شمولية التشريع في الإسلام
بقلم: د.عبد الرحمن البر
5/23/2011 571 

في الحديث الشريف‏:‏ مثل الذي يجلس يسمع الحكمة ثم لا يحدث عن صاحبه إلا بشر ما يسمع كمثل رجل أتي راعيا‏,‏ فقال‏:‏ يا راعي أجزرني شاة من غنمك‏(‏ يعني أعطني شاة تصلح للذبح‏).‏ قال‏:‏ اذهب فخذ بأذن خيرها‏.‏ فذهب فأخذ بإذن كلب الغنم‏.‏

 

هذا الحديث وهذا المثال المعبر أذكره كثيرا حين أقرأ أو أستمع لبعض من يتكلمون عن الشريعة الإسلامية, فلا يذكرون منها إلا الحدود والعقوبات, يريدون تخويف الناس بأن غاية ما يسمي بالدولة الإسلامية إنما هو إنزال تلك العقوبات بأفراد المجتمع, وأنه ليس عند دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية ـ بزعمهم ـ غير الدعوة إلي إقامة الحدود. وتلك مقولة شائهة مجانبة للصواب.
الحقيقة أن التشريع في الإسلام ليس محصورا في الحدود والعقوبات كما يتصور أولئك أو يصورون, والحدود ليست إلا وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي, التي ينبغي أن تسبقها تهيئة صحيحة للأمة من خلال نشر الفكرة الإسلامية حتي تؤثر في كل الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام, وحتي تفكر الأمة تفكيرا استقلاليا يعتمد علي أساس الإسلام العظيم لا علي أساس التقيد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء, بل تتميز بمقوماتها كأمة عظيمة مجيدة تجر وراءها أفضل ما عرف التاريخ من دلائل الحضارة والتقدم ومظاهر الفخار والمجد. ومن ثم فهي تستخدم كل المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية والفنية وكل وسائل صناعة الرأي والتوجيه لتعمل علي:
إيجاد الفرد المسلم الحر ثم إيجاد المجتمع المسلم الذي يطبق القيم والأخلاق الإسلامية وقواعد الحياة الاجتماعية السعيدة. ثم إقامة الحكومة العادلة التي تنشر العدل وتحفظ الحريات وتحرس القيم وتنظم العلاقات, وتعتمد علي الكفاءات, وتسعي لتحقيق الكفاية, وتحرس وحدة الأمة, وتقبل رقابتها وتحترم إرادتها علي كل المستويات.
ثم يأتي بعد ذلك الحدود التي هي الضوابط التي تحمي ذلك المجتمع وتلك الأخلاق; إذ لا يمكن للمجتمع ـ أي مجتمع ـ أن تنتظم أموره دون ضبط اجتماعي.
بهذا تري أن التشريع في الإسلام تشريع شامل, ينظم العلاقة بين الإنسان وربه, ويضع المبادئ الأساسية لتنظيم العلاقة بين الإنسان وأسرته, وبين الإنسان ومجتمعه, وبين الحاكم والمحكوم, وبين الأغنياء والفقراء, والملاك والمستأجرين, وبين الدولة الإسلامية وغيرها في حالة السلم وحالة الحرب. فهو قانون مدني وإداري ودستوري ودولي... إلخ, إلي جانب أنه قانون ديني.
ولهذا اشتمل الفقه الإسلامي علي العبادات والمعاملات, والأنكحة, والمواريث, والأقضية, والدعاوي, والحدود والقصاص والتعازير, والجهاد والمعاهدات, والحلال والحرام, والآداب, فهو يضع القواعد ويرسي المبادئ الصالحة لتنظيم حياة الإنسان, من المستوي الفردي, إلي إقامة الدولة والحكومة, والإسلام هو الدين الوحيد الذي جاء بهذا الشمول والكمال.
فهو يضع قواعد نظام سياسي يضمن سلامة المجتمع ويحفظ كرامته ويحقق حريات وحقوق أفراده وحصول هيبته بين المجتمعات.
ويضع قواعد نظام اقتصادي يمنع الغش والاحتكار والاستغلال, ويعمل علي تنمية الموارد وتنظيم الاستفادة المثلي منها, ويضمن الكفاية بل الوفرة والرفاه والعيش الكريم لسائر الذين يعيشون تحت لوائه.
ويضع قواعد نظام أمني وقضائي يضمن حقوق الناس وأمن المجتمعات في عدالة مطلقة لا تمييز فيها.
ويضع قواعد نظام اجتماعي يحقق إقامة الأسر والبيوت علي أساس متين من الترابط والحب والتعاون علي البر والتقوي, ويقدم الحلول الجذرية للمشكلات الاجتماعية.
ويتميز بوضع نظام أخلاقي يعتمد تربية الضمير الحي في النفس والمراقبة الإلهية أساسا ومنطلقا للأخلاق, حتي إن المخطئ ليذهب بنفسه إلي القاضي ويصر علي تطهير نفسه من الخطأ الذي وقع فيه.
وهكذا تجد في هذا الدين القويم كل النظم التي يحتاجها الفرد وتحتاجها الجماعة للعيش الآمن الرغيد والحياة الكريمة المستقرة في الدنيا, وللفوز برضوان الله وجنات النعيم في الآخرة.
ثم يأتي نظام العقوبات أو النظام الجنائي ليؤكد أن الحدود ليست سوي السياج والإعلان الناطق بأن المجتمع المسلم يرفض جرائم معينة, ولا يسمح بها بحال من الأحوال, وبأنه مجتمع منضبط غير منفلت, وأن من لم تستقم فطرته, ولم يتوافق مع مجتمعه, ومن يسع في الإفساد في الأرض بغير حق; يجب ضبطه بهذه الحدود لإيقاف شره, ودفع ضره, وزجر غيره ممن هم علي شاكلته, أو تحدثهم أنفسهم بمثل إفساده, وقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

 

المزيد من مقالات د.عبد الرحمن البر<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 128 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,427