استرداد الأموال المنهوبة وقانون السياسة
بقلم : د. عبدالحافظ الكردي
158
مع ضخامة واستشراء الفساد وتساقط رموزه من أركان النظام السابق الذي أطاحت به الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير فتهاوي وانكشف عنه غطاء السلطة الهش.
فظهرت العورات وتجلي العوار الذي قاد تلك الرموز لتحقيقات ثم محاكمات يتوافر لهم فيها كل فرص الدفاع ومعطيات العدالة أمام القضاء المصري والقاضي الطبيعي ـــ حول هذا الموضوع كثر الحديث عن إمكانية استرداد الأموال التي ابتلعها الفساد والمفسدون بشقيها الموجودة في مصر وتلك المهربة إلي الخارج بجميع الأشكال والصور التي اتخذتها, السائل والمنقول منها والعقارات والأراضي, بحسبان كونها أموالا ثبت العدوان عليها وحسم القضاء المسئولية عنها وأنزل بموجب حكم نهائي العقاب الرادع علي المسئول أو المسئولين في جريمة العدوان علي أموال الشعب.
ونحاول فيما يلي الإجابة عن هذا التساؤل وبيان الفرص والبدائل المتاحة في هذا الشأن:
1ــ يلزم من الناحية الإجرائية الاستناد إلي تقارير موثقة للجهات الرقابية تستعصي علي الطعن في صحتها أو التشكيك في مضامينها وتشكل أساسا قويا لقرار النائب العام بتجميد الأموال والأصول وحظر التصرف فيها بكل أشكالها وصورها, ولإجراء تحقيقات معمقة وعادلة توفر ركائز الاتهام والإحالة إلي المحاكمة أمام القاضي الطبيعي.
2ــ وجوب أن تتوافر للمتهم بالفساد كل فرص الدفاع وأن يستنفد جميع درجات التقاضي التي يكفلها له الدستور والقانون وصولا إلي حكم نهائي في الموضوع ينزل العقاب ويقضي باسترداد الأموال. ويلزم أن يكون الحكم حضوريا في مواجهة المتهم أو محاميه الموكل منه أو المنتدب للدفاع عنه حال وجود مانع من حضوره شخصيا كأن يكون هاربا خارج البلاد. ويفرز الحكم الصادر الذمة المالية للمتهم ليحدد ما إذا كانت الأموال والأصول المجمدة كلها أو بعضها تشكل كسبا غير مشروع ومن ثم بيان القدر الواجب استرداده منها.
3ــ بالنسبة للأموال والأصول بكل أشكالها وصورها الموجودة داخل البلاد فإن الحكم القضائي النهائي الصادر بشأنها يعد مصادرة لتلك الأموال والأصول لصالح الدولة يذيل بصيغة التنفيذ الفوري له.
4ـــ بالنسبة للأموال والأصول التي أمكن تجميدها خارج البلاد فإن استردادها, كلها أو شيئا منها, يخضع للتدقيق في الاستحقاقات القانونية ذات الصلة متمثلة في أحكام القانون الدولي بما في ذلك, وبصفة خاصة, اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, والتي انضمت إليها مصر, حيث تلزم الاتفاقية اطرافها برد الأموال التي تحصلت عن طريق الفساد إلي الدولة المعنية التي وقع عليها هذا العدوان وتضررت منه متي ثبت ذلك بموجب حكم قضائي نهائي صادر عن القضاء العادي في تلك الدولة تتوافر فيه شروط العدالة وفي مقدمتها حق المتهم في الدفاع
ومع التسليم بأهمية المسار القانوني في هذا الشأن,غير أننا نذكر الجميع بأن القواعد القانونية الدولية, إضافة إلي ماتتصف إجراءات تفعيلها من بطء شديد ينحصر تأثيرها في الغالب الأعم في دائرة المعنويات والأخلاقيات, ويغلب الشك في إمكانية توظيفها عمليا لأنها تخضع في معظم الحالات, وبصفة خاصة مايتصل منها بتنفيذ أحكام قضائية جنائية أو مالية, مثل الحالة المعروضة, لمواءمات بعيدا عن القانون تسيطر عليها وتوجهها وتتفاوت في درجات تأثيرها اعتبارات سياسية واقتصادية. فمن الناحية السياسية فالأمر محكوم بمدي أهمية وعمق العلاقات والمصالح بين مصر والدولة المضيفة التي توجد فيها تلك الأموال المهربة والإحساس المتبادل بمدي تأثير الاستجابة من عدمه علي تلك العلاقات والمصالح. وإذا نظرنا إلي الجانب الاقتصادي فإن الأمر يتوقف علي حجم الأموال المطلوب استردادها وعلي مدي تأثير إعادتها إلي مصدرها علي اقتصاديات الدولة المضيفة والمستثمرة لتلك الأموال.
فإذا وضعنا في الاعتبار كل ما سبق يمكن لنا تفهم الاقتراحات والحلول البديلة الآتية والنظر في إمكانية الأخذ بواحد أو أكثر منها بحسب الظروف:
(أ) جدولة استرداد الأموال المقضي بإعادتها في إطار زمني معقول متفق عليه.
(ب) الدخول في شراكة استثمارية بين مصر والدولة المضيفة للأموال بموجب إنشاء إطار مؤسسي لنقل تلك الاستثمارات إلي مصر بحيث تكون للأخيرة الحصة الأكبر فيها وبما لايقل عن57% مثلا. وتحدد مدة الشراكة الاستثمارية بحيث لا تقل عن عشر سنوات حتي نضمن في نهايتها استرداد مصر لأصول جميع أموالها علي الأقل.
(ج) الاستفادة من تلك الأموال لسداد ما قد يكون علي مصر من ديون لدي الدولة المضيفة لها أو لغيرها.
وهذه الاقتراحات يمكن أن يدعمها ويقوي من فاعليتها الإقرار الطوعي للمحكوم عليه بتلك الأموال وموافقته علي إعادتها لمصدرها. ويمكن الحصول علي هذا الإقرار مقابل تخفيف العقوبة أو وقف تنفيذها, بشرط استرداد الأموال أو الأخذ بواحد أو أكثر من البدائل المطروحة, بالتطبيق للمادة(65) من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ03 مارس1102, والذي يخول هذا الحق للمجلس الأعلي للقوات المسلحة.
هذا, وتجدر الإشارة إلي أنه لاتوجد علاقة ترابطية أو تأثيرية بين تنفيذ الحكم الصادر بالنسبة للأموال والأصول المجمدة داخليا في مصر وبين حق الدولة المصرية في إعادة أموالها المهربة في الخارج وبمراعاة ما سبق بيانه.
ساحة النقاش