نحو نسيج وطني قوي آمن
بقلم: د‏.‏ محمد حسن رسمي


أحداث الإسكندرية نتيجة وليست سببا‏..‏ لا تعني ما بدا وما ظهر‏..‏ الكثيرون لا يدركون أن أعداء الوطن في الخارج قبل الداخل يتربصون فينتهزون لا يريدون لهذا الوطن خيرا وبدون ذكاء‏,‏ فلكي يتحقق هدفهم لا سبيل أمامهم إلا تمزيق النسيج بأي ثمن‏,‏ فلو كان قويا فلن يفلحوا وإذا كان ضعيفا فسوف لن ينالوا مرادهم‏.‏

 

تري هل نعبأ جهودنا ونستوعب الدرس لكي يقوي النسيج وتسد كل الثغرات‏,‏ ولا سبيل غير في الاتحاد العادل قوة وفي الفرقة الغبية ضعف‏..‏ وفي التفكر والتعقل والارتفاع فوق مستوي الأنا والمصالح الشخصية الأمل والطريق لوحدة الأمة ودفعها للأمام‏.‏
يوم ولدنا جئنا إلي الدنيا محملين بأقدار كتبت علينا حينها‏,‏ جميعنا ليس لنا يد فيها أقدارنا فيها ما فيها الحلو والمر وإن اختلفت الرؤية وتباينت لمعني الحلو والمر من وجهة نظر الجميع‏.‏
ولد الإنسان علي الأرض الأمريكية أو الصومالية أو المصرية‏,‏ فهذا قدر‏..‏ ولد غنيا أو فقيرا أو مستورا‏,‏ فهذا قدر‏..‏ ولد مسلما أو يهوديا أو مسيحيا‏,‏ فهذا قدر‏.‏
ولد جميلا أو قبيحا أو عاديا فهذا قدر‏..‏ ولد أبيض أو اسود أو قمحيا‏,‏ فهذا قدر‏..‏ ولد ذكيا أو غبيا أو عاديا فهذا قدر‏..‏ ولد قوي الجسد أو ضعيفا أو عاديا فهذا قدر‏.‏
ولد رجلا أو امرأة‏,‏ فهذا قدر‏..‏ جئنا جميعا بهذه الأقدار‏,‏ فقد خص الخالق العظيم الإنسان كل إنسان ببصمة منفردة وعقل منفرد يعني صفة وقدرة منفردة لو اكتشفها واستطاع تنميتها وتوظيفها لتميز فيها عن الآخرين‏.‏
أقصد أن قيمة الإنسان ليس بقيمه أو واقع أقدار جاء بها‏,‏ ولكن بقيمة تطويعه للأقدار وتنميته للقدرات لصالح نفسه والآخرين في مجتمع واحد له حق فيه وعليه حقوق‏..‏ فالأقدار من عند الله والأوطان للجميع‏..‏ أقصد أن قيمة الإنسان فقط في جودة قيمة ما يعطيه لنفسه وللآخرين ولمجتمعه مقارنة بالآخرين بصرف النظر عن قيمة فاتورة الأقدار القادم بها إلي الدنيا يوم أن جاء‏.‏
ايمانا فطريا بما سبق واستنادا عليه عاش المجتمع المصري منذ قدم التاريخ نسيجا حريريا ناعما رقيقا دافئا ذا ألوان متناسقة متداخلة ترسم لوحة واحدة‏(‏ وطنية قومية‏)..‏ رائعة الجمال‏.‏
كل فرد من أفراده يمثل خيطا رفيعا بلونه الخاص وبتكامل وتداخل الخيوط والألوان تكون النسيح‏.‏
المسلم السني والشيعي والمسيحي واليهودي وغيرهم يتشاركونة يتحابون يتعايشون في كل مكان يدا واحدة‏..‏ روحا واحدة‏..‏ جسدا واحدا باسم الوطن يتكلمون وباسم مصر فخورين وباسمها يحاربون‏..‏ أديانهم تعيش داخلهم هادئة وانسانيتهم الراقية المعتدلة تعيش خارجهم في نطاق الأسرة الواحدة‏.‏
تصنيف العامل والفلاح والوجهاء والياقة الزرقاء والبيضاء‏,‏ لا يعيها أحدا ولا تعني أحدا‏,‏ فكلهم مصري يظللهم العلم المصري‏.‏
الرجل والمرأة والشباب والشيوخ والحقوق الضائعة والبحث عن المساواة مفاهيم مستحدثة أحدثت شروخا أكثر مما شفتها لأن الحب والاحترام والتكامل وقانون السماء‏,‏ هو قانون ضبط ايقاع العلاقات بينهم‏,‏ فهم خيوط مطلوبة ومتجانسة في نسيج وطني واحد‏..‏ الفقراء والأغنياء والصفوة والعظماء والبسطاء‏..‏ كلهم أخوة يجمعهم التراحم والتعاطف‏,‏ ولا خلاف علي الأدوار فكلها مطلوبة لتجويد متانة النسيج ـ الجيش والشرطة والقضاء والعلماء ورجال الأعمال وبقية المهن كلهم من الوطن ولأجل الوطن يعيشون لا تمييز ولا امتياز‏.‏
الوطن يحتاج كل الأيادي‏..‏ يحتاج كل الأدوار‏..‏ يحتاج كل الجهود والهمم وبصرف النظر عن تباين الألوان واختلاف الأدوار‏.‏
المهم القدرة علي العطاء والاخلاص والانتماء والتوحيد لتحقيق هدف واحد يلتف حوله الجميع‏.‏
انني أتصور أن هناك ثوابت يجب أن يتفق عليها الجميع‏,‏ ليس بسبب قناعتي بها فقط‏,‏ ولكن بسبب قناعة معظم العقلاء من المثقفين علي مستوي العالم نحو مفهوم الوطن الواحد وكيفية دفعه لكي يكون عظيما‏.‏
ـ الدين لله‏..‏ والوطن للجميع‏,‏ تربية وتعليم وإعلام واع فاهم لطبيعة الأرض الذي يخدمها‏,‏ والهدف الواضح المراد تحقيقه‏..‏ خطاب ديني عاقل واع عصري متزن يدعو إلي الوسطية‏.‏
ـ لا للفتاوي الاجتهادية‏..‏ ففيها ضرب للثوابت وتخريب في منظومة القيم وبالذات المرتبطة بالعقائد والكتب السماوية والمنغمس فيها مشكوك في نواياه تجاه مصلحة الوطن في التوحد والترابط والتكامل قوة‏,‏ وفي الفرقة والتناحر والتفكك ضعف وموارد الوطن للجميع‏..‏ وموارد الجميع متاحة عندما يحتاجها الوطن‏,‏ عندما توفر الدولة للفرد الحد الأدني من حقوق الإنسان يبدأ الحديث عن الولاء والعطاء والانتماء غير ذلك وجب إجبارا تحقق ديمقراطية الظلم والعدل علي الجميع‏..‏ فهي البديل الحتمي‏.‏
هيبة الدولة تبدأ من قوتها وقوة الفرد تنطلق من بدء احساسه بالطمأنينة والأمان وبالاخيرتين يتحقق العطاء ومن بعده الانتماء المؤدي حتما إلي وجود النسيج الوطني وبدون راحة بال الفرد‏..‏ يتفرغ الفرد إلي تلطيخ لون النسيج وربما إلي تمزيقه‏..‏ إنه الثمن المدفوع لو فرغت حياة الإنسان من الأمل أو ملئت بالإحباط‏.‏
الوطن يسع الجميع ولكل فرد فيه دور ولا فرق بين الأدوار لأنها كلها مطلوبة لتعظيم أهدافه والتمييز بين الأفراد يستند فقط الي العطاء والاخلاص‏..‏ أو هكذا يكون التقييم ومن بعده عدالة التوزيع وبدون ذلك تتسع الهوة وتتزايد الفرقة والتفرقة وتتباعد الخيوط فتظهر الثقوب لتخرقها الحشرات والمتسللين والمتصيدين‏.‏
الوطن وطن الجميع‏..‏ والفرص فيه لمن يستحقها وديمقراطية الفرص إجبارية‏,‏ ولا شيء اسمه أهل الثقة ولا ذوو الواسطة‏,‏ فكلاهما باب واسع للفساد وضرب للانتماء والعطاء في مقتل‏,‏ وبالتالي جودة النسيج‏.‏
الهوة بين الطبقات مرفوضة‏,‏ بل ممنوعة والفجوة بين الأجيال في الزمن الواحد مكروهة واتساع المسافة بين سعر المنتجات والخدمات الضرورية والأساسية اللازمة الضامنة للحد الأدني من حقوق الإنسان‏(‏ للسلعة الواحدة‏)..‏ استنادا الي سعر الجودة تعمق تمزيق النسيج مهما كانت المبررات والدوافع‏.‏
آخر الحديث‏:‏ قوة الوطن في التكامل وليس في التناحر وقمة الارتقاء هو الحرص علي إنكار الذات لأجل تحقيق هدف سام يسعد الوطن‏..‏ وقيمة الذات من قيمة الوطن‏..‏ فهل قليل علينا أن نكون؟‏!‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 141 مشاهدة
نشرت فى 6 يناير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,763,690