<!--<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:8.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:107%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri",sans-serif; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
تقرير يكتبه: أشرف التعلبى - أميرة صلاح
«يا هلال الفكر فى العيد السعيد
هكذا ظل مضيئًا ألف عيد
هكذا ظل كما أنت حفيًا
لجهود، وحفيظًا لعهود
يا هلال الفكر كم طورت جيلًا
وتطورت على جيل جديد
صعد للفن حلقت بها
فتعالى شامخًا كل صعيد»
لا بحر بدون فنار، أو طريق بلا مرشد، وعليها فلا ثقافة بدون تنوير، ومن هذا الشعار حمل جرجى زيدان لواء المبادرة، وأسس الهلال فى سبتمبر 1892، لتستمر بعدها «الهلال» فى رحلة عطاء طويلة، ازدهرت فيها «الدار» يوما تلو الآخر، عبر مسيرة من التوعية والتثقيف امتدت إلى يومنا هذا، بلا انقطاع أو توقف، وهذا ما يجعلها الوحيدة فى الوطن العربى التى داومت طوال 130 عامًا على صدور مجلاتها المتعددة.
بدأت تلك القصة أول فصولها من حى الفجالة وسط القاهرة، لكونه حيًا عامرًا اختاره «جرجى» لمواجهته محطة قطارات السكة الحديد، مما يسهل عليه تصدير مجلته إلى كل أنحاء المحروسة، وأنشأ بهذا الحى مطبعته فى دكان صغير، برأس مال أربعة وأربعون جنيهًا فقط، ثم تحول بعد ذلك إلى مبنى بشارع قصر النيل، وتتابعت سنوات النجاح والجهد المتواصل حتى تضخم هذا الصرح الثقافى وأصبح له مبنى معمارى عتيق، يزين حتى الآن شارع «المبتديان»، بمنطقة السيدة زينب، وزاد عدد العاملين من ثلاثة فقط كانوا يعملون فى مطبعة الفجالة عام 1892 إلى أن وصل عددهم إلى ما يقرب من ألفين من الصحفيين والإداريين والعمال.
اختار جرجى زيدان اسم «الهلال» لمؤسستنا العريقة، إشارة لظهور مجلة الهلال مرة كل شهر، وتفاؤلًا بنموها مع الزمن حتى تندرج فى مدارج الكمال، فإذا لاقت قبولًا وإقبالًا تصير بدرًا كاملًا، وقد نجح جرجى فى هذا من خلال ما قدمته الهلال إلى قرائها فى الشرق والغرب من مادة ثقافية غزيرة، ونمت بحوارها مع القراء، كما جذبت إليها ألمع الكتاب من أهل الفكر والأدب والفن، لتصبح الهلال المجلة الأولى فى الوطن العربى بأكمله.
صدرت الهلال تلبية للحاجة إلى المعارف الحديثة، وهى ليست كمجلة المقتطف الذى عمل جرجى زيدان مديرًا لتحريرها سنة 1885، والذى كان يغلب عليها العلوم، فجاءت الهلال لكى يمتزج على صفحاته العلم بالتاريخ، والثقافة والفنون وتقرأ العلم والحداثة والأدب والشعر جنبًا إلى جنب، ونجحت الهلال فى نهجها وسط كثير من العقبات، وأدت رسالتها واحتفظت بجوهر صيغتها الصحفية التى ميزتها طوال تاريخها عن كل المجلات الثقافية الأخرى، التى عايشتها الهلال، كان بعضها رفيع المادة وعالى المستوى، واختفى العدد الكبير من المجلات لتبقى «الشقيقات الثلاث» مجلة الهلال وكتاب الهلال وروايات الهلال، كما هى صامدة فى رحلة طويلة شاقة.
أدى نجاح مجلة الهلال الشهرية إلى توالى ظهور مجلات أخرى متخصصة فى مخاطبة قطاع عريض من القراء، وأصبحت تلك الشقيقات تصدر الآن من مؤسسة دار الهلال حاملة شعار الثقافة للجميع وفى كل مكان.
ثقافة وتنوير فى سبيل الوطن
«المصور».. الإصدار الرئيسى
وقد نجحت مؤسسة دار الهلال فى الارتقاء بالصحافة والأدب والفنون وقطعت المسافات من خلال عدد من إصداراتها بداية من مجلة الهلال مرورًا بإصدارها الرئيسى «مجلة المصور»، التى صدر عددها الأول فى عام 1924، فعبر صفحاتها عرف المصريون القصور الملكية، وشاهدوا صور الملك فؤاد وفاروق، ولمسوا قوة الملكة الأم، وراقبوا الأميرات الصغيرات أثناء لعبهن فى حديقة القصر، كما عاش القراء الأحداث الكبرى فى مصر والعالم وخاضوا المعارك السياسية والثقافية عبر صفحاتها اللامعة من ثورات المصريين للتخلص من الاحتلال وصولاً إلى الثورة العظيمة فى 23 يوليو 1952، مرورًا بنصر أكتوبر العظيم وثورة الشعب ضد الجماعة الإرهابية فى 2013 وصولاً إلى بناء الجمهورية الجديدة لتكون «المصور» شاهدة على قرن من عمر الوطن ملىء بالأحداث العظيمة.
وفى عام ظهور «مصور» دار الهلال صدرت فى مصر أكثر من ستين جريدة ومجلة متنوعة، اختفت جميعًا ولم يبق منها إلا «المصور» التى قاربت على الاحتفال بعيدها المئوى العام بعد المقبل لتواصل رسالتها فى التنوير وبناء الوعى والدفاع عن الدولة الوطنية فى مواجهة تيارات التطرف وجماعات الظلام.
صدر العدد الأول من مجلة «المصور» فى الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1924 يحمل غلافه رسمًا للملك فؤاد، وحفلت المصور منذ أعدادها الأولى بالصور الكثيرة المطبوعة «بالروتغرافور»، وهذا النوع من الطباعة استخدمته ألمانيا ثم انتقل منها بعد ذلك إلى دول أوربية أخرى ثم أدخلته دار الهلال فى مجلاتها، والمصور قد كان أول من أدخل هذا النوع من الطباعة إلى الأقطار الشرقية وتكبد فى سبيل ذلك مشقات كثيرة شأن كل راغب فى التجديد.
كما واكبت «المصور» أحداثًا سياسية كبيرة، واكتشافات أثرية مهمة وقامت بنشر صور نادرة تسجل تلك الواقعات مثل واقعة مقتل السير لى ستاك، فقد أوردت صور المتهمين مثل عبدالحميد عنايت وعبدالفتاح عنايت وشفيق منصور وغيرهم.
أما الاكتشافات الأثرية فكان أهمها الكشف عن قبر توت عنخ آمون، وقد أخذت تزود القارئ بالصور الجديدة للتحف الفنية التى وجدت فى القبر، وأبدت «المصور» ضيقها بنقل صور الآثار المصرية من المجلات الأجنبية لأن «الحكومة المصرية التى اتفقت مع المستر هوارد كارتر مكتشف القبر على أن تتولى هى توزيع أخباره على الجرائد لم تحفل بأمر الصور مع أن لهذه الصور شأنًا كبيرًا».
ولا أستطيع أن أخبر القارئ عن آلاف الصور التى نشرتها المصور، كل صورة تمثل واقعة، ولكن يمكن القول إن المصور منذ صدورها إلى الآن عبارة عن سجل مصور لتاريخ مصر فى تلك الفترة.
واستمرت المصور تعلق على أهم الأحداث السياسية وتحللها أولًا بأول بالصورة والكلمة ابتداء من معاهدة 1936 وحتى الآن مرورًا بالحرب العالمية الثانية وحادث 4 من فبراير 1942، ومحادثات صدقى بيفن، وحرب فلسطين، وقيام ثورة يوليه 1952، وتأميم القناة، وحرب 1956، ومؤتمرات القمة العربية، وحرب يونيه 1967، ومعارك رأس العش، وحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر وما تبعها إلى آخر ما يعرفه القارئ من الواقعات الكبرى فى تاريخ مصر والعرب والعالم.
بل نرى «المصور» تنشر مذكرات رجال الوطنية المصرية وهى مذكرات سياسية مثل مذكرات إسماعيل صدقى وذكريات سعد باشا التى نشرها بركات باشا وغيرها، ومنذ عام 1952 والمصور تأخذ الجانب الوطنى وتعبر عنه، وهذه المواد السياسية تكشف مداخلات وملابسات واقعات عديدة، وتعين العوامل المسيطرة على سير الأحداث، وتستظهر أمام ذهن القارئ حقائق غائبة، وتزيل عن بصره غشاوة حاجبة.
ولكن ذلك لا يعنى أن المصور انصرفت عن المجتمع ومشاكله، أو عن الثقافة وقضاياها، فمنذ ظهورها وهى تعرض الموضوعات الاجتماعية، وتهتم بعلاجها، ومن أمثلة ذلك ما كتبه فكرى أباظة تحت عنوان «البلشفية فى مصر» (عدد 39) وناشد فيه الحكومة إصلاح الأوضاع الاقتصادية فى البلاد حتى لا تتفشى الشيوعية، وكان ذلك بعد كشف التنظيم الشيوعى الذى أسلفنا الإشارة إليه، ونشر فكرى أباظة مقالات أخرى يوازن فيها بيننا وبين الأجانب فى مجال الإدارة والسلوك الاجتماعى، وانتقد ما يجرى فى البيوتات الكبيرة من بذخ وإسراف وتبذير، وطرح كميات وفيرة من الطعام على الموائد الأمر الذى يعرض الصحة للمرض، وامتدح الأجانب لاقتصادهم فى كل شىء.
ولم تغفل المصور عن قضايا المرأة وتحريرها، وكانت تشجع النساء على المطالبة بجميع الحقوق المدنية والسياسية، ومن هذا نشر صورة كبيرة على غلاف أحد أعدادها لمنيرة ثابت لتعزيز طلبها بحق المرأة فى الانتخابات، وعلقت بقولها: «يسر المصور أن تشجع فى الأمة على الدوام العناصر الحية التى ترمى إلى التجديد والإصلاح والعمل».
معارك صحفية
وعلى ذكر المرأة فقد نشرت «المصور» مقالًا لتوفيق الحكيم دعا فيه إلى تعدد الزوجات، وبخاصة بعد مقتل ملايين الرجال أثناء الحرب العالمية الثانية، ومما قاله:
«أنصح لنسائنا المطالبات بمنع تعدد الزوجات أن يتريثن قليلًا فربما افتخرن غدًا أمام نساء العالم المتمدن بذلك». «إن الطبيعة نفسها هى أول نصير لتعدد الزوجات»، «إن الاكتفاء بالزوجة الواحدة بدعة اخترعتها أنانية الرجل فى الأرجح».
وعلى الفور اندلعت المعركة، وتطاير الشرر، وأطلقت النساء أعيرتها النارية على توفيق الحكيم أو عدو المرأة، وردت عليه أمينة السعيد وحرم علوبة باشا (وكيلة الاتحاد النسائى) ووصفت هدى هانم شعراوى زعيمة النهضة النسائية كلام الحكيم بأنه «بدعة لا نقره عليها، بل نقاومها بكل ما لدينا من قوة، ونعتقد أن ما فى امرأة فى العالم تقبلها، وتؤيدها فى ذلك الأديان التى تحرم تعد الزوجات صونًا لكيان الأسرة»، وهذا يبين أن المصور فتحت صفحاتها لمناقشة القضايا الاجتماعية من زوايا مختلفة.
نجوم فى سماء المصور
وقد وصف مكرم محمد أحمد جهود بعض رؤساء تحرير المصور على هذا النحو: «أعطاه فكرى أباظة هذا المذاق المصرى الخاص الذى جعل منه منافسًا عظيمًا لكل الصحف اليومية، والذى أضاف إليه نكهة ناقدة ضاحكة باكية تبدت فى سخرية لاذعة.. وأعطاه مصطفى أمين تلك الحيوية الدافقة.. بحث عن الخبر والصورة وذاك الإيقاع السريع مع مجريات الحدث اليومى، وجاء أحمد بهاء الدين ليعطيه عمق الرؤية وشمول النظرة.
وحررت «المصور» الكلمة من أغلالها، وأتاحت التعبير لجميع الاتجاهات الدينية والعلمية والاقتصادية – وأجرت حوارات كثيرة مع أصحاب هذه التيارات، اتسمت بالطول والحرارة والاتساع، وهذا من شأنه أن يرسم تصورات واضحة للقضايا، ونضرب أمثلة بحوارات المصور مع عمر التلمسانى وحافظ سلامة ونجيب محفوظ وفاروق الباز وياسر عرفات وغيرهم، فقد تبحروا وأوغلوا فى الموضوعات التى تحاوروا فيها.
وفى النواحى الثقافية والأدبية أتاحت المصور الفرص لكوكبة من أعلام الفكر والفن لتسطير آراؤهم سواء جاء ذلك فى شكل قصة قصيرة، أو رواية منجمة، أو مقال أدبى نقدى، أو فى حديث صحفى، وهكذا جمعت «المصور» بين أعمال المجلة الثقافية، والجريدة اليومية السياسية وأشبعت فى الناحيتين.
الكواكب ملحق المصور الفنى
كانت مجلة «المصور» تخصص عدة صفحات للسينما والمسرح، ولكنها بمرور الوقت ضاقت عن استيعاب التقدم فى هذا الميدان، فرأت إدارة الهلال تخصيص مجلة تتابع التطور الفنى، فأصدرت «الكواكب» فى يوم الإثنين 28 من مارس 1932 كملحق فنى «للمصور».
ومنذ صدر العدد الأول من الكواكب وهى تحتل موقعًا متميزًا فى الصحافة الفنية، والتى كانت تنشر ملخصات لأفلام الأسبوع، وأحاديث مع النجوم، ومقالات لرجال السينما، إضافة إلى أخبار الأفلام التى يجرى تصويرها.
وأثارت الكواكب الكثير من القضايا الفنية منها صراع زكى طليمات لإنشاء معهد التمثيل، والتحاق الفتيات للدراسة به، وقد احتفت المجلة بالفنانة زوزو حمدى الحكيم ـ أول من تخرجت فى المعهد ـ وتصدرت صورتها أحد أعدادها، وقضية عدم تحلل جسد العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ ورأى أهل الدين والعلم فى ذلك.
ولم يكن دور المجلة مقصورًا على نشر الأخبار السريعة، والصور الجاذبة، والمادة الفنية الخفيفة، إنما عمدت إلى تثقيف جمهورها بالصنعة الفنية، والتجارب والخبرات التمثيلية، فكتب يوسف وهبى مقالًا تحت عنوان «كيف أرسم شخصية دوري؟» وحكى محمد كريم عن تجاربه فى إخراج الروايات السينمائية، وخاطب عشاق الفن فى مقالة عنوانها «كيف تكون ممثلًا سينمائيًا؟» وتنتقل المجلة من التمثيل إلى التأليف من خلال مقالات متتالية كتبها أحمد خيرى سعيد عن «كيف تكتب الرواية المسرحية؟» وهى دروس نافعة، وأضواء باهرة تلقى على الأعمال والأدوار الفنية يفيد منها كل من يتطلع إلى التأليف المسرحى أو التمثيل السينمائى.
حواء الجديدة
كانت دار الهلال تهتم بشئون المرأة فأصدرت أول مجلة نسائية، تنطق باللغة العربية باسم «حواء الجديدة»، ووقع اختيار أصحاب الهلال على السيدة أمينة السعيد لتتولى قيادتها وريادتها نظرًا لخبرتها، ومكانتها الاجتماعية، وشهرتها التى حققتها بكتاباتها على مدى عقدين من الزمن، وبعد مرور فترة غير قصيرة فى الإعداد والتجهيز، صدرت مجلة «حواء الجديدة» فى منتصف يناير عام 1955، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية.
ولم تحصر المجلة قضاياها فى الأناقة والظرافة، وإنما سعت إلى تحقيق السعادة فى العائلة، فلا أناقة أو ظرافة دون استتباب ما يمكن أن نسميه بالأمن العائلى فتصدت لقضية الطلاق وتعدد الزوجات، وما ينجم عن هذا من عواقب مذمومة، تهز العائلة، وتهدد مستقبلها، فرأت ألا ينفرد الرجل بالطلاق، وإنما يتم ذلك عن طريق القضاء، وبعد تقدير هيئة المحكمة للظروف، واقتناعها بضرورة الانفصال وإذا كانت أمينة السعيد قد جاهدت من أجل نصرة هذه القضية الاجتماعية فإن السيدة سعاد حلمى، واصلت العمل، وأشادت بالتجربة النسائية الرائدة للاتحاد النسائى العراقى التى أوجزتها على هذا النحو:
كذلك ناقشت «حواء» قضية تنظيم الأسرة عن طريق تحديد النسل، وربطت بين تنظيم الأسرة واستقرارها، فكلما شعرت المرأة بالاستقرار قل الإنجاب.
وحبذت المجلة عمل المرأة إلى جانب الرجل، ولم تقتصر على ذلك، بل نادت بالمساواة التامة بين الجنسين فى جميع المجالات، ومن ثم أشادت بثورة 1952 التى أتاحت للمرأة فرصًا كثيرة للعمل، ومنحتها حقوقًا سياسية واجتماعية.. وبالرغم من جهود المجلة لإيجاد حلول لمتاعب المرأة العاملة، فإن كثيرًا من المشكلات التى تعانى منها المرأة العاملة غير قابلة للحل. فإنه من العسير عليها الجمع بين أعمال البيت وواجبات الوظيفة، ولا يسعنا المجال هنا لمناقشة هذه القضية، ولكن البحث عن حل للمشاكل فى ذاته عمل محمود.
وهكذا تناقش «حواء» مشاكل المرأة العصرية فى ظل علاقات اجتماعية معقدة، وعلاقات عاطفية مضطربة، وتحاول المجلة التغلغل فى أغوار النفس للوقوف على بواعث الفعل، وبخاصة عند تحليل السلوك الشخصى للمرأة فى أحوال متغيرة، ولعل باب «استراحة نفسية» الذى يقدمه د. يسرى عبدالمحسن له فوائده الجمة.
ولا يفوت المجلة أن تعرض للأوضاع الاقتصادية المؤثرة على الحياة الاجتماعية فتناقش المشاكل السكانية وانعكاسها على التنمية.
بين طبيبك وسمير
بالإضافة إلى أن دار الهلال أصدرت مجلة طبيبك الخاص، وصدر العدد الأول عام 1969، وكانت المجلة الطبية الوحيدة فى العالم العربى، فاحتضنها القارئ وداوم على متابعتها شهريا، واستطاعت خلال مسيرة نصف قرن أن تناقش عددا من القضايا الحيوية فى مجال الطب، كأمراض فيروس سى والعقم والبلهارسيا وأطفال الأنابيب، كما تقدم كل ما هو جديد فى عالم الطب سواء من خلال ترجمته عن الدوريات والمجلات الطبية إلى العربية، أو من خلال استكتاب كبار الأطباء المصريين.
كما أصدرت دار الهلال مجلات وكتب للأطفال مثل مجلة سمير، وهى مجلة أسبوعية للأطفال من رواد أدب الطفل تصدر أسبوعيًا عن دار الهلال منذ عام 1956م.
وقصة إصدار سمير بدأت عندما كانت السيدة ناديًا نشأت قد اقتنعت بأهمية إصدار مجلة عصرية للأطفال تنمى مداركهم، وتتلافى عيوب المجلات السابقة، فسعت فى هذا إلى أن أقنعت أصحاب الهلال، وأخذت تعد العدة كذلك، فأجرت استفتاء لاختيار اسم لمجلتها فكان «سمير» ربما لأنه أكثر رقة، وأدل على مضمون المجلة التى تستند إلى المسامرة، وأعدت مادة يغلب عليها الاقتباس والترجمة من المجلات الأجنبية، واستعانت بفنان فرنسى يدعى «برنى» لرسم الشخصية المحورية فى المجلة وهى شخصية سمير، وأبدع هذا الفنان حتى استطاع أن يبرز فى وجه «سمير» الملامح المميزة للطفل المصرى، واستطاعت بعد كل ذلك أن تدر أول عدد فى منتصف أبريل 1956 يتكون من 16 صفحة، وظلت السيدة ناديا نشأت ترعى المجلة وتغذيها بمبتكراتها وتحل المواد المؤلفة مكان المواد المترجمة شيئًا فشيئًا حتى استقام شأنها، وأسلمتها إلى السيدة نتيلة راشد الشهيرة باسم «ماما لبنى» عام 1963، وتوالى بعدها رؤساء التحرير حتى يومنا هذا. كما أصدرت دار الهلال مجلة «ميكى»، وكتب «الهلال للأولاد والبنات»، و«توم وجيرى».
إصدارات متواصلة
لم تتوقف دار الهلال عن تقديم الإصدارات الجديدة فأصدرت «كتاب الهلال»، و«روايات الهلال»، وغيرها الكثير من الإصدارات التى لم يقدر لها الاستمرار مثل «مجلة الإثنين»، و«مجلة الإثنين والدنيا»، التى صدرت عام 1934 وكان يرأس تحريرها مصطفى أمين، ومجلة «كل شىء والعالم»، والتى صدرت عام 1925 واستمرت فى الصدور إلى عام 1939، و«الفكاهة والكواكب»، و«الكواكب والأبطال»، و«نحن العرب»، وغيرها.
حرصت دار الهلال خلال مشوارها أن تكون مدرسة رائدة للتنوير ونافذة واسعة للقراء المصريين والعرب، من خلال ما قدمه رموز الفكر والأدب والفن ابتداء من مؤسسها جرجى زيدان وابنيه إيميل وشكرى الذين حملا لواء التطوير بعد والدهما، مرورًا بطه حسين وتوفيق الحكيم وعباس العقاد وحسين هيكل والمازنى وسلامة موسى وأحمد شوقى وجبران خليل وأمينة السعيد وأحمد بهاء الدين وفكرى أباظة ورجاء النقاش ومكرم محمد أحمد وغيرهم كثيرون حتى الجيل الحالى بمن يحفل بهم من كتاب كبار أصحاب أقلام وطنية تحمل راية التنوير أمثال يوسف القعيد وعبدالقادر شهيب وحلمى النمنم وحمدى رزق وغالى محمد.
يقول جرجى زيدان فى الأعداد الأولى من مجلة الهلال: «إن صناعة القلم أكثر المهن حاجة إلى التدبير لأنها تتعلق بشعور الناس وتمس حاجاتهم الأدبية، واعتقاداتهم الاجتماعية، لاسيما فى الشرق لاختلاف المشارب والمذاهب والأذواق والأخلاق، قبل أن يتناول الكاتب القلم يرى العقبات تتوالى أمامه، ومهما يكن من تفاهة موضوعه أو أهميته لا يدرى ما يكون تأثير أقواله على قرائه، فإذا أرضى المسلم لا يرضى المسيحى، وإذا أرضى المصرى لا يرضى السورى، وإذا أرضى النشء أغضب المحافظين، وإذا أرضى هؤلاء جميعًا لا يرضى نفسه».
هذا ما كتبه جرجى زيدان فى الهلال وهو ما يعكس إدراكه بالتحديات الثقافية، وصور فى مقال آخر علاقته بالقارئ: « نحن فى حاجة إلى العلم، لكننا أحوج إلى الشعور بحقيقة حالة الأمة، بحيث نطبق علمنا على حاجتها، وهذا التطبيق يحتاج إلى الحاسة الاجتماعية، وعلى الكاتب أن يتصور القارئ يتململ من كل فقرة معقدة، وينفر من كل عبارة غير صريحة.. ولو أحرز الكاتب علوم الأولين والآخرين ولم يشعر بحقيقة الوسط الذى هو فيه ويطبق ما يكتبه أو ينشره على حاجات أهله ذهب علمه ضياعًا وأضاع وقته سدى».
تقول زوجة إميل: إن دار الهلال بدأت بحجرة فى الفجالة، حيث كان والد إميل جرجى زيدان، أدخل فيها المطبعة وكان يسهر الليل فى كتابة الروايات.
وأثناء وجود المطبعة فى الفجالة كتب لى اسمى بالعربى ففرحت واحتفظت به، وبعدها قام أميل فى بناء دار الهلال الحالية فى السيدة زينب وهى مقامة على 8 آلاف متر، وعندما فكر إميل فى بنائها، شاركنا جميعًا فى رأس المال، إميل وأخوه شكرى وأنا وزوجة شكرى بمهرينا، وسافر إميل وأخوه إلى ألمانيا، حيث اشترى المطابع وكانت أول مطابع تدخل مصر، واستمر البناء ثلاث سنوات.
وعندما كان يزورنا أصحاب جرائد أمريكية كانوا يقولون «الهلال» متطورة الماكينات أفضل من التى نستخدمها فى أمريكا.
وبعد الانتهاء من بناء دار الهلال