Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

النظريات التيوقراطية ونشأت الدولة والحكومة

د. محمد ماهر الصواف

لا يمكن تحديد كيف نشأت ألدولة ومتي كان ذلك؟ وكيف تطورت ووصلت إلي ما وصلت إلية وما هي نقطة الابتداء التي انطلقت منها؟ وما هو مبرر وجود الدولة وسبب نشأتها؟

والحديث عن اصل الدولة يعني بصفة خاصة أصل وجود السلطة الحاكمة (الحكومة) وليس أصل وجود الشعب أو ألإقليم فهذين العنصرين لا تثير إلا جدلا محدودا قياسا بما يثيره نشأت الحكومة ومبرر وجودها،  ومن هنا تعدد المحاولات لتفسير نشأت الدولة (الحكومة) وأخذت هذه المحاولات اتجاهات مختلفة أهمها النظريات التيوقراطية ونظريات العقد الاجتماعي ونظريات التطور والقوة وسنتناول في هذا المقال النظريات التيوقراطية

لقد مرت النظريات التيوقراطية بتطورات متعددة ففي  الديانات القديمة فى مصر وفارس والهند والصين كان الحاكم يعتبر من طبيعة إلهية بل كان أحيانا يعتبر هو نفسه الإله أو خليفة الله فى الأرض هو وأبنائه ، وكان المحكومين يقدسون حاكمهم

ولما استقرت دعائم المسيحية فى العصور الوسطي بعد الاعتراف بها كدين رسمى للإمبراطورية الرومانية لم تتعرض لنظم الحكم واكتفى الدين المسيحي بالدعوة إلى الفضائل اللازمة لإسعاد البشرى فى الدنيا والآخرة وترك ما لقيصر للقيصر وما لله لله.

ويمكن القول ان الفكر المسيحي رفض النظرة للحكام علي انهم آلهة إلا انه أحيا النظريات التيوقراطية بعد ان كادت تندثر حيث انطلق الفكر المسيحى من ان الله خلق كل شئ فى الحياة بما فيها الدولة والحكام وبالتالي فالله خلق الدول وأصطفي لكل منها حكام . وترتب علي ذلك التسليم بأن الحكام مخولين من قبل الله ولا يجوز معارضتهم وأن طاعتهم من طاعة الله. وقد اطلق المفكرين علي هذا الاعتقاد بنظرية الحق الإلهي المباشر والتي جاءت لتفسر السلطة المطلقة للحكام.

ومع التطور أخذ هذا الإفتراض يتخذ فكرة " الحق الإلهي غير ألمباشر وسنلقي الضوء باختصار علي هاتين النظريتين:

أولا : نظرية الحق الإلهى المباشر

يذهب أنصار هذه النظرية إلى أن قوة عليا – قوة الله – هى التى أوجدت الدولة والسلطة السياسية فيها، بمعني ان الله هو الذي أختار  الشخص أو الأسرة الذى يكون له حق الحكم فى مجتمع معين ، وعلى ذلك تنظر هذه النظرية لسلطة الملوك علي انها مستمدة من الله تعالى الذى اصطفاهم وأيدهم بقوته ليرعوا مصالح الأفراد الذين يجب عليهم الطاعة.وان الدولة أنشاها الله لرعاية مصالح العباد.  وكأن الاعتقاد السائد أن ما يملكه  الحاكم ورجال السلطة العليا التابعة له من سلطة الإكراه والعقاب – أى التنظيم السياسى كله – هو نتيجة لطبيعة الإنسان الفاسدة وأن الله فرض هذا النوع من الحياة على الإنسان بسبب الخطيئة الأولى ومن ثم فعلى الإنسان أن يطيع الحاكم أيا كانت تصرفاته على أساس أن تلك، هى إرادة الله.

وقد بنيت الكنيسة نظرتها عن الحق الإلهى فى ألحكم أو النشأة المقدسة للدولة على قول الرسول بولس بخضوع جميع الناس للسلطات العليا ذلك لأن الله هو الذى وضع هذه السلطات فى أيدها.

ثانيا : نظرية الحق الإلهى غير المباشر:

يرى أصحاب هذه النظرية أن الله قد رتب الحوادث بشكل معين بحيث يقوم فرد أو أسرة بأعباء الحكم فى وقت معيين فالله لا يختار الملوك بإرادته مباشرة ولكن العناية الإلهية توجه الحوادث وإرادات الأفراد توجيها يصبح معه هذا الاختيار أمراً لازماً لا مناص منه، ومن ثم فأن السلطة تأتى من الله إلى الحكام بواسطة الشعب واختياره.

ولقد كانت هذه النظرية فى الواقع أول محاولة للحد من السلطات المطلق للملك في العصور الوسطى ألمسيحية وتفصيل ذلك أنه استنادا إلى هذه النظرية فأن الملك لا يمارس السلطة السياسية باعتبارها حقاً شخصياً رهينا بقوته ألمادية لأن القوة المادية لا تصلح سنداً لنظام سياسى دائم ولا باعتبارها حقاً شخصياً رهينا باختيار الله له ، لأن الله لا يختار الحكام بإرادته المباشرة ولا يصطفيهم بأشخاصهم ، ولكن الملك يمارس السلطة السياسية باعتبارها حقا شخصياً رهينا باختيار الناس له وبالتعاقد بينه وبينهم باعتبارهم الوسطاء بينه وبين السلطة التى تأتى من الله.

وتلخيصا لما سبق يمكن القول أن نظرية النشأة المقدسة للدولة والحكام تنتهي إلي النقاط التالية:

<!--أن الله خلق الدولة والحكام بقصد إنقاذ البشرية من الهلاك.

<!--أن الله أرسل مندوبا أو أختار وكيلا له ليحكم البشر.

<!--أن الحاكم وسلطة الحكام قدر من عند الله .

<!--لا يتم مساءلة الحاكم إلا أمام الإله فقط.

<!--عدم طاعة سلطة الحاكم معصية للإله.

وقد ظلت نظرية الحق الإلهى غير المباشر سائدة طوال قرنين تقريباً كانت للكنيسة فيهما اليد الطولى فى المجتمع الأوربى المسيحى. ولكن نفوذ ألكنسية وخاصة فيما يتصل بالشئون غير ألدينية بدأ يتقلص نتيجة لعدة عوامل اقتصادية واجتماعية وفكرية طرأت على أوربا فى هذه الفترة.

ورغم ما وجه لهاتين النظريتين من نقد إلا انها تميزت بأنها أكدت أن للدولة رسالة أخلاقيه إذ مادامت الدولة من عمل الله فلابد أن تكون لها رسالة أخلاقية سامية. كما أنها وجهت الاهتمام إلى أهمية دور عامل هام ورئيسى فى تطور ألدولة فقد اوضحت دور الدين وعملت على تطوير احساسنا به فى نطاق السياسة.

ويجب الإشارة أن الإسلام والقرآن الكريم لم يتعرض لتفاصيل نظام الدولة الإسلامية أو لشكل المؤسسات ودورها أو كيفية وطرق تشكيلها أو نمط وحدود العلاقة وتوزيع الاختصاصات بينها .... الخ، إلا انه حدد الأسس الثابتة والمبادئ العامة التي يجب أن يقوم عليها أو يسترشد بها نظام الحكم في الدولة الإسلامية.

 

كما يلاحظ من ناحية أخرى أن الإسلام جعل العلاقة بين العبد وربه تلقائية ومباشرة دون وساطة ولذلك لم تكن هناك حاجة إلى سلطة كهنوتية أو إلى رجل دين أو إلى (مؤسسة دينية) على النحو الذي عرفته المسيحية فليس لعالم الدين أو الحاكم وضع خاص ومميز في المجتمع أو الدولة الإسلامية ومكانته عند الله تتحدد بعلمه وتقواه وعليه من حيث التكاليف وأحكام العبادات ما على أي فرد مسلم أخر.

المصدر: د. محمد ماهر الصواف : مبادي العلوم السياسية، الجزء الأول، مدينة الثقافة والعلوم ،6 اكتوبر 2012
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 725 مشاهدة

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

300,585

ابحث