جمال عبد الناصر‏..‏ ودور القيادة الثورية‏(1)‏
بقلم: د. هدى عبد الناصر 431 

أثناء مراجعتي لأول مرة لمحادثات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق‏,‏ التي جرت في شهري مارس وأبريل في عام‏14891963‏ صفحة‏-;‏ من أجل أن أضمها الي ملاحق كتابي تحت الإعداد‏..‏ جمال عبد الناصر‏..‏ الأوراق الخاصة‏;

 

أدركت أنها تكشف فكر جمال عبد الناصر في مواجهة البعث السوري والعراقي, كما أنها توضح جوانب عديدة في تجربة الوحدة المصرية السورية, وأحداث ودوافع الانفصال, ومدي استيعاب القيادة المصرية لدروس هذه التجربة القاسية.
ولكن ما شدني علي وجه الخصوص, وما أريد أن أشارك القارئ معي فيه بعد مضي49 عاما علي هذه المحادثات هو ذلك الجزء من الحوار بين جمال عبد الناصر وبين فيلسوف حزب البعث السوري ميشيل عفلق حول دور القيادة الثورية في إحداث التغيير; فبينما كان حزب البعث السوري ينتظر من القاعدة الشعبية أن تبادر بالضغط من أجل التغيير الاقتصادي والاجتماعي, كان جمال عبد الناصر يري أن دور القيادة الثورية هو المبادرة بإحداث التغيير, علي نحو ما جري في التجربة المصرية.
ويشرح جمال عبد الناصر.. نحن في أسلوبنا.. طبقناه بعد أن استطعنا أن ننتزع السلطة أو ننتزع الحكم بثورة23 يوليو. وإن نظامنا مبني علي مبادئ الثورة الستة التي أعلنت منذ أول يوم; وهي القضاء علي الاستعمار, القضاء علي الاقطاع, القضاء علي الاحتكار ورأس المال المستغل, إقامة عدالة اجتماعية, إقامة جيش وطني قوي, إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
وبمجرد ما انتزعنا السلطة من تحالف الرجعية مع الرأسمالية, كان يجب أن نبدأ في التطبيق; باعتبار أن الثوريين هم الطليعة.. طليعة الشعب العامل. نحن لم نقم بالثورة أبدا لنمثل الاقطاع أو الرأسمالية, وباعتبارنا نمثل الثوريين الذين أسقطوا الاستعمار وتحالف رأس المال مع الاقطاع; فيكون هناك خطأ كبير لو نقول: نحن نريد ناسا يمثلون الطلائع الثورية; ليطالبونا بالثورة.
إننا لا نكون ثوارا لو نفذنا هذا الكلام, وانتظرنا بعد23 يوليو حتي يأتينا من يطالب بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية. ولنأخذ مثلا علي هذا أيضا من الثورات الاشتراكية كلها في العالم; فبعد نجاح الثورة يبدأ التطبيق. ولا أظن أبدا أن طليعة عملوا ثورة اشتراكية, ثم انتظروا ولم يفعلوا شيئا.. انتظروا الناس حتي تطالب!
وبالنسبة لهذه العملية.. لا أظن أبدا أنه حدث في روسيا تطبيق نتيجة أن الناس تطالب! بل بالعكس; تجتمع اللجنة المركزية, وتأخذ قرارا, وينفذ هذا القرار; وذلك حدث من1917 وحتي الآن.
ومضي جمال عبد الناصر في الحديث.. نحن لم نكن حزبا, لكن كنا تنظيم ثورة سري, ومنشوراتنا قبل الثورة كانت تحدد مطالبنا. ومثلا.. في جريدة الشرارة التي كان يصدرها لينين.. نفس العملية; التنظيم سري, والحزب كان موجودا, لكن هل عندما استولوا علي السلطة كان التنفيذ بناء علي طلب من القواعد الشعبية ؟!
طالما أن الحكم في يد الطلائع الثورية.. ما هدف الطلائع الثورية ؟ هدفها محدد بالأهداف الستة في بداية الثورة, وفي الميثاق بعد ذلك.
لن يكون هناك مجال أبدا أن ننتظر الناس تطالب حتي ننفذ; لأنه ما هي القيادة ؟ القيادة هي معرفة المشاكل والمطالب, ثم تحقيقها.
باستمرار ستجد أن الحكم هنا, في مصر] سابق علي المطالب.. لماذا ؟ لأن الحكم بيشعر بالتفاعل, وهو ليس حكم تحالف الرجعية والرأسمالية المضاد لمطالب الشعب, بل هو حكم الشعب العامل الذي يعطي للشعب العامل كل شئ.
ومهما تم التنظيم سياسيا, فسنجد دائما أن الحكومة تعرف ما هي المشاكل, وتحاول حلها, مادامت هي من الشعب العامل, ولا تعمل لصالح الاستعمار والرأسمالية.
إذا كان في سوريا هذا الكلام لم ينفذ, فإنني أقول: إن القيادة هي معرفة المشاكل وحلها, ومعرفة المطالب وتحقيقها...
نحن هنا نقدر نعرف كل المشاكل ثم نحلها, بنقدر نعرف المطالب قبل ما تكون تبلورت; تكون تبلورت أفكار عندنا, ونضعها موضع التنفيذ.
ويستطرد جمال عبد الناصر قائلا: ما أتصوره اليوم في سوريا أنه عندما يحكم البعث الذي يعتبر نفسه طليعة شعبية هل يستطيع أن يبقي كحاكم, وينتظر بعد ذلك الناس تطالب حتي ينفذ مطالبها ؟! أم يجب أن يبدأ دائما بالتنفيذ ؟! إذا انتظر حتي تطالبه الناس بتنفيذ شئ, ويتناقش معها; يكون فشل في العملية, ولم يستطع أن يعرف مطالب الناس ويحققها, ولا مشاكل الجماهير ويحلها.
فقصة مطالبة القواعد الشعبية, بالقيادة], هي قصة تدور في حلقة مفرغة, والقواعد الشعبية لن تجد أشياء كثيرة تطالب بها.. لماذا ؟ لأن القيادة أو الطليعة التي تعمل للشعب العامل باستمرار ستحقق مطالبه; مثلا, في مصر] قبل ما يطالبوا بتخفيض جزء من الأرباح, للعمال], كان ذلك قد تحقق فعلا نتيجة التفاعل. لو أن القيادة كانت تمثل رأس المال وتحالف رأس المال مع الرجعية; فما كانت لتعطي أبدا إلا بناء علي طلب وبناء علي الحاح.
وبالنسبة للمطالب التي تقابلها اليوم في سوريا.. من من ؟ من الطبقات الأخري; الطبقات الرجعية أو الانتهازية. وهذه مطالب لن تستطيع أن تستجيب اليها; لأن في أي حكم تقدمي وفي أي حكم اشتراكي, عندما تحقق العدل... ضروري أن تتأثر طبقة معينة; وهي التحالف الرأسمالي الرجعي.
ثم يشرح جمال عبد الناصر.. ونحن في مصر عندما نقول إننا طليعة الشعب العامل; فذلك معناه أننا نعمل من أجل قوي الشعب العاملة; العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسمالية الوطنية. إذن أخرجنا من هذا التحالف.. الاقطاع والرأسمالية المستغلة; ولذلك يحدث باستمرار تصادم بيننا وبين الرجعية والرأسمالية. وكل ما يحدث هذا التصادم الحتمي, رد فعله بيكسر في الرجعية والرأسمالية, وبيكسر في هذا التحالف.
نحن في تجربتنا بدأنا بستة مبادئ.. ستة أسطر, ثم وصلنا الي أن عندنا اليوم وسائل الانتاج80% منها قطاع عام, التجارة الخارجية التصدير80%, البنوك وشركات التأمين100%, الاستيراد100% قطاع عام, المقاولات50%, التجارة الداخلية25% قطاع عام, جميع النقل والمواصلات ملك الدولة, والخدمات العامة, وملكية الأرض حدها الأعلي100 فدان, للفرد], وسوف تكون100 فدان للعائلة.
هذا كله عملناه في أقل من عشر سنين, ففي المرحلة الأولي لم يكن ذلك ممكنا. ولكن إذا لم يكن ذلك قد حدث, لأصبحت الطبقة الرأسمالية أقوي; لأن الدخل القومي كان600 مليون جنيه, واليوم1600 مليون جنيه. ومعني هذا أن الأرباح التي كانت تحققها الرأسمالية في البلد أيام الثورة كانت ستزيد جدا عما كانت تحققه قبل الثورة. ونتيجة للتوسع في الصناعة, زاد دخل البعض عشر مرات.. لماذا ؟ لأن الاستثمار الصناعي وحده زاد من2 مليون جنيه, ووصل هذا العام,1963] الي110 ملايين جنيه في السنة; فالدولة تعطي تسهيلات, وتمنع الاستيراد.. الخ.
واختتم جمال عبد الناصر كلامه.. إنني بهذا أرد علي نقطة.. لماذا, لا ننتظر مطالب] التنظيمات الشعبية ؟ لأن الثورة كان لها مبادئ مستمدة من مطالب الشعب, وبدأت في الحال تنفذ هذه المبادئ.
في سوريا.. الوحدة تحولت الي سياسة وليس ثورة, أما الوضع في مصر فقد اختلف; فأثناء عدوان1956 وزعنا نصف مليون قطعة سلاح! الاتحاد الاشتراكي دخل فيه4 ملايين, لكن في داخل هؤلاء موجود جهاز سياسي من أول الثورة. إن وجود جهاز سياسي ضروري, وإلا ما كنا نقدر نمسك البلد, ونجابه الاستعمار والعدوان والاقطاع والرجعية ورأس المال.
لماذا رفضنا الأحزاب ؟ إن الحزب عبارة عن انتقاء, وكنا نصل الي عدد10.000, معني هذا أننا نلغي باقي الشعب, ونتحول من ديمقراطية كل الشعب الي ديكتاتورية الحزب!
إن وضع الأحزاب في مصر يختلف عن سوريا والعراق; فكل الأحزاب عندنا كانت أحزاب رجعية, وتعاونت مع الاستعمار, ما عدا الحزب الوطني الذي كانت قواعده قليلة. لذلك استمر الإخوان المسلمين الذين كان أمامنا علامة استفهام عنهم; الي أن كشفوا أنفسهم, وحدث الصدام بيننا وبينهم في1954.

 

المزيد من مقالات د. هدى عبد الناصر
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 70 مشاهدة
نشرت فى 4 فبراير 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,797,404