<!--
<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
قصص للكباروالصغار
تأليف
الدكتور محمد عبدالحليم غنيم
- ثلاث حاجات
تعبد رجل وزهد في الدنيا , وبينما هو في معبده جاءه ملاك , ليختبر زهده وعبادته , فقال له :
- إن الله قد أباح لك أن تسأله ثلاث مرات , بشرط أن تسأله كل مرة حاجة واحدة لا غير , وسيستجاب لطلبك مهما كان الأمر .
فرح الرجل , وظن أن الله كافئه على زهده وعبادته , فترك المعبد وأسرع إلى زوجته يخبرها بأمر الملاك ورضا الله عنهما , وكانت امرأة فقيرة مثله , ففرحت هي الأخرى , وتوسلت إليه أن يجعل السؤال الأول لها , فقال :
- اسألي
فقالت :
- يارب اجعلني أجمل نساء الدنيا , ومن اللواتي بخطبهن الملوك
فأمن الرجل على قولها , فتحولت في لحظة إلى أجمل النساء , ولكنها بعد أن صارت كذلك بدأت تحتقره , وما إن مر أسبوع واحد , حتى شاع خبر جمالها في طول البلاد وعرضها وعلم الملك بجمالها فاحتال بمساعدتها على الرجل واغتصبها منه وهنا دعا الرجل لربه وقال :
- يارب اجعلها أقبح نساء الدنيا , يطردها الناس من على أبوابهم مثل طردهم الكلب الأجرب .
فاستجاب له ربه , وتحولت الزوجة المغرورة إلى أقبح امرأة في الدنيا , فتخلى عنها الملك وطردها من قصره وكذلك طردها الناس , فجاءت إليه نادمة على ما فعلت باكية متوسلة , فغفر لها , وقبلها على الرغم من قبحها , وكان قد بقى له سؤال واحد , فأراد أن يسأل ربه أن يغنيه ويعوضه عن أيام الفقر والحرمان , ولكن زوجته توسلت إليه من جديد , مقبلة يديه وقدميه , وطلبت منه أن يسأل ربه أن يرجعها كما كانت أولا , فسأل الرجل ربه أن يرجعها كما كانت أولا . فاستجاب له ربه , وعاشا كما كانا فقيرين ولكن سعيدين .
2- الدجاجة الصغيرة الحمراء
عاشت دجاجة صغيرة حمراء في منزل جميل على تل مرتفع وعاش معها فيه فأر وقطة وأرنب , وكانت الدجاجة تقوم بتنظيف المنزل صباحا وظهرا ومساء .
رغبت الدجاجة الصغيرة الحمراء أن تزرع حديقة نظيفة فقالت للقطة :
- سأزرع حديقة قريبة من المنزل
فذهبت القطة للأرنب وقالت له :
- الدجاجة فلاحة مجدة , سوف تزرع حديقة لطيفة
ذهب الأرنب للفأر وقال له :
- الدجاجة فلاحة مجدة , سوف تزرع حديقة لطيفة ناضرة بجوار المنزل
فقال الفأر :
- أين الماء ؟ وأين البذور ؟
فقال الأرنب :
- تعال ..تعال نسأل الدجاجة
ذهب الإثنان ولحقتهما القطة إلى الدجاجة , فتقدم الفأر وقال :
- أين الماء الذي تروين به الأرض ؟ وأين البذور التى تزرعينها ؟
صاحت الدجاجة وقالت :
- الماء في النهر , والبذور في الجرن , سأنشئ حديقتي بجوار النهر وبالقرب من المنزل
ثم ذهبت الدجاجة فحملت حبة بمنقارها من الفول , وعادت إلى الحقل فزرعتها , ثم ذهبت إلى النهر وحملت الماء في منقارها وروت الحقل .
صارت الحبة شجرة فول خضراء , وكبرت الشجرة فصارت مثل الفأر , وازداد نموها فأصبحت كبيرة كالأرنب , وتضاعف نموها فأصبحت كبيرة كالقطة وعظم نموها فأصبحت أكبر من الدجاجة . فرحت الدجاجة وقالت : ما أعجب شجرتي , انظر يا فأر , انظر يا أرنب , انظري يا قطة , لقد زرعت الشجرة بنفسي , فمن يساعدني الآن فى حمل الحبوب إلى المنزل . سخر منها الجميع وامتنعوا عن مساعدتها فقالت الدجاجة :
-الحديقة حديقتي والحب حبي , زرعته وحدي وسأحمله إلى منزلي وحدي
حصدت الدجاجة الحب من شجرة الفول وحملته إلى المنزل وكانت سعيدة به , لأنها تعبت فى زراعته .
قالت الدجاجة لأصدقائها الثلاثة القط والأرنب والفأر :
- تعالوا نطبخ الفول
قال الفأر :
- أنا لست طباخا
وقالت القطة :
- أخاف من النار
وقال الأرنب :
- لا أحب الفول المطبوخ
فقالت الدجاجة :
- أنا أطبخ
ثم أشعلت النار وطبخت الفول ففاحت رائحة الطبيخ , شم الفأر رائحة الفول المطبوخ , فقال:
- ما أحلاها . إنها رائحة طيبة , أنا أحب الفول سآكل الفول
وشم الأرنب الرائحة فقال :
- ما ألذها , أريد أن أذوق هذا الفول المطبوخ
وشمت القطة الرائحة فقالت :
- أنا أخاف النار ولكنى أحب الفول المطبوخ
قالت الدجاجة :
- نضج الفول .. فمن سيأكل معي ؟
قال الجميع في نفس واحد :
- أنا أنا أنا
ضحكت الدجاجة وقالت :
- الحب حبي , زرعته وحدي وحصدته وحدي وطبخته وحدي فسآكله وحدي .
3- الرجل الذي سمع كلام زوجته
اصطاد أحد الصيادين سمكة عجيبة الشكل , ولم يكن قد اصطاد غيرها في ذلك اليوم , ففكر في عرضها على الملك عسى أن يحظى منه بهدية طيبة أو ببعض النقود التى ترضى زوجته كثيرة اللوم .
ذهب الصياد إلى الملك ورمى أمامه السمكة العجيبة , فأعجب بها الملك , أيما إعجاب وتغاضى عن قلة ذوق الصياد , ثم أمر له بمائة دينار من الذهب الخالص , فأخذها الصياد وهو يكاد يرقص من الفرح , وشكر الملك , واستأذن في الخروج وهو يكرر الشكر للمك .
علمت زوجة الملك بما حدث بينه وبين الصياد , وكانت امرأة حكيمة ذات رأى ومشورة في المملكة , فلامت الملك لوما شديدا وقالت له :
- أرسل للصياد .. وارجع له السمكة .. إنها سمكة جميلة وعجيبة الشكل , ولكنها لا تستحق هذا المبلغ الكبير .
فرد الملك , وكان يقدر لزوجته حكمتها وصواب رأيها :
- ولكن كيف أرجع له السمكة وقد اشتريتها منه ؟ .. كما أن الملوك لا يجب أن يرجعوا في كلامهم !
فقالت , وكانت ذات حيلة ودهاء :
- اسأله عن جنس السمكة .. فإن قال ذكر ارفضها , وإن قال أنثى ارفضها
أما الصياد المسكين , فما إن وصل إلى منزله , وأخبر زوجته مسرورا بما حدث له مع الملك , حتى لامته أشد اللوم , وعنفته أشد التعنيف , وكانت امرأة قوية ذات سطوة وبطش , وقالت له :
- إن سمكة جميلة وعجيبة كما وصفت , تستحق أكثر من مائة دينار .. اذهب إلى الملك واسترد منه السمكة .
وكان الصياد المسكين لا يعصى لزوجته القوية أمرا , ولكن كيف يجرؤ أن يسترد السمكة من الملك ؟ فتعكر مزاجه وركبه هم عظيم , وبينما هو يفكر في الأمر جاء رسول من عند الملك يطلبه للمثول بين يديه حالا , فخشي أن تكون السمكة أصابت الملك بسوء , مشى الصياد وراء رسول الملك وهو يرتعد من الخوف , ولما مثل بين يدي الملك , قال له الأخير :
- ما جنس هذه السمكة أيها الصياد ؟
فوجئ الصياد بالسؤال , ولكنه قال من خوفه :
- إنها يا مولاي خنثى لا ذكر ولا أنثى
فضحك الملك من إجابة الصياد الذكية , وأمر له بمائة دينار أخرى , وأثناء ذلك سقط من يد الصياد دينارا منها على الأرض فانحنى ولقطه , وكانت الملكة تراقبه في غيظ , فقالت للملك :
- انظر أيها الملك إلى هذا الصياد الشحيح البخيل , لقد أعطيته مائتي دينار من الذهب الخالص , وعندما سقط منه دينار واحد , لم يتركه للخادم .
فنظر الملك للصياد في لوم وقال له :
- لماذا لم تترك للخادم ما سقط منك ؟
فقال الصياد :
- مولاي الملك العظيم , إن صورتك الكريمة على الدينار , وخفت إن تركت الدينار مرميا على الأرض أن يطأ صورنك أحد .
أعجب الملك بهذا الجواب من الصياد وضحك مرة أخرى وأمر له بمائة دينار أخرى , ثم أرسل على الفور إلى كاتبه وأمره أن ينقش العبارة التالية بماء الذهب في مدخل قصره :
" من يسمع شور زوجته تفنى دولته "
4- العصفور الحكيم
وقع عصفور حريص حكيم في فخ , وقبل أن يتدبر أمره فوجئ بيد الصياد تمسك به , ففكر العصفور الحكيم وقال للصياد :
- اصنع بي الآن ما تشاء بعد أن تسمع ما أقوله لك وتفهم معناه .
فتعجب الصياد من منطق العصفور , وقال له :
- قل ما عندك
فقال العصفور :
- يا هذا هل عندك شك أو عند أحد من العقلاء أنه لا يسمن أكلي ولا يشبع , ولا يغنى عن جوع ؟
فقال الصياد :
- نعم
فقال العصفور له :
- فإن رأيت أنك لا تؤذيني , وتطلق سراحي أعلمك ثلاث حكم أنفع لك ولغيرك ممن يسمعها منى , واحدة أقولها لك وأنا في يدك , والثانية إذا أطلقتنى وصرت قائما أمامك والثالثة إذا طرت .
فلما سمع الصياد ذلك زاد عجبه من العصفور , وقال :
- إنى أخاف أن لا تفي بما قلت
فقال العصفور :
- أعاهدك بالله العظيم أن أوفى لك بما ذكرت
فقال الصياد :
- اذكر لي الأولى من الحكم الثلاثة
فقال العصفور :
- يا هذا , مهما حييت لا تندمن , ولا تتلهف على شئ قد فات
فلما سمع الصياد هذه المقالة أعجبته , فأطلقه وتلهف لسماع الحكمة الثانية , وقال له :
- والثانية
- مهما عشت لا تصدق بشيء لا يتصور أن يكون
ثم طار العصفور وبعد عنه ووقف , فقال الصياد :
- اذكر لي الحكمة الثالثة
فقال العصفور :
- بالله ما رأيت أشقى منك أيها الرجل ولا أعظم منك شقاء
فقال الصياد :
- وكيف ذلك ؟
فقال العصفور :
- لأنك ظفرت بغناك وغناء ولدك وأهلك وذهب من يدك في أيسر وقت
فقال الصياد :
- وما ذاك ؟
قال العصفور :
- لو أنك ذبحتني لوجدت في حوصلتي جوهرتين من الياقوت , زنة كل واحدة منهما خمسون مثقالا , تساوى كل واحدة منهما خراج أعظم بلد يكون للأنام
فلما سمع الصياد ذلك اعتراه الندم واللهف وعض على إصبعه , وقال للعصفور :
- لقد خدعتني بمقالك
فقال العصفور :
- ألم أقل لك لا تندمن ولا تتلهفن على ما فات ؟
فقال :
- بلى
فقال العصفور :
- ألم أقل لك لا تصدق بشيء لا يتصور أن يكون ؟
فقال الصياد :
- بلى
فقال العصفور :
- يا جاهل , ويلك , أما أنه لا يشك عاقل , إنك إذا أخذتني و وزنتني بلحمي وريشي وعظامي ودمى وجميع ما في جوفي ما يفي وزن ذلك عشرة مثاقيل , فكيف يكون في حوصلتي جوهرتان وزن كل واحدة منهما خمسون مثقال ؟
ثم طار العصفور ومضى في طريقه لا يلتفت إليه .
5- الأسد والأرنب
كان هناك أسد اسمه "معتز" يعيش في إحدى الغابات , وكان شديد البطش , لا تسلم الوحوش أبدا من أذاه , وقد خافت الوحوش وجميع من في الغابة من بطشه , فاتفقوا أن يكلموا الأسد , فأقبلوا في جمع منهم وقالوا له :
- أية فائدة تجنيها يا مولانا الأسد من هذا القتل بالجملة لجميع الوحوش وإعدامهم بلا هدف ولا رحمة . إن هذا إثم كبير يطيح بآمال جلالتك في نعيم العالم الآخر , وإذا لم تكف عن هذا العمل فإننا جميعا هالكون لا محالة , وسوف تستيقظ يوما فلا تجد ما تتقوت به , ومن هذا ترى أن الخطة التي تنتهجها سوف تؤدى إلى الهلاك والقضاء علينا .
ففكر الأسد قليلا وقال :
- بماذا تشيرون على ؟
فقالوا :
- لقد اتفقنا على أن نرسل لك كل يوم دابة من كل قبيلة على التوالي , فهلا صنعت فينا معروفا وقبلت .
فقال الأسد على الفور :
- لا مانع لدى
وأخذت الوحوش منذ ذلك اليوم ترسل إليه كل يوم دابة واحدة كان يلتهمها , واتفق أن أصابت القرعة أرنبا من إحدى القبائل , فبعثت به جماعة الوحوش إلى الأسد ليكون طعاما له فامتثل الأرنب للأمر , ولكنه قال لنفسه : كيف أضع نفسي بين براثن الموت ؟ إن هذا معناه أن أودع الحياة اليوم , ترى ماذا أفعل ؟ لابد من الاحتيال على الأسد ،لابد أن أصرع الأسد بالحيلة .
و انطلق الأرنب يسير في بطء شديد , فوصل بعد الموعد الذي اعتاد الأسد أن يتناول فيه غذاءه , فتميز الأسد من الغيظ وعضه الجوع بنابه , فقال للأرنب وهو يحتدم غضبا :
- ما جدوى الغضب ؟ إن أسوأ ما يمكن أن أعاقبك به هو القتل . وأنت طعامي اليوم , ولكن قل لي لماذا تأخرت على ؟
فانحنى الأرنب للأسد وقال متلطفا :
- مولاي إذا كنت قد تأخرت فقد حدث هذا لأسباب خارجة عن إرادي , فبينما أنا في طريقي إليك اعترضني أسد آخر وهم أن يلتهمني .
فازداد غضب الأسد وأمر الأرنب بالاستمرار في الحديث فقال الأرنب :
- لما هم الأسد أن يلتهمنى قلت له إنى ذاهب لمولاي الأسد "معتز" فقد وقع على الاختيار لأكون طعاما له اليوم , فقال لي ومن يكون هذا الأسد "معتز" إنه لص اذهب إليه وعد معه إلى سريعا , وسوف أنازله , ومن يتغلب على خصمه يكون من حقه أن يكون ملكا لجميع الوحوش , وهذا ما حدث يا مولاي وهاأنذا أقص ما حدث عليك وما على إلا البلاغ .
عند ذلك انتفض الأسد "معتز" وقال :
- كيف يكون هناك أسد غيري في هذه الغابة التى أحكمها بذراعي اليمنى ؟, هيا بنا وأرني هذا المحتال .
فقال الأرنب :
- ما دامت هذه رغبتك فهيا معي يا مولاي لأريه لك .
ثم أخذ الأرنب الأسد إلى بئر عميقة زاخرة بالماء الصافي وأشار إليه قائلا :
- انظر هناك , ها هو ذا !
رأى الأسد الأحمق خياله في الماء , فقال في نفسه " إذن هذا غريمي " وتميز غيظا وأطلق زئيره المعروف فارتد صداه على إثر ذلك من البئر مضاعفا , وصك سمع الأسد فقال في نفسه " لابد أنه قوي جدا " ثم وثب واندفع إلى خياله فلقي حتفه في البئر غرقا , ورقص الأرنب فرحا وعاد إلى الوحوش يبلغها بنبأ مصرع الأسد , فهللت فرحا وقدمت إليه شكرها الجزيل وعاش الأرنب في تلك الغابة مع الوحوش في سلا
6- الأمير ومدعي التصوف
كان فيما مضى من الأزمان أمير جليل القدر , عظيم الهيبة , نقي السريرة , مواظبا على الصلاة والزكاة , قائما بالأمر بالعدل في حكم الرعية , وبينما هو خارج يوما من المسجد بعد صلاة الجمعة , استوقفه رجل في زي المتصوفة , فوقف الأمير تعظيما وتقديرا , فقال الرجل :
- اتق الله الذي إليه معادك وراقبه , فقد أرعبت الناس وأخفتهم خوفا قد منعهم من صدك عن كل ما يجري مما يكره الله عز وجل ولا يرضاه وأنا لسان جماعتهم إليك .
دهش الأمير لقول الرجل , وفى ذات الوقت أعجب بجرأته , وأمر بالقبض عليه , ثم أرسل إلى شيوخ البلد ووجهائه فلما اجتمعوا , أخبرهم بما قال الرجل وسألهم عما أنكروه من أمره حتى أوفدوا إليه هذا الصوفي , فأنكروا جميعا أن يكونوا أرسلوا أحدا , فنظر الأمير إلى الرجل الذي أحضر بين يديه وقال له :
- زعمت أن أهل البلد نصبوك للقول فيما أنكروه , فما قولك ؟
فقال الرجل في ثقة وشجاعة :
- نصبني لهذا المظلوم والمقهور ممن لحقه جورك وجور أصحابك .
فقال الأمير :
- إذن أخبرني ما الذي رأيته من ظلم وجور
فقال الرجل :
- منذ ثلاثة أيام وأنا أتلطف وأبحث عما قد رابني من بعض أصحابك , حتى وقفت على أن امرأة طبالة لا سبيل له عليها تدخل إليه وتبيت عنده كل ليلة .
فقال الأمير :
- غيره
فقال الرجل :
- واشترى رجل من أصحابك أيضا غلاما أمرد فنصب له طرة و قرطقه بأشياء لا يسمح بها إلا قلب فاسق .
فاستحثه الأمير فلم يزد شيئا , فقال الأمير :
- انتهى حديثك , وجاء حديثنا , يا هذا أنت الآن في العاجل قد دللتنا على عورتك , وأعلمتنا أن التجسس المنهي عنه , والظن السيئ المكروه استعماله من شيمتك , وهذا منهي عنه شرعا , كما أن الله عز وجل ستر على عباده , فأنا أرى أنك إلى التأديب أحوج منك إلى التأنيب , ولعل دخائلك الرزية أوضح من دخائل من فسقته ورميته بما لا يجوز في الدين أن يقطع مثله على مسلم في الحكم .
ولم يكد الأمير يتم قوله , حتى استأذن رجل في الحديث , فأذن له , فقال :
- أيد الله الأمير .. هذا الرجل أعرفه وقلبي يكرهه لأن قصده أن يترأس لدنيا يصيبها بالكذب على الناس , وأنا أشهد ومعي جماعة ممن حضر أن مسكنه الذي ينزله غصب , وأن طعمته إخافة المستورين .
فقال معظم من حضر :
- صدق .. أيد الله الأمير
فقال الأمير للرجل :
- ما قولك أيها المدعي ؟
فلم يرد , فأمره بخلع زي المتصوفة , ورد ما اغتصبه , وألا يعود إلى هذا مرة أخرى .
7- كيف أعاودك وهذا أثر فأسك
كان أخوان يرعيان إبلهما , فيوم تجوع فيه الإبل ويوم تشبع , وكان بالقرب منهما واد خصيب , وفيه حية ضخمة تحميه من كل أحد يفكر في نزوله , فقال أحد الأخوين , واسمه "سليم" لأخيه
- يا نسيم , لو أنى أتيت هذا الوادي المكلئ فرعيت فيه إبلي وأصلحتها .
فقال له أخوه محذرا :
- إنى أخاف عليك من الحية , ألا ترى أن أحدا لا يهبط ذلك الوادي إلا أهلكته
فلم يسمع لحذر أخيه ونصيحته وهبط الوادي ورعى به إبله , فلم يمر وقت طويل حتى نهشته الحية فقتلته , فحزن نسيم لموت أخيه , وقال في نفسه : والله ما في الحياة بعد أخي خير , لأطلبن الحية ولأقتلنها أو لأتبعن أخي , ثم هبط ذلك الوادي , وطلب الحية ليقتلها , فلما علمت الحية بوصوله أتته وقالت له :
- ألا ترى أني قتلت أخاك ؟ فهل لك في الصلح فأدعك بهذا الوادي تكون فيه وأعطيك كل يوم دينارا ما بقيت ؟!
فطمع الرجل وكاد ينسى ثأر أخيه وقال :
- أو فاعلة أنت ؟
فقالت :
- نعم
فقال مغتبطا :
- إني أفعل
فأخذت عليه المواثيق , فحلف لها وأعطاها المواثيق لا يضرها , وجعلت تعطيه كل يوم دينارا , فكثر ماله حتى صار من أحسن الناس حالا , ثم بعد مدة ذكر أخاه , فقال في نفسه كيف ينفعني العيش وأنا أنظر كل يوم إلى قاتل أخي , فعمد إلى فأس فأخذها , ثم قعد للحية حتى مرت به فتبعها , فضربها فأخطأها , ودخلت الجحر . أما الفأس فوقعت بالجبل فوق الجحر أثرت فيه , فلما رأت الحية ما فعل نسيم , قطعت عنه الدينار . وخاف نسيم شرها وأحس بالندم على فعلته فأتاها قائلا :
- هل لك في أن نتواثق ونعود إلى ما كنا عليه ؟
فبرزت الحية من جحرها , وقالت :
- كيف أعاودك وهذا أثر فأسك .
ثم تركته ودخلت جح
8- العصفورة والفخ
اقتربت عصفورة صغيرة من فخ ولم تكن رأت فخا من قبل , فقالت له :
- مالي أراك منحنيا ؟
فقال :
- لكثرة صلاتي انحنيت .
فقالت :
- فمالي أراك بادية عظامك ؟
قال :
- لكثرة صياحي بدت عظامي
قالت :
- فمالي أرى هذا الصوف عليك ؟
قال :
- لزهادتي في الدنيا لبست الصوف
قالت :
- فما هذه العصا عندك ؟
قال :
- أتوكأ عليها وأقضي بها حوائجي
قالت:
- فما هذه الحبة في يدك ؟
قال :
- قربان إن مر بي مسكين ناولته إياها
قالت :
- أنا مسكينة
قال :
- خذيها
فدنت فقبضت على الحبة , فإذا الفخ في عنقها , فجعلت تقول :قعي قعي , ومعناه عند مفسري لغة الطيور : لاغرني ناسك مراء بعدك أبدا .
9- مجير أم عامر
خرج جماعة للصيد في يوم حار , فعرضت لهم أم عامر وهى الضبع المعروفة , فطاردوا ما استطاعوا , حتى ألجئوها إلى خباء أعرابي فاقتحمته , فطلبوها من الأعرابي , فخرج إليهم وقال :
- ما شأنكم ؟
فقالوا :
- الضبع طريدتنا وصيدنا .
فقال الأعرابي مستنكرا طلبهم :
- كلا والله , والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثبت قائم سيفي بيدي
فلما يأسوا منه، تركوه وقالوا :
- أنت وشأنك
أما الأعرابي فقام إلى الضبع فأسكنها وقدم إليها اللبن والماء فأقبلت تلغ مرة في هذا , ومرة في هذا , حتى عاشت واستراحت , فبينما الأعرابي نائم في جوف بيته وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه وتركته , وجاء في تلك الأثناء ابن عم له يطلبه , فوجده على هذه الحال , فالتفت إلى موضع الضبع فلم يجدها , فأخذ قوسه وكنانته وذهب يثأر لابن عمه , حتى أدرك الضبع وقتلها , ثم تمثل قائلا :
ومن يصنع المعروف مع غير أهله يلاقي الذي لاقى مجير أم
10- الأمير الذي تنكر في زي العامة
أراد أمير أن يتفقد حال الرعية بنفسه , ويتعرف الناس على حقيقتهم , وكان قد شعر أن ما يصله من تقارير عن حال الرعية ليس صحيحا تماما , فتنكر في زي العامة وبدأ يمشي في الأسواق , فعرف حال الرعية في النهار , وذات ليلة سار في الحواري والميادين ليتعرف حال رعيته ليلا , فإذا بجماعة من اللصوص يتعقبونه وإذا به بين أيديهم , يريدون أن يفتكوا به , ويجردونه من ملابسه , ففكر الأمير وكان ذا حيلة وتدبير , فقال لهم :
- اعملوا بي كل ما تؤثرون من سوء ولا تردوني إلى يد الأمير , لأني هربت منه
وكان كبير اللصوص شيخا قديما في اللصوصية , فرأى أن يسلمه إلى الأمير , طمعا في هدية أو بعض مال من الأمير , فاتفق وجماعة اللصوص على تسليم الأمير المتنكر إلى دار الإمارة , فساقوه إليها وهو يتلوى ويضطرب ويظهر الخوف والرفض , حتى وصلوا به وهم يحملونه حملا إلى دار الإمارة , وما أن اقتربوا منها حتى عرفهم حرس الأمير , فقاموا لاستقبال الأمير وأسرعوا في القبض على جماعة اللصوص بإشارة من الأمير , الذي عزم على عدم التنكر في زي العامة مرة أخرى .
11- جاورينا وأخبرينا
كان رجلان يعشقان امرأة , وكان أحدهما جميلا وسيما , وكان الآخر دميما , تقتحمه العين , فكان الجميل منهما يقول للمرأة :
- عاشرينا وانظري إلينا
وكان الدميم , يقول :
جاورينا وأخبرينا
- فكانت تدني الجميل , وتقصي القبيح , فخطر لها يوما أن تختبرهما لتختار منهما زوجا فقالت لكل واحد منهما أن ينحر شاة , ثم أتتهما متنكرة , فبدأت بالجميل , فوجدته عند القدر يجلس يلحس الدسم ويأكل الشحم , ويقول لغلمانه :
- احتفظوا بكل بيضاء ليه , يعنى الشحم
فلما استطعميه , أمر لها بكرشة الشاة , فوضعته في قصعتها ومضت , ثم أتت الدميم , فإذا هو يقسم لحم شاته , ويعطي كل من سأله , فسألته فأمر لها بأطايب الشاة , فوضعته في جانب من قصعتها ومضت , ثم رفعت الذي أعطاها كل واحد منهما على حدة . فلما أصبحا غدوا إليها , فوضعت بين يدي كل واحد منهما ما قدمه لها , وقالت كل على قدر عطائه , فقبلت القبيح زوجا وأقصت الجميل .
12- العالم الذي حزن لوفاة زوجته
كان في بني إسرائيل عالم واعظ , مشهود له بالتقوى والصلاح , وكان لهذا العالم زوجة صالحة تقية مثله , وكان معجبا بها أشد الإعجاب , ولها بها , فلما ماتت وجد عليها وجدا شديدا , وأكثر من الأسف عليها , حتى خلا في البيت وأغلق على نفسه , محتجبا عن الناس فلم يكن يدخل عليه أحد , واتفق أن سمعت بقصته امرأة , وكانت عاقلة لبيبة , فقالت في نفسها :لعمري إن هذا الواعظ في حاجة لمن يعظه .
وفى اليوم التالي جاءت المرأة , فقالت لمن بالباب :
- إن لي إلى الحبر حاجة استفتيه فيها , وليس يجزيني إلا مشافهة
فقالوا لها :
- إن ذلك لا يكون , لأن الحبر لا يدخل عليه أحد
فقالت المرأة :
- مالي منه بد
وذهب الناس ولزمت المرأة الباب , فلما علم الحبر بقصتها , أذن لها بالدخول , فدخلت عليه , وقالت :
- إني جئت أستفتيك في أمر
فقال :
- ما هو ؟
فقالت :
- إني استعرت من جارة لي حليا , فكنت ألبسه وأغيره , فلبث عندي زمانا , ثم أنهم أرسلوا إلي فيه , فأرده عليهم ؟
فقال :
- نعم
فقالت :
- إنه مكث عندي زمانا
فقال :
- ذلك أحق لردك إياه عليهم حين أعاروه لك
فقالت المرأة :
- أي رحمك الله ؟ أتتأسف على ما أعارك الله تعالى , ثم أخذه وهو أحق به منك ؟
فأبصر الرجل ما وراء كلام المرأة , وخرج إلى الناس وجلس بينهم , واختلط بهم , وتزوج منهم
13- بيت النسر
سكن ملك النسور قمة جبل , وكان من خدام النسر صقر مخلص , وفى يوم جاء الصقر , وقال للملك :
- إن في أسفل الجبل فأرا ينبش وأخشى يا ملك النسور أن يظل الفأر ينبش فيسقط الجبل , وتقع قمته , ويتهدم بيت النسر العظيم ويموت أولاد النسر الأعزاء .
- فقال الملك للصقر المخلص :
- نحن معشر النسور لا نحط على الأرض , ولكن نطير نحو السماء
فألح عليه الصقر أن يتريث ويشاور وزراء مملكته خوفا على بيت النسر , جمع النسر وزراء المملكة وشاورهم فيما يقوله الصقر فهزئوا به , وسخروا منه , ثم استأذنوا ملك النسور أن يعاقبوا "الصقر" فأذن الملك بعقابه .
<p style
ساحة النقاش