تقرير: أشرف التعلبى


الصورة على اكتمالها أكبر من اختزالها فى واقعة أطفال «تهريب بورسعيد»، لأن هناك أكثر من مليون ونصف المليون طفل، تشير الإحصائيات إلى أن ظروفهم تدفعهم إلى الخروج للعمل بحثًا عن «لقمة العيش» ومساعدة ذويهم فى مواجهة مصاعب الحياة، دون غطاء قانونى أو صحى يتم توفيره لهم، ليس هذا فحسب، لكن غالبيتهم يعملون تحت ظروف قاسية وخطرة فى الوقت ذاته، وسط تبادل الاتهامات، فهناك من يرى أن المسئولية تقع بأكملها على عاتق الدولة، ويطالبها بتوفير حياة آمنة لهذه الملايين، فى حين يرفض فريق ثان هذا التوجه، ويؤكد أن الأسرة هى المسئولة وبشكل كامل، عما يحدث لأطفالها.. والمجتمع ورجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وشركاء أصليين فى المسئولية، وما بين هذا وذاك.. أصبح واجبًا البحث - وبعدالة كاملة- عن إجابة واضحة وصريحة فى الوقت ذاته للسؤال العريض.. من المسئول عن كل هذه المعاناة؟



خبراء علم النفس والاجتماع ومؤسسات مهتمة بحقوق الطفل، أكدوا أن الأسرة هى المسئولة عن كل الانتهاكات التى يتعرض لها الأطفال، بداية من الإنجاب الكثير دون مسئولية إلى التنشئة الخاطئة.



هانى هلال، أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، رئيس المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة قال: هناك ارتفاع فى معدلات الانتهاكات ضد الأطفال، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، فخلال العام الماضى حدثت ما يقرب من ألف و٤٠٠ حالة انتهاك ضد حقوق الأطفال، فى حين أن هناك ما يقرب من ١.٦ مليون عامل، وهذه إحصائيات وأرقام تصدر من جهات رسمية، وفى الحقيقة هم أكثر من ٣ ملايين ونصف المليون طفل عامل فى مصر، لا سيما أن هناك مواقع عمل كثيرة غير رسمية من الصعب رصدها من ورش ومقاه والتوك توك والميكروباص وغيرها.



وتابع: هناك إشكالية أخرى تتمثل فى القائمين على رعاية الأطفال، لأن الطفل بطبعه لا يخطئ، لكنه يتعلم الخطأ من البيئة المحيطة به، وبالتالى تحدث عملية انحراف الطفل أو انتهاكه للقانون، ولهذا لا بد أن يكون هناك تدخل على المستوى العام من خلال الآليات التى نص عليها قانون الطفل لرفع الوعى المجتمعى والتربية السليمة.



كما أن القانون وضع آليات للأسر الفقيرة وكيفية المساعدة فى إعداد سلوكيات الأبناء ونكسبهم مرة أخرى فى صف المجتمع، لكن مع الأسف هذا القانون لم يتم تطبيقه حتى الآن، وهناك لجان تسمى لجان الحماية الفرعية خاصة بالأطفال موجودة فى كل حى على مستوى الجمهورية، لرصد الانتهاكات ضد الأطفال، وهذه اللجان تتدخل للحد من هذه الانتهاكات.



وعن الدور الذى يرى أن تلعبه الدولة أوضح أمين عام الائتلاف المصرى لحقوق الطفل، أن «المشكلة لها علاقة بكيفية التدخل، ودور الدولة والمجتمع المدنى ودور المجلس القومى للطفولة، كل هذه المؤسسات تحتاج لإعادة النظر فيها، وارتفاع معدلات انتهاك حقوق الأطفال جزء منه أن المجلس القومى للطفولة والأمومة أصبح غير مستقل ولم يعد قويا وقادرا مثل الفترة السابقة بعد ضمه لوزارة الصحة، وغير قادر على تنسيق أدوار الوزارات الأخرى المعنية بالطفولة، وأيضا المجتمع المدني، وبالتالى مجلس النواب مطالب بإصدار قانون باستقلال المجلس القومى للطفولة والأمومة، وتبعيته لمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، والقانون موجود فى البرلمان منذ عامين، لابد من وجود كيان مستقل معنى بالطفولة فى مصر لمواجهة الانتهاكات ضد الأطفال».



كما نحتاج تفعيلا لقانون الطفل، ولدينا واحد من أفضل التشريعات فى العالم، حسبما وصفه كوفى عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، غير أن هذا القانون لا يزال «حبر على ورق» ولا أحد يقوم بتفعيله، فليس هناك أحكام ضد الانتهاكات التى تحدث داخل الأسرة مع الأطفال، ومسألة تشغيل الأطفال والغرامة الخاصة بعمالة طفل خارج القانون ٥٠٠ جنيه، وبالتالى لابد من تغليظ العقوبة لردع من يستغلون الأطفال.



هلال يؤكد أن تحليل انحرافات الأطفال فى مصر، من النوع البسيط، وليست من النوع الخطر، وبالتالى الجرائم المرتكبة من الأطفال تحتاج لتقويم الأطفال وكسبهم مرة أخرى للمجتمع وليست معاقبتهم، وعندما نعاقب علينا أن نعاقب البيئة والمجتمع والأسرة، التى أدت إلى انحراف الطفل، لأنه لم يكتمل نموه العقلى والذهنى والنفسى حتى ١٨ عامًا، ويصل فى بعض الدول إلى ٢١ عامًا، فإعادة تقويمهم هو الطريق الوحيد، أما المعاقبة تعنى مزيدًا من إجرام الطفل وكسبه إلى الجريمة بشكل أكبر.



كما طالب رئيس المؤسسة المصرية للنهوض بالطفولة، بضرورة وضع ملف الطفولة على رأس الأولويات، إذا كنا نحتاج إلى أمن وأمان للمجتمع، فعدم الاهتمام بالطفل أدى إلى استغلال بعض الأطفال من قبل الجماعات الإرهابية، وتم القبض على بعض الأطفال، وأيضا عدم الاهتمام أدى إلى زيادة ظاهرة التقزم، وهذا سيؤدى إلى مشكلة فى التكوين الجسمانى لرجال الأمن، فنحن نحتاج لأطفال أقوياء ببنية قوية.



من جهته قال الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس جامعة عين شمس: يجب علينا التركيز على فكرة آليات التعايش للفقراء والتى دائما ما تكون من أدوات الاستمرار فى البقاء أو التحايل على الظروف الاجتماعية والتى تكون بعمالة الأطفال.



فنجد أن الأسر الفقيرة خاصة فى العشوائيات لديها ارتفاع فى الإنجاب، لتوفير أيادٍ عاملة تخدم أو تساعد فى ميزانية الأسرة، وبالتالى يكون الفقر دافعا وراء عمالة الأطفال، والدولة لديها خطة منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى للقضاء على العشوائيات، ونقلهم لأماكن جيدة، وهذا جزء مهم للحفاظ على كيان الأسرة المصرية من عمالة الأطفال.



وشدد على أنه هناك مؤسسات يجب أن تقوم بدورها على أكمل وجه، مثل دور المجلس القومى للطفولة والأمومة، ودوره حماية الأطفال من خلال خط نجدة الطفل، لكننا ما زلنا لا نسلط الضوء على القضية المهمة وهى عمالة الأطفال، ويبدأ سن العمالة من ٩ سنوات، وهناك تسرب من التعليم، وبالتالى علينا محاربة ظاهرة التسرب من التعليم، وعمالة الأطفال، لأن كل هذا له أثره وواقعه النفسى على الطفل، لأن مفهوم الطفولة يعنى أن جميع المؤسسات بما فيها المؤسسة الأم وهى الأسرة عليها أن توفر سبل المعيشة الكريمة لهم من الاحتياجات الأساسية من غذاء وملبس وأمن ورفاهية.



أستاذ علم النفس أوضح أن «هناك عددا كبيرا من المفاهيم الخاطئة لدى الأطفال، فأحدهم يرى أن الخطأ صواب بأن يقول على التهريب إنه عمل شريف، كل هذا لأن المفاهيم لديهم خاطئة، فعندما يكون هناك فقر وجهل وعدم وجود مؤسسة لشرح وتعليم المفاهيم الصحيحة، وتسرب من التعليم أو عدم دخول المدارس من الأصل، هذا ينتج عددًا من المعتقدات والمفاهيم التى تخلق الأمراض المجتمعية عند هؤلاء الأطفال، مثل الرشوة وتجارة المخدرات والإرهاب، هذه أمراض اجتماعية ناتجة عن مفاهيم خاطئة، تبث فى أذهان هؤلاء الأطفال فتصبح طرق خطر على المجتمع كله».



وأكمل: من المهم جدا أن يكون لدينا آليات للتعامل مع هذه القضية، أولى هذه الآليات هو الاهتمام بهذه الفئة من الأطفال من خلال مؤسسات المجتمع المدنى ومؤسسات الدولة فى إعادة تأهيلهم وإعادة تشكيل وعيهم وإعادة تشكيل مهارتهم بحيث يتوفر لهم مصدر رزق من خلال الطرق المشروعة، أما القضية الثانية وهى الاهتمام بالنشء، وخاصة فى الأسر الفقيرة، ونحتاج أن يكون للمجتمع دور فى توعيتهم، وتهذيب الأخلاقيات، وتنمية المفاهيم الإيجابية تجاه أنفسهم واتجاه المجتمع.



ولابد أيضًا أن تكون هناك سياسة الثواب والعقاب حتى نرسخ المفاهيم الصحيحة فى المجتمع، ولذلك هناك ما يسمى بالأحداث، إصلاح وتهذيب، نعاقب من ارتكب جرائم وفى نفس الوقت نعيد تهذيب الأخلاقيات، ثم تنمية المهارات لبناء حياة سليمة لهؤلاء الأطفال، وهذا الدور يجب أن تقوم به المدرسة لتعليمهم كيفية الانضباط والانصياع للنظم والقوانين داخل المجتمع، لكن من الواضح أن هؤلاء الأطفال لم يدخلوا مدارس أو تسربوا.



وفيما يتعلق بدور المجتمع أكد «د. فخري» أنه يتلخص فى أن يطبق عليهم القانون، إلى جانب إعادة صياغة المفاهيم وتنمية المهارات لديهم بحيث نخلق أشخاصًا جيدين. وعلى الجميع بداية من الأسرة والنوادى والمدارس والمساجد والكنائس ومؤسسات الدولة والمجتمع المدنى أن يقوموا بدورهم التوعوى للفئات الأكثر حرمانًا أو فقرًا.



على الجانب الآخر كان للدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، مؤسس مركز البحوث الاجتماعية بجامعة القاهرة، رأى مختلف، بعدما حمل كامل المسئولية على الأسرة، مشددًا على أنها المسئول الأول والأخير عما قام به هؤلاء الأطفال؛ لأنها لابد أن تنجب أطفالا على قدرة ما منحها الله من العيش والدخل، لكن الغريب أن الناس تنجب دون مسئولية، فيصبح هناك فائض سكاني، والآباء لا يهتمون أو غير قادرين على توفير تعليم وصحة هؤلاء الأطفال، وغالبا ما يقومون بتشجيع هؤلاء الأطفال على العمل أو الانحراف، وبذلك هذه القضية مرتبطة فى الأصل بزيادة النسل، فالبيئة المتردية تنتج أطفالا ذوى سلوكيات خاطئة.



الدكتور زايد أوضح أن «الدولة غير مسئولة عن ذلك، فهل الدولة مسئوليتها «تطبطب على الناس»، الدولة دورها أن تقدم حماية اجتماعية للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى توفير سكن اجتماعى مناسب وتسعى للقضاء على العشوائيات، وتحاول توفير فرص عمل لهم،أما تنشئة الأطفال فهم مسئولية الأسرة فى الأساس، وليس مسئولية الدولة، والمدرسة تركتهم يتسربون منها، والأسرة لم تمنحهم حماية.



وبالتالى الدولة توفر تعليمًا ومدارس وفرص عمل وصحة جيدة لكنها غير مسئولة عن التربية داخل الأسرة، وأن تقوم الدولة بتغليظ العقوبات فى القوانين لعدم عمالة الأطفال، أو التى تحمى الأطفال وهذه هى مسئولية الدولة».



وأكمل: نحن نقسو على الدولة أحيانا، بأن تتحمل مسئوليات هى فى الأصل مسئولياتنا نحن كأفراد، فأحيانا الأسرة مفككة ولا تهتم بأطفالها ولا تهتم بدورها المجتمعى أو الأخلاقى نحو الأبناء والمجتمع، وبالتالى ندين الأسرة.



أستاذ علم الاجتماع وجه عددًا من الأسئلة للمجتمع.. لماذا ننجب كل هؤلاء الأطفال، ولا نتحمل مسئوليتهم، ولا نستطيع أن نقدم لهم حياة كريمة؟.. ولماذا نترك الأطفال يمارسون أفعالا منحرفة أمام أعيننا؟.. ولماذا لا نعتنى بدخول هؤلاء المدارس تسربهم من التعليم؟.. ولماذا نتخاذل فى مساعدة الدولة فيما تود إنجازه؟.. الدولة تريدهم أن يتعلموا وهم يتسربون، وبالتالى هم لا يساعدون أنفسهم ولا يساعدون الدولة.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 78 مشاهدة
نشرت فى 2 سبتمبر 2018 بواسطة elsayda

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا