شهادات الأدب الإسرائيلى على بطولات المصريين

  بقلم   د. إبراهيم البحراوى    ١٩/ ٦/ ٢٠١٢

إذا كان من عادة المؤرخين أن يبحثوا عن الوثائق الرسمية وعن شهادات القادة السياسيين والعسكريين للتأريخ لأحداث الحروب، فإننى أضع أمام المؤرخين المصريين مصدراً جديداً يمدهم بوثائق أصيلة غير قابلة للتشكيك حول آثار البطولات العسكرية المصرية فى المجتمع الإسرائيلى فى الفترة ما بين أكتوبر ١٩٦٧ وأكتوبر ١٩٧٣.

لقد قمت باعتبارى باحثاً فى الأدب العبرى الإسرائيلى أثناء معاصرتى لأحداث المعارك بجمع شهادات الأدباء والنقاد الإسرائيليين ورصد وترجمة وتحليل القصائد والقصص القصيرة التى نشرها هؤلاء فى الملاحق الأدبية للصحف الإسرائيلية فى تلك الفترة. وعندما ألاحظ فى السنوات الأخيرة أن أجهزة الدعاية الصهيونية تحاول من خلال شبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت أن تزيف الحقائق بالقول إن النصر الإسرائيلى فى الخامس من يونيو ١٩٦٧ لم يتأثر ولم يتزعزع بفعل حرب الاستنزاف المصرية وحرب أكتوبر الظافرة - فإننى أعود إلى التذكير بأهمية الوثائق الأدبية التى جمعتها فى كتاب تحت عنوان «بطولات المصريين وأثرها فى الأدب الإسرائيلى أكتوبر ١٩٦٧-أكتوبر ١٩٧٣»، ونشر فى مكتبة الأسرة عام ٢٠١٠.

فى أكتوبر ١٩٦٧ تمكنت زوارق البحرية المصرية بقيادة النقيب بحرى أحمد شاكر القارح من إغراق المدمرة إيلات أمام شاطئ بورسعيد بعد أن دخلت المياه الإقليمية المصرية، ولقد حاولت الصحف الإسرائيلية فى صفحاتها الإخبارية والتحليلية أن تقلل من شأن هذا العمل، لقد لاحظت أثناء فحصى للصحف الإسرائيلية اعتباراً من ذلك الحدث ميلاً لإخفاء آثار العمليات العسكرية الباسلة التى يقوم بها ضباطنا وجنودنا على حافة القناة، وكان من الواضح أن الرقابة العسكرية الإسرائيلية تحاول الحفاظ على الحالة المعنوية فى إسرائيل وإخفاء الخسائر الفادحة فى الأرواح.

فى الوقت نفسه اكتشفت أن الملاحق الأدبية التى تصدر مع الصحف الإسرائيلية تضم قصصا قصيرة وقصائد شعرية يرصد فيها الأدباء الإسرائيليون حالة الحزن والقلق والفزع التى حلت فى المجتمع الإسرائيلى محل حالة الزهو والعجرفة التى ولدها انتصار يونيو، فرحت أجمعها وأصنفها طبقاً لاتجاهها. فى خلال الألف يوم التى استغرقتها حرب الاستنزاف التى بدأت بمعركة رأس العش فى أول يوليو ١٩٦٧ وانتهت بوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس ١٩٧٠، جمعت مئات القصائد والقصص القصيرة العبرية التى تكشف عن تحول النصر الإسرائيلى إلى كابوس نتيجة تساقط العسكريين الإسرائيليين بمعدل يومى على حافة القناة وداخل حصون بارليف.

وضعت أربعة تصنيفات لهذه الوثائق الأدبية، الأول تصنيف بعنوان «قصص وقصائد الأحزان والألم»، والثانى بعنوان «قصص وقصائد الاحتجاج على الحرب»، وتصنيفاً يحمل عنوان «قصص وقصائد معاداة السامية»، وهى التى تصور حرب الاستنزاف والمقاومة المصرية للاحتلال الإسرائيلى باعتبارها نمطاً جديداً من معاداة اليهود فى محاولة لتزييف عقل القارئ الإسرائيلى وإيهامه بأن بطولات المصريين تنبع من غريزة الكراهية لليهود وليس من الرغبة فى تحرير الأرض المحتلة، أما التصنيف الرابع فيحمل عنوان «أدب العزلة واليأس والاغتراب».

لقد كان من الضرورى بالنسبة للمثقفين المصريين فى ذلك الوقت أن يطلعوا على الآثار القوية التى يوقعها المقاتل المصرى الباسل فى المعنويات الإسرائيلية وفى زعزعة حالة الزهو والعجرفة وفى هز مقولة «الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر»، ولهذا استجبت لدعوة الناقد رجاء النقاش، رئيس سلسلة «كتاب الهلال» وهى أهم سلاسل الكتب وأوسعها انتشاراً فى ذلك الوقت، وقمت بإعداد دراسة للوثائق والشهادات الأدبية الإسرائيلية، وأرفقت بها ترجمة عن العبرية لنماذج من هذه التصنيفات، وقامت «دار الهلال» بنشرها فى السلسلة فى يونيو ١٩٧٢. كانت تلك الدراسة الأولى من نوعها حول أدب الحرب الإسرائيلى فى المكتبة العربية، فأمدت المثقفين والأدباء العرب بمعرفة عن البنية الفكرية والنفسية العميقة لجموع الإسرائيليين.

وأسهمت فى كشف مواطن الضعف فى بناء المعنويات لدى العسكريين الإسرائيليين. يستطيع أبناؤنا من الأجيال المصرية الشابة أن يستشهدوا فى مجال إثبات قدرة مصر على تحدى الغزاة وتحويل أفراحهم إلى أحزان وزهوهم إلى انكسار بالقصائد التالية: ١- «ثلاث أغان» للشاعرة حدفاه هركابى، ٢- «ضيق عابر» للشاعرة شوشانه بيلوس، ٣- «إحساس» للشاعر إسحق بولاق، ٤- «إلى متى؟» للشاعر يعقوف ريمون، ٥- «صلاة على جرحى الحرب» للشاعر إسحق شاليف، ٦- «الضوء الذى فوق البحر» للشاعر بنحاس بلدمان، وهى رثاء للمدمرة إيلات، ٧- «الحرب المقبلة» للشاعر يعقوب باسار، ٨- «أشعار احتضار» للشاعر يهودا عميحاى.

ويستطيع أبناؤنا فى سجالاتهم مع الأجانب على الـ«فيس بوك» يستشهدوا بالقصائد التى ترجمتها عن العبرية، والتى تصور آثار الصدمة والفزع والدوار والاستنجاد بالسماء، التى كتبها الشعراء الإسرائيليون تحت تأثير حرب أكتوبر ١٩٧٣، ومنها ما يلى: ١- «نهاية ليلة» للشاعر إسحق بولاق، ٢- «كلمة الرجل البسيط» للشاعر يهوشع طن بى، ٣- «البوابة لم تنفتح» للشاعر يحئيل حزاق، ٤- «أقنعة الجد البيضاء» للشاعر ايتسيك مانجر، ٥- «كيف تقطعت الدروب» للشاعر يحئيل حزاق، ٦- «كم كنت صبية» للشاعرة أولاه ليف دون، ٧- «مجانين» للشاعر إيتسيك مانجر، ٨- «الأمير الصغير يصيبه الهرم» للشاعر يعقوب باسار، ٩- «راكض» للشاعر دوف حومسكى، ١٠- «عندما تقول حياتى» للشاعر دوف حومسكى، ١١- «أريد رجلاً حكيماً» للشاعرة حدفاه هركابى، ١٢- «أريد رجلاً بلا قوة» للشاعرة حدفاه هركابى، ١٣- «أغانى أرض صهيون» للشاعر يهودا عميحاى.

إن نصوص هذه القصائد سواء المنتمية لفترة حرب الاستنزاف أو المنتمية لآثار حرب أكتوبر ١٩٧٣- تمثل وثائق أدبية وشهادات تاريخية يقدمها الأدباء الإسرائيليون على انهيار المعنويات ومشاعر الحزن والانكسار والصدمة ورفض الحروب وآلامها، أضعها بين يدى الأجيال الجديدة حتى لا يغرر بهم أحد بالقول إن الجيش الإسرائيلى لم يهزم على أيدى المصريين.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,685,599