العلاقة بين المرض والوراثة: يعد علم الوراثة البشرية -الذي يختص بطرق وراثة الصفات الطبيعية وتحديد أثر الوراثة في ظهور الأمراض الوراثية- من أحدث العلوم الطبية، إذ بدأ منذ ثلاثين عامًا فقط في الدول المتقدمة منذ اكتشاف العدد الصحيح للكروموسومات في جسم الإنسان وهو (46 كروموسوم) في نواة خلية جسدية، واكتشاف أن بعض الأمراض والوراثية يكون سببها اختلال في عدد الكروموسومات وتمثل الكروموسومات حاملات العوامل الوراثية (الجينات) في نواة الخلية، وتقسم الكروموسومات في الخلايا الجسدية للإنسان إلى (46 كروموسوم) مقسمة إلى (23 زوج) كل منها يشبه الآخر تماماً، وتحتوي أول خلية في جسد الإنسان وهو جنين على (46 كروموسوم) (23 منها من الأم، و23 منها من الأب)، علما بأن (22 كروموسوم) منها جسدية وكروموسوم واحد فقط يحدد صفة الجنس (الذكورة والأنوثة)[1].
ويوجد ما يقرب من (4 - 8) جينات مرضية يحملها كل شخص، لكن تأثيرها المرضي لا يظهر؛ لأن الجين الطبيعي يكف عمل الجين المرضي، وقد تنتقل للأطفال، فإذا انتقل الجين نفسه من كلا الوالدين للطفل ظهر المرض، ويقدر العلماء أن كل شخص لديه من 50 ألف إلى 100 ألف من الجينات، وقد يكون أيها معيبًا، وزيادة فرصة ظهور زوج من الجينات المعيبة معًا في الطفل لا يحدث إلا إذا تم الزواج بين فردين من العائلة نفسها، كما يحدث في زواج الأقارب[2].
ولذا فإن معرفة عدد الكروموسومات والجينات تساعد في فهم موضوع الوراثة ومعرفة الصفات الوراثية وكيفية تشخيصها.
إنّ للوراثة أثرًا كبيرًا في أغلب الأمراض المعروفة، حتى الأمراض التي تسببها البكتريا، يعتقد الباحثون أن الاستعداد للإصابة بها يورث، ويمكن توضيح العلاقة بين الوراثة والإصابة بالأمراض على النحو التالي[3]:-
(أ) توجد مجموعة من الأمراض يرجع سببها الرئيس غالبًا إلى عوامل بيئية، ولكن للوراثة والعوامل الوراثية فيها أثر، مثل (مرض الربو – السكر - ارتفاع ضغط الدم - القرحة المعدية)، أي أن الإنسان يولد ولديه استعداد للإصابة بمرض من هذه الأمراض، فإذا صادفته ظروف بيئية معينة كالمواد المهيجة للحساسية في حالة الربو، أو الانفعال النفسي الشديد والتدخين المفرط للسجائر في حالة القرحة المعدية، والتهاب الكلية في حالة ارتفاع ضغط الدم، فتظهر على المريض أعراض المرض.
(ب) توجد مجموعة أخرى من الأمراض –وهي نادرة نسبيًا- يرجع سببها الرئيس لتغير طارئ في طبيعة الكروموسومات نتيجة التعرض للإشعاع أو لأسباب أخرى، مثل حالات التخلف العقلي المعرفة باسم (المنغولية)، إذ تكون الكروموسومات فيها لسبب غير معروف (47 كروموسوما) في الخلية بدلا من (46 كروموسوما)، وينتشر بين الأطفال الذين ولدوا بعد بلوغ الأم 35 عامًا، وتمثل نسبته (2 في الألف) من عدد المواليد.
(جـ) توجد مجموعة أخرى من الأمراض يكون السبب الرئيس فيها هو الوراثة، وهي قليلة نسبيًا، ومنها مرض الهيوفيليا (النزيف الدموي الوراثي).
ومن الأمراض الوراثية مرض أنيميا البحر المتوسط (الثلاسيميا) الذي يظهر عندما يكون الوالدان حاملين لجينات المرض، لذا يعد هذا المرض من الأمراض الوراثية الخطيرة التي نتج عنها كثير من الأضرار الصحية البالغة.
2- تعريف الأمراض الوراثية:
يشير مفهوم الأمراض الوراثية Hereditary Diseases كما في الموسوعة الطبية إلى "أنها تمثل مجموعة من الأمراض التي قد تنتقل بالوراثة من جيل إلى جيل، وينتج عنها اضطراب في الجينات المحمولة على الصبغيات، وقد يكون ذلك الاضطراب في عدد الجينات أو تكوينها"، وقد تصيب تلك الأمراض أحد الجنسين دون الآخر، ويطلق عليها في تلك الحالة اسم الأمراض الوراثية المرتبطة بالصبغيات الجنسية، وقد يكون أحد الجنسين حاملا للمرض الوراثي، دون أن يصاب به[4].
كما تعرف بأنها "الأمراض التي يكون سببها خللا في مورثة الأب أو الأم، والأمراض الوراثية عديدة، ويمكن تشخصيها في الطفل وهو جنين بعملية خاصة حيث توضع إبرة جوفاء في رحم الأم لاستخراج عينة من السائل المخاطي الذي يطفو فيه الطفل، ففي هذا السائل من الخلايا ما يكفي لاكتشاف المرض الوراثي"[5].
وفي ضوء ذلك تعرف الأمراض الوراثية بأنها "الأمراض التي تورث من الآباء إلى الأبناء، كما في أمراض عدة كالبول السكري والسرطان والأمراض العصبية والنفسية ولا يشترط أنه إذا كان الآباء مصابين بأحد هذه الأمراض أن يصاب بها الأطفال، ولكن احتمال إصابة الأبناء بتلك الأمراض يزداد في حالة إصابة الآباء بهذه الأمراض، والأمراض الوراثية حقيقة هي الأمراض التي قدر فيها للجنين أن يولد مصابًا بها، وقد تكون سببًا في وفاته، وقد يعيش بها مريضًا طوال حياته، ولا يشترط أن تكون تلك الأمراض موجودة في الآباء"[6].
3- أنواع الأمراض الوراثية:
تنقسم الأمراض الوراثية إلى ثلاثة أنواع هي:-
(أ) الأمراض الجينية.
(ب) الأمراض الكروموسومية.
(جـ) الأمراض المركبة
وسوف نشير إلى هذه الأنواع الثلاثة بشيء من التفصيل على النحو التالي[7]:-
أولاً: الأمراض الجينية:
وفيها يتكون الكروموسوم من عدة جينات متلاصقة يتحكم كل منها في صفة من صفات الإنسان، وتنتج الأمراض الجينية من خلل في الجينات دون حدوث تغيرات في الكروموسوم ككل، وللأمراض الجينية نوعان:-
(1) أمراض جينية سائدة: وهي التي تنتقل من جيل إلى جيل (من الأب أو الأم إلى الأطفال) ويوجد حوالي 600 مرض يورث بهذه الطريقة، ولهذه الأمراض عدة صفات هي:-
(أ) أن المرضى يحملون جينًا واحدًا للمرض.
(ب) أن حامل المرض هو أحد الأبوين، ولا يعاني أعراضًا ظاهرة للمرض.
(جـ) يصيب الذكور والإناث بالتساوي، وتتفاوت تلك الأمراض في درجة إظهار الجين المريض، من مريض لآخر.
(2) أمراض جينية متنحية: ويوجد حوالي 500 مرض يورث بالطريق الجينية المتنحية، وتتميز هذه الأمراض بالصفات التالية:-
(أ) يحمل المرضى (2) من الجينات المرضية.
(ب) يكون الأبوان طبيعيين لكنهما حاملان للجين المرضي.
(جـ) يصيب الذكور والإناث بالتساوي، ويكثر في المناطق التي ينتشر فيها زواج الأقارب.
(د) توجد في كل حمل احتمالات ولادة (25% طبيعيون – 25% مرضى - 50% حاملون للمرض دون ظهور الأعراض عليهم).
ثانياً: الأمراض الكروموسومية:
وهي التي يحدث فيها تغيير في الكروموسومات، وهذه التغييرات التي تحدث في الكروموسومات نوعان:-
(1) تغييرات عددية:
وهي أمراض وراثية تنتج عن التغيير الذي يحدث في عدد الكروموسومات مثل نقص أو زيادة زوج من الكروموسومات كما في حالة (متلازمة داون) down syndrome وهي نوع من حالات الضعف العقلي.
(2) تغييرات هيكيلة:
وهي أمراض وراثية ناتجة عن تغيير في هيكل وشكل الكروموسومات، وتصل نسبة هذه الأمراض إلى 5.6 لكل ألف مولود من الأحياء، مثل مرض بكاء القطة.
(3) الأمراض المركبة:
وهي التي تكون نتيجة لأكثر من عامل وراثي وبيئي، وتسمى باسم الأمراض الوراثية ذات الأسباب المتعددة، أي التي تورث طبقًا لطريقة (مندل) المعروفة، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الأمراض التي لم يعرف السبب الرئيس لظهورها، أو الأمراض التي تتداخل فيها العوامل الجينية والعوامل البيئية مثل أمراض ثقوب القلب الوراثية.
وفي ضوء ما سبق فإن مرض أنيميا البحر المتوسط ينتمي للنوع الأول من الأمراض الوراثية وهو (الأمراض الجينية ذات الصفة المتنحية) الذي يوجد بكثرة في المجتمعات التي ينتشر فيها زواج الأقارب مثل المجتمع المصري.
(4) أسباب الأمراض الوراثية: