هل تعلم أن أقوي الحاسبات السوبر المتطورة لم تقترب حتي من قدرة المخ البشري علي التعلم والاستنتاج فضلا عن قدرته علي الإبداع والخيال؟
هل تعلم أن عقل الإنسان يستهلك طاقة تعادل استهلاك مصباح كهربائي بقوة20 وات, وهي طاقة أقل مليار ضعف مما تستهلكه الحاسبات التي تحاول محاكاة عمليات الحوسبة التي يجريها المخ, وفضلا عن ذلك يمتاز عقل الإنسان بصغر حجمه, لكن هذه الكتلة الصغيرة يمكنها أن تنفذ من المهام ما لا يستطيع ان ينفذه حاسب عملاق.
صحيح أن الحاسبات أقوي بكثير في تنفيذ العمليات الحسابية المعدة مسبقا, ولكن حتي أحدث الحاسبات وأكثرها تطورا لا تقترب حتي من قدرة مخ الإنسان علي استنباط المعاني والدلالات من المشاهد والأصوات والروائح والأحداث غير المألوفة, بل واكتشاف العلاقات ومدي الترابط بينها بسرعة فائقة, كما لا تستطيع أقوي الحاسبات الحالية مضاهاة قدرة المخ البشري علي التعلم من الخبرة وطرح التوقعات بناء علي الذاكرة, ناهيك عن الإبداع في مجالات الفنون والآداب.
يحلم العلماء بابتكار حاسب يفكر مثل الإنسان, غير أنه وبالرغم من التطور الكبير في صناعة الإلكترونيات لا تزال معالجات الحاسبات الحالية عاجزة عن تحقيق ذلك. ولقد أدرك باحث هندي عبقري اسمه دارميندرا مودها يعمل حاليا في مركز آي بي إم للأبحاث بكاليفورنيا أن فشل أفضل المهندسين في العالم عن مضاهاة قدرات المخ البشري الواسعة وترشيده الهائل للطاقة يرجع إلي أنهم مقيدين بالطرق القديمة, وأن الحل يكمن في تصميم المخ نفسه. كيف؟
قرر مودها إزاحة كل المبادئ التقليدية التي سيطرت علي تصميم المعالجات وتطوير البرمجيات خلال الستين عاما الماضية جانبا, واتجه للعلوم العصبية كي يستخدم تصميم الخلايا العصبية في المخ البشري وآلية عملها, وكيفية عمل أقسام المخ المنفصلة وطريقة انسجامها وتناغمها مع بعضها البعض لبناء آلة إلكترونية ذكية ترشد في استهلاك الطاقة.
ونجح مودها بالفعل في تصنيع رقائق حوسبية جديدة ترشد كثيرا في استهلاك الطاقة, مما يجعلها أقدر علي القيام بعمليات حسابية أكثر بالمقارنة بمعالجات الحوسبة التقليدية التي تستهلك القدر نفسه من الطاقة. ويقول المبتكر الهندي أن رقائقه الرقمية يمكن استخدامها في نظام حاسب معرفي بحجم المخ يستهلك طاقة أكبر100 ضعف عقل الإنسان, ولكنه يستهلك طاقة أقل من الحاسبات الحالية بمقدار10 ملايين ضعف.
وتحاكي الرقائق الإلكترونية الجديدة تصميم وبنية الخلايا العصبية وطريقة التوصيلات بينها. فلدينا لوحة إلكترونية بها رقاقة إلكترونية ذهبية مربعة يوجد في قلبها مستطيل ذهبي أصغر بحجم حبة الأرز. يقوم هذا المستطيل بدور الخلايا العصبية البيولوجية, حيث تسافر فيها الإشارات الكهروكيميائية عبر ساق الخلية إلي النتوءات والأطراف, وتقفز الإشارات من أطراف خلية عصبية لأخري عن طريق عقدة متشابكة من الأطراف العصبية.
ويأمل العلماء أن تحدث هذه التقنية الجديدة تغييرا كبيرا في وظائف وأداء أجهزة الحاسبات الحالية التي صممت لحل ثلاثة مشكلات أساسية هي: تطبيقات الأعمال مثل الفواتير, وعلوم مثل محاكاة الفيزياء النووية والبرامج الحكومية, لكن المخ صمم لكي يفهم العالم من حوله ويتصرف بناء علي النتائج التي يتوصل إليها.
عندما نطور حاسبات تعمل مثل المخ فإنها ستحل لنا مشكلة من أكثر المشكلات الضاغطة التي تواجه الجنس البشري الآن وهي إغراق المعلومات, فقد زاد حجم المعلومات الرقمية التي تم إنشاؤها ونسخها واستهلاكها بين عامي2005 و2012 حول العالم بمقدار ألفين في المائة, وتتجاوز2.8 تريليون جيجابايت في.2012 وتقول بعض التقديرات أن عدد وحدات المعلومات يساوي تقريبا عدد النجوم في الكون الظاهر, ومهمة كتابة كود أو برنامج ليوجه الحاسبات الحالية لكيفية استنباط المعاني من المعلومات وكيفية ترتيبها وتحليلها وربطها وما يمكن تنفيذه بها يفوق قدرات المبرمجين بكثير, لكن الحاسبات المعرفية يمكنها أن تسد هذه الفجوة, فهي مثل المخ يمكنها أن تنسج المعطيات وتشكل القرائن وتتعرف علي الانماط وتنتج التوقعات وتفسر وتتصرف بناءا علي ذلك وكل هذا بمقدار أقل من الطاقة التي تستهلكها الحاسبات الحالية.
فمثلا الكمبيوتر الذي يعمل مثل المخ يمكنه تجميع البيانات من عدة مجسات تراقب كميات المياه في العالم وتعلم كيفية رصد التغييرات في الضغط والحرارة وحجم الأمواج والتيارات ثم إصدار تحذيرات بالفيضانات البحرية المحتملة. كما يمكن لتلك الحاسبات مساعدة أطباء الطوارئ في حسم التشخيصات الغامضة حتي لو لم يتعرف العلم بعد علي كل التغييرات في درجة حرارة الجسم وعناصر الدم أو غيرها من المتغيرات المصاحبة.
رابط دائم:
ساحة النقاش