المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي - اعتبارها الموظف بحكم المستقيل لتغيبه خمسة عشر يوماً في حالات معينة دون وجود أسباب قاهرة.
الحكم كاملاً
مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1334
(138)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960
برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود إبراهيم وحسني جورجي المستشارين.
القضية رقم 75 لسنة 2 القضائية
موظف - انتهاء الخدمة - استقالة حكمية - المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي - اعتبارها الموظف بحكم المستقيل لتغيبه خمسة عشر يوماً في حالات معينة دون وجود أسباب قاهرة - مرض الموظف المانع له من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهراً وعليه إقامة الدليل عليه - التحقق من العذر القهري متروك لتقدير الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري - للإدارة إصدار قرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل قبل أو بعد عودته.
إن المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي تنص على أنه: "يعتبر بحكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة:
( أ ) الموظف المعين أو المنقول الذي لم يباشر وظيفته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه مرسوم أو قرار التعيين أو النقل.
(ب) الموظف الذي يترك وظيفته بدون إجازة قانونية ولا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ترك الوظيفة.
(ج) الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء الإجازة".
فهذه المادة إنما رتبت جزاء على تغيب الموظف عن عمله في تلك الحالات، عند عدم وجود أسباب قاهرة، هذا الجزاء هو اعتبار الموظف بحكم المستقيل، فالمناط في ترتيب هذا الجزاء هو التغيب بدون سبب قاهر، وغني عن القول أن للإدارة التحقق من أن غياب الموظف كان لأسباب قاهرة أو لا، وقرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل خاضع لرقابة القضاء الإداري، وظاهر من نص المادة المشار إليها أنها لا تشترط صدور القرار قبل عودة الموظف، بل الأمر في ذلك كله متروك لتقدير الإدارة، فقد ترى التريث حتى يعود الموظف لتعرف عذره في التغيب، وتقدر ما إذا كان له أسباب قاهرة. وقد تطول غيبة الموظف دون إخطار الجهة الإدارية التابع لها أو يكون لدى الجهة الإدارية من الشواهد ما تقتنع معه بأن غياب الموظف كان بغير عذر قهري فتصدر قرارها باعتباره بحكم المستقيل دون انتظار لعودته، والأمر في ذلك راجع لتقديرها حسب الظروف في كل حالة.
ولئن كان المرض المانع للموظف من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهر يبرر تغيبه، إلا أنه يجب أن يقوم هذا المرض صدقاً حتى يعذر الموظف في تغيبه، وعليه إقامة الدليل على ذلك.
إجراءات الطعن
بتاريخ 13 من حزيران (يونيه) سنة 1960 أودع الأستاذ عبد الجواد السرميني المحامي الوكيل عن السيد/ عبد الوهاب بن محمد الكلزية، صحيفة طعن في الحكم الصادر بجلسة 14 من نيسان (إبريل) سنة 1960 من محكمة القضاء الإداري بدمشق، في القضية رقم 111 لسنة 1 ق، المرفوعة من الطاعن ضد السيد وزير التربية والتعليم التنفيذي، والقاضي بقبول الدعوي شكلاً، وبرفضها موضوعاً. ويطلب الطاعن للأسباب الواردة في صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفسخ الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الإداري موضوع الطعن الصادر من وزارة التربية والتعليم بتاريخ 3 من آذار (مارس) سنة 1959 برقم 1650 وإلزام الخصم في الطعن بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
أبلغ هذا الطعن للمدعي عليه بتاريخ 15 حزيران (يونيه) سنة 1960 وعين بنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 وأحيل إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، وبعد سماع ما رئي لزوماً لسماعه من إيضاحات، أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع ما رئي لزوماً لسماعه من إيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما هو ثابت من أوراق الطعن، في أن الطاعن السيد/ عبد الوهاب بن محمد الكلزية أقام هذه الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق ضد السيد وزير التربية والتعليم التنفيذي، يطعن في القرار الصادر منه ذي الرقم 1650 بتاريخ 3 من آذار (مارس) سنة 1959، والذي نص على اعتباره مستقيلاً من الخدمة اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، لتغيبه عن العمل بدون عذر مشروع اعتباراً من هذا التاريخ مدة تزيد على 32 يوماً، وأن يسترد منه ما تقاضاه من رواتب بعد تاريخ 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، ويطلب المدعي الحكم "بإلغاء هذا القرار وإلزام المدعي عليه بالرسوم والمصاريف والأتعاب"، وقال بياناً لدعواه أنه كان يشكو من مرض في كليتيه من زمن بعيد، وقد اشتد عليه الألم في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1958 فاضطر إلى الحصول على تقارير طبية في فترة الألم الذي كان ينتله، وقد حصل على ثلاثة تقارير: الأول بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب كامل جزماتى والثاني بتاريخ 6 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب موريس كوسا، والثالث مؤرخ 17 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 موقع من الطبيب فريشو، وجميعها تشهد بأن المدعي مصاب بالتهاب الكلى والتوائها وأنه في حاجة إلى استراحة معينة. وقد امتنع طبيب التربية والتعليم عن تصديق التقرير الأول بداعي أنه لم يقم بفحص المدعي بنفسه يوم حصوله على التقرير، وصدق التقرير الثاني. أما التقرير الثالث، فطلب فيه إحالة المدعي إلى اللجنة الصحية. وقد قدم المدعي هذه التقارير الثلاثة إلى مديرية التربية والتعليم بحلب، وانتظر منها أن تحيله إلى اللجنة الصحية، ولكن المديرية المذكورة لم تفعل. وبتاريخ 20 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، وقبل أن تنتهي مدة التقرير الطبي الممنوح من الطبيب فريشو بتاريخ 17 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، والمتضمن لزوم استراحة المدعي ثمانية أيام من تاريخ التقرير المذكور، بلغت مديرية التعليم بحلب المدعي كتاباً برقم 732/ 6، إذ يتضمن أنها بسبيل اتخاذ القرار اللازم لاعتباره مستقيلاً من الوظيفة، وأنها ستبلغه القرار الذي ستصدره الوزارة فور اتخاذه. وعندما تلقى المدعي هذا الكتاب كان الألم قد اشتد عليه، ونصحه أطباؤه ومعالجوه أن يذهب إلى بيروت، وصادف ذلك وقوع عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الغربية، فذهب إليها، واضطر أن يبقى فيها نحواً من شهرين تحت التداوي، عاد خلالها بضعة أيام إلى حلب ودمشق، وحصل بذلك على ثلاثة تقارير طبية من الطبيب ليون بني قومشيان الذي قام بمداواته وتطبيبه، التقرير الأول مؤرخ 24/ 12/ 1958 لمدة 15 يوماً، والثاني 7/ 1/ 1959 لخمسة عشر يوماً أيضاً، والثالث مؤرخ 4/ 2/ 1959 لعشرة أيام أخرى، ولما انقضت مدة التقرير الأخير وشعر ببعض الراحة عاد إلى حلب، وقدم هذه التقارير مصدقة من مرجعها القانوني إلى مديرية التربية والتعليم غير أن المديرية المذكورة أعادتها إليه بدعوى أنها غير مستوفية الشروط القانونية. وقد أشارت مديرية التربية على المدعي بالدوام على التدريس في مدرسة ابن خلدون الخاصة، فداوم عليها عشرين يوماً تقريباً من 15 من شباط (فبراير) سنة 1959 إلى 5 من آذار (مارس) سنة 1959، بلغته في نهايتها قرار تسريحه، وهو القرار المطعون فيه. وينعي المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته لأحكام المادة 60 من قانون الموظفين، والتي تنص "على الموظف المريض أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إن لم يتجاوز مدة المرض ثلاثة أيام، وعليه إذا تجاوز المرض هذه المدة أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي وللإدارة أن تعتمد أحد أطباء الحكومة للتحقيق عن صحة التقارير الطبية الخاصة، وإذا استمر المرض أكثر من ثلاثين يوماً يحال الموظف على لجنة طبية تؤلف في مراكز المحافظات من ثلاثة أطباء موظفين يعينون بقرار من المحافظ في بدء كل سنة" ويقول المدعي أن القرار المطعون فيه، إذ اعتبره مستقيلاً من الخدمة اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 لتغيبه عن العمل بدون عذر مشروع اعتباراً من هذا التاريخ مدة تزيد على 32 يوماً، هذا القرار مخالف للمادة 60 سالفة الذكر، لأن المدعي كان مريضاً، وأضطر للسفر إلى بيروت في 24 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، ثم قدم تقارير طبية مصدقة حسب الأصول إلى مديرية التربية بحلب، غير أن هذه المديرية لم تعتبر هذه التقارير للأسباب التي ذكرتها في ذيل العريضة المقدمة منه في 15 من شباط (فبراير) سنة 1959، ولم تخبر الوزارة بأمر هذه التقارير، وهذه الأسباب هي ( أ ) أن التقارير الطبية الصادرة عن أطباء بيروت لم تقدم خلال ثلاثة أيام من بدء المرض عملاً ببلاغ وزارة الخزانة رقم 1189 تاريخ 2 من شباط (فبراير) سنة 1949. (ب) أن مصدر التقارير لبنان، ولا يجوز قبولها إلا إذا كان سفر الموظف إلى لبنان بموجب أجازة مسبقة ثم بموافقة مسبقة من مرجعه على مغادرة الجمهورية العربية المتحدة. (جـ) عدم تصديق التقارير من الهيئة السياسية للجمهورية العربية المتحدة. ويرد المدعي على هذه الأسباب أن المادة 60 من قانون الموظفين أوجبت على الموظف أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إن لم تتجاوز مدة المرض ثلاثة أيام فإذا تجاوزت هذه المدة فعليه أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي. ولما كان مرض المدعي قد تجاوز الثلاثة أيام، وكان الحكم لنص القانون لا لبلاغ وزارة المالية فضلاً عن أن المدعي لم يمكنه مرضه لتقديم هذه التقارير إلا بعد عودته إلى حلب، بسبب اشتداد المرض عليه، مما يشكل عذراً مشروعاً يجب مراعاته في حالة المرض الشديد. وعن السبب الثاني يقول المدعي إنه اضطر إلى السفر إلى بيروت حين اشتد عليه الألم، بناء على طلب أطباء حلب الذين كانوا يعالجونه، وقد سافر في يوم 24 من كانون الأول (ديسمبر)، وكان يومئذ مأذوناً بموجب التقرير الطبي الصادر عن الطبيب فريشو، والذي ينتهي في ذلك اليوم، وكان اليوم الثاني وهو يوم 25 كانون الأول يوم عطلة رسمية باعتباره عيداً للميلاد، وبذلك تكون مغادرة المدعي سوريا إلى لبنان في يوم من أيام إجازاته الصحية، وبقاؤه إلى اليوم الثاني كان في عطلة رسمية، وفي بيروت اتصل به الألم إلى درجة لم يستطيع معها مغادرة البلدة عملاً بنصيحة أطبائه، وكان عرضة لغيبوبة مستمرة، مما اضطر معه إلى البقاء في بيروت، والحصول على تقارير طبية طيلة المدة التي ألزمه المرض فيها للعلاج، ويرد على السبب الثالث بأن التقارير الطبية الموقعة من أطباء لبنان مصدقة من دوائر الصحة في لبنان، وقد قام المدعي مؤخراً بتصديقها من الهيئة السياسية.
وقد أفاد السيد وزير التربية والتعليم بكتابه رقم 3510/ 6 ث المؤرخ 18 من آب (أغسطس) سنة 1959 أنه يبين من دراسة قضية المدعي أنه كان كثير الانقطاع عن عمله بمبرر قانوني وبدون مبرر، وقد كان منذ بدء تعيينه في سنة 1935 كثير المشاكل كثير الانقطاع، حتى أنه لا تكاد تخلو سنة دراسية من انقطاع أو تخلف غير مبرر، وأرفق السيد الوزير مع كتابه سالف الذكر تقريري المفتش الإداري بحلب، وفيهما بيان الأسباب التي أدت إلى اعتبار المدعي مستقيلاً وآخرها انقطاعه عن العمل بدون مبرر قانوني اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 لمدة تزيد على خمسة عشر يوماً. وقد تضمن تقريرا المفتش الإداري المرفقان بكتاب السيد الوزير عرضاً لحالة المدعي من التحاقه بالخدمة في سنة 1935، وجاء في هذا التقرير أن المدعي انقطع منذ صباح 6 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 حتى مساء 12/ 12/ 1958، مدة سبعة أيام، قدم فيها تقريراً طبياً مصدقاً من طبيب التربية، واستمر في الانقطاع من صباح 12/ 12/ 1958 حتى مساء 16/ 12/ 1958 أي مدة أربعة أيام دون أن يقدم معذرة أو تقريراً طبياً، وبهذا الانقطاع بدأت فترة انقطاع جديدة غير مشروعة، واستمر على الانقطاع من صباح 17/ 12/ 1958 حتى مساء 24/ 12/ 1958، أي مدة ثمانية أيام، قدم فيها تقريراً طبياً خاصاً لم يصدق عليه طبيب التربية، وإنما طلب إحالته إلى اللجنة الصحية نتيجة لتدخل مديرية التربية لديه، ليتأكد من صحة المرض، وليكون دقيقاً في معاينته، وبقي هذا التقرير في دائرة التربية دون أن يتخذ تجاهه أي إجراء، فلم يحل المريض إلى اللجنة الصحية، ولم يعد التقرير إلى طبيب التربية، مصرة على تصديقه منه باعتبار أن مدة المرض لم تتجاوز الشهر، ولا يحال المريض إلى اللجنة الطبية إلا إذا تجاوزت مدة المرض الشهر، وبهذا أصبحت مدة هذا الغياب معلقة على رأى طبيب التربية، ولا يمكن الحكم بمشروعيتها إلا إذا صادق عليها، كما لا يمكن الحكم بعدم مشروعيتها إلا إذا رفض تصديقه خطياً. وقد استمر المدرس على الانقطاع بعد انتهاء التقرير السابق منذ صباح 25/ 12/ 1958 ولا يزال مستمراً على انقطاعه حتى تاريخ كتابة التقرير المذكور في 25 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959 أي مدة 32 يوماً متصلة دون أن يراجع الدائرة ودون أن يقدم تقريراً طبياً، وحينما استجوبه المفتش عن سبب انقطاعه المستمر أجاب بأنه لا يزال ينتظر إحالته إلى اللجنة الصحية حسب اقتراح طبيب التربية. ويقول المفتش في تقريره أن هذا الانقطاع غير مشروع، ولا يبرره قول المدرس (المدعي) أنه ينتظر إحالته إلى اللجنة الصحية تنفيذاً لحاشية طبيب التربية، لأن هذه الحاشية إنما هي اقتراح مرسل من طبيب التربية إلى المديرية ولا علاقة للمريض به، وللمديرية إن تقبله أو ترفضه وتصر على تصديقه من طبيب التربية، وقد قدر له التقرير الطبي الخاص ثمانية أيام يشفى بعدها، فأقصى ما يطلبه المريض من نتيجة لهذا التقرير السماح له بالتغيب ثمانية أيام براتبه، ولكن القانون لم يعطه هذه المنحة مسلماً بها دائماً، وإنما أوقفها على التحقق من صحة التقرير والتحقق هذا ممنوح للإدارة وليس حقاً للمريض. وحق المريض ينحصر في تقديمه التقرير الطبي ويبدأ حينئذ حق الإدارة في قبول التقرير أو الشك فيه، فإذا جرى إهمال أو تهاون في استعمال حق الإدارة فليس للمريض أن يتعلق في هذا التهاون، ليستفيد بأكثر مما يعطيه تقريره الطبي الخاص، وكان على المريض عند نفاذ الأيام الثمانية التي منحه إياها تقريره الطبي الخاص أن يعود إلى العمل أو أن يقدم تقريراً طبياً جديداً أما أن يجلس في البيت مدة 32 يوماً معتمداً على اقتراح من طبيب التربية بإحالته إلى اللجنة الصحية، فهذا لا يستند إلى قانون، وهذا الغياب الأخير يعتبر غير مشروع ولا مبرر له ولا قانون..
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري بدمشق أصدرت في 14 من نيسان (إبريل) سنة 1960 حكمها المطعون فيه، وهو يقضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه لا محل لمناقشة ما أثاره المدعي من موقف الجهة الإدارية بالنسبة للتقارير الثلاثة الأولى التي وضعها أطباء حلب لأن للجهة الإدارية إذ اعتبرت الانقطاع عن العمل المعني بالحكم الوارد في المادة 81 من قانون الموظفين الأساسي اعتباراً من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، فمفاد ذلك أنها اعتدت بهذه التقارير وأجازتها، وعلى ذلك فإن المنازعة إنما تدور حول انقطاع المدعي عن عمله ابتداءً من التاريخ الذي حددته الجهة الإدارية أي من 25 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، وأن المادة 60 من قانون الموظفين الأساسي قد تضمنت القواعد التي تتبع عند الانقطاع بسبب المرض، فنصت على أنه يجب على الموظف المريض أن يعلم رئيسه المباشر بالأمر إذا لم تتجاوز مدة الانقطاع ثلاثة أيام، وعليه أن يقدم تقريراً من طبيبه المداوي، وللإدارة أن تعتمد أحد أطباء الحكومة للتحقيق عن صحة التقارير الطبية الخاصة، وإذا استمر المرض أكثر من ثلاثين يوماً يحال الموظف على لجنة طبية، ومفاد ذلك أنه على الموظف أن يخطر رئيسه المباشر أو أن يقدم تقارير طبيبه الخاص، حسب الأحوال، لكي تستطيع الجهة الإدارية أن تتثبت من صحة الواقعة على الوجه الذي رسمه المشرع في كل حالة بإحالته على الطبيب أو اللجنة إذا جاوزت المدة الشهر الواحد، وأن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يقدم تقارير طبيبه المعالج ببيروت، إلا بعد أن انقطع أكثر من شهرين، أي أنه تقاعس عن إتباع ما فرضه عليه القانون وبذلك قامت به الحالة المنصوص عليها في المادة 81 من قانون الموظفين لأن هذا الانقطاع وقع بعد انقضاء أجازة مرضية. وتنص هذه المادة على أن يعتبر في حكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة، الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء أجازته وأنه ليس ثمت أسباب قاهرة تبرر للمدعي ألا يراعي ما أوجبه حكم المادة 60 من القانون، ذلك أن التقارير التي قدمها ورفضتها الإدارة قد وضع أولها في 24 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، والثاني في 7 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959، والثالث في 4 من شباط (فبراير) سنة 1959، وكان في وسعه أن يرسل إلى الجهة الإدارية كل تقرير في ميعاده، ولكنه لم يفعل هذا إلا أنه قرر في صحيفة دعواه أنه عاد إلى حلب وإلى دمشق بضعة أيام خلال مدة انقطاعه، ومع ذلك لم يحاول أن يتخذ الإجراء الذي فرضه عليه القانون، وانتهت من ذلك إلى أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار المطعون فيه بسلطة تقديرية لا معقب عليها، إذ لم يشب قرارها عيب إساءة استعمال السلطة، والقرار المطعون فيه على أساس من الواقع والقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه طبقاً لنص المادة 81 من قانون الموظفين الأساسي، فإن انقطاع الموظف عن عمله مدة خمسة عشر يوماً، لا يكون بداءة سبباً لاعتباره بحكم المستقيل، إلا إذا لم تكن ثمت أسباب قاهرة حالت بينه وبين متابعة عمله في الوظيفة، فإذا كان غيابه بسبب قاهر حال دون قيامه بواجبات وظيفته، فعندها يعتبر غيابه مشروعاً، ولا ينطبق عليه حكم المادة 81 المشار إليها، وأن انقطاع المدعي في الفترة ما بين 25/ 12/ 1958 و14/ 2/ 1959 كان بسبب مرضه الثابت بتقارير طبية مصدقة من المراجع الرسمية حسب الأصول، هذا المرض الذي ألزمه الفراش طيلة هذه المدة، وقد عانى منه آلاماً مبرحة ونوبات قاسية اضطرته للبقاء في بيروت تحت المعالجة والمراقبة الطبية، الأمر الذي يجعل غيابه بعذر وبسبب قاهر. وأن محكمة القضاء الإداري لم ترفض عذر الطاعن، وإنما حصرت أسباب حكمها في الإجراءات القانونية واتخذت من تخلف المدعي عن مراعاتها مسوغاً لما قضت به، وهذا ما لا يرى الطاعن الأخذ به، لأن القول بأن عدم تقديم التقارير الطبية إلى مديرية التربية والتعليم في المواعيد المحددة ما يبرر عدم منح الموظف إجازة صحية قول غير مقبول وتأخر الطاعن عن القيام بإجراءات تصديق هذه التقارير من المراجع الرسمية وتقديمها إلى مديرية التربية والتعليم في حلب كان بسبب خارج عن إرادته، فلا يسوغ اعتباره تأخره في تقديم هذه التقارير إلى حين شفائه سبباً في رفض قبول هذه التقارير واعتمادها، وأن أثر مخالفة الإجراءات المنصوص عليها في المادة 60 ينحصر في حرمان الموظف من حق الاستفادة من الأجازة الصحية مع تقاضيه الراتب، ولا يمكن أن يؤدي ذلك إلى نفي وقوع السبب القاهر، لأنه من الوقائع المادية التي يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات، كما أن تأخر الموظف في تقديم ما يثبت أن غيابه كان لأسباب قاهرة إلى ما بعد زوال هذه الأسباب لا يمكن أن يؤدي إلى نفي وقوعها، وإلى القول بأن الانقطاع لم يكن بسببها، فضلاً عن أن المادة 81 عندما استثنت من حكمها الغياب بسبب قاهر لم تشترط في ذلك أي شرط في إثبات السبب المذكور، كما لم توجب على الموظف القيام بأي إجراء معين أثناء وقوعها، ولهذا فإنه يرى بأنه لا يجوز تقييد حكمها بما نص عليه في شأن منح الإجازة الصحية والإجراءات الواجب اتخاذها للاستفادة من هذه الإجازة لأنها أحكام منفصلة عن الحكم الوارد في المادة 81، وبهذه الصورة يمكن القول بأن حرمان الموظف من حق الاستفادة من الإجازة الصحية بسبب عدم تقديم التقرير الطبي الممنوح له إلى جهة الإدارة فور الحصول عليه، إنما يؤدي إلى اعتبار غيابه بدون سبب، وإلى نفي وقوع حالة المرض التي منعته من الاستمرار في عمله إنما هو قول يخالف صراحة المادة 81 ويكون الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون، كما يكون القرار المطعون فيه واجب الإلغاء. وأضاف المدعي إلى ما تقدم أن القرار الإداري موضوع الطعن لم يصدر في فترة غياب الطاعن بسبب مرضه كما لم يصدر فور عودته، وإنما صدر بعد أكثر من عشرين يوماً على رجوعه إلى الوظيفة، وممارسته لعمله في مدرسة ابن خلدون الخاصة، وبعد أن قدم تقاريره الطبية وصدقها من المراجع الرسمية، وبذلك يكون القرار المطعون فيه مستوجب الإلغاء من هذه الجهة أيضاً، لأن عودة الطاعن إلى عمله بعد غيابه يعتبر قبولاً من الإدارة لمعذرته، فلا يسوغ أن ترجع عن موافقتها، لأن المشرع وإن لم يحدد زمناً لاتخاذ القرار الذي يصدر بالاستناد إلى المادة 81 إلا أن هذا لا يعني أن للإدارة حرية مطلقة في هذا المجال، وإنما يتعين عليها أن تحسن اختيار وقت تصرفها فتصدر قرارها في زمن الغياب أو في زمن قريب جداً منه لأن ضرورة استقرار المعاملات وتنظيم أوضاع الموظفين وتحديد مراكزهم القانونية تستلزم ألا تبقي هذه الأوضاع والمراكز القانونية مهددة مدداً طويلة.
ومن حيث إن المادة 81 من قانون نظام الموظفين الأساسي تنص على أنه "يعتبر بحكم المستقيل عند عدم وجود أسباب قاهرة:
( أ ) الموظف المعين أو المنقول الذي لم يباشر وظيفته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه مرسوم أو قرار التعيين أو النقل.
(ب) الموظف الذي يترك وظيفته بدون إجازة قانونية ولا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ترك الوظيفة.
(ج) الموظف المجاز الذي لا يستأنف عمله خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء الأجازة".
ومن حيث إن هذه المادة إنما رتبت جزاء على تغيب الموظف عن عمله في تلك الحالات عند عدم وجود أسباب قاهرة، هذا الجزاء هو اعتبار الموظف بحكم المستقيل فالمناط في ترتيب هذا الجزاء هو التغيب بدون سبب قاهر، وغني عن القول أن للإدارة التحقق من أن غياب الموظف كان لأسباب قاهرة أو لا، وقرارها باعتبار الموظف بحكم المستقيل خاضع لرقابة القضاء الإداري، وظاهر من نص المادة المشار إليها أنها لا تشترط صدور القرار قبل عودة الموظف، بل الأمر في ذلك كله متروك لتقدير الإدارة، فقد ترى التريث حتى يعود الموظف لتعرف عذره في التغيب، وتقدر ما إذا كان له أسباب قاهرة، وقد تطول غيبة الموظف دون إخطار الجهة الإدارية التابع لها أو يكون لدى الجهة الإدارية من الشواهد ما تقتنع معه بأن غياب الموظف كان بغير عذر قهري، فتصدر قرارها باعتباره بحكم المستقبل دون انتظار لعودته، والأمر في ذلك راجع لتقديرها حسب الظروف في كل حالة.
ومن حيث إنه ولئن كان المرض المانع للموظف من مباشرة عمله يعتبر سبباً قاهراً يبرر تغيبه، إلا أنه يجب أن يقوم هذا المرض صدقاً حتى يعذر الموظف في تغيبه، وعليه إقامة الدليل على ذلك.
ومن حيث إن الإدارة إذا استخلصت من ظروف الحال وملابساته أن المدعي لم يقم به مثل المرض المانع له من مباشرة عمله، قد استخلصت ذلك استخلاصاً مقبولاً من أصول ثابتة في الأوراق، إذ ثابت منها ومما قرره المدعي في استدعاء الدعوى أنه سافر إلى لبنان في اليوم الأخير من إجازته الصحية التي لم تعتمد دون أن يخطر جهة الإدارة التابع لها باستمرار مرضه ولا بسفره خارج البلاد، ولا سجل وجوده واستمر انقطاعه عن العمل أكثر من خمسين يوماً دون أن تعلم عنه الجهة الإدارية شيئاً، وثابت من استدعاء الدعوى أنه عاد لدمشق وحلب في فترة هذا الانقطاع، ومع هذا لم يخطر الجهة الإدارية بعذره، ولم يرسل إليها التقارير الطبية التي حصل عليها، ولم يكن ثمة ما يمنعه من ذلك حتى تستطيع جهة الإدارة أن تتحقق من قيام هذا العذر في الوقت المناسب، فلا خطأ من جانبها، إذ هي طرحت الشهادة المرضية التي قدمها المدعي بعد عودته، والتي منعها بتصرفه من إجراء ما يقضي به القانون من إحالته على اللجنة الصحية المختصة.
ومن حيث إنه لما قام عليه الحكم المطعون فيه من أسباب أخرى يكون هذا الحكم قد أصاب الحق، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.
ساحة النقاش