تاريخ المكتبات فى العالم العربى والاسلامى
مقدمة:
عرفت المنطقة العربية بعلم البلاغة والبيان؛ حيث كان هناك رواج للشعر والشعراء وكانت الكلمات وأبيات الشعر تباع وتشترى فى أسواق العرب وعند الملوك والأمراء، وهو ما جعل التراث العربى والاسلامى غنى بالعديد من الكتابات والمخطوطات والرسائل، كما تعد فترة صدر الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين فترة مهمة للغاية فى علوم كتابة القرآن الكريم وتدوينه، ثم تلا ذلك ظهور رواد كتابة وتدوين الحديث النبوى الشريف وتدوينه من خلال الصحابة الكرام رضى الله عنهم، وظهور كتب الصحاح وعلى رأسهم الإمام البخاري والإمام مسلم، وراجت بعد ذلك حاجة ملحة لتفسير كتاب الله من خلال الكتاب نفسه وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن خلال اللغة العربية ودلالتها، ومن أهم هؤلاء تفسير الإمام ابن كثير، وتفسير القرطبى، وتفسير الجلالين، كما كانت حركة التفقه فى الدين حاجة ملحة تزامنت مع حاجة المسلمين لمن يوضح لهم توظيف الدين فى الحياة من خلال الكتاب والسنة؛ واجتمعت الأمة على فقهاء عظام على رأسهم الإمام أبى حنيفة النعمان، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام ابن حنبل رضى الله عنهم جميعاً، لذلك قد يكون العرب وبلاغتهم ثم ظهور الإسلام والإعجاز الكبر (القرآن الكريم) وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، الدور الكبير فى ازدهار الكتابة والمكتبات العربية، وهو ما سنوضحه بإذن الله تعالى فى الصفحات التالية.
المكتبات فى عصر صدر الإسلام
بدأت الحركة العلمية والأدبية عند العرب وازدهرت مع ظهور الدين الاسلامى الحنيف وما تبع ذلك من حركة علمية واسعة الانتشار والتخصص.
1- العصر الأموي:
يمكن إرجاع الرواج العلمي العربي والاسلامى بمعناه الحقيقي إلى العصر الأموي وذلك حين بدأ الأمويون فى جمع وترجمة المؤلفات الإغريقية، وكان خالد بن يذيد بن معاوية قد بدأ فى دراسة الكيمياء والطب الاغريقى والقبطى، وجمع كثيراًَ من الكتب فى هذه التخصصات وتدوينها وحفظها، وهو يعد بذلك أول من فكر من العرب فى بناء وتكوين مكتبة.
ويرى (عبد الله الطايع، 1972، 205) أن الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز قد طلب من الإمام مالك بن أنس عالم المدينة المنورة ومرجعها الدينى أن يجمع ويدون حديث النبى الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وذلك حرصاً على الحديث النبوى من الضياع والنسيان عبر الزمن، وإن كان بعض الصحابة قد دونوا قبل ذلك بفترة البعض من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم على الجلود وغيرها من وسائل الحفظ المتاحة فى عصرهم، من ( جلود – قراطيس مصرية –ورق صينى- ورق خرسانى – ورق تهامى) حفظتها مكتبة الانبار كما حفظت بعض المؤلفات فى اللغة العربية مثل مؤلفات أبى الاسود الدؤلى.
2- العصر العباسى:
يعد العباسيون هم أول من أنشأ المكتبات بالمعنى الحقيقى، حيث كان كثيراً من خلفاء الدولة العباسية شغوفين بالدراسة والعلم، وكان لهم اهتمامات كبيرة بجميع المؤلفات القديمة والمعاصرة وترجمتها، وكان أبى جعفر المنصورى هو أول من توسع فى نشر الثقافة الإغريقية.
وقد كان من الطبيعي أن ينبع عن كل خطوة من خطوات هذه العملية جمع الكتب والمؤلفات وتكوين المكتبات صغيرة وكبيرة، وقد كان شكل هذه المكتبات في:
أ- مجموعات خاصة بأصحابها ومؤلفات الأصدقاء.
ب- مكتبات الخلفاء وكبار رجال الدولة.
ج- مكتبات المساجد والمزارات والمدارس.
وذلك حيث أوصى الكثير من الخلفاء ورجال الدولة الإسلامية بأن يقوم ورثتهم بالتبرع بمكتباتهم للمساجد والمدارس والمزارات المختلفة لتكون فى متناول المتعلمين وطلاب العلم والمنتفعين به، وكذلك أهدى الكثير من أساتذة العلم مؤلفاتهم ومكتباتهم الخاصة لمعاهدهم العلمية التى يدرسون فيها، وكانت كتب المكتبات الكبيرة والتى كانت ملحقة بالمساجد ومعاهد تعليم علوم الدين جميعها تبحث فى القرآن الكريم ومباحثه، وفى الحديث النبوى الشريف وفى الفقه والتصوف، كما قد تضم البعض من الكتب المتعلقة بالتاريخ واللغة والجغرافيا.
وقد كان أمين المكتبة فى العصر العباسى من الشخصيات المهمة ووظيفته من الوظائف الكبيرة بالدولة؛ حيث كان أمين المكتبة ينتخب من قبل الأساتذة من أهل العلم.
وتعتبر مكتبة بيت الحكمة هى أول مكتبة رسمية للدولة العربية والتى شيدها هارون الرشيد فى القرن الثانى الهجرى، وقد جمع فيها كل الكتب التى نقلت من أنقرة وسائر بلاد الروم، وأن يقيم عليها العالم يوحنا بن ماسوية مترجماً للكتب الطبية القديمة، ثم عين يوحنا بعد ذلك أميناً على الترجمة،
3- المكتبات الكبرى:
أول مكتبة كبرى عربية تأسست فى بغداد فى القرن الثاني الهجري والتى أنشأها الخليفة المأمون على هيئة مجمعاً علمياً أكاديمياً ؛ وكان يحتوى على مرصد فلكي ودار للكتب، وقد اعتنى الخليفة المأمون بتأثيث دار الكتب فأكثر من الخزانات لحفظ الكتب على رفوفها كما جعل فيها غرفاً متعددة للمطالعة والبحث والنسخ والاجتماعات الأدبية، وقد كانت الغرف جميعها كاملة الأثاث ومفروشة بالمفروشات الثمينة.
واشتهر من أمناء مكتبة المأمون ثلاث أمناء على رأسهم سهل بن هارون، ثم الفتح بن خاقان، وثالثهم سلمان ويقال له سلمة وسلامة؛ وكانوا يلقبون بلقب (صاحب) أى أمين.
كما أسس سابور بن أردشبر مكتبة الأدباء فى بغداد سنة 991م وظلت فى حالة رواج وازدهار حتى جاء السلاجفة وأحرقوها بعد مضى سبعين عاماً من إنشائها.
كما تم تأسيس مكتبة المدرسة النظامية خلال نظام الملك الفارسي الذى كان وزيراً لاثنين من سلاطين السلاجفة ؛ وقد بقيت هذه المكتبة عدة قرون إلى أن جاء الغزو المغولى عام 1258 م
4- المكتبات فى الأندلس:
لم يقتصر الاهتمام بالمكتبات على البلاد الإسلامية بالشرق بل اهتم الخلفاء كذلك بإنشاء المكتبات فى بلاد الأندلس وكان أهم تلك المكتبات هى تلك المكتبة التى أنشأها الخليفة المستنصر بقرطبة، وقد زخرت هذه المكتبة بكثير من المصنفات فى مختلف العلوم والفنون؛ وقد بلغت دواوين الشعر التى حوتها هذه المكتبة حوالى أربعة وأربعين كراسة كل منها فى عشرين ورقة.
5- المكتبات في مصر الإسلامية:
اعتنى الخلفاء الفاطميون ووزرائهم بجمع الكتب النادرة فى مختلف العلوم وخصوصاً بعد أن حول يعقوب بن كلس الأزهر عام 378ه إلى جامعة تدرس فيها العلوم والآداب بعد أن كان مقصوراً على إقامة الدعوة الفاطمية الشيعية.
ساحة النقاش