبور سعيد .
3 - منطقة بوز البلاط
وتقع بالكامل في نطاق محافظة بورسعيد ، ويتم تغذيته بالمياه البحريه من خلال فتحتي بوغازي الجميل القديم والجديد .
4 - منطقة البحيرة الأم
وهو ما تبقي من جسم البحيره الأصلي بعد الاستقطاعات السابقه ، وتقدر مساحتها حاليا بحوالي 75 ألف فدان ، وتقع في نطاق ثلاث محافظات كما ذكرنا هي بورسعيد – دمياط – الدقهليه . ويوجد بها العديد من الجزر والتي تعوق سريان المياه من الشمال الي الجنوب علي الرغم من حفر مجاري مائيه بين الجزر لمواجهة هذه المشكله ، حيث يقدر عدد الجزر بحوالي 1000جزيره تتفاوت مساحتها ، كما أن بعضها مأهول بالسكان .
ثانيا : الوظائف والخدمات البيئيه التي توفرها بحيرة المنزله
توفر بحيرة المنزله مع غيرها من البحيرات الشماليه الأخري العديد من الخدمات والوظائف البيئيه سواء لمصر أو لدول حوض البحر المتوسط والتي تتضمن :
1 - مصدراً مهما لانتاج الأسماك
تعتبر البحيرات الشماليه مصدراً مهما للانتاج السمكي في مصر ففي عام2012 قدر اجمالي الانتاج السمكي بحوالي 128.4 ألف طن ، يمثل حوالي 9.4 % من اجمالي الانتاج القومي وتعتبر اسماك البحيرات من الاصناف الرخيصه نسبيا ، وهو ما يعني توفير عذاء بروتين حيواني تناسب لاصحاب الدخول المحدوده .
وبالنسبه لبحيرة المنزله ، فقد كانت أهم مصدر لإنتاج الأسماك في مصر خلال عام 1985 ، حيث كانت توفر حوالي 27% من اجمالي الانتاج القومي ، الا ان مساهمة البحيرة قد اتجهت الي الانخفاض في السنوات الأخيره حيق اصبحت تساهم بنسبة 4.5% من اجمالي الانتاج الكلي عام 2012 ، وذلك لاسباب مختلفه سنتاولها في الاجزاء التاليه .
2 - المساهمه في تنقية مياه الصرف التي تصب فيها
تعتبر بحيرة المنزله مثل بقية البحيرات الشماليه حوض اكسدة طبيعي لمعالجة مياه الصرف القادمه من المدن والمناطق الزراعيه والصناعيه ، فالمياه الداخله الي البحيرات غالبا ما تكون ملوثه بالمواد العضويه والمواد الكيماويه والصناعيه والمخلفات الآدميه . والعمليـات البيولوجيـه والطبيعيــه التي تقوم بهـا البحيرات تتعامـل مع مياه الصرف الزراعي للتخلص من هذه المواد الضاره ، ومع مرور الوقت فان المياه التي تصب في البحر المتوسط يمكن ان تتوفر لها بصفه عامه مستويات مقبوله من الجوده .
ومع ذلك فإن قيام البحيرات بهذه الوظيفه يتوقف بشكل اساسي علي طاقه الحمل لهذه البحيرات او بمعني آخر قدرة البحيرات علي التعامل مع الاحمال المتزايده من هذه المخلفات ، والتي تنعكس في التكلفه البديله لهذه الوظيفه والتي تتمثل في الفاقد من الأسماك ، وصحة الانسان ونوعية البيئه .
3 - حماية اراضي الدلتا الزراعيه وغيرها من المنشآت من تأثيرات المياه الجوفيه والمياه البحريه
تلعب البحيرات الشماليه دوراً هاماً في منع تسرب المياه البحريه المالحه إلي الأراضي الزراعيه والمياه الجوفيه ، حيث تعتبر عازلا طبيعيا يحافظ علي ملوحة الأراضي الزراعيه في منطقة الدلتا وكذلك المياه الجوفيه في حدها الادني . وأنه بدون البحيرات الشماليه فإن تسرب المياه البحريه المالحه الي المياه الجوفيه سوف يسبب مشكلة خطيره .
4 - تقليل المخاطر الناتجه عن حدوث الفيضانات الساحليه
تلعب البحيرات الشماليه خاصة بحيرتي المنزله ومريوط دوراً كبيراً في حماية المدن الساحليه خاصة الاسكندريه ودمياط وبور سعيد من الفيضانات والغمر نتيجة العواصف البحريه ، حيث تتسرب المياه التي تسببها هذه العواصف الي البحيرات بدلا من شوارع المدن ، وهي بذلك تعمل علي حماية الممتلكات من التدمير وتعطيل الاعمال والتي تكون تكلفتها مرتفعه للغايه .
والمثال الواضح علي الدور الذي تقوم به البحيرات في هذا المجال ، هو ما قامت به بجيرة مريوط لامتصاص مياه الفيضان البحرية الذي حدث عام 1992 ، ولولاها لكانت هذه الفيضانات اكبر تدميراً وتأثيراً ، حيث قامت البحيرة باستقبال كميات كبيرة من المياه والتي كان يمكن أن تغمر شوارع مدينة الإسكندرية ومنازلها . ولهذا فإن فقد البحيرة يمثل تهديداً للحياة في المدينة .
بالإضافة إلي ذلك ، فإن التغيرات المناخيه المتوقعة قد تؤدي إلي حدوث عواصف ساحليه متكررة وشديدة مع ارتفاع مستوي سطح البحر . وعليه فإن البحيرات الشمالية من المتوقع أن تلعب دوراً هاماً في تخفيف اثر هذه التغيرات المناخيه المتوقعة من خلال قيامها بامتصاص جزء من مياه الفيضانات البحرية .
5 - تحسين المناخ في المدن والمجتمعات الساحلية
تعمــل البحــيرات الشماليــة علــي تحســين المناخ المحلي في المناطق الساحلية. وبسبب وجود البحيرات فإن مدينة الإسكندرية وبور سعيد علي سبيل المثال تكون درجة حرارة الجو فيها أقل عن غيرها من المدن الداخليه . كما أن مدينة الإسكندرية لا تتعرض للعواصف الرملية بسبب وجود بحيرة مريوط .
6 - موائل حيوية للتنوع البيولوجي في البحر المتوسط
تمثل البحيرات الشمالية قيمة عالية للتنوع البيولوجي في منطقة البحرالمتوسط، وأوربا والشرق الأوسط . فبسبب كونها تمثل 25% من مساحة الأراضي الرطبة داخل حوض البحر المتوسط ، فإنها تحتضن موائل بحرية نادرة مثل مستنقعات الحشائش ، الملاحات ، المسطحات الرملية ، المياه المفتوحة ، والجزر . وكلها نظم بيئية مختلفة ومتنوعة ، بالإضافة إلي العديد من الأنواع المهاجرة ، وتلك الأنواع المعرضة للخطر ، وكذلك الأنواع المقيمة . وجميع هذه المكونات تعتمد علي مدي صحة البيئة في هذه الأراضي الرطبة .
أ . د . احمد برانية