وماذا لو جاء الإخوان للحكم؟« دراسة وثائقية» بقلم د. رفعت السعيد ٨/ ١٠/ ٢٠١١ |
ولأن الإخوان أصبحوا يمثلون هاجساً لدى الكثيرين، فإن السؤال مشروع تماماً، ولأننا نريد أن نبتعد عن الأقوال المرسلة، أو عن اتهامنا بالتقول، فسوف نعتمد وفقط على أقوال ومواقف إخوانية موثقة، وحتى دون تعليق منا، ثم نترك الأمر بعد ذلك للقارئ. ونبدأ بموقف الأستاذ حسن البنا من حق الاختلاف داخل صفوف الجماعة ثم حق الاختلاف من خارجها. وتتمثل البداية فى وقوع خلاف بين بعض الأعضاء المؤسسين والمرشد الأول حول مسائل مالية فأمر المرشد بضربهم علقة وصفها هو بأنها «علقة ساخنة»، وذلك بعد أن وصف المخالفين له «بأنهم قد تلبسهم الشيطان فهم خوارج» ثم «فإن من يشق عصا الجمع اضربوه بالسيف كائناًَ من كان» ثم يبدى أسفه «لأننا قد تأثرنا إلى حد كبير بالنظم المائعة التى يسترونها بألفاظ الديمقراطية والحرية الشخصية» (حسن البنا– مذكرات الدعوة والداعية– الطبعة الأولى– ص ١٦٦– ونلاحظ أن الإخوان قد أدخلوا تعديلات عدة بعد ذلك عن هذه المذكرات لإخفاء ما قد يبدو فيها من تشدد أو من تقرب من الملك). وحتى عندما يكتشف أن بعضاً من المؤسسين مثل «الشيخ المفضال» كما وصفه هو حسن عسكرية «ينظر إلى كأخ وزميل، فلا يصغى لآرائى إلا قليلا ومن هذه الناحية يكون توحيد الفكر ضربا من التعسر» (المرجع السابق) ويصدر البنا قراراً بفصله. ونمضى إلى ما قاله الأخ صالح عشماوى أحد قادة الجماعة «عند أول عهدى بمكتب الإرشاد ثار سؤال» هل يتقيد فضيلة المرشد برأى المكتب أم أن له أن يخالفه إذا شاء؟ وكان رأى الإمام الشهيد أن الشورى ليست ملزمة، وأن له أن يخالف رأى إجماع المكتب (مجلة الدعوة– ١٢/١٢/١٩٥٢). فماذا عن موقف الجماعة من المخالفين خارجها؟ ونقرأ فى العدد الأول من مجلة النذير، وكانت لسان حال الجماعة، مقالاً للشيخ عبدالرحمن الساعاتى والد المرشد قال فيه «استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا إلى حيث تؤمرون» ثم يقول «خذوا هذه الأمة برفق وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعانى وجسم عليل». ثم «فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، أو سرطانا خطيراً فأزيلوه. فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر، وفى عيونهم عمى» (النذير– العدد الأول– أول المحرم– ١٣٥٧هـ). ونلاحظ أنه يتكلم عن الشعب بأكمله. ويعود الأستاذ البنا ليمجد استخدام القوة ضد المخالفين فيقول «وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذى تحمل عليه الإنسانية العابثة ليكسر جبروتها وطغيانها.. ولم يكن السيف فى يد المسلم إلا كالمشرط فى يد الجراح لحسم الداء الاجتماعى» (النذير– رمضان ١٣٥٧هـ) والقوة تستخدم بين الإخوان وبعضهم البعض. ونقرأ للمؤرخ المعتمد من الجماعة الأستاذ محمود عبدالحليم أنه بعد مقتل الرجل الثانى فى الجهاز السرى للجماعة سيد فايز «لقد ثبت ثبوتاً قاطعاً أن هذه الجريمة الآثمة كانت بتدبير عبدالرحمن السندى» (وهو مسؤول الجهاز السرى)– (محمود عبدالحليم – الإخوان المسلمون– أحداث صنعت التاريخ– جزء ٣– ص ٢٠٥). ونقرأ للأستاذ محمود الصباغ أحد قادة الجهاز السرى فى كتابة حقيقة النظام الخاص (ص ١٣٨) وهو كتاب كتب مقدمته الأستاذ مصطفى مشهور أثناء توليه موقع المرشد، نصا ورد فى لائحة الجهاز الخاص وتحديدا فى المادة ١٣ «إن أية خيانة أو إفشاء سر بحسن قصد أو سوء قصد تعرض صاحبها للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته ومهما تحصن بالوسائل أو اعتصم بالأسباب التى يراها كفيلة له بالحياة»، وعلى أساس هذا النص جرى اغتيال سيد فايز، وهناك كذلك ورقة تعليمات صادرة من قيادة الجهاز السرى عثر عليها ضمن مضبوطات القضية التى اشتهرت باسم قضية سيارة الجيب وجاء فيها فتوى للأعضاء تقول «إن كل من يحاول مناوأتهم أو الوقوف فى سبيلهم مهدر دمه وقاتله مثاب على فعله، فإن من سياستنا أن الإسلام يتجاوز عن قتل المسلمين إذا كان فى ذلك مصلحة، فإن من السياسيين من يجب استئصاله وتطهير البلاد منه، فإن لم توجد سلطة شرعية تصدهم فليتول ذلك من وضعوا أنفسهم للإسلام جنوداً» (عصام حسونة– ٢٣ يوليو وعبدالناصر ص ٤٦) وكان عصام حسونة هو وكيل النيابة المحقق فى هذه القضية. وثمة سؤال آخر: ماذا سيكون الموقف من القانون الوضعى؟ ويجيب الأستاذ عبدالقادر عودة «من الأمثلة الظاهرة على الكفر فى عصرنا الحالى الامتناع عن الحكم بالشريعة وتطبيق القوانين الوضعية» ويقول «فمن أعرض عن الحكم بحد السرقة أو القذف أو الزنى لأنه يفضل غيره من أوضاع البشر عليه فهو كافر قطعا» (عبدالقادر عودة– التشريع الجنائى فى الإسلام– جزء ٢ ص ٧٠٩). ونلاحظ أن الأستاذ عبدالقادر عودة ظل طوال حياته المهنية محامياً يلجأ للقانون الوضعى. وثمة سؤال آخر عن الموقف من المختلفين فى الدين ونقرأ الرد فى مجلة الدعوة (لسان حال الجماعة) فى فتوى عن حكم بناء الكنائس فى ديار الإسلام وصاحب الفتوى هو الشيخ محمد عبدالله الخطيب مفتى المجلة «حكم بناء الكنائس على ثلاثة أقسام: الأول بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادى والعاشر من رمضان وحلوان وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة، والثانى ما فتحه المسلمون بالقوة كالإسكندرية فهذه أيضا لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها وبعض العلماء أفتى بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين، والثالث ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس على ما هى عليه فى وقت الفتح ومنع بناء ما هدم منها. وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة فى دار الإسلام» (الدعوة– ديسمبر ١٩٨٠). وماذا عن الموقف من التعددية الحزبية؟ والجواب عند الأستاذ حسن البنا «لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية وأن يستبدل به نظام تجتمع فيه الكلمة وتتوافر فيه جهود الأمة» ( الإخوان المسلمون– الأسبوعية ٩/٤/١٩٤٦). ويمضى الأستاذ البنا قائلاً «لقد انعقد الإجماع على أن الأحزاب المصرية هى سيئة هذا الوطن الكبرى.. إن الأمر جد خطير ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً» (حسن البنا– مشكلاتنا فى ضوء الإسلام– ص ٥٨) ثم ماذا عن الائتلاف مع أحزاب أخرى «إن الإخوان يعتقدون عقم الائتلاف بين الأحزاب، ويعتقدون أنها مجرد مسكنات والعلاج الحاسم هو أن تزول هذه الأحزاب» (حسن البنا – رسالة المؤتمر الخامس– ص ٥٦) ولا نملك إلا أن نهدى هذا النص إلى من يلهثون للائتلاف مع الإخوان. ثم ماذا عن الدولة الدينية؟ والإجابة أيضا للشيخ البنا «الإسلام الذى يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد، والحكم معدود فى كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، فالإسلام حكم وتنفيذ كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء» (مذكرات الدعوة والداعية– ص ٢٨٣)وبعد. هذا بعض مما كتبه الإخوان وهى أقوال لا يمكن لإخوان اليوم أن ينكروها إلا إذا أعلنوا تخليهم عنها، ومن ثم وحتى يفعلوا ذلك فإن علينا أن نتذكرها ونتأملها، كى ندرك ما يستدرجوننا إليه. والوثائق لا تنتهى ولعلنا نعود إليها. كى يدرك البعض ما نحن مقبلون عليه. فهل نتعظ؟ هذا هو السؤال الحاسم. |
ساحة النقاش