النواب واستدامة مواردنا السمكية
مع تسليمنا باهمية تبني نواب مجلس الشعب لمطالب ناخبيهم في دوائرهم الانتخابية والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم إلا ان هذا يجب ان الا يتم علي حساب المصالح القومية وحماية مواردنا الطبيعية من الاستنزاف ، وانه لا يجب تغليب المصالح الذاتية لمجموعات محدودة في مناطق بعينها بهدف تحقيق مكاسب سريعة في الاجل القصير حتي لو رفعت شعارات مثل البعد الاجتماعي والحفاظ علي مستوي الاسعار ، وهي شعارات لا يمكن تحقيقها في ظل الاستغلال الجائر لمواردنا السمكية ، بل العكس هو الصحيح فان البعد الاجتماعي والحفاظ علي مستوي الاسعار يمكن ان يتحقق فقط بالمحافظة علي مواردنا السمكية وحمايتها واتاحة الفرصة لها لاستعاضة عناصرها ، وكلها بلا شك اعتبارات كانت وراء اتخاذ قرار وقف الصيد لفترة محدودة ، والتي تؤكدها الحقائق العلمية الاتية :
** الموارد السمكية موارد طبيعية متجددة ، ويرجع ذلك الي الطبيعة الديناميكية لهذه الموارد والتي هي عملية تبادل مستمرة للأجيال تتضمن ولادة للأجيال المتتابعة ثم نموها ثم هلاكها ، وذلك من خلال نظام انضباطي يتكيف بصورة اليه مع اي تغيير في ظروف حياة هذه الموارد بطريقة انضباطية اخري ، وتعتبر عملية الصيد من حيث طبيعة تأثيرها علي الموارد السمكية ورد فعلها عليه عاملا مهما من عوامل التغير ، اذ يجب ان تكون عملية الصيد متوازنة مع عملية استعادة الموارد السمكية لعناصرها عن طريق النمو والتوالد ، فاذا لم يتحقق هذا التوازن ، اي كانت نسبة الصيد اعلي من التعويض لعناصر الموارد السمكية كانت النتيجة تناقص هذه الموارد ثم انقراضها في النهاية ، وهذا يعني انه لضمان تكرار واستمرار انتاج المصايد ، فانه يجب ضمان الحد الادني منها " المخزون السمكي " والذي يسمح بتحقيق انتاج سمكي غير متناقص " انتاج مستدام " وعلي هذا فان زيادة جهد الصيد " عدد مراكب الصيد وقوتها الميكانيكية " ، وعدم اتاحة الظروف للمخزونات السمكية للتوالد والنمو " من خلال فترات وقف الصيد " كلها عوامل تؤدي الي انخفاض قدرتها علي استعاضة عناصرها .
**تزايد اعداد مراكب الصيد العاملة في المصايد المصرية خاصة في البحر المتوسط سواء من حيث العدد او القوة الميكانيكية ، وهو ما يعني زيادة جهد الصيد علي المخزونات السمكية والتي تتعرض لمؤثرات طبيعية وبشرية اخري تؤثر في قدرتها علي تجديد واستعاضة عناصرها .
وقد نتج عن ذلك ما يلي :
1- تحقيق زيادة ظاهرية " مؤقتة " في الانتاج البحري خاصة في البحر المتوسط علي حساب المخزونات السمكية " باستثناء الزيادة في انتاج السردين في العام الماضي نتيجة لصب مياة الفيضان في البحر والتي ساعدت علي جذب هذه الاسماك المهاجرة الي السواحل المصرية ، وهذه الظاهرة ترتبط بظروف طبيعية لا تتكرر بشكل دائم وعمل سفن الصيد المصرية في خارج المياة الاقليمية المصرية ".
2- رغم الزيادة الظاهرة في الانتاج البحري ، فان متوسط انتاج المركب في الرحلة " بدون الانتاج مخارج المياة المصرية والسردين " وهو ما يعرف بمؤشر الوفرة النسبية للمصايد قد اخذ في الانخفاض ، وبالتالي اتجه متوسط الانتاج السنوي للمركب الواحدة الي التناقص خلال السنوات الاخيرة بشكل ملحوظ ، والذي يؤكدة جميع الصيادين ، وهذا يعني انخفاض متوسط عائد المنتج وتناقص المعروض من الاسماك البحرية وارتفاع اسعارها في ظل الطلب المتزايد علي هذه الاسماك والذي يشعر به المستهلكون .
3- ان قضية توفير الغذاء للاعداد المتزايدة من السكان تعتبر من اكبر التحديات التي تواجهنا في الوقت الحاضر ، وطبقا للتقارير التي تضمنها مؤتمر الغذاء العالمي الاخير ، فانه تم تصنيف مصر ضمن 38 دولة سميت " بدول العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض " كما ان حجم الاستيراد من الاسماك تتراوح ما بين " 200 – 300 " الف طن في السنوات الاخيرة تقدر قيمتها بملايين الجنيهات تدفع بالعملات الاجنبية وهذا يعني اننا في حاجة الي تعظيم الاستفادة من جميع المصادر المنتجة للغذاء خاصة من خلال الحماية والمحافظة علي مواردنا السمكية .
4- ان هناك رؤوس اموال ضخمة " غير محصورة " مستثمرة في استغلال الموارد السمكية تتمثل في قيمة سفن الصيد ، موانئ الصيد ، ورش بناء واصلاح سفن الصيد ، تصنيع الاسماك ، انشطة التسويق ، معدات الصيد ...الخ ، كما انها تتيح اكثر من مليون فرصة عمل .
ولاشك ان هذه المكونات المالية والبشرية ستتأثر باي تناقص في مواردنا السمكية .
كل هذه الاعتبارات تدعونا الي مطالبة النواب الموقرين بالانحياز الي المصلحة القومية والتي تتمثل في المحافظة علي الموارد السمكية وضمان تجددها واستمرارها ، وايضا المصالح الاجتماعية والاقتصادية للصيادين والمستهلكين والتي تتمثل في ضمان انتاج وامدادات مستديمة من الاسماك .
