لم ينس الأزهر الشباب، بل على العكس وظفهم لتجديد الخطاب الديني.. فهناك أكثر من ٣٠٠ قيادة شابة بالأزهر الشريف، تسعى وتجاهد لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتحارب الأفكار المتطرفة.
الداعية الشيخ أحمد المالكى، الباحث الشرعى بمشيخة الأزهر، كشف أن علماء الأزهر الآن يستخدمون تويتر وانستجرام وفيسبوك لمواجهة كتائب الجماعات المتطرفة، ولم يعد حديث علماء الدين قاصرا على دروس الوعظ فقط.
هل هناك أصل فى الدين لفكرة تمكين الشباب؟
الشباب هم قوة أى دولة أو أمة وعماد ونهضة المجتمعات، وهم مبعث عزة وكرامة لأى مجتمع ينشأ فيه الشباب، وهو رأس المال على الحقيقة، وعندما ننظر لدورهم نجد أن لهم دورا عظيما جدا فى الحياة، وفى عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- نجد معظم أصحابه كانوا شبابا، منهم الأرقم بن أبى الأرقم، وسيدنا معاذ بن جبل كان عمره ١٨ عاما، وعمر بن الخطاب كان عمره ٢٦ عاما، وعبدالله الزبير وابن زيد وكثير من الصحابة الأجلاء الشباب.. كانوا عماد الدولة الإسلامية.
لذلك عندما ننظر لسيرة النبى نجد أول شىء فيها الشباب، وقال النبى عنهم “فحالفنى الشباب”، فبدأ الرسول فى بناء المجتمع بالشباب، لما يتميز به الشباب من قوة، ولديهم غيره على المجتمع والدين، وكان النبى يضعهم على الطريق الصحيح ويجعلهم فى موضع القيادة.
وماذا عن تمكين الشباب فى مصرالآن؟
الآن فى مصر نجد أن الشباب هم عمادها، فيوجد بها أكثر من ٦٠ فى المائة من الشباب، فكان ضروريا جدا تمكين الشباب لنقل القيادة لهم، والمجتمع لم يرتفع له راية إلا بالشباب وبتمكينهم، مع حكمة الشيوخ، لابد من هذا التكامل بين الشباب والشيوخ ، فالخبرة أولا ثم بعدها تسليم وتسلم الراية للشباب.
وفى فترة من الفترات كان المشايخ الذين يتصدرون الدعوة، وهم علماؤنا ومشايخنا، لكنهم كانوا كبارا فى السن، ولذلك كانت هناك مساحة كبيرة أو فجوة فى لغة الخطاب بينهم وبين الشباب، وهل هناك قيادات شابة فى الأزهر.. بمعنى آخر هل قام الأزهر بتطبيق فكرة تمكين الشباب؟
نعم الأزهر أخذ بفكرة تمكين الشباب، وهناك أكثر من ٣٠٠ قيادة شابة فى الأزهر الشريف.
كيف استفاد الأزهر من هؤلاء الشباب؟
وجدنا أن بعض الشباب يتجهون إلى الإعلام والقنوات الفضائية، فبدأ الأزهر بالدفع بالشباب للدعوة والوعظ من خلال القنوات الفضائية، لنكون قريبين من الشباب والمجتمع ككل، حتى لا يسيطر فكر آخر على عقول الشباب، وأصبحت لنا أرضية وجمهور، وأصبح الناس يتساءلون “أين كنتم من زمان”.
لكن هناك مشايخ شباب منذ سنوات ولهم جمهور عريض، رغم أن هؤلاء ليسوا من خريجى الأزهر، ويتعامل بعضهم بمنطق “السبوبة” مع القنوات.. أين أنتم من ذلك؟
نحن لنا رسالة، ونؤمن بهذه الرسالة، ونتفانى من أجلها، لكن فيما يخص قضية الشعبوية وعدمها، فهى مسألة واضحة، الشعبوية لا تكون إلا من خلال الصدق فى الرسالة والإخلاص وما يقدمه الداعية للجمهور، فالشعبية تأتى من صدق الجمهور فى هذا الداعية، وبعض الشباب الذين ليسوا هم خريجى الأزهر كما ذكرت تقدموا للإعلام وأصبح لهم شعبية، لأن فى هذا الوقت لم تكن هناك قيادات شابة فى الأزهر الشريف تظهر فى الإعلام، وأصبح الأزهر الشريف يدرك هذه المسائل بشكل جيد، وبدأ الدفع بالشباب، الذين لديهم علم ويؤمنون بالرسالة، والهدف هو انتشال الناس من الأفكار الخاطئة إلى الأفكار السليمة، وبدأ ذلك منذ ثلاث سنوات تقريبا.
هل تشعر بأن لكم دور ملموس؟
بفضل الله نحن ننتشر، ونشعر بالدور الذى نقوم به، ونطمح فى دور أكبر لتوصيل الأفكار الصحيحة لكل المجتمع، وخاصة الشباب، وأصبح لنا برامج فى قنوات كبيرة لها جمهور عريض فى مصر و العالم العربي.
طوال الوقت نتحدث عن فكرة الخطاب الديني.. فهل أنتم مدركون لما يفكر فيه الشباب لمواكبة هذه الأفكار؟
قضية تجديد الخطاب الدينى لها أصل وركن أصيل فى الشريعة الإسلامية، والنبى -صلى الله عليه وسلم- تحدث عن قضية التجديد، وقال “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، وبالتالى هذا اللفظ مستمد من سنة النبي، ونحن نقول قضية الخطاب الدينى ولم نقل تجديد الدين، حتى لا يكون هناك لبس، الأصل فى التجديد الفهم، وبالتالى نحن نجدد الفهم، وننطلق من الأصول، من الكتاب والسنة، و الفهم هو الذى يتجدد.
وأصبح كل ثلاثين سنة تقريبا تتغير المصطلحات والمفاهيم، وهناك أفكار لابد من مواجهتها، والمواجهة تكون من الكتاب والسنة لفهم يواكب العصر، فهذه الفترة تختلف عن العقود الماضية وعن السنوات التى ستأتي، فكل فترة لها مفاهيم خاصة ترتبط بالمرحلة.
هل بدأتم فى تطبيق ذلك؟
بالفعل بدأنا فى تطبيق هذه الآلية على أرض الواقع، ولا نقوم بتبسيط مفاهيم الدين فقط، بل هناك شباب فى الأزهر يقومون بمحاربة الفكر المتشدد، وهناك مرصد للأزهر قائم على الشباب، لمحاربة الفكر المتطرف، ليس فى مصر فقط، بل نرصد كل الأفكار المتطرفة لكل الجماعات على مستوى العالم العربى والإسلامي، والفتاوى التى لا أصل لها، ونقوم بالرد عليها بـ١٢ لغة، ومازالت هناك خطط للتطوير، نحن نتحدث عما قمنا به فى عامين فقط.
هناك لجان إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى تقوم بالترويج للافكار المتطرفة.. فى حين علماء الأزهر لا يتعاملون مع تويتر وانستجرام؟
أنا على المستوى الشخصى أتعامل على الفيس بوك وتويتر وانستجرام، ونحاول بقدر الإمكان توصيل الفهم الصحيح للدين الإسلامي، وكل الـ٣٠٠ قيادة شابة تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ويردون على كل الاستفسارات والأفكار المتطرفة، لمواكبة أفكار الشباب، وهناك صفحات رسمية للأزهر الشريف ومركز الفتوى له صفحة خاصة وكذلك المرصد، حتى نعرف كيف يفكر الآخر.
إذن نستطيع أن نقول إن الدعوة انتقلت من الكتاتيب ودروس الوعظ إلى الفيس بوك؟
كل هذا له أصل فى السنة الشريفة، والنبى -صلى الله عليه وسلم- عندما كان جالسا مع الصحابة وخط خطا مستقيما على الأرض فى التراب، ثم خطوطا متعرجة، ثم قرأ قول الله تعالى “وَإَنَّ هَٰذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ”، وهذه كانت الوسيلة المتاحة التى اتبعها النبى -عليه الصلاة والسلام- فى ذلك الوقت، نحن مع التطور وتم نقل هذا الأمر من التراب إلى وسائل التواصل الاجتماعي، نفس القضية مع اختلاف الوسيلة، وهذا ما يسمى بالتجديد، بأن ننطلق من النص، والتجديد يعنى فهم النص، فلا يأتى شخص ويقول النبى صنع خطا على التراب فنفعل نفس الشيء، وبالتالى نقول له إنها كانت الوسيلة الوحيدة فى ذلك الوقت.
كذلك الإعلام فمن الممكن أن يحضر لى خطبة الجمعة ألف شخص، لكن فى برنامج تلفزيونى قد يشاهدنى ٥ ملايين شخص، فلابد أن نواكب العصر، وهذا لا يعنى أن نترك خطبة الجمعة، لكن أن نستخدم كل المنصات، لأننا أصحاب رسالة، وهذا هو الفرق بين الرسالة وأن تكون الدعوة تجارة.