اللهو.. بلعب الأولاد مرفوض!!
سعدية شعيب 510
وهي صغيرة.. كانت أخواتها البنات يلعبن بالعروسة ويقمن بتسريح شعرها الأصفر أو الأسود الطويل
ويبدلن لها الأحذية, وعندما كانت تسمع مشادة فيما بينهن تدرك أنهن يتشاجرن من أجل الحصول علي العروسة الأجمل من بين العرائس لاحتضانها في أثناء النوم, وقد كان يستهويهن الدباديب القطنية الطرية وذات الملمس الناعم التي يتوج رأسها الفيونكات والتي كانت تملأ أركان غرفة النوم وعلي الأسرة, أما هي فكانت مختلفة عن قريناتها فلم يستهوها الوقوف أمام فتارين العرائس ولم تلح علي والديها لشراء عروسة, فلم تمتلك واحدة منها يوما, بل كانت مولعة بألعاب الأولاد, لعب الكرة مع إخوانها الصبية واللعب بعجلتها التي تشبه عجلتهم والجري بها وكأنها تسابق الريح في الحي الهادئ القديم, وكانت ترتدي ملابس تشبه ملابسهم التي شيرت والشورت أو البنطلون الأولادي وتنزل إلي الشارع من البلكون بدلا من باب الشارع, وإلي الآن فإن أفضل مايمكنها عمله هو قضاء مهمة أو مشوار أو عمل, ممادفعها أن تتساءل هل هذه التصرفات الصبيانية تعني أنها ناقصة الأنوثة أو أن هناك خللا ما في شخصيتها, أو في الجينات الوراثية تكون قد اكتسبتها من الأعمام أو الأخوال من الرجال..؟؟
د. محمد فؤاد كامل أستاذ الطب النفسي- كلية الطب جامعة القاهرة يؤكد: أن مثل هذه السلوكيات للصغيرات بترك ألعاب البنات وانجذابهن نحو الألعاب الصبيانية وتقليدهن الأولاد في بعض تصرفاتهن وسلوكياتهن ليس له علاقة بالوراثة أو الجينات, إنما هي نتاج عملية التطبيع الاجتماعي التي تقوم بها المدرسة أو الأسرة, فالأسرة هي المسئول الأول عن تحضير الفتاة علي أن تكون أنثي, وتحضير الولد علي أن يكون ذكرا, وتشجيع ممارسات كل منهما والتي تلائم جنسه في اختيار هواياته وفي سلوكياته وفي طريقة اختياره لملابسه, فإن رأيتم فتاة لاتلعب بالعرائس والدباديب وتتخذ بدلا منها ألعابا صبيانية, وإن رأيتموها ترتدي ملابسهم وتقود عجلة أو تقضي المشاوير بدلا من أخيها الولد وتتحرك كثيرا في المنزل وفي الشارع تلعب مثلهم ولاتجلس ساكنة ناعمة مثل صديقاتها البنات, فاعلموا أن أسرتها شجعت فيها هذا السلوك لأنها كانت تريد إنجاب ولد فجاءت أنثي ورأت تعويض هذا الإخفاق في تدريب البنت أن تكون ولدا وبنتا في الوقت نفسه, وقد تكون البنت نفسها تربت بين العديد من الإخوة الذكور فراحت تتصرف مثلهم أو سمعت كلاما متنطور من والديها يقلل من شأن البنات, مما دفعها بدون وعي لمحاولة تحقيق أمنيتهم في أن تكون الولد الذي تمنوه, وقد يكون المجتمع الذي يعتبر الابن الولد أكثر قيمة وفائدة والأكثر أفضلية عن البنت هو الذي جعلها تتخلي عن أنوثتها فتركت لعب الفتيات واتجهت في اللعب إلي عالم الأولاد, والفتيات في العالم العربي دائما ماتصلهم رسالة خفية تفيد أنه كان من الأفضل أن تولد ذكرا.. وليس أنثي, والدليل علي ذلك أن الأسر التي حرمت من إنجاب ذكور أو كانت تريد أكبر عدد منهم ولم تنجح, تشتري للبنت التي أنجبوها ملابس تشبه ملابس الأولاد وفي أحسن الظروف تكون باهتة الألوان تصلح للبنين والبنات, وليست فساتين تنطق بصراحة عن أنها بنت تمنتها الأسرة واشتاقت لإنجابها ولم تتمني صبيا بدلا منها,ولا نستطيع تجاهل أن في العالم كله ساد نوع من التذكير للبنات, والتأنيث للذكور, وذلك لانتشار البطالة وعدم وجود وظائف, فنجد بعض الفتيات يشحذن همتهن مرتديات البدل والبنطال والجاكت مقلدين الأولاد في مشيتهم وخشونتهم ولاييأسن حتي يحصلن علي وظائف, في حين نجد بعض الفتيان نايمين للظهر مرتاحين واضعين الجل والكريم في تسريحات جديدة لشعورهم لم تكن تستخدمه إلا الفتيات وقد افتقدوا حماس الشباب, لهذه الأسباب كلها تشجع بعض الأسر الفتيات علي تقليد الأولاد في مختلف الأمور وليس في اللعب بألعابهم فقط, وإنما في كثيرا من سلوكياتهم أما عن مشاعر الفتاة التي تتبع كثير من سلوك الأولاد في حياتها فنجدها تشعر بالتميز مقارنة بغيرها من فتيات الأسرة, فهي تتمتع بقدر أكبر من الحرية, فهي في رأي عائلتها بألف ولد ولاخوف عليها, وهي الفتاة الفائزة دائما بين شباب العائلة فتيات وأولاد فهي وسط الأولاد بتاخد حقها بدراعها, ووسط البنات هي الريسة والقائدة عليهن دوما.
البنت هي الأفضل.. والأجمل..!!
ولتلافي مثل هذه المشكلة يؤكد د. فؤاد كامل أنه علي الأسرة ضرورة القيام بعملية التطبيع بمعناها الصحيح, فالبنت إنسان بالإضافة إلي أنها أنثي, والولد إنسان بالإضافة إلي أنه ذكر, فالجزء المشترك بينهما أنهما إنسان, وإذا كنا نحترم الجزء الإنساني لهما معا, فمن الضروري تشجيع الجندر وهو الجنس البشري في البحث عن الدور المغاير وخصوصية كل منهما, وهنا يكون دور الأسر في مساعدة الصغيرات وتشجيعهن في اختيار ألعابهن والتي تناسب أعمارهن وبنات جنسهن,- وفي اختيار ألعاب الأولاد والتي تناسب جنسهم وتوائم شخصياتهمن ويستطيعن بها مشاركة الأقران من الصبية اللعب بها, ولاعيب للفتاة أن تتمتع بوضع لمسات الجمال في اختيار ألعابها وملابسها وفرش غرفة نومها.. إلي آخره, وأكبر دليل علي إحترام الجانب الناعم والجمالي للمرأة لأي زي وفي أي مكان, إن في زي الجيش والطيران ومختلف المؤسسات في العالم كله, لايسمح للرجل بعمل أي تعديلات علي اليونيفورم في حين يسمح للفتاة عمل بعض التغيير عليه, بوضع بروش أو دبوس جميل علي الياقة علي سبيل المثال, وعلي كل أم أن تمارس غريزتها في تربية طفلتها فإن كانت قد قامت في طفولتها بدور ذكوري, فمن المهم أن تعوضه في تدريب ابنتها علي ممارسة دورها الأنثوي وفي أن تكون أكثر رقة وأنوثة, ومن الضروري ألا تتحدث الأسرة أمام البنت أنها كانت تريد ولدا بدلا منها فتضطر أن تقوم بدور الولد التعويضي, وعدم الحديث عن أفضلية البنت علي الولد وإعطائه مزيدا من المزايا والإعلاء من شأنه والحط من قدر الفتاه, أيضا عدم إعطاء الولد حقوقا تفوق حقوق البنت والتي قد تغريها بالتخلي عن أنوثتها للحصول عليها بالإنضمام إلي منظومة الذكورة.
عرائس.. للعرض فقط!!
سؤال أخير د. فؤاد كامل..ماذا لو امتلكت الفتاة العرائس والدباديب ولم تلعب بها, ولم تجعل غيرها من الصديقات تشاركنها اللعب بها, بل وتضعها في الأرفف المفتوحة بعيدا حتي لاتصل لها الأيدي, لتقف أمامها وتستمتع فقط بالنظر إليها..؟!
في الدراسات القديمة.. فسركثير من العلماء مثل هذا السلوك علي أنه سلوك غير سوي به كثير من الأنانية, علي اعتبار أن الأطفال بهم قدر كبير من الأنانية وأن هذا لايتعارض مطلقا مع براءتهم, ولكن علم النفس الحديث يري أن الإنسان بشكل عام والأطفال بشكل خاص يجب أن تكون لهم خصوصية, وهو نفس ماتفعله هذه الفتاة الصغيرة ألا يقترب أحد من خصوصيتها إلا بالقدر الذي ترغبه, وهي تملك الشجاعة التي لايمتلكها غيرها من الأطفال في رفض مالاترغبه, وفي تأكيدها ومعرفتها لحدود ممتلكاتها الخاصة التي لايجب التعدي عليها وحدودممتلكاتها الشائعة التي تحب أن يشاركها الآخرون الاستمتاع بها, وهو مايجب أن نعلمه لأولادنا بل ونعلمه لأنفسنا, أن هناك حدودا بين ماهو خاص والتي تخصنا وحدنا ولانحب أن يقترب منها الآخرون, وماهو عام والتي نحب ونفرح أن يشاركنا الآخرين فيها, فيجب ألا نكون مباحين للآخرين طول الوقت وبلاحدود, حتي لانشكو بعد ذلك من ظلمهم وتعديهم علينا..!!
ساحة النقاش