الفـــــن‏..‏ وتخلـــــيد الثــــورة
نجوي العشري


الفن التشكيلي له دور رئيسي في التعبير عن الثورات وتخليدها فهو لا ينفصل عن حركة المجتمع ولا يتخلف عن الأحداث الكبري ولا ينعزل عن الشعب‏,‏ وهذا ما رأيناه في ثورة‏25‏ يناير التي كان للفنانين التشكيليين مشاركة فاعلة فيها‏,‏

 

 بل إن شباب الثورة أنفسهم عبروا عن مطالبهم وعن تطورات الثورة وأحداثها بأعمال فنية بعضها فطري وبعضها اتسم بطابع تعبيري تلقائي.. وشارك العديد من الفنانين بتصميمات لنصب تذكاري يخلد أسماء شهداء الثورة ويسجل الحدث, وكل منها له طابعه الخاص الذي جعل قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والذي يرأسه الدكتور أشرف رضا يعلن عن إطلاق مسابقة للشباب تحت سن35 عاما( أي شباب الفنانين) لتصميم نصب تذكاري وجدارية نحتية بعنوان شباب الحرية بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري وهيئة التخطيط العمراني لإقامة محكي التحرير في الميدان الذي شهد انطلاق الثورة, والجديد أن لجنة التحكيم المكونة من فنانين متخصصين وأكاديميين لن تكون الوحيدة المنفردة بقرار اختيار الأعمال الفائزة وإنما ستشاركها لجنة شعبية تمثل الجمهور الذي يعود له الفضل في إشعال الثورة والإصرار علي تحقيق مطالبها وطموحاتها.. فالعمل الفني في هذه المسابقة ينطلق من رحم الثورة, ويتلقي رعايتها ويعيش في أحضانها ومن حق الثائرين أن يكونوا أصحاب القرار في تصميم الميدان الذي شهد ثورتهم.
أيضا الثورة شارك فيها مصورون محترفون وآخرون هواة أثمرت مشاركتهم عن تسجيل لقطات فوتوغرافية متفردة وتتسم بقوة التعبير عن الثورة وقد شارك نحو100 من هؤلاء المصورين في معرض استضافته ساقية عبد المنعم الصاوي التي حرصت علي تسجيل هذه اللحظات التاريخية.
كما قامت مجموعة المصري لما يصور التي أسسها المخرج التسجيلي إبراهيم المصري معرضا في قلب ميدان التحرير ضم120 صورة شاهدها المشاركون في جمعة النصر بالميدان.. هذا فضلا عن العديد من المشاركات الفنية في الميدان ومنها شجرة الشهداء, والنصب التذكاري الرخامي بمدينة الإسكندرية.
هذه المشاركات الفنية تدفعنا إلي دراسة إمكانية الدعوة إلي اكتتاب عام لإقامة عمل فني ضخم يمثل هذه الثورة العظيمة كما حدث مع تمثال نهضة مصر وتمثال الزعيم الوطني الشاب مصطفي كامل, ولإقامة متحف لثورة25 يناير علي غرار متحف دنشواي, فهذه الأحداث التاريخية الفاصلة في حياة الأمة لا يجب الاقتصار في تخليدها فنيا علي جهود فردية أو فئوية وإنما مشاركة الأمة كلها.
ونذكر هنا أن لدينا فنانين عظاما سنعيد اكتشاف قدراتهم وربما يخرج من بينهم محمود مختار وجمال سجيني جديدان, فالحافز الآن موجود.. فمختار الذي أبدع تمثال نهضة مصر كان حافزه ثورة1919 وكان لسعد زغلول ورفاقه الفضل في إقامة التمثال بالقاهرة بعد مشاهدتهم للتمثال الذي نحته مختار في عام1919 في معرض الفنون الجميلة السنوي بباريس وكان يبلغ نصف حجم التمثال الحالي الذي وافق مجلس الوزراء في25 يونيو1920 علي إقامة التمثال بالقاهرة وكان التمويل باكتتاب من الشعب المصري وأكملت الحكومة النفقات, حتي أزيح عنه الستار في20 مايو1928 بميدان باب الحديد( رمسيس).
هناك أيضا أعمال نحتية عظيمة يمكن أن تلهم فنانينا لتخليد الثورة في عمل مماثل يرتبط بالحدث العظيم, ولدينا في التراث الثري الذي تركه الفنان جمال السجيني الكثير من تلك الأعمال.
لكن.. لماذا ندعو إلي عمل نحتي ضخم؟.. الحقيقة أن هذا النوع من الأعمال الفنية يكتب له الخلود والشاهد علي ذلك آثارنا العظيمة المنحوتة من الرخام والجرانيت وأحجار مصر التي يستطيع الفنانون تطويعها بأدواتهم الفنية, وهذا لا يمنع من إقامة معارض ونصب تذكارية وغيرها من أشكال الفنون الأخري, فلابد من التنويع.. ولكن النصب التذكارية والأعمال النحتية لها طابعها المميز ومعظم الثورات في العالم خلدتها أعمال نحتية ولوحات فنية معبرة, ومنها ثورات الطلبة في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا( الثورة المخملية) وضحايا معسكرات الاعتقال في روسيا إبان عهد ستالين, وشهداء ناجازاكي في اليابان, والأعمال الفنية التي تمثل الثورة الفرنسية الداعية للحرية والتي كانت في حد ذاتها هذه الأعمال ثورة علي الجمود في الفن, وشهداء ثورة بودابست في المجر عام1956 وشهداء السياسة في أدنبرة, وشهداء الحرية ضد الاحتلال الياباني لماليزيا خلال الحرب العالمية الثانية, والثورة البرتقالية في كييف بأوكرانيا, وشهداء الحرية بالجزائر, والمطالبين بالحقوق المدنية في مونتجمري بولاية الاباما الأمريكية وهم من السكان المنحدرين من أصول أفريقية وأوروبية كانوا يطالبون بحقهم في الحرية والمساواة, وشهداء الثورة في بلجيكا, والثورة في كوبا, وشهداء الثورة في كينشاسا, وشهداء مالي, وشهداء بيروت في لبنان, وغيرها من الأعمال التي تجسد الثورات الشعبية في مختلف بلدان العالم.. والتي تحفظ هذه الثورات في ذاكرة الشعوب حتي لا تمحوها ثورات مضادة أو حكام طغاة أو احتلال.. فالثورة تعبير عن دفاع الشعب عن حقوقه واستماتته في سبيل الحصول عليها, كما أن التعبير عنها في عمل فني يخلدها ويجعلها ماثلة أمام عيون الشعوب والحكام, فضلا عن كونها مزارا فنيا وسياحيا.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 130 مشاهدة
نشرت فى 31 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,769,243