بقلم:د. محمد عبدالبديع
الفساد مصطلح اقتصادي مدلوله العلمي هو النشاط الاقتصادي غير المشروع ويطلق عليه مصطلحات أخري هي: الاقتصاد الخفي, الاقتصاد الأسود, الاقتصاد السفلي, اقتصاد الفساد.
ويمكن أن نطلق عليه أيضا اقتصاد الجريمة لأن أوجه النشاط غير المشروع تشكل جرائم تقع تحت طائلة قانون العقوبات مثل: تجارة المخدرات, الدعارة, الرشوة, اختلاس الأموال العامة, التربح من الوظائف, التهريب الجمركي, التهرب الضريبي, الغش التجاري وغير ذلك, والفساد السياسي ظاهرة استشرت في المجتمعات الحديثة ويقصد به انحراف القائمين علي أجهزة الحكم عن المصلحة العامة إلي مصالحهم الشخصية بأساليب غير مشروعة كالرشوة, العمولات الخفية, اختلاس المال العام, التربح من الوظائف, المحسوبية وغير ذلك, وينتشر الفساد السياسي في الدول التي تخضع لأنظمة حكم ديكتاتورية بصفة خاصة, لأن غياب الديمقراطية يسهل الفساد ويعظم حجمه, وهذا ما حدث في دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية علي سبيل المثال.ومصر من البلدان التي انتشر فيها الفساد.
ومن الحقائق التي كشفت عنها الملابسات التي أحاطت بثورة52 يناير1102 أن الفساد السياسي والإداري يشكل جانبا كبيرا من اقتصاد الجريمة, فيما اكتشف من اختلاسات ضخمة من الأموال العامة وعمولات خفية ورشاوي وتربح من المناصب السياسية والوظائف العامة, فضلا عن تملك مساحات شاسعة من أراضي الدولة بطرق غير مشروعة وبأسعار بخسة.
ومن المفاجآت المخزية أن اختلاسات الأسرة الحاكمة والوزراء وأقطاب الحزب الحاكم كلها بمليارات الجنيهات, إلي جانب رجال الأعمال المقربين من السلطة والناشطين بالحزب الحاكم الذين مارسوا الاحتكار وتربحوا من هذه الصلات نتيجة لما عرف منذ عام5002 بظاهرة تزاوج السلطة والمال.
وقد كشفت الأحداث التالية للثورة عن أن الأموال المتحصلة من هذا الفساد قد تم غسل الجانب الأكبر منها بإيداعها في البنوك في بعض دول أوروبا وأمريكا, وشراء العقارات والأوراق المالية في مصر والخارج مع إيداع القليل منها في البنوك المصرية.
وبعد الفساد السياسي والإداري تأتي تجارة المخدرات بمعدل في اقتصاد الجريمة يقترب من معدل الفساد السياسي, أما باقي روافد الاقتصاد الخفي في مصر فهي الرشوة, الدعارة, التهريب الجمركي, التهرب الضريبي وتزييف العملة, وغسل الأموال ظاهرة عالمية أيضا وهي شديدة الارتباط بالفساد, فحيث يستشري الفساد تتغلغل هذه الظاهرة في النشاط الاقتصادي, حيث عن طريق غسل الأموال المتحصلة من النشاط الإجرامي يتحول عائد هذا النشاط إلي الاندماج في النشاط المشروع ويذوب فيه فيضطرب نسق الاقتصاد القومي وتصبح تقديراته غير ممثلة للناتج الحقيقي لأن نسبة فيه لا تمثل إنتاجا حقيقيا مع ما في ذلك من آثار سلبية سنشير إليها في هذا العرض. وبذلك يعرف غسل الأموال بأنه إعادة تدوير عائدات الأنشطة غير المشروعة في صور من التعامل المشروع لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال لتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصادر مشروعة, وتتم عملية غسل الأموال بوسائل متعددة منها شراء العقارات والأوراق المالية والسلع النفيسة, وتحويل هذه الأموال إلي عملات أجنبية, بيد أن الجانب الأكبر من عمليات غسل الأموال يتم عن طريق الجهاز المصرفي بإيداعها في البنوك المحلية والأجنبية وتحويلها لدمجها في الأموال المشروعة لإخفاء مصادرها. والدول التي ينتشر فيها الفساد يكثر فيها غسل الأموال مثل روسيا.
ولظاهرة غسل الأموال في إطار الفساد آثار اقتصادية متعددة في طليعتها اندماج الأموال المغسولة في الدخل القومي وهي غير ناشئة عن نشاط اقتصادي حقيقي بل ناشئة عن نشاط إجرامي طفيلي لا يوجد قيمة مضافة نافعة, والنتيجة الحتمية لذلك هي التضخم بكل آثاره السلبية علي الاقتصاد القومي وأعبائه الثقيلة علي الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل, فضلا عن آثارة السلبية علي أسواق المال والبورصة.
ومصر من الدول التي تصدت لهذه الظاهرة, إذ أصدرت القانون رقم08 لسنة2002 بشأن مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانون رقم87 لسنة3002, حيث تنص المادة الثانية من هذا القانون علي حظر غسل الأموال المتحصلة من عدد من الجرائم علي سبيل الحصر هي: تجارة المخدرات, اختطاف وسائل النقل واحتجاز الأشخاص, الإرهاب, استيراد الأسلحة والذخائر والمفرقعات والاتجار فيها, الجرائم المضرة بأمن الدولة من الخارج والداخل, الرشوة, اختلاس المال العام, السرقة, النصب, خيانة الأمانة, التدليس والغش, الفجور والدعارة, جرائم الآثار, الجرائم البيئية المتعلقة بالموارد والنفايات الخطرة والجرائم المنظمة, وهذا التعداد علي سبيل الحصر لهذه الجرائم محل نقد لأن اختيار هذه الجرائم دون غيرها ليس له ما يبرره فضلا عن إغفال جرائم خطيرة أخري مثل التهريب الجمركي, التهرب الضريبي, الغش التجاري, الاتجار في العملة دون ترخيص, جرائم البورصة وغير ذلك, والأفضل من ذلك النص علي حظر غسل الأموال المتحصلة من أي جريمة ذات عقوبة مقيدة للحرية, وتنص المادة41 من ذات القانون علي معاقبة مرتكب جريمة غسل الأموال, بالسجن مدة لا تجاوز سبع سنوات, وبغرامة تعادل مثلي الأموال محل الجريمة ومصادرة الأموال المضبوطة أو بغرامة مالية تعادل قيمتها في حالة تعذر ضبطها أو في حالة التصرف فيها للغير حسن النية.
ساحة النقاش