<!--<!--<!--<!--

تقرير يكتبه: أشرف التعلبى

منار عصام

«هذه مجلة أصدرناها لنسليك ونبهجك ونتحدث إليك.. حديث صديق يقتطف لك من كل بستان زهرة ومن كل شجرة ثمرة، وسنحمل إليك كل أسبوع مجموعتين: مجموعة من صور الأشخاص والحوادث والمشاهد، ومجموعة من الفكاهة والنُبَذ المفيدة».. بهذه الكلمات افتتحت مجلة «المصور» عددها الأول يوم الجمعة الموافق 24 من أكتوبر سنة 1924.

تاريخ طويل كانت فيه «المصور» شاهد عيان على أعظم الأحداث وأعرقها، وثقت بالصورة والكلمة الحياة اليومية ليس فى مصر فقط، بل فى الوطن العربى بأكمله، من ثورات وحروب ومعارك، ناضلت والشعوب العربية كلها من أجل القضايا التى تهم المواطن العربي.

اليوم موعدنا واحتفالنا بمجلتكم «المصور» بمناسبة عيدها الـ98.. نعم مرت 98 عامًا و«المصور» ترفع عبر صفحاتها شعارًا واحدًا هو التنوير ثم التنوير، لتصبح مجلة عربية راسخة لم تنقطع أسبوعًا واحدًا عن رسالتها منذ أن صدرت فى 1924، تحمل إلى قارئها مزيجًا من السياسة والاقتصاد والفن والرياضة والفكاهة، حتى يخرج من فيضها الكثير من المجلات فى مصر والعالم العربى إلى النور.

«المصور» طوال 98 عاما، في 5 آلاف و116 عددًا، تجولت من القاهرة إلى بغداد إلى الخرطوم إلى دمشق إلى بيروت إلى غزة إلى...، كان محرروها هناك يرصدون ويتابعون ويترقبون، لتصل إليكم المجلة بالصورة كما عودتكم منذ العدد الأول.

اليوبيل الفضي:

عند مرور ربع قرن على صدور العدد الأول أى فى احتفالية اليوبيل الفضي، قال أصحاب دار الهلال الصادر عنه مجلة «المصور»، الأديبان إميل وشكرى زيدان: «اعتاد الناس أن يحتفلوا بالعيد الفضى للأعمال النافعة والمنشآت القومية، وأن يغتبطوا ببقائها حقبة من الزمان قائمة بواجبها، مؤدية رسالتها، ونحن نحتفل بمرور ربع قرن من حياة «المصور»، مضت فى خدمة متصلة وجهاد مستمر، فى سبيل مصر والعالم العربي.. وهى مدة ليست باليسيرة إذا نظرنا إلى ما وقع فيها من أحداث جسام، وما صادف الصحافة الحرة خلالها من صعاب وعقبات، تعثر، ونجا فيها من نجا، بفضل ما بُذل من جهود، وما ادُّخر من عزيمة ومثابرة.

ولأن «المصور» قد عانت من جراء استقلالية وتقديس كلمة الحق وحرية الرأى والعقيدة كثيرا من الصعاب، أو مرت بها أجل ذلك ظروف من الضيق أثناء الحرب، وما قبل الحرب، أو بعدها، فإنها لتغتبط اليوم، وقد طوت هذه المدة، بأنها استطاعت أن تحقق أهدافها، وأن تؤدى رسالتها فى خدمة مصر والعروبة، ومناهضة الطغيان، ومحاربة الأعداء الثلاثة: الفقر والجهل والمرض.

وقد تدرجت «المصور» فى مراحل النمو والتطور، حتى أصبح فى كيانها الحاضر مجلة كاملة، وحققت ما كنا نصبو إليه من أن تكون فى مصاف المجلات العالمية تحريريًا وفنًا وطباعة.. وقد حافظت فى جميع أطوارها على استقلالها التام، وكانت – ولا تزال - منبرًا عامًا لمختلف الزعماء والهيئات، وحرصت على أن تكون فى خطتها وأسلوبها وغايتها مجلة الجميع، تخدم مصر والشرق العربى ما وسعتها الخدمة، وما تهيأت لها الأسباب والوسائل، ورائدها النزاهة المطلقة، التى هى دعامة النجاح فى الصحافة، بل فى كل عمل من الأعمال.

وقد كان لنا من مساهمة كبار الساسة والمفكرين فى تحرير هذه المجلة خير عون لنا على النهوض بها ورقيها، فإلى حضراتهم نقدم وافر الشكر، فقد طالما نفحوها بآرائهم القيمة، ونشروا فيها من إنتاجهم النفيس ما هيأ لها أن تكون دائما فى الطليعة.

أما قراؤنا الكرام، فقد كان لنا من تشجيعهم وإقبالهم منذ صدرت «المصور» حتى الآن، ما بعثنا على مضاعفة العناية بها وتحسينها على الدوام. وسنتخذ من هذا التشجيع عونا لنا وزادا للمستقبل. ولهذا فإننا نودع الماضى ونستقبل العهد الجديد من حياة «المصور» بقلوب مفعمة بالتفاؤل والاطمئنان، فى ظل جلالة الفاروق العظيم.

ولا يسعنا إلا أن نشكر جميع معاونينا فى تحرير هذه المجلة، وإدارتها، وإخراجها، وطبعها، وتوزيعها، ونوجه إليهم وافر التقدير لما بذلوا – ويبذلون – من جهد وصدق وإخلاص، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من منزلة رفيعة».

بينما سجل التاريخ شهادة مهمة لـ«فكرى باشا أباظة»، رئيس تحرير «المصور» التاريخى، وقضى فى رئاسة تحريرها أطول مدة يقضيها رئيس تحرير فى منصبه من عام 1934 وحتى عام 1962، وظل رئيسا فخريا حتى سنوات قليلة من رحيله عن الحياة.

«تحتفل المصور بعيدها الفضي.. ومن حقها أن تحتفل بهذا العيد وأن تدعو أصدقاءها لمشاركتها فى هذا الاحتفال، فليست خمسة وعشرين عاما من عمر الصحف بالمدى القصير، وأعمار الصحف كأعمار الأفراد، و«المصور» إذ تحتفل بعيدها الفضى تنتهز الفرصة، فتقدم حسابها لقرائها عن ربع قرن مضي، وتقدم حسابها عن رسالتها فى هذا الزمن الطويل.

ذلك لأننا نعتقد أن الصحافة رسالة، وأن الصحيفة إذ تؤدى هذه الرسالة لقرائها، وللأمة، وللحكومة، وللمسؤولين جميعا عن حاضر ومستقبل هذا البلد، إنما تحقق برنامجا سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وأخلاقيا واسع النطاق.. فهل أدت مجلة «المصور» الرسالة؟

نرجو أن يجيب تاريخ الخمسة والعشرين عاما بالإيجاب، وأن يقول بشجاعة: نعم!. ولا نستطيع فى هذا الحيز الضيق أن نقدم حسابنا مفصلا للرأى العام وإنما نختصر، ونقتضب، ونوجز، ونبرز المسائل الرئيسية التى عالجتها «المصور» وأدت رسالتها فيها، فأجدى العلاج، وتحققت الرسالة.

عندما نُكب الدستور فى سنة 1928، ولطمت الحياة البرلمانية فى مستهل عهدها لطمة قاسية، أعلنت هذه المجلة حربًا شعواء على الديكتاتورية وطعنتها فى الصميم، فلم تعِش هذه الديكتاتورية طويلا، وانتصر الدستور ورفع لواءه ورفرف فوق رؤوس الجميع...

فلما شاءت عنجهية اللورد «جورج لويد» أن يفرض إرادة الاحتلال على الحكومة الشعبية وعلى البرلمان، صاحت هذه المجلة فى وجهه كما صاحت فى وجه سلفه «المستر باترسون» صيحة مدوية، فلما استسلم المسؤولون فى العهدين شنت حملتها على الاحتلال والاستقلال معا، ووقفت فى الميدان وحدها تحارب السلطات الإنجليزية والمصرية معا!

ساءت الأحوال بعد ذلك وطعن الدستور طعنة أقسى من سنة 1930، فاندفعت «المصور» فى حملة عنيفة من أجل سلطة الأمة وسيادتها فاستُهدفت للتنكيل، وأجرت النيابة العمومية مع رئيس تحريرها عشرة تحقيقات، ثم قدمتها إلى محكمة الجنايات فى تسع قضايا ظلت تؤجل حتى انتهى ذلك العهد وصدر قانون العفو العام!.

هذه لمحة وجيزة من تاريخ «المصور» وتاريخ جهادها فى سبيل إقرار الدستور والحياة البرلمانية الصحيحة.. ويشهد الله أنها أدت رسالتها فى هذا السبيل تمام الأداء.

وثمة رسالة أخرى انفردت «المصور» فى ميدانها – وحده - وتشبثت برأيها مقاومة إجماع كل الأحزاب وكل الأقطاب: تلك «الرسالة» هى رسالتها ضد المفاوضات المتعددة بين مصر وإنجلترا، فقد قاومت «معاهدة سنة 1936» مقاومة عنيفة، وقد مرت بعد ذلك السنون والأعوام فإذا بالأحزاب وبالأقطاب يرجعون إلى رأيها ويعتنقون مبدأها وينادون بخطتها، ولو أنهم أخذوا برأيها منذ ذلك التاريخ ما ضيعت الأمة على حاضرها وعلى مستقبلها ذلك الزمن الطويل!

فلما أعلنت الحرب العظمى فى سبتمبر سنة 1939 أدت هذه المجلة رسالة أخرى هى رسالة «تجنيب مصر ويلات الحرب»، ووقوفها بين المعسكرين موقف التربص! وظلت تقاوم الأحكام العرفية والتدخل الإنجليزى فى أمور البلاد بأقصى ما تملك من وسائل وعانت فى ذلك ما عانت أثناء الحرب كلها!، ودافعت عن المعتقلين السياسيين المصريين أحر دفاع، ولم يمنعها ذلك من معارضة حكومات ذلك العهد ملحة كل الإلحاح على وجوب إعلاء كلمة الدستور وإجراء انتخابات حرة جديدة.

وجاءت سنة 1945 فكانت رسالة «المصور» مقاومة ارتباط مصر بالميثاق الدولى الذى تمخض عن جمعية الأمم، إذ لم تتردد هذه المجلة فى الحكم على عدم صلاحية تلك المؤسسة من عهد إنشائها، وقد تحققت نبوءاتنا كلها عن هذا المخلوق الدولى العجيب الأطوار، ولعل ما نالنا منها هو أقسى ما نُكبنا به بعد الحرب، وفى مشكلة فلسطين بنوع خاص.

بقيت رسالتان أخريان كانت «المصور» لسان حالهما بغير منازع، وهما: الجيش.. والسودان ! ولا نظن أن عددًا واحدًا من أعداد هذه المجلة قد خلا من إفاضة فى الموضوعين معا من سنة 1924 إلى سنة 1949!، ولو أخذ ولاة الأمور برأينا فى وجوب «تقوية الجيش»، وفى وجوب «التمسك بالسودان» منذ ربع قرن ما فاتتنا الفرص، ولا فوجئنا مفاجأة الأمر الواقع، عندما تذكر المسؤولون- مرغمين- حقنا فى السودان سنة 1946، وضرورة الجيش فى حملة فلسطين سنة 1948!

لا ندعى إن تلك كانت فراسة أو بُعد نظر، وإنما كانت «رسالة» اعتنقت هذه المجلة مبدأها فألحت عليها إلحاحًا، ومصدر الإلحاح هو الإيمان!

أما رسالتها فى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية فحسبها ما تلقى من تقدير، وإقبال، وجزاء حسن، وحسبها أنها ظلت دائما تنطق بلسان القومية، وبلسان الشعب، وبلسان الجماهير، وبلسان الطبقات الفقيرة المريضة الجائعة المحتاجة المظلومة.

تلك هى رسالة «المصور» فى كلمات... وكل ما نرجوه من الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقها فى حاضرها ومستقبلها كما وفَّقها فى ماضيها، والله هو الهادى إلى سواء السبيل.

وعلى مدار ربع قرن منذ بداية صدورها حتى احتفالها بيوبلها الفضى كانت «المصور» محط عناية كبار السياسيين ورجال الدولة وظهر هذا جلياً فى رسالة صاحب الدولة إبراهيم باشا عبد الهادى، رئيس وزراء مصر من ديسمبر 1948- 25 يوليو 1949، إلى مجلة المصور فى رسالة بريدية قال فيها: «أهنئ المصور بعيدها الفضي، وأذكر أن الخمسة والعشرين عاما الماضية كانت مرحلة جهاد وكفاح لخير مصر ونهضتها، فى جميع الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية.. وقد وُلدت «المصور» مع ميلاد الحياة النيابية فى مصر، والصحافة والبرلمان كلاهما لسان الأمة الصادق وترجمانها الأمين، وهما فى الوقت ذاته صاحبا التوجيه فى ميزانها ومقدراتها، وقد ساهمت «المصور» بنصيبها فى هذا كله، ولا شك عندى أن الصحافة التى تؤدى واجبها بنزاهة وإخلاص تخدم أمتها أجل الخدمات وتبصر أفرادها بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

إن الصحافة الحديثة تقوم بدور هام فى حياة الأمم، وقد عظمت واجباتها واشتد خطرها، وأصبح لصحافتنا المصرية بوجه خاص من المكانة ما يضاعف مسئولياتها، ويوجب عليها خدمة مصر خدمة صادقة مخلصة، بتشجيع الأعمال النافعة، والعمل على حشد جميع القوى للخير العام، وتهيئة النفوس للتضامن والتعاون بين جميع الطبقات، ومكافحة قوى الشر وإذاعة كل مفيد يثقف العقول ويقوم الأخلاق ويضاعف نشاط الأمة ويحفزها على الكفاح والمثابرة حتى تأخذ مكانها اللائق فى موكب المدينة الحديثة.

وفوق هذا كله عليها واجب أخطر وأعظم، هو شحذ قوى الأمة الكامنة، وتحصينها ضد عاديات التطور السريع المتلاحق، بالمحافظة على تقاليدها الدينية والاجتماعية وصيانة تراثها الخلقى والفكري، وإنى لواثق أن القائمين بتحرير «المصور» والمشرفين عليه يقدرون رسالة الصحافة وواجباتها خير تقدير، ولهذا أتمنى مستقبلا زاهرا سعيدا.

اليوبيل الذهبي:

مع مرور نصف قرن من صدور العدد الأول من «المصور»، لم تكن تحتفل، بل كانت هناك ترصد وتشاهد وتسجل أعظم ملحمة فى التاريخ المصرى الحديث، كانت على خط النار على الجبهة بين الجنود فى سيناء، ترصد كفاح الأبطال فى حرب 6 أكتوبر 1973، وقدرة المقاتل المصرى على عدو كان يُقال عنه إنه لا ينكسر، لكنه بفضل الله ثم بفضل جنود هم خير جنود الأرض انتصروا وحققوا المعجزات، وحولوا سيناء إلى جنهم فوق رؤوس العدو الإسرائيلي.

«المصور» بين طيات صفحاتها سجلت لحظات لا تُنسى من تاريخ الأمة، ستظل هذه الصفحات تاريخا يُروى ويقصّ على مسامع الأجيال، جيلا بعد جيل...

فمن على جبهة النصر سجل ورصد محرر ومصور المجلة، تحت عنوان كبير «حرب التحرير» عشرات الصور كانت شاهدة على معارك وتضحيات الأبطال، منذ لحظة العبور إلى تحرير سيناء من العدو.. ومن سيناء ابعثوا بهذه الرسالة:» عندما كان سلاح المهندسين يقيم الكبارى بين الضفتين كان الفلاحون بالقرى المواجهة للضفة الغربية ينزلون إلى الماء حاملين المعدات والآلات بجانب إخوانهم الجنود والمهندسين، والنساء أمام أبواب بيوتهن يطلقن الزغاريد.. إن الفلاحين، أبناء ذلك الرائد العظيم، أبناء الريف المصري، نبع الرجولة والشجاعة والأصالة المصرية هم أول من شاهدوا اللحظات الخالدة لبدء الهجوم، إنها لحظات أكثر أهمية وخطورة من الهجوم نفسه، وعليها، على دقة التنفيذ للمخطط العسكرى المصرى ووضوح الرؤيا، ونقاء الفكر، توقفت نتيجة أول موجة من هجوم قواتنا، ذلك الهجوم الذى نشر روح النصر بين الجنود والضباط فوق الأرض أو فى السماء أو البحر، فأعطت نيرانهم أكبر النتائج التدميرية وجعلت رجالنا يمسكون بعامل المبادأة وخصائص الكفاءة الديناميكية وسرعة التحرك والمرونة العالية.. تلك الأسس الجوهرية فى نجاح أول موجات الهجوم المصري.

جيش مصر وحروبها:

لم تكن «المصور» بعيدة عن الأحداث، منذ بداية صدورها، كانت مع خطوات قوات مصر المسلحة منذ البداية، بل إنها كانت تزداد اهتماما، كلما كانت مصر، تهتم بجيشها، وكان تاريخ جيش مصر، هو تاريخها نفسه، فهو يمثل طلائعها، وهو لم يكن يوما منفصلا عنها، وهذا التسجيل الذى عاشته «المصور» مع كل حدث، يمثل تسجيلا للصراع بين مصر وأعدائها، ذلك الصراع الذى لم يتوقف، ولن يتوقف أبدا.

فكانت «المصور» حاضرة ابتداءً من عام 1924 مع عودة القوات المصرية من السودان، وتمصير قيادة الجيش المصرى 1936، وبناء سلاح الطيران، وسفر بعثات الضباط لدراسة علوم الحرب، ثم كانت هناك فى فلسطين 48، ومن بعدها سجلت كل لحظات ثورة يوليو 1952، وقالت حينها عبر صفحاتها:» إن رقاب الضباط الأحرار كانت قد أصبحت آخر ما يحرصون عليه، ومن ثم فقد حملوها على أكفهم، وخرجوا يوم الثلاثاء يكتبون الفصل الأخير فى الكتاب الرائع الذى بدءوا يكتبون أولى صفحاته منذ عام 1947.

ومن بعد الثورة كانت «المصور» تعى المرحلة الحاسمة من تاريخ مصر، فوقفت موقفًا نضاليًا كبيرًا دفعها لتسجيل صفقة الأسلحة التشيكية وأن الاستعمار يسلم آخر معاقله ثم تحتفل بعيد الجلاء، لتوثق بعدها العدوان الثلاثى عام 1956، وحرب اليمن 1962، ثم نكسة 67، وبعدها حرب الاستنزاف، ثم سجلت «المصور» كل لحظات النصر فى حرب أكتوبر العظيمة.

الأحداث السياسية:

طوال 98 عاما منذ صدور المصور عام 1924، ومتابعتها للأحداث السياسية المصرية والعربية لا تتوقف، كانت دائما فى ساحة الأحداث، بالكلمة، والتحليل السياسي، والصورة، وهو ما جعلها أكبر مجلة سياسية أسبوعية مصورة فى الصحافة العربية كلها، لم تتخلف يوما عن حدث، كان محرروها إلى كل مكان فى العالم، يغطون أحداثه.

كانت «المصور» وثيقة مهمة للتاريخ، فهى التى تابعت بعناية تفاصيل معاهدة 36، ثم محادثات صدقى -بيفين- حادث 4 فبراير الشهير، ثم كان غلاف «المصور» فى يناير 1952 صورة للملك فاروق وداخله تحقيق بالصور عن حريق القاهرة تحت عنوان «من هنا بدأت الكارثة»، ومن بعدها نشر أخبار ثورة 52، ومؤتمرات القمة فى القاهرة بزعامة عبدالناصر، ثم نكسة 67، وتنحى عبد الناصر، ومبايعة الشعب له، كما وثقت رحيل الزعيم عبدالناصر، وتولى أنور السادات، أحداث 15 مايو 1971، كما تابعت اتفاقية كامب ديفيد، التى سجلت أصعب اللحظات وأخطر رحلة فى التاريخ التى قام فيها الرئيس السادات لإسرائيل، ثم حضرت مراسم رفع الرئيس مبارك علم مصر فوق أرض طابا، ثم أصدرت ووثقت بالكلمة والصورة أحداث ثورة 25 يناير 2011، ومن بعدها أحداثا ساخنة فى حياة مصر، وصولا إلى ثورة 30 يونيه 2013، وإقرار دستور 2014، ثم تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية.

ولا تزال «المصور» التى تقترب من عيدها المئوى بعد عامين تتحرك بقلب شاب، وحكمة شيخ. وأن أحداث الـ98 عاما نسجلها لك مركزة، تبقى فى الذاكرة، حتى مع مرور عشرات السنين.

وقد يكون توافقا تحقق بالصدفة وحدها أن يجيء مولد «المصور» مع افتتاح أول مجلس نيابى مصرى يتشكل من الأحزاب، والانتخاب الحر المباشر وفق أول دستور مصرى عام 1923، وخلال الفترة من مارس 1924 وحتى اليوم وتاريخنا النيابى حافل بالأحداث السياسية التى شكلت تاريخ مصر المعاصر، وساهمت «المصور» فى تقديم أصدق صورة لما يجرى فى كواليس مجلسى النواب والشيوخ وتحت قبة البرلمان وداخل البهو الفرعونى، رغم ما اعترض حياتنا النيابية من عثرات.

وفيما يخص السياسة الخارجية، فقد عكس اهتمام «المصور» المبكر بالأحداث الخارجية إدراكا مبكرا أيضا؛ لارتباط مصر الوثيق بالعالم من حولها، وحتى سنوات الحرب العالمية الثانية كان الاهتمام بالأحداث الخارجية يعنى اهتماما بأنباء الملوك والرؤساء وصُناع القرار الرسميين دون سواهم، لكن رؤية «المصور» للموقف تغيرت كثيرا بعد الحرب الثانية لتشمل الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والمتطورات الجارية على المسرح العالمي.

الأزمات أنضجت معالجة «المصور» للحوادث فقضية فلسطين جعلت «المصور» تهتم بالوضع الداخلى فى فلسطين، وبالأطراف المؤثرة فى صنع الفعل وفى تبنى ردود الافعال، بدءا بالعصابات الصهيونية، ومرورا بتفاصيل الموقف العربى والمواقف البريطانية والأوربية والأمريكية والمقاومة النظامية والشعبية داخل فلسطين، وكان سهلا بعد هذا أن تتحول «المصور» من موقف المتابع إلى موقف المحلل صاحب النبوءة والتقدير السياسي.

على صعيد الحدث السياسى الداخلى كانت «المصور» تستجيب دائما لنبض الشارع المصري، ومع ثورة 1952 بدأت «المصور» تنشر ملامح سياسة خارجية مصرية جديدة بدأت مع عدم الانحياز، وحولت مصر إلى مركز للحركة فى إطار العالم الثالث، وإلى بؤرة للاهتمام العالمي، هذا الخط فى المتابعة والتحليل والاستشراف استمر فى السبعينيّات فى دورات أكثر تطورًا، وباشتراك نشط فى فيض المعلومات والأخبار والتحليلات، وخلال السنوات الأخيرة تابعت «المصور» التغيرات الكبيرة فى سياسة مصر الخارجية، وتطور العلاقات الدولية، والأحداث الجسيمة المتلاحقة، حيث سجلت «المصور» موقف مصر من قضية فسلطين وليبيا، وغيرها من القضايا الشائكة.

وطوال تاريخها أبدت «المصور» اهتمامًا واضحًا بالرسم الكاريكاتيرى كوسيلة صحفية للتعبير، وفى عام 1936، بدأ ظهور الكاريكاتير السياسي، وهو يحتل غلاف «المصور» كاملا، واستمر حرص «المصور» على عرض أعمال أكبر رسامى الكاريكاتير فى مصر، فكنت ترى على صفحات «المصور» رسومًا كاريكاتيرية بريشة كل من سانتس وصاروخان ورخابرنار، وبرنى وحامد وفائق واللقانى وعباس الشيخ وعبدالسميع وبهجت وطوغان.

المجتمع المصري:

تغير مجتمع «الهاى لايف» كما كان يسمى باب المجتمع بعد أن أنهت ألغت ثورة 1952 مجتمع النصف فى المائة، وتصدرت أخبار الجمعيات النسائية والنشاط الخيري، أخبار المجتمع. لم يعد فراء كريمة «السير مايلز لامبسون» هو الخبر المثير، أصبح خبر الأم المثالية هو الأهم، كانت تحركات العائلة المالكة والأمراء والأميرات والنبلاء هى مادة المجتمع، لكن تحولت الدفة وأصبحت أخبار العاملة المثالية، ودور المرأة فى الإنتاج، هو الأهم، ومنذ بداية ثورة 52، كان اهتمام المجتمع، بلقاءات أعضاء مجلس قيادة الثورة مع مختلف قطاعات الشعب، العمال والفلاحين، مع أخبار المجتمع الدبلوماسى والجمعيات النسائية ونشاط الوزراء.

وبعد أن كان عدد الجمعيات النسائية لا يزيد عن ثلاث أو أربع، كان أقدمها الاتحاد النسائى الذى أسسته هدى شعراوي، ثم جمعية «الهلال الأحمر» ومبرة محمد على، أصبح عدد الجمعيات النسائية يزيد على المائة، وبرزت أخبار جمعية «تحسين الصحة» و«النور والأمل» و«سيدات مصر»، وغيرها. وأصبحت تلك الأخبار أهم من سباق الخيل، وتغيرت الصورة تماما، فرحلة «المصور» خلال المائة سنة، تعكس هذا التطور الكبير فى شكل المجتمع المصرى وتركيبته منذ قيام ثورة يوليو، وحتى الآن.

فى عام 1919 نزلت المرأة المصرية إلى الشارع تنتظم فى صفوف الثورة التى جمعت كل فئات الشعب وطبقاته، وعام 1923 تتأسس أول جمعية نسائية، وعام 1925، تطالب بحقها الانتخابي، وعام 1928 تشترك فى المظاهرات، وفى عام 1946 تعتصم فى الجامعة، أما فى عام 1951 تتطوع للتدريب للاشتراك فى الكفاح ضد المحتل، وقيام الفدائيين بأعمالهم البطولية فى القناة وتقوم الثورة، لتدخل الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي، ثم تصبح نائبة فى مجلس الأ

المصدر: المصور
elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 183 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2022 بواسطة elsayda

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا