ويكيليكس نبوءة مصرية
بقلم: د‏.‏ عصام عبدالله ... أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس

 


في عام‏6991‏ صدرت الطبعة الأولي من كتاب جديد في بابه ومضمونه ومنهجه‏,‏ لاتزال حتي اليوم تتوالي طبعاته بست لغات‏(‏ ليس من بينها اللغة العربية‏),‏

 

حمل عنوان وداعا ديكارت للفيلسوف والرياضي الأمريكي المعاصر كيث ديفلين‏,‏ يبشر فيه بميلاد منطق جديد للعقل الانساني تجلت بعض ملامحه في الأحداث والظواهر المختلفة في الربع الأخير من القرن العشرين‏.‏
هذا الكتاب كان أشبه بالنبوءة التي حققت نفسها بنفسها خاصة بعد زلزال‏11‏ سبتمبر الرهيب عام‏1002,‏ تم نشر الوثائق السرية علي موقع ويكيليكس عام‏0102,‏ ففي أحد فصوله المهمة يستعير المؤلف من لويس كارول في كتابه‏(‏ أليس في بلاد العجائب‏)‏ تشبيه عصرنا هذا بـ تكشيرة القطة‏..‏ أو قل هذا التنمر العدواني الكامن خلف الوداعة الخادعة للقطط‏,‏ والذي يظهر بغتة في لحظة لانتوقعها ويبقي أثره السييء في مخيلتنا لبرهة‏.‏
وحسب ديفلين فإن الجديد في عصرنا هو أننا سنري دائما هذه التكشيرة لكن دون أن نري القطة أبدا‏!..‏ ذلك لأننا دخلنا عصر مابعد الحداثة وثورة المعلومات والاتصالات‏..‏ والمعلومات ليست أشياء مادية أو عضوية يمكن السيطرة عليها أو التحكم في مساراتها واتجاهاتها‏,‏ فضلا عن تعقيدها وتشبيكها ففي لحظة معينة ـ لا نتوقعها غالبا ـ تتحول من الحالة التجريدية‏(‏ الأليفة‏)‏ الي أفعال وسلوكيات يصعب التنبؤ بها‏,‏ وبالتالي مجابهتها فقد خرج الأمر بالفعل عن طوع الانسان ولابد من البحث عن مخرج‏.‏
هذه الفكرة عالجها ببراعة الكاتب الكبير الدكتور عبدالمنعم سعيد عام‏2002‏ في كتابه المهم العالم علي حافة الهاوية‏,‏ يقول‏:‏ الخطير في الأمر هو أن عملية التدمير من الآن فصاعدا لن تعتمد علي الدولة وإنما علي منظمات أو شبكات غير معروفة العنوان أو الهوية أولها حتي مركز واحد لصناعة القرار‏.‏ لقد قام التنظيم الدولي والعلاقات الدولية كلها علي أساس من أن وحدتها الأساسية هي الدولة التي هي تنظيم اجتماعي يمكن التأثير فيه من خلال عملية الردع التي تبني الدولة من أجله أجهزتها الدفاعية فتشعر الأطراف الأخري ان هناك ثمنا فادحا لمحاولات العدوان‏.‏
ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وماتلاها من أعمال إرهابية لاتشير الي ان الولايات المتحدة والعالم تواجه دولة يمكن ردعها أو تخويفها أو التأثير بوسائل شتي للتوفيق والاغراء والضغط في مركز صنع قرارها‏,‏ وانما تجري المواجهة مع شبكات عنكبوتية تدور حول فكرة غير قابلة للألم أو العقاب أو الحرمان‏,‏ وهي مثل وحش خرافي قادم من عصور سحيقة ليس له دور أو آفاق يمكن اختراقها أو الالتفاف حولها‏,‏ وهو مايؤكد أننا أمام علاقات جديدة لاتزال في طور الاكتشاف من ناحية ثالثة بدأت مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة علي وجه الخصوص‏,‏ تردد أننا نعيش بالفعل عصر الهويات والأصوليات‏,‏ والعودة إلي ماقبل الانتماء الوطني‏,‏ وكتب هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي‏,‏ ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب الباردة‏,‏ مقالين متتاليين عام‏(2002)‏ في مجلة شئون الخارجية الأمريكية‏,‏ نعي فيهما موت معاهدة ويست فاليا عام‏8461,‏ مؤكدا أن العالم دخل مرحلة جديدة بظهور التنظيمات المستقلة عن الدولة والقادرة علي تهديد الأمن المحلي والعالمي‏.‏
قبل أيام نشرت مجلة إيتوجي الروسية نص مقابلة مع رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف‏,‏ تحت عنوان من يضخم قضية ويكيليكس ولماذا؟‏,‏ يقول‏:‏ ان الأمين العام الأسبق للامم المتحدة بطرس غالي كان يري وهو علي رأس المنظمة الأممية أن الدول المستقلة اختفت من العالم تقريبا وأن ويكيليكس جزء لايتجرأ من عملية جيوسياسية‏.‏ عولمية ينجم عنها انتقال مركز القوة من الدول إلي الشركات العابرة للقوميات‏,‏ التي تسيطر علي‏08%‏ من الموارد المالية العالمية كحد أدني‏,‏ وتتعطش إلي التحكم بالعالم أجمع‏.‏ إن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم دولة خاضعة كغيرها من الدول‏.‏
ان الجهة التي تقف وراء ويكيليكس تضم حسب بعض التقديرات‏61‏ مركزا ماليا عالميا وأكثر من ألف بنك متعدد الجنسيات‏,‏ وتحت تصرفها طاقات تحليلية جبارة‏,‏ تتنبأ باتجاهات تطور الأحداث‏,‏ وفي الوقت نفسه لاتزدري أساليب التشهير العادية‏.‏
أما البديل عن هيمنة المحافل المالية العابرة للقوميات فهو المتحدات الاجتماعية ـ السياسية الجديدة‏.‏ ونلاحظ اليوم أن أوروبا تحاول التصدي للمحافل المذكورة عبر إقامة دولة موحدة‏.‏ ونري كيف تكاتفت الصين والهند ردا علي تلك التحديات‏,‏ وما تؤدي إليه العمليات الجارية مابين الحضارات من قيام بني جديدة كمنظمة شانغهاي للتعاون‏,‏ أو مجموعة دول بريك‏(‏ البرازيل وروسيا والهند والصين‏),‏ ناهيك عن الخطوات الرامية إلي توحيد العالم الإسلامي‏,‏ والمهمة الآن تتلخص ـ حسب إيفاشوف ـ بمنع تعزيز قوة المنافس الرئيسي الذي قد يتمكن بمرور الوقت من تدمير النظام العالمي الحالي‏.‏
إيفاشوف ينهي مقابلته بالتشديد علي أن‏:‏ العالم ينتقل إلي نمط جديد يتسم بالمواجهة بين الحضارات الاثنو ـ ثقافية التقليدية والجهات المالية العابرة للقوميات‏,‏ بحيث تغدو مكونات هذين الفريقين العناصر الفاعلة في المجريات العالمية‏,‏ وهذا يعني نظاما عالميا جديدا لن تلعب فيه الدول أدوارها السابقة‏.‏ أما إن تنظيم القاعدة وكثيرا من القواعد الأخري للإرهاب بأشكالها المتعددة الأصولية والايديولوجية غير المتقيدة بحدود الدولة ونظمها بل وقابليتها للتأثير بات هو النموذج لطرف جديد في العلاقات الدولية هذا الطرف الجديد له قواعده الخاصة في العمل وهو ليس قابلا للردع‏.‏
هذه الرؤية المصرية الاستراتيجية العميقة لمستقبل العلاقات الدولية في الألفية الثالثة‏,‏ توصل إليها إيضا البروفيسور فرانسوا هايزبور والباحثون الفرنسيون في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس‏,‏ حيث صدر كتاب تحت عنوان‏(‏ فرط الإرهاب‏:‏ الحرب الجديدة‏)‏ في نفس العام‏.2002‏
ومن أهم النتائج التي خلص الكتاب إليها‏:‏
‏1‏ـ أن الحادي عشر من سبتمبر‏1002‏ يعد وثبة نوعية وكمية من حيث الأهمية والتنظيم والتزامن واللوجستية‏,‏ فما حدث يعتبر من بين العمليات العسكرية البارزة التي نفذت منذ عشرات السنين‏,‏ والتي ستكون بأية حال ذات أهمية تاريخية في التاريخ الإستراتيجي العالمي إنها قطيعة استراتيجية مهمة‏.‏
‏2‏ـ أن الولايات المتحدة استهدفت من الداخل ليس من قبل دولة ما‏,‏ وإنما من تنظيم غامض المعالم‏,‏ ولأول مرة في التاريخ تتمكن منظمة غير دولتية من أن تتبوأ مكانة من نفس مستوي التدمير الذي تتمتع به دولة ذات سيادة وهذه النقلة النوعية تجعل قضايا الصراع والتهديد تطرح بطريقة غير معهودة‏.‏
اللافت للنظر أنه في نفس العام‏(2002)‏ ظهر كتاب‏(‏ نهاية الدولة القومية‏)‏ لمؤلفه تيري والتون ـ‏WOLTON,‏ نعي فيه نهاية الدولة بالمفهوم الحديث‏,‏ فقد استنفدت وظيفتها تماما‏,‏ ومن ناحية أخري ظهرت مجموعة من الكتابات السياسية تؤكد أن العولمة السياسية في الألفية الثالثة هي فوقية الشرعية الدولية‏,‏ مما يتطلب إعادة تعريف سيادة الدولة‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 72 مشاهدة
نشرت فى 23 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,746,667