بقلم: د. أحمد يوسف القرعى
المواطنة هي بحق المكون الرئيسي للشخصية المصرية عبر العصور القديمة والوسيطة والحديثة وحتي الأن, وأبرز الخصائص التي تشكل تلك الشخصية هي الانتساب العرقي والتكوين الثقافي والتحدث باللغة الواحدة ومعايشة المشكلات, والالتزام بالحفاظ علي الوحدة الوطنية وعلي استقلال مصر والكفاح من أجلها.. إلخ.
وفي هذا السياق يمكن تركيز الحديث حول أصالة المواطنة في الفكر السياسي المصري, وعندما يمارس هذا الجيل اجتهاده ويقدح سراج فكره للتعريف بالمواطنة فإنه لن يأتي بجديد أبلغ من تعريف جيل الأجداد والآباء المؤسسين لنهضة مصر الحديثة منذ أوائل القرن التاسع عشر, ويكفي التذكير بمقولات رموز الفكر السياسي المصري بمختلف مدارسه.. ونشير أولا: الي كلمة الشيخ الإمام محمد عبده وهو يقول, ان انتساب غير المسلمين الي الأمة لايقل أصالة عن انتساب المسلمين أنفسهم اليها] كما نشير الي التعريف الشامل الجامع الذي قدمه رائد الاستنارة المصرية رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه المعروف, مناهج الآلباب المصرية في مناهج الآداب العصرية] والذي أصدره في آخريات حياته ويقول فيه عن الوطنية:, أسعد الناس الذي يميل بطبعه الي ابعاد الشر عن وطنه, ولو بإضرار نفسه, فصفة الوطنية لاتستدعي فقط ان يطلب الإنسان حقوقه الواجبة علي الوطن, بل يجب عليه أيضا ان يؤدي الحقوق التي للوطن عليه, فالتقدم لايتم بدون انجذاب قلوب الأهالي صوب مركز التمدن والتنظيم وتوجه نفوسهم بالطوع والاختيار الي الوفاء بحقوق هذا الوطن العظيم.
ومن رائد الاستنارة المصرية رافع الطهطاوي الي الفقيه القانوني والمفكر المصري البارز دكتور وليم سليمان قلادة(1924 ـ9991) الذي يوصف بأنه فقيه نظرية المواطنة بإمتياز فقد استطاع في مقدمة كتابه عن المواطنة أن يحدد ملامح نظرية متكاملة عن المواطنة لاتزال تشكل مرجعا أساسيا في هذا المجال.. وترتكز نظريته علي أهمية وعي الإنسان المواطن بأنه مواطن أصيل وليس مجرد مقيم يخضع لنظام معين دون أن يشارك في صنع القرارات داخل هذا النظام, ويعتبر د. قلادة ان الوعي بالمواطنة نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرته الي نفسه والي بلاده والي شركائه في صفة المواطنة, لأنه علي أساس هذه المشاركة يكون الانتماء الي الوطن.
وهنا يربط د. قلاده الشعور بالانتماء( الهوية) بتمتع المواطن بجميع حقوق المواطنة, وهي منظومة حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية.. إلخ..
{{{
وتحت عنوان:, لماذا ازهو بمصريتي؟] كتب المفكر المصري الكبير زكي نجيب محمود,1928 ـ1993] مقالا مطولا في مجلة المصور بتاريخ23 سبتمبر1983 يجيب عن هذا التساؤل ويقول, لايهمنا كم سنة عاشت مصر ولكن يهمنا أنها اجتازت أربع حضارات كاملة, وهي الأن تخوض الحضارة
الخامسة وأعني الحضارة المعاصرة, أما الحضارات الأربع التي خاضتها مصر فكانت أما, هي المبدعة إبداعا جديدا من داخلها مثل حضارتها الفرعونية.. لقد انتمي المصري الي مصر إبان الحضارات الأربع.. وهذه الحضارات الأربع ممثلة عندنا في مصر في أربعة متاحف: المتحف المصري في القاهرة( العصر الفرعوني), والمتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية للعصر اليوناني الروماني, والمتحف القبطي في مصر القديمة ـ للعصر المسيحي, والمتحف الإسلامي في باب الخلق للعصر الإسلامي, والتاريخ كله علي أرض مصر لأنها كانت هي التاريخ, وأنت تسير علي أرض مصر, فثق أنك تسير في مكان بقدر ما تخوض في زمان بين كل خطوة وخطوة تشم رائحة الزمن التاريخ هناك في كل خطوة نخطوها, هنا كانت كليوباترا, وهناك كان بطليموس.. وهكذا في كل رقعة من رقاع مصر من أدناها الي أدناها, لقد انتمي المصري الي مصر إبان الحضارات الأربع السابقة بأن شارك في بناء هذه الحضارات ونريد الآن أن يكون انتماء المصري الي مصر لا بالجعجعة, ولكن بأن يكون هو بدوره قيمة في مجاله أيا كان ذلك المجال هو السالف من البناة ماذا يبني؟ يبني الركن الذي نسلك به حضارة العصر مع الاحتفاظ بشخصيته المصرية والعربية والإسلامية. ويختتم زكي نجيب محمود مقاله بقوله: أنا لست سياسيا, ولست واعظا, ولكنني أقول يجب علي المصري أن يحب مصر, يجب علي المصري أن يكون لمصر, لا.. ليس بصيغة الأمر, اذا لم تكن قد سعدت بالزهو والكبرياء بأنك مصري خلال الحضارات الأربع الماضية, إفعل ما شئت بعد ذلك لأنك لست مصريا, إنما اذا كنت قد شعرت بأنك تنتمي الي أمة كبيرة, الي أمة عاملة فنانة, الي أمة مسلمة دينية وضعت ميزان الأخلاق منذ الفراعنة علي جدار المعابد اذا كنت تحس بالزهو لأنك تنتسب الي هذه الأمة فإن واجبك أن تفكر وأن تبحث وأن تستخدم العقل, وأن تنحاز الي منهج صحيح في التفكير, ويستطيع كل مصري مثقف أن يفعل ذلك, ويبقي في نفس الوقت مصريا ومسلما وعربيا.
{{{
وأخيرا فإن دعوة المفكرين والمصلحين والعلماء قد استحدثت ثقافة المواطنة وأصالتها جيلا وراء جيل وهي ثقافة ممارسة الحقوق وآداء الواجبات التي كفلها الدستور والقانون وذلك في إطار مناخ ديمقراطي ودون تفرقة أو تمييز ودون عقبات إدارية والجيل المصري المعاصر أحوج ما يكون الي مزيد من الإدراك والوعي بأهمية وضرورة الحفاظ علي وحدته الوطنية لمواجهة كل متربص للوطن يحلو له الاصطياد في الماء العكر ولعل الأحداث الأخيرة تدعونا الي مراجعة مناهجنا الدراسية في المدارس والمعاهد والجامعات وصقل ثقافتنا العامة بمتغيرات العصر وتحدياته, وتفعيل الخطاب الإعلامي العام والخاص والمستقل بهدف بث الوعي بالكلمة والصورة والحوار من داخل الاستديوهات وعلي مستوي محافظاتنا من منطلق أن الإعلام وسيلة تعليمية وتربوية وثقافية ومعرفية.
المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش