كتب:حاتم صدقي
بقدر ما لعملية النمو الاقتصادي والتقدم والتحضر من ايجابيات, فإن لها أيضا آثارا جانبية خطيرة علي التوازن المائي للكوكب.
,خاصة أن نحو خمسة مليارات إنسان سيعيشون في المدن في عام.2050 وبالطبع كل هؤلاء سيكونون في حاجة إلي الماء النظيف مع تخليصهم من المياه الملوثة التي ينتجونها لحمايتهم من مسببات الأمراض. حيث أدت عمليات التسميد المكثف في الزراعة إلي ازدهار الطحالب وتكاثرها بشكل ملحوظ, لأن جزءا من الأسمدة يصل للأنهار والبحار.
أما الخطر الأكبر فيكمن في تلوث المياه بمخلفات الصناعة التي تؤثر علي الوظائف الحيوية للإنسان كالتناسل, وهو التهديد الذي مازال غير مفهوم حتي الآن بسبب تعقيداته العلمية, وتوجد هذه المخاطر في المبيدات الحشرية والأدوية والمذيبات والمواد الكيميائية المستعملة في التنظيف, وهي مواد سامة تتداخل مع نظام الهرمونات في الجسم, وقد عثر الباحثون علي هذه المواد السامة في الأسماك والنسور البحرية والدببة القطبية. ولهذا, تشبه الباحثة السويدية, مالين فالكينمارك خطر هذه المواد بالقنبلة الموقوتة وتقول إنها تمثل مشكلة حقيقية للإنسان الآن وللأجيال القادمة لتأثيرها علي التناسل. وإذا أردنا مواجهة هذا التهديد, فيتوجب علينا, وفقا لقولها, البحث عن مصادر التلوث, لأن هذه المواد إذا وصلت إلي المياه فإنها تتحلل وتنتشر في أنحاء العالم, لأن الماء موجود في كل مكان, ويعد هرمون إستروجين الذي تنتجه أجسامنا ويتخلص منه الجسم بشكل طبيعي أحد أهم الأمثلة علي ذلك, لكن حبوب منع الحمل تحتوي علي نوع اصطناعي من هذا الهرمون, وتتخلص أجسام النساء منه أيضا كما تتخلص من الهرمون الطبيعي. كذلك قد تحتوي المواد الكيميائية المستخدمة في الصناعة علي مواد لها تأثير علي نظام الهرمونات لدي البشر والكائنات الحية.
وتصل هذه المواد ـ كما تقول الدكتورة باتريشيا هولم الباحثة بجامعة بازل السويسرية ـ إلي المياه ومنها إلي الدورة الغذائية للإنسان, ونظرا لأن هذه المواد لها نفس مفعول الهرمونات, فإن جزيئا واحدا منها يكفي في نهاية الأمر, للتواصل مع هرمونات الجسم والتأثير عليها. لذلك فإن الهرمونات التي يلقي بها البشر في الأنهار والبحار, تؤثر علي الأسماك والبرمائيات والفقاريات التي تعيش في الماء, تماما كما تؤثر علي نظام الهرمونات البشرية, إلا أن الأبحاث العلمية في هذا الميدان مازالت في بداياتها, وتتباين آراء العلماء حول أثر الهرمونات الاصطناعية علي الإنسان. وتعتقد هولم أن يكون لهذه المواد تأثيرها القوي علي البشر, حيث أكدت الأبحاث حدوث تراجع حاد في عدد الحيوانات المنوية في بلدان كثيرة من العالم خلال السنوات الخمسين الماضية, ووصلت نسبة التراجع في بعض الدول إلي50%. أما بالنسبة للنساء, فقد لاحظ العلماء وجود زيادة في عدد حالات الإصابة بسرطان الثدي.
وتضيف الباحثة أن التجارب المعملية علي الفئران أثبتت زيادة احتمال إصابتها بأورام سرطانية, تشبه إلي حد بعيد أورام الثدي. وتطالب باتريشيا بطرح هذه القضية للنقاش علي مستوي المجتمع, بحيث لا تقتصر المناقشات علي علماء الأحياء والكيمياء فقط, وإنما يشارك فيها السياسيون وخبراء القانون. كما تدعو المستهلكين للاستفسار عن المواد التي يستعملونها ومدي ضرورتها. وفي هذا السياق تشير إلي وجود30 ألف نوع من الأدوية المرخصة في الاتحاد الأوروبي, وتذكر الإحصائيات أن ثلث الأدوية التي يشتريها الألمان يلقي بها في المرحاض, دون التفكير في عواقب ذلك علي تلويث المياه بالهرمونات. وتدعو خبيرة المياه الألمانية, كلاوديا كاستل, إلي توعية المواطنين بمخاطر هذا السلوك وتقول إننا لو أخذنا الأدوية كمثال, فقد كان معروفا في السبعينات أن الأدوية التي لا تستعمل لا تلقي في المرحاض, وكان هناك قانون يفرض إعادتها للصيدلية, لكن هذا القانون تغير أخيرا, بحجة رفض الصيدليات استلام الأدوية المشتراة عبر الانترنت, وتستطيع التحاليل العلمية الحديثة بالطبع أن تكشف عن وجود معظم هذه المواد الضارة في المياه, لكن الخبراء يتفقون علي أنه من الأفضل عدم السماح بوصولها إلي المياه أصلا, لأن وصولها للمياه يعني عودتها إلينا عاجلا أو آجلا عبر مياه الشرب والأغذية التي نتناولها.
ساحة النقاش