كتب : د. مصطفي عبدالغني
ولماذا لا نبذل جهدا جهيدا لإعادة الاهتمام بالتعليم; التعليم أيها السادة الذي ينال الغبن سواء في التعليم الأولي أو التعليم في السنوات التالية, المراحل التقليدية حتي الوصول إلي الجامعة; التعليم أيها السادة هو المحطة الأولي التي يجب الهبوط إليها, والمحطة الأخيرة التي نركب إليها دائما.
ضبطت نفسي وأنا أردد هذه الأسئلة الحائرة وأنا أعاينحالة من يدعو بيننا إلي التغيير, دون أن يتنبهوا إلي أن( حالة التغيير) التي يدعو إليها البعض يجب أن تنصرف, قبل كل شيء, وبعد كل شيء, إلي إعادة النظر في قيمة التعليم التي تغيب الآن; بالسعي إليالدعوة إلي التعليممن أجل التغيير فالتغيير لن يأتي أيها السادة- أبدا ونحن نعاني هذه الأمواج الهادرة الهائلة: الأمية الهجائية والأمية الثقافية والأمية الإعلامية والأمية الرقمية.. إلي آخر هذه الأميات التي نغرق فيها جميعا اليوم..
دعوت إلي حملة التوقيعات لعديد من الأميات التي نعاني منها الآن, وخاصة هذه الأمية التي تزداد بيننا, أقصد الأمية الهجائية ونحن لا يمكن أن نتصور أيها السادة أن نسبة الأمية الهجائية تجاوز الأربعين في المائة, ومع ذلك ورغم ذلك; نستيقظ في أحد هذه الأيام التي نعاني فيها من هذه الأمية الهجائية العالية لنقرأ خبرا صاعقا ينتشر بيننا وبين عديد من مواطنينا وأبنائنا يقول أن عددا كبيرا من مدارسنا في وزارة التربية والتعليمترفض قبولعدد كبير من أبنائنابالصف الأول الابتدائي بالمدارس إلي الفترة الأولي من التعليمبعد تحديد فترة قصيرة لفترة القبول, دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي(!!)
علامات التعجب من عندنا, والحيرة في السؤال:
< ماذا يعني ذلك ؟
< هل هو الرفض المتعمد لمحو أول أمية في الكون؟
نستعيد السؤال وراء السؤالونحن نستعيد مشاهد كثيرة من الماضي
لعل أهم هذه المشاهد حين نتذكر أن مثقفينا ومتعلمينا في الماضي القريب كانوا يولون التعليم عناية خاصة, نستعيد في هذا عديدا من خطابات محمد عبدهولطفي السيد وقاسم أمين ومحمد حسين هيكل وطه حسين.. إلي آخر هذه القائمة من مثقفينا وعارفينا وسياسيينا أيضا ممن عرفوا أن التعليم من أهم القيم التي يجب أن يحرص عليها أبناء الأمه; ويمكننا أن نستعيد موقفطه حسين حين أصر في أربعينات القرن الماضي علي أن يكون التعليم الابتدائي إلزاما عاما, أما التعليم الثانوي لنتذكر هذا كان في أربعينات القرن الماضي أيضا- فقد أتاحه طه حسينبكل نفقاته علي أن يتعلم الفقراء بالمجان والمتفوقون أيضا بالمجان..
والاقتراب أكثر من هذه الفترة أربعينات قرن مضي- يرينا أنه ما كادت تتحقق مجانية التعليم الابتدائي عام1944 حتي أعلنت مجانية التعليم الثانوي عام1950 والأوراق الرسمية لدينا ترينا أن الشروط التي تقدم بها مثقف كطه حسين للدخول إلي الوزارة في آخر وزارة قبل ثورة يوليو- أن يكون التعليم بالمجان.. هل هذا معقول؟! سؤال يبدو حائرا لكنه يحمل مع غبن الحاضر أسئلة أخري أكثر حيرة وغرابة.. وهو ما يعود بنا إلي الأسئلة الحائرة..
< هل معقول أن يعيش بيننا من يرفض يرفض ذ ذ تت
< هل معقول أن نعرف في زمن الثورة الإلكترونية من يخصص موقعا إلكترونيا هكذا أعلن للتقديم, حتي إذا ما تنبه الكثير من الآباء أن هذا الموقعلا يتم تفعيله لفترات طويلة مما يتسبب في تأخيرتسجيل الأطفال؟
< هل صحيح أن هذا الموقع الإلكتروني غير الصالح يرتبط في الناحية الأخري حين يتقدم الآباء بطلبات إلي الوزارة أو مكاتب المديريات التابعة لها- بالمعاملة المهينة والغريبة دون السماحلهم بتقديم أوراق أبنائهم; يتم رفض قبول أوراق من يتقدم في الوقت المحدد أو بعدها لسبب لا يعرفونه, وإذا عرفوه بحجة العطل المجهول فان قيمة التعليم يجب أن ترتبط بأهمية قصوي, فالتعليم الهجائي في السنوات الأولي من حياة الطفل أهم ما يجب أن نحرص عليه..
< هل وصل بنا الحال أيا كان السبب لنتجاهل التعليم الأولي لأطفالنا في المدارس في وقتكان يجب أن نخصص أكثر من دور أول وثانيورابع وليصبح أولادنا في المراحل التعليمية الأولي؟
< هل مازلنا نتحدث عن التعليم في المراحل الأولي في حين تغيب أجندة التعليم قبل الجامعي وبعده في هذا الحراك الغريب الذي نشهده بين التيارات السياسية والثقافية؟
< هل يحدث هذا كله في وقت نردد فيه العبارات التي تشير إلي أن الحضارة في وادي النيل كانت تنادي قبل أكثر من سبعة آلاف عام إلي التعليم,بل والحضارة الإسلامية أكثر الحضارات وعيا بقيمة العلم والتعلم,وفي العصر الحديث ظل التعليمقاسما مشتركا لكل حركات التعليم أو الإصلاح لدي مثقفينا ومتعلمينا وعارفينا.. مما يؤكد علي تاريخنا العريق وجهلنا العميق في آن واحد..
< لماذا لا نترك كل هذا العبث ونعود للرشد فنوجه حملة التوقيعات الرمزية التي تتزايد لدينا اليوم من أجل التعليم؟
التعليم أو محو الأمية الهجائية في زمن تعلو فيه اصوات كثيرة عن الثقافة الرقمية في أحداث تونس الأخيرة.
ساحة النقاش