عصر النهضة Renaissance 

د. محمد ماهر الصواف

جاء عصر النهضة  إنعكاسا للتخلف والجهل الذي ساد في أواخر العصور الوسطي ( عصور الظلام ) ، فقد كان الإمبراطور الرومانى يجمع بين السلطات الحكومية والدينية فى أوائل العصور الوسطى ، لكن السلطة الدينية ما لبثت أن انتقلت تدريجيا إلى البابا مع اتساع سلطة الكنيسة التى أحكمت هيمنتها على شئون العقيدة إلى الدرجة التى أصبحت تبيح لنفسها حق طرد الخارجين عليها من حظيرة المسيحية (أو حق الحرمان وفقا للاصطلاح الكنسى) ، أى حق تكفير من تشك فى ولائه لها بما فى ذلك الملوك والأمراء أنفسهم ، وتحول حق الحرمان إلى سلاح جبار فى يد البابا يستطيع أن يشهره فى وجه من يريد التحريض على الثورة ضده من الحكام .

ونتيجة سيطرة الكنيسة على مختلف شؤون الحياة اتجهت أوروبا في العصور الوسطى إلى الزهد في الدنيا، والتعبد لنيل الآخرة . و حاربوا رجال الدين المفكرين، وحاكموهم بقسوة، واحتكروا زعامة المجتمع، فتفشت فيه الخرافات وعم الجهل، وكان المجتمع الأوروبي متخلفاً ويئن تحت وطأة الظلم ونقص التنمية، ويعاني من ويلات الحروب والتجزئة السياسية.

وإنعكاسا لهذه الظروف ظهرت حركة ثقافية واستمرت تقريبا من القرن الرابع عشر الميلادي إلى القرن السابع عشر. وكانت بدايتها في أواخرالعصور الوسطى من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أوروبا وسميت هذه الحقبة التاريخية بعصر النهضة .

وشهد عصر النهضة بوصفه حركة ثقافية ازدهاراً في الأدب بدءاً من القرن الرابع عشر، ونهضةً في التعلم المعتمد على المصادر الكلاسيكية، ، وتطور الرسم المنظور والتقنيات الأخرى لجعل الرسم أكثر واقعية وطبيعية، والإصلاح التعليمي الذي كان متدرجاً لكن على نحو منتشر. ولم يقتصر التطور علي الثقافة والرسم ولكن أمتد لمجالات أخري فمن الناحية السياسية، ساهم ظهور عصر النهضة في تعدد المعاهدات الدبلوماسية بين الدول وظهور عدد من المدارس السياسية. أما في مجال العلوم والبحث العلمي فكان التحول إلى الاعتماد على الملاحظة والتجربة والتحليل.

ويري البعض أن الدمار والموت  الذي تسبب نتيجة إنتشار مرض (الطاعون) في فلورنسا، والذي أصاب أوروبا بين عامي 1348 و 1350 كان سبباً في تحول نظرة الإيطاليين للعالم من حولهم في القرن الرابع عشر، فقد ضرب الطاعون إيطاليا بالذات بشكل شديد، وتسبب في موت أعداد كبيرة  من السكان ، وكان انتشار المرض أكثر بكثير في مناطق الفقر. دمرت الأوبئة المدن، وخاصة الأطفال، كما انتشر الطاعون بسهولة عن طريق مياه الشرب غير صحية، وقلة النظافة. كان الأطفال أكبر المتضررين لأن أمراضا مثل التيفوس والزهري كانت تهاجم جهاز المناعة لديهم، وتجعلهم غير قادرين على مقاومة الأمراض. وتسبب الطاعون باضطرابات في البنية السياسية والاجتماعية مما جعل المفكرين يتأملون أكثر بحياتهم على هذه الأرض بدلاً من التركيز علي الحياة الآخرة والروحانية.

وفى هذا السياق ظهرت حركتان فكريتان ميزتا عصر النهضة . الأولى : هى حركة الإصلاح الدينى من داخل الكنيسة نفسها وهى الحركة البروتستانتية ، والثانية جسدها التيار الرامى للفصل الكامل بين الدين والسياسة (التيار العلمانى) والذى جسد انتصار الدولة القومية فى أوروبا. وقد ساعدت الأفكار الجديدة مثل افكار المفكرين مكيافيلي الإيطالي Machiavelli وجون رودان الفرنسي Jean Rodin والإنجليزي هوبس   Hobs  علي تطوير البنية السياسية والاجتماعية.

ونخلص مما سبق أن النهضة بمعناها الواسع هي عبارة عن ذلك التطور القديم في كل من الفنون والآداب والعلوم، وطرق التعبير، والدراسات، وما صاحب ذلك من تغير في أسس الحياة الإجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية. عصر النهضة مصطلح يطلق على فترة الانتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة وهي القرون 14 - 17 حيث نزح العلماء إلى إيطاليا حاملين معهم تراث الإغريق والرومان و العرب. كما يشير مصطلح عصر النهضة على التيارات الثقافية والفكرية التي بدأت في البلاد الإيطالية في القرن الرابع عشر، حيث بلغت أوج ازدهارها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر, ومن إيطاليا انتشرت النهضة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا وانجلترا وإلى سائر أوروبا. من أعظم شخصيات النهضة في ليوناردو دافينشي ومارتن لوثر وكالفن ومكيافيلي وغيرهم. وكان لهذه الحقبة تأثير واسع في الفن والعمارة وتكوين العقل الحديث. في هذه الفترة تم اكتشاف أراضي وشعوب جديدة حيث أتسمت هذه الفترة بظهور طائفة كبيرة من الرحالة والمستكشفين والملاحين منهم الأمير هنري الملاح وكرستوفر كولومبوس وفاسكو دي غاما. هذا وسنحاول توضيح دور هؤلاء العلماء في مقالات أخري بإذن الله .