ويدور بيالزمان الجامعي...
بقلم: حامد عمار
229
بين محبط ومتفائل يدور بي الزمان الجامعي خلال ستين عاما, من عمر بلغ اليوم بفضل الله إحدي وتسعين سنة. وبذلك أجد نفسي أقدم أستاذ تربوي, إن لم أكن أقدم أستاذ في جامعات مصر. ومن ثم أجد من واجبي أن أعبر عما يخالجني من مشاعر وأفكار في هذه اللحظة التاريخية.
بدأ بي الزمان الجامعي دورته مدرسا حرف( ب) عام1951 في جامعة إبراهيم باشا الكبير مع الاحتلال والملكية الوراثية, ثم مدرسا حرف( أ) مع جامعة عين شمس1952 مع بداية الثورة الناصرية حين تغير اسمها مع النظام السياسي, وكان رئيسها إذ ذاك الطبيب الأديب الدكتور مصطفي نظيف ـ لا علاقة له بما في ذهنك. وأتابع دوران الزمان الجامعي أستاذا مساعدا بالإعلان عن الوظيفة, فأستاذا بدون كرسي, انتهاء بأستاذ كامل مع أوائل السبعينيات من القرن الماضي. وتغوص الجامعات منذ تلك الفترة في تيارات الانفتاح السياسي والاقتصادي والسلام مع إسرائيل. ونشهد نظام الحكم التسلطي وما امتد إليه من أفاعيل الخصخصة, ومن زواج غير شرعي بين الإمارة والتجارة والفساد. ومعها يصبح معظم التعليم من بين السلع التي تشتري بالمال والنفوذ. ويجري تعيين رؤساء الجامعات ممن تختارهم السلطات العليا انتهاء بمجلس الوزراء.
ومع مواصلة دورة الزمان الجامعي أجد نفسي اليوم وقد تفجرت ثورة25 يناير2011 مع شعارها وأهدافها في التوجه نحو بناء مجتمع ديمقراطي وتعليم ديمقراطي. وتتولي لأول مرة أمور جامعاتنا قيادات منتخبة من عمداء ورؤساء جامعات.
ومع هذا التحول تصل دورتي الجامعية إلي أن يتولي رئاسة جامعة عين شمس في آخر الانتخابات الجامعية رئيس منتخب شرعيا هو الأستاذ الطبيب الدكتور علاء فايز. وقد سرني أن تكون من فاتحة لقاءاته مع كليات جامعته زيارة كلية التربية ليجري مع أعضاء هيئة التدريس بها حوارا يتعرف من خلاله علي أحوالها وأشواقها. وكنت حريصا علي لقائه والمشاركة في ذلك الحوار أثناء زيارته لكليتي, لكن مفاجآت الشيخوخة بأوجاعها قد اضطرتني إلي مغادرة قاعة ذلك الاجتماع.
ويلفت النظر في زيارة الرئيس الجديد أن تكون كلية التربية وكلية البنات من بين أول لقاءاته وحواراته مع كليات جامعة عين شمس التي تبلغ16 كلية. وقد اعتدنا أن تكون هاتان الكليتان في آخر أجندة الكليات التي تحظي بزيارة رئيسها الجديد, إن وضعها في الأجندة أصلا ـ وأحسب أن لتلك الأولوية في رأيه ـ دلالتها من تقديره لدور هاتين الكليتين في إعداد المعلم من النوعين باعتبارهما قاعدة التكوين البشري المحرك للتنمية الشاملة وبناء المجتمع الديمقراطي.
وعلي كل حال فإن كليتنا تقدر له هذا الاهتمام, وتأمل في تعدد هذه اللقاءات مع أعضاء هيئة التدريس. وفي هذا المقال ربما كان من المناسب الإشارة إلي أهم المشاكل التي تعاني منها جامعاتنا بصوره عامة, والتي أدت إلي حسرتنا في الاقتصار علي ورود اسم جامعة واحدة أخيرا في قائمة الجامعات المتميزة في العالم. ومن بين تلك المشكلات أن جامعاتنا ظلت أسيرة الأوامر الفوقية وتدخلات السلطات الأعلي التي كانت قيدا علي حريتها واستقلاليتها. وسادت في أجوائها كثير من القيود البيروقراطية الجامدة, مما حرمها من الاستمتاع بحريتها وطموحاتها في التطوير الذاتي. وفي هذا الصدد يذكرنا عالمنا النوبلي د. أحمد زويل( إن العقول المبدعة لا تتفاعل جيدا مع البيروقراطية) هذا إلي جانب حصار جهود الحرية وهيمنة الضوابط الأمنية علي الأساتذة والطلاب مما هو معروف. وقد عبرت في مقال سابق عن هذا الحصار:( لقد غدت الجامعات أشبه بالمدارس الحكومية منضبطة ساكنة تحاول أن تتحرك فيصادفها القهر داخليا والأمن داخليا وخارجيا. وعليها أن تلتزم بالنظام كانضباط الفصل الذي يفرضه مدرس صارم في المدرسة الابتدائية). ويشخص هذا الموقف المفكر البرازيلي فيلسوف التربية المشهور( باولو فريري) حين يقول:( إن علينا أن نحكم بأن ثمة خللا في حياة الجامعة حين يكون كل شيء فيها علي ما يرام. ليس لدي الطلاب ما يشكون منه, وليس لدي الأساتذة ما يشغل بالهم. وتصبح الصورة الرسمية صورة منضبطة, والقافلة تسير). هذه هي مشكلة الواقع التعليمي بصورة عامة لا يشعر فيه الطالب في المدرسة أو في الجامعة بأي تنمية للحرية في الرأي أو التعامل مع الحياة في المؤسسة الجامعية. وقد لخصها الأديب المفكر الطيب الصالح في عبارته( إنهم يرسلوننا للتعلم لكي نقول لهم نعم). وأعتقد أننا قد قطعنا أشواطا في دعم حرية الجامعة رئاسة وإدارة وطلابا مع انقشاع كثير من سحب الحصار والأوامر والنواهي الفوقية. ونأمل أن ينفتح الطريق لكي نقول( لا) بعد أننا لم نجرؤ في كثير من الظروف والضغوط إلا أن نقول( نعم) وفي أحسن الحالات( لعم).
والأمل معقود علي أن قيادات جامعاتنا وعددها(18) جامعة سوف يسعون الآن جاهدين مخلصين في إعادة صياغة رسالة الجامعة لتكون منارات مضيئة للفكر المتجدد ولمراكز الإبداع والنهضة الثقافية, والبحث العلمي, ولمقومات المواطنة, والتفاعل مع نتاج الثورات العلمية والتكنولوجية وبناء مجتمع المعرفة. وتؤسس بذلك مجتمعا( يتسع لسعادتنا أجمعين, نبنيه بالحرية والعلم والمصنع) كما أراده رفاعة الطهطاوي منذ أوائل القرن التاسع عشر. وبذلك تصل دورتي مع نهايات الزمان الجامعي بعد ستين عاما إلي خاتمة متفائلة سعيدة لمصرنا وطنا ولشبابها بناة المستقبل.
ساحة النقاش