التنمية المستدامة للمصايد البحرية في إطار الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية العربية

تآكل الشواطيء وسوء استخدام الأراضي وتلوث المياه أخطر مشاكل المسطحات المائية العربية

نواصل عرض الدراسة المهمة التي اجراها الدكتور احمد برانية استاذ اقتصاديات تنمية الموارد السمكية بمعهد التخطيط القومي ومستشار الاتحاد .
ونستعرض في هذا الجزء من الدراسة اثار التلوث بالزيت علي الموارد السمكية وكذلك اثر التنمية السياحية علي تلك الموارد وايضا مراحل تطبيق الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية وكذا تحديد المشاكل والقضايا التي تواجه المناطق الساحلية .
اولا :     أثار التلوث بالزيت علي الموارد السمكية :
    تعتبر صناعة تنقيب وانتاج النفط مصدرا رئيسيا للثروة في معظم الدول العربية خاصة في منطقة الخليج العربي ومنطقة البحر الأحمرعلي ضوء معدلات الانتاج في خليج السويس والذي يعد علي قدر بالغ من الأهمية بالنسبة للاقتصاد المصري  .
    وتعتبر المسوحات الجيولوجية والحفر وعمليات الانتاج وشحن ونقل النفط وانتاج المنتجات النفطية الأخري والتقنيات الموظفة في ذلك ذات تأثيرات علي البيئة الساحلية في هذه الدول . ولما كان حوالي 60% من النفط الخام في العالم يتم نقله بالبحر ، فهناك احتمالات ولو قليلة لحدوث تسرب بسبب أو لآخر ، كما أن تصريف مياه التوازي في السفن والتي قد تكون ملوثه بالزيت في أغلب الأحوال يعتبر احد مصادر تلوث المياه البحريه ، وبصفه عامه تشير التقديرات إلي أن 61% من اجمالي حجم التلوث البحري بالزيت ينتج عن مصادر في البحر.
    وبسبب تلوث المياه بخام الزيت الثقيل ومستحلبات الزيت في الماء اثارا بيئية ضاره علي الموارد السمكية ، حيث يترتب علي الطبيعية المتماسكة لهذه المواد امكانية التحرك لمسافات بعيدة ، الامر الذي يزيد من احتمال تلوث الاحياء البحرية والتسبب في موت بعضها عن طريق اعاقة الوظائف الطبيعية كالتنفس والتغذية والحركة ، وربما تحدث اضراراً واسعة النطاق من تسرب محدود الحجم للزيت المتماسك وأكثر أنواع الحيوانات والنباتات عرضه للخطر هي الثدييات البحرية والزواحف والطيور التي تتغذي بالغوص في المياه أو التي تطفو علي السطح ، وكافة النباتات والأنواع الحيه التي تعيش في البحر أو علي امتداد الخط الساحلي .
    وتعتبر المكونات الخفيفة للزيت اكثر سميه واكثر قابلية للذوبان في الماء ، ولهذا فإن حدوث تركيزات قاتله للمكونات السامه يؤدي إلي حالات موت علي نطاق واسع للحياه البحرية خاصة في المناطق الساحلية الضحله ، وتسبب التركيزات الاقل خطورة اعاقة مقدرره الأنواع الحيه علي التوالد والنمو والتغذية وممارسة الوظائف البيولوجية الأخري .
    اما بالنسبة للشعاب المرجانية فإن التلوث بالزيت يؤدي إلي أنخفاض معدلات النمو والتكاثر وفقد القدره علي تكوين المستعمرات ويؤثر سلبيا علي التغذية والافرازات ويسبب تورم وتهتك الانسجه .
    ويكون تأثير التلوث بالزيت أكثر وضوحا علي الشواطيء حيث يتراكم بشكل طبيعي ، ويتوقف حجم الضرر علي مستوي بقاء الزيت في الخط الساحلي ومدي حساسية المواطن الاحيائية . ونظرا لأن الخط الساحلي عرضه لتذبذب مستويات المياه بسبب المد والجزر والضغط الجوي فمن الممكن وصول الزيت مباشرة إلي الأحياء المائية ، وبالتالي تحدث نسب موت عاليه بعض الحالات .
    كما يؤثر الزيت تأثيرا ضارا علي نباتات الشوري ، حيث يؤدي إلي اختناق النباتات وموتها ثم تعفنها بصورة سريعة الامر الذي يسبب ضرراً بالغاً بالمواطن الحيائيع وبالتالي الأحياء البحرية التي تعيش فيه ، كما يؤدي إلي تعرية الشاطيء في بعض الحالات .
    وكل هذه العوامل تؤدي إلي تلوث الأطعمه البحرية وتترك اثاراً ضارة علي صحة الأنسان .
    إن معالجة القضايا البيئية عن أنشطة انتاج النفط وتكريره ونقله تطرح العديد من التساؤلات :
    1  -    ماهي السياسات الواجب تيئيها بهدف تقليل التأثيرات البيئيه لعمليات التنقيب والانتاج ؟
    2  -    ما هي اكثر السبل ملاءمة لتنفيذ تلك السياسات ؟
    3  -    هل مقاييس مستويات الانبعاثات تعتبر واقعية ومن يقرر ذلك ؟
    4  -    كيف يمكن تنفيذ الحلول الاكثر جدوي اقتصادية ؟
    وكل هذه الاسئلة يتم الاجابة عليها من خلال تحقيق التكامل القطاعي في تخطيط وإدارة المناطق الساحلية العربية .
ثانيا :    أثر التنمية السياحية علي الموارد السمكية :
    تلعب الطبيعة دورا حيويا في جذب السياح إلي مواقع بعينها في مناطق مختلفة من العالم العربي ، وفي السنوات الأخيرة تعرضت الموارد الطبيعية للسياحة إلي الاستغلال الجائر ، اذا اصبحت السياحة التي تقوم علي الطبيعة ، والتي يطلق عليها عادة بالسياحة الايكولوجية ، من أكثر أنواع السياحة نموا في العالم ، ومع ذلك فإنه يتعذر تحقيق نمو في السياحة الايكولوجية بدون استمرارية الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها .
    لقد تطورت السياحة الايكولوجية بمعدلات سريعة علي سواحل العديد من الدول العربية خاصة علي سواحل البحر الأحمر وخليج العقبة والبحر المتوسط ، واعتمد نمو هذه الأنشطة علي الحياه البحرية والمناخ المعتدل في الماء مثل السياحة والغوص والرياضيات المائية الأخري .
    وللأسف فإن تلك التنمية السياحية تمت بشكل مكثف وعشوائي منذ عدة سنوات وبدون لوائح تحكم مسارها عند بدايتها . وقد ادي ذلك إلي تدهور بيئي واضح يمثل مخاطر علي الموارد الطبيعية التي تعتمد علي السياحة نذكر منها ما يلي : -
1  -    التغيرات في الخط الساحلي : بسبب اعمال الردم وجرف المناطق الضحله وحفر البحيرات الصناعية وتشييد المنشأت البحرية ، وقد أدي ذلك إلي تعديل مورفولوجيا الخط الساحلي في العديد من الدول ، فعلي سبيل المثال اجريت عمليات تغيير واسعه علي الخط الساحلي وبمعدلات غير مقبولة في منطقة الغردقة وغيرها علي ساحل البحر الأحمر المصري وتحور الشكل الأصلي للساحل بالردم والتغييرات الأخري .  كمـا تشـير المعلومات أن ما لا يقل عن 30% من الخط الساحلي الطبيعي في العقبة  بالاردن قد تغيرت معالمه نتيجة عمليات التشييد . وقد تأثرت المواطن الاحيائية للشعاب المرجانية والحشائش البحرية واشجار الشوري والمسطحات الطينية ونباتات المناطق المالحه وغيرها من المواطن الاحيائية الأخري ليس فقط نتيجة التدمير المباشر للحياه البحرية بواسطة الردم والجرف وعمليات التشييد ، ولكن ايضا بسبب الترسبات الدقيقة من المواد العالقة الناتجه عن هذه الأنشطة والتي تنقلها التيارات المائية إلي مناطق مختلفة مما يعمل علي انتشار التدمير البيئي بين الشعاب المرجانية والحشائش القاعية ونباتات الشوري والحياه البحرية الأخري .
2  -    تلوث المياه : يعتبر تصريف مياه الصرف الصحي المعالجة والغير معالجة من بين اخطر مصادر التلوث في المناطق الساحلية علي السواحل في بعض الدول العربية ، ويؤدي تدهور جودة المياه من مختلف انواع الملوثات إلي التأثير سلبا ليس فقط علي الحياه البحرية ، وانما ايضا علي قدره المنطقة الساحلية عموما علي الجذب السياحي .
    وينطوي تلوث المياه الساحلية بمياه الصرف الصحي علي تغييرات بيئية مباشرة وشديدة الضرر بالتمتع السياحي اذا أن مياه الصرف الصحي المعالجة جزئيا تحفز نمو الطحالب الي المستوي الذي تصبح فيه تلك الطحالب قادرة علي القضاء علي اجزاء كبيرة من الشعاب المرجانية في حالة تواجدها ، أو إلي وجود ظاهرة التشيع الغذائي والتي تؤثر علي خصوبة المصايد البحرية .
    وهناك مصدر أخر للتلوث وهو تصريف المياه شديدة الملوحه من محطات التحليه في البحر مما يسبب اضرارا بالغة بالاحياء المائية في الاعماق وذلك قبل أن تختلط تماما بمياه البحر .
3  -    تأثير السائحين علي البيئه : أن استخدام السائحين لقاعدة الموارد بصورة غير رشيدة  مثل تجميع الشعاب المرجانية والمحار والاحياء الأخري ، والصيد بالحربة وتدمير الشعــاب بالسياحـة والزوارق ، والقضـاء علـي الغطـاء النبــاتي الساحلي نتيجة حركة الانسان والسيارات ، وتراكم النفايات، تؤدي إلي تأثيرات سلبية علي الموارد السمكية .
    وجميع الاثار السلبية الناتجة عن الأنشطة التنموية والبشرية تؤدي إلي سلسلة من التداعيات تعوق عناصر البيئة البحرية في القيام بوظائفها الحيوية المختلفة وبالتالي تضعف من قدره الموارد السمكية علي التجدد والنمو.
    مما سبق يتضح أن الأنشطة التنموية في غياب تكامل قطاعي عند تخطيط وإدارة المناطق الساحلية قد تتعارض أهدافها ومصالحها ، مثال ذلك تعارض الأنشطة المتصلة بالتنقيب واستخراج ونقل النفط مع التنمية السياحية والأنشطة المرتبطة بمصايد الأسماك ، وأنه من الصعب أن لم يكن من المستحيل القضاء علي هذه التناقضات أو تخفيف أثارها علي الأقل وأيضا المحافظة علي الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة بدون التنسيق بين القطاعات المختلفة في اطار من التكامل عند تخطيط أو إدارة المناطق الساحلية .
    وعلي هذا يمكن القول أن الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية تهدف إلي التنسيق بين أنشطة التنمية المختلفة والطاقة الاستيعابية للنظم الايكولوجية في منطقة معينة بهدف الوصول إلي الاستخدام المستدام للموارد المتاحه .
ثالثا :    مراحل تطبيق الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية :
    إن تحقيق تنمية مستدامة للموارد السمكية البحرية والمحافظة عليها يجب أن يكون من ضمن أولويات الاستراتيجيات الرامية لحماية البيئة البحرية الساحلية، والذي يتطلب وضع النظم الملائمة لإدارة هذه الموارد الحيوية وحل النزاعات بين الاستخدامات المختلفة ، وتحقيق الانسجام بين المصالح الاقتصادية والبيئية من خلال التكامل القطاعي عند تخطيط وإدارة المناطق الساحلية ومواردها . ذلك أنه من الصعوبة بمكان إدارة الموارد السمكية في غياب اطار عام ومتكامل لتخطيط وإدارة المناطق الساحلية كوحدة واحده .
    وترجع أهمية الإدارة المتكاملة أنها تتناول الأرض ( الجزء الجاف ) والبحر     ( الجزء الرطب ) في المناطق الساحلية بشكل متزامن . حيث تسعي إلي تحقيق الأهداف الآتيه :-
-    المحافظة علي المواطن الاحيائية والأنواع .
-    التحكم في التلوث والتعديات علي الأراضي الشاطئية .
-    التحكم في الإنشطة التنموية والبشرية والتي تؤثر سلبا علي المناطق الساحلية.
-    تحقيق النمو الاقتصادي المتواصل القائم علي موارد طبيعية سليمه .
-    معالجة واصلاح النظم الايكولوجية التي اصابها الضرر .
واعداد برنامج أو خطة للإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية يتم من خلال مجموعة من العلمليات ليست بالضرورة متتابعة ولكنها في معظم الاحوال متداخله قد تأخذ اتجاهات مرتده خلال المراحل المختلفة من اعداد الخطة أو البرنامج .
تحديد المنطقة الساحلية المستهدفة :
    بصفه عامة يمكن تعريف المنطقة الساحلية بأنها الشريط الطولي من الأرض والماء الذي يفصل بينهما الساحل ، أو بمعني آخر هي المساحة المتداخله بين الأرض والبحر ، ويتوقف مدي العمق في اتجاه الأرض أو في اتجاه البحر – أي حدود المنطقة الساحلية – علي عدة اعتبارات سياسية وإدارية وايكولوجية وقانونية ، وايضا وهذا هو المهم علي حسب القضايا الخاصة المطلوب معالجتها من خلال الإدارة المتكاملة.
 فعلي سبيل المثال في جمهورية مصر العربية تكون المنطقة الساحلية علي البحر المتوسط أكثر اتساعا من مثيلتها علي البحر الأحمر وذلك لاتساع رقعة الأنشطة التي تؤثر علي الموارد البحرية وتواجدها علي مسافات أبعد من ساحل البحر المتوسط بالقارنة بالبحر الأحمر . وبصفة عامة فإن نجاح برامج الإدارة المتكاملة يكون اسهل بكثير في المناطق الضيقة عن المناطق العريضة . وبناءا علي ذلك فإن اساليب الإدارة المتكاملة سوف تختلف ليس من دولة إلي اخري ولكن من منطقة إلي اخري حسب طبيعة القضايا واولوياتها في كل منطقة .


 تحديد المشاكل والقضايا التي تواجه المناطق الساحلية :
      ويتم ذلك من خلال الدراسات والبحوث السابقة أو التي يمكن توفيرها والتي تشمل معلومات عن الموارد الساحلية المتجددة . مثل المصايد والمزارع السمكية ، ومستخدمي المناطق والموارد الساحلية مثل السياحة ، التصنيع ، التجارة البحرية ، التعدين ، صناعة النفط ، الزراعة ، وغيرها ، واثار هذه الأنشطة علي الموارد الساحلية والنظم الايكولوجية ، والمواطن الاحيائية الحساسة ، إلي غير ذلك من المعلومات البيانات .
    ومن خلال تحليل المعلومات والبيانات التي تم تجميعها يمكن تحديد أهم القضايا ذات الاولوية التي سيتناولها برنامج الإدارة المتكاملة ، فعلي سبيل المثال ، قد تستقر نتائج الدراسات التي تمت علي أن أهم القضايا المطروحه في منطقة ما هي :
     1  -    تأكل الشواطيء وغرق الأراضي الساحلية .
    2  -    سوء استخدام الأراضي .
    3  -    تلوث المياه .
    4  -    تدهور الموارد الطبيعية والمواطن الاحيائية .
تحديد الأهداف :
    وتتضمن الأهداف طويلة الأجل أو استراتيجيات الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وهي جزء من الأهداف العامة او الاستراتيجية العامة للدولة والتي تستبق منها الأهداف متوسطة الأجل والقصيرة الأجل . ومن أمثلة الأهداف طويلة الأجل ما يلي : -
    1  -    الابقاء علي نوعية جيدة للبيئة الساحلية .
    2  -    حماية الأنواع البحرية ذات القيمة .
    3  -    صيانة المواطن الاحيائية الحساسة ( الشعب المرجانية – غابات – الشرو . . . الخ ) .
    4  -    صيانة العمليات الايكولوجية .
    5  -    اصلاح العطب في النظام الايكولوجي .
    أما الأهداف متوسط الأجل فتنحصر في معالجة القضايا والمشاكل التي تم تحديدها في المرحلة السابقة من خلال اعداد برامج خاصة ،  واذا اخذنا المثال السابق فإن الأهداف المتوسطة الأجل للخطة هي :
-    حماية الشواطيء .
-    ترشيد استخدام الأراضي الساحلية .
-    تحسين نوعية المياه الساحلية والبحرية .
-    تحسين والحفاظ علي الموارد الساحلية والبحرية .
ولتحقيق هذه الأهداف يتم اعداد برامج يتضمن كل منها الخطوات الآتيه علي المستوي القومي والاقليمي والمحلي :
-    الابحاث وجمع المعلومات .
-    تحليل المشاكل .
-    اعداد مشروع أو خطة معالجة المشاكل .
-    تنفيذ المشروع .
-    اجراءات التصحيح .
-    الرصيد والتقييم .
أما الأهداف قصيرة الأجل فهي تتركز في تحديد أكثر المناطق أو الموارد تأثراً بالأنشطة التنموية ( الشعاب المرجانية – مصايد الأسماك – أشجار المشرو ) واعداد مجموعة من الوسائل السريعة لاستخدامها لوقف التدهور البيئي . وفي بعض الحالات قد يكون ضروريا اتخاذ الإجراءات الفورية لوقف أحد أو بعض الأنشطة التنموية التي تهدد الموارد الساحلية لفترة محددة حتي يتم تصحيح الأوضاع .
بقلم د/ احمد عبد الوهاب برانية

استاذ اقتصاديات تنمية الموارد السمكية

بمعهد التخطيط القومي

ومستشار الاتحاد التعاوني للثروة المائية

المصدر: الاتحاد التعاوني للثروة المائية جريدة الصياد العدد رقم ( 66 ) يناير – فبراير 2014
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

426,460