بقلم: حامد عمار
هذه دعوة أتوجه بها لمعالي وزير التربية والتعليم ضمن برنامج زياراته المفاجئة لمدارسنا بهدف الاطلاع علي أحوال التعليم فيها. ولا أشك في أن مثل هذه الزيارة سوف تستثير مشاعره ووجدانه
نتيجة لما أصاب الرسالة التي حملناها لمدارسنا من خلل وتشوه واضطراب, إلي جانب التحلل من كثير من القيم التعليمية والأخلاقية التي وصف بها أمير الشعراء أحمد شوقي معلمنا الذي كاد ان يكون رسولا.
وقد يتساءل القاريء عن الأسباب والمبررات في حرصي علي دعوة سيادته بأن يقوم بمثل هذه الزيارات المسائية المفاجئة, وبخاصة لمدارس المرحلتين الإعدادية والثانوية. وقد يمتد التساؤل بالضرورة الي السبب في أن تتم الزيارة مع توقيت الساعة الثالثة مساء.
وقد يخطر علي فكر المتسائل أنني أقصد زيارته لتلك المدارس التي يتم فيها التدريس علي فترتين, صباحية ومسائية, وهو نوع من المدارس لايزال علي قيد الحياة, قد تصل نسبته إلي حوالي01% من مجموع المدارس الإعدادية والثانوية في أنحاء مصر. ولذلك فهي جديرة بزيارة سيادته حرصا علي التأكد من أوضاعها, وحرمان المتعلمين بها من عدالة في تعليم جيد.
وقد يتواصل المتسائل في تفكيره مجيبا عن تساؤله بأني أقصد الزيارة المسائية بعد انتهاء الدروس الأكاديمية, لأجل أن يطلع سيادته علي ما تعده المدارس من أنشطة لبعض الفرق أو جماعات النشاط لعروضها المختلفة في مجالات الفنون والتعبير الأدبي والمناظرات حول بعض القضايا الاجتماعية. وتلك أنشطة جديرة بالاستجابة لها, حيث إنها جزء لا يتجزأ من مكونات المناهج الدراسية, لكنها مجالات قد تقلص الاهتمام بها عمليا منذ عشرين عاما تقريبا.
وقد تكون الدعوة بمناسبة انعقاد مجلس الأمناء ومجلس الآباء لمدرسة من المدارس المسائية في ذلك التوقيت, ومن ثم يشرف هذا الاجتماع بمشاركة سيادته لاغتنام الفرصة لإدارة حوار بين مختلف أطراف هذا الاجتماع, ومحاولة إجاد الحلول او توفير الاحتياجات اللازمة للتغلب علي المشكلات المطروحة, وتحديد مسؤوليات الهيئات المحلية والإجراءات الإدارية الإقليمية والمركزية.
ومع كل ما سبق من ظروف وأحوال تبرر زيارة السيد الوزير أو دعوته لزيارة المدارس في أمسية من الأمسيات, إلا أن دعوتي الملحة الآن لزيارته في ذلك الوقت تفرضها قضية خطيرة وداهية دهياء تعتبر في تقديري من أهم العوامل التي تسهم في إحداث شلل نصفي أو كلي في جسم المنظومة التعليمية. وهي وباء تظهر أعراضه ومخاطره عيانا بيانا بحيث غدا ظاهرة مقبولة كما لو كانت قدرا محتوما, لا ينبغي إثارته اليوم, ومن الأفضل صرف النظر عنه إلي ما هو أهم. ونعني بتلك الظاهرة استفحال وتغلغل وتغول الدروس الخصوصية وتداعياتها.
لذلك وبكل الجرأة والثقة أتقدم بدعوة السيد الوزير أ.د أحمد زكي بدر إلي إتاحة جزء من وقته ومشاغله لزيارة بعض مدارسنا منذ الساعة الثالثة مساء. إنها الفترة من التعليم في عرف الطلاب والمعلمين وأولياء أمورهم ـ هي فترة التعليم الجاد الجد يتم فيها التعليم الحقيقي من خلال الدروس الخصوصية ودروس التقوية. وأثناء هذه الفترة تسود أجواء المدرسة آيات الهدوء والنظام, ويقبل الطلاب والمعلمون علي مواقع مهماتهم في الفصول دون تلكؤ ودون أي تأخير أو تغيب.
ولعله من قبيل معرفة مواطن التدمير لوباء الدروس الخصوصية بمختلف تجلياته أن تغتنم الفرصة ياسيادة الوزير لأن تعرج يمينا أو يسارا لتكتشف بعض مراكز الدروس الخصوصية المستقلة, ضامنة النجاح والتفوق في امتحاناتك العامة, وبخاصة الثانوية العامة. ولسوف تلتقي فيها بكل أساطين المواد العلمية. وسوف يظهر لك من خلف ستار من يقولون لك إنهم نظراء أعلام المعرفة في مصر. وإنهم أشباه: الطاهر مكي, وصلاح فضل, وعطية عاشور, ومحمد القصاص, وفاروق الباز, ومصطفي السيد, ومحمد العناني, ومحمد نور فرحات, وحسن حنفي, وأحمد ابو زيد, وأحمد زايد, وقدري حفني, وعاصم الدسوقي, وعمر الفاروق, وربما يفاجئكم في هذا اللقاء من هو نظير أحمد زويل. وكلهم يعدون طلابك في مدارسهم الخصوصية للتفوق والتميز وبدراهم معدودات تتجاوز الآلاف من الجنيهات. وهذا الموقع من مصادر الوباء يتطلب من سيادتكم تأملا وموقفا خاصا في مواجهة الحملة القومية لتطهير ساحة التعليم الحكومي من داء اعتلال التعليم وضعف عوائده المعرفية والأخلاقية, وعلي ما يترتب علي عملها من الهدر فيما تنفقه الدولة من ميزانية التعليم بما يقدر بحوالي(03) مليارا من الجنيهات, وبما تنفقه الأسر بما يصل الي ما بين(81 ـ02) مليارا سنويا, دون تحقيق مستوي الجودة المطلوب, فيما تزعمه.
وأجد من واجبي أن اعتذر لصحيفة الأهرام عن إعادة كتابتي في موضوع الدروس الخصوصية الذي سطرته في مقالي بها بعنوان( نحو معركة أكتوبر لتحرير التعليم0102/11/1) لكن الذي اضطرني ودفعني إلي إثارته مرة أخري في صفحات الأهرام ما تردد في ستة لقاءات أسرية للتهنئة بعيد الأضحي الأغر. وما حدث هو أنه بمجرد انتهاء الفترة القصيرة التي قضيناها في التهاني ومراسم الضيافة انفجر الآباء والأمهات بالشكوي مما يتحملونه من تكلفة الدروس الخصوصية التي تتزايد عاما بعد عام, وإلي اشتراط بعض المتاجرين من المعلمين بضرورة القيام بها في داخل أحد منازل المجموعة المريضة. ولم أتمالك إزاء مرارة ما أحسست به إلا أن أردد مقولة يوسف وهبي( ياللهول!!).
وعلي أثر رجاء أحدهم بتكليفي بعمل شيء للتخفيف من آثار هذه الداهية الدهياء لم أملك إلا أن أبين لهم بأنه ليس لدي قوة إلا فيما أملك من قلم أحرر به سطورا علي صفحة الأهرام. إننا أمام ما تعاني منه الأسر الفقيرة والمستورة والطبقة الوسطي في هذه المحنة, والتي يصل مجموعها إلي ما يقرب من07% من مجموع سكان مصر. وعلينا أن ننتهز فرصة مجلس الشعب الجديد ليتولي ممثلونا منه اتخاذ ما يمكن القيام به في شأن هذه التجارة الفاسدة بالتعليم. إنها من الفواحش التي تقع في دائرة المحرمات الدينية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية. وساعتها سوف نذبح أمام مدارسنا عجولا وعجولا!!
المزيد من مقالات حامد عمار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش