البحث العلمي في مجال الثروة السمكية في الوطن العربي
(الأسبقيات ... وضرورة التعاون بين المراكز البحثية)
لنشاط البحث العلمي أهمية خاصة في تقدم الدول والمساهمة الفعالة في رفاهية شعوبها، مما حدا بأصحاب القرار وصانعي الاستراتيجيات إلى ايلاء هذا النشاط اهتماماً خاصاً . فقد أشارت التقارير ان نسبة ما تخصصه بعض الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان لمجالات البحث العلمي يقارب 3% من الناتج القومي الإجمالي . من ناحية أخرى يلاحظ أن 97% من مجموع التخصيصات الموجه للبحث العلمي صرفت في دول الشمال وأن 0.3% فقط من تلك التخصيصات صرفت في الدول النامية وأن معظم الدول العربية لم تتجاوز تخصيصاتها المالية للبحث العلمي أكثر من 0.5% من الناتج القومي الإجمالي لتلك الدول .
لذا ينبغي على الدول العربية أن تقر وتعترف بأن الصيد الرشيد يتطلب ويستلزم توافر قاعدة علمية سليمة عن المصايد السمكية لمساعدة مسؤولي المصايد والعاملين معهم وغيرهم من الجهات والأطراف المهتمة في اتخاذ القرارات، لذا يجب على الدول العربية ان تتعهد وتكفل إجراء البحوث السمكية على جميع الجوانب المتعلقة بمصايد الأسماك المتمثلة بالبيولوجيا، والتكنولوجيا، وعلوم البيئة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية وعلوم التغذية، واستزراع وتربية الأحياء المائية وغيرها، ويتطلب من الدول ان تكفل توافر مستلزمات ومرافق البحوث السمكية وتقوم أو ان تقدم ما يتناسب أو ما يليق من تدريب وباحثين وبناء مراكز أو دوائر لأجراء البحوث وتوفير الاحتياجات المطلوبة لذلك وتنشأ الإطار التنظيمي الملائم لتحديد البحوث التطبيقية الهادفة والمطلوبة واللازمة واستخدامها على النحو السليم وعلى أسس علمية وفنية مدروسة بعد تحليل البيانات والمعلومات ونتائجها المستمدة من البحوث كمساهمة عليمة في صيانة الموارد السمكية وتنميتها وحسن إداراتها وهذا يتطلب من الدول العربية ان تقدم الدعم لتعزيز قدرات البحوث القطرية لتمكينها من استيفاء المعايير والدلالات العلمية المعترف بها ويمكن للدول العربية الاستفادة من أو التعاون مع المنظمات العربية والدولية ذات الصلة و الاهتمام في تشجيع ودعم البحوث السمكية وتعزيز قدراتها فنياً ومالياً وخاصة في إجراء بحوث تقييم الأرصدة والمخازين السمكية وصيانة الموارد وأدارتها وعلى أساس مستدام . مع التأكيد على ضرورة ان يحظى موضوع البحوث القطرية وتعزيزها بقدر اكبر من الأولوية، وفي ذات الوقت بأن زيادة حجم التعاون المنسق في مجال البحوث على المستوى العالمي والإقليمي يساهم على نحو ملموس وفعال في تحسين فعالية الجهود القطرية ويعزز أنشطة التعاون الثنائي ومعدد الأطراف .
يقدر عدد المراكز البحثية في الوطن العربي بحدود (278) مركز متخصص (27%) منها للبحوث الزراعية والموارد المائية (76 مركزاً) . ويتوقع ان يكون ثلث عدد المراكز الزراعية متخصصاً بالثروة السمكية في الوطن العربي والمعلومات المتوفرة لدينا تشيرإلى نحو 28 مركزاً .
وحيث ان الصيد البحري يمثل العمود الفقري للثروة السمكية في ا/لوطن العربي فان المراكز البحثية المتخصصة بالثروة البحرية لها أهمية خاصة في هذا المجال ونرى ان الأسبقية الأولى لتحقيق التنمية المستدامة ينبغي ان تتجه نحو دراسات المخزون السمكي والراحة البيولوجية، وفي السنوات الأخيرة اتجهت الجهود في معظم دول العالم ومنها عديد من الدول العربية إلى تطوير تربية الأسماك والأحياء المائية حيث تطورهذا المجال سريعاً عالمياً وعربياً إنتاجاً وتقنياً بحيث أصبحت مساهمته في الإنتاج العالمي نسبة أكثر من 32% وعلى مستوى إمداد الأسماك للغذاء نحو 41% عام 2003م في حين بلغت نحو 31% عام 1999م ليصل الإنتاج العالمي من تربية الأسماك إلى نحو 42 مليون طن . أما في الوطن العربي فبلغ الإنتاج نحو502 ألف طن عام 2004م مقارنة مع إنتاج عام 1985م الذي بلغ بحدود 45.5 ألف طن أي تضاعف نحو 11 مرة وأن نسبة 94%منه ينتج بجمهورية مصر العربية .
ولأهمية استزراع وتربية الأحياء المائية في الوطن العربي ينبغي أن تتخذ البحوث التطبيقية الداعمة والمشجعة لتربية الأسماك طريقها بما يخدم زيادة الكفاءة الاقتصادية والفنية للمشاريع الإنتاجية، وليكن شعارنا (البحث العلمي من اجل التنمية) لا (البحث من اجل البحث)، وأن خطة وبرنامج البحوث يجب ان تضع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للجهات المسؤولة عن تنمية وتطوير وحماية الثروة السمكية في البلاد ويجب ان تكون في خدمة القطاع . بالمقابل يجب توفير المستلزمات والدعم المالي والمعنوي لدوائر ومراكز البحث العلمي في الدول العربية وإيجاد آلية عمل للتعاون والتنسيق المثمرة بين تلك المراكز، والاستعانة بأساتذة الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة بالبحوث الزراعية والبايولوجية والبيطرية هذا على المستوى القطري، ويتطلب التعاون والتنسيق العربي العربي على المستوى الثنائي والمتعدد خاصة بين المراكز الواقعة على منطقة صيد واحدة .
ولا يخفى ان مصادر الثروة السمكية في العديد من الناطق الإقليمية وأهمها منطقة المحيط الأطلسي ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج العربي وبحر العرب ومنطقة البحر الأحمر وشمال غرب المحيط الهندي مشتركة بين العديد من الأقطار العربية المتجاورة أو المتشاطئة . وأن تنسيقاً في نشاط البحث العلمي لتنمية تلك الثروات يعتبر ملحاً لتلك الأقطار من اجل استكمال جوانبه إضافة إلى توفير الجهد والنفقات جراء هذا التنسيق الذي لا يذكر .
وقد اتخذ مؤتمر الجزائر لتنمية الاستثمار والصيد البحري عام 2001م الذي نظمته وزارة الصيد البحري والموارد الصيدية بالتعاون مع الاتحاد العربي لمنتجي الأسماك بشأن البحث العلمي وأهمية المعلومات والتكوين التوصيات الآتية :
1- إنشاء معهد عالي عربي ومركز للبحوث والتكوين .
2- بعث فكرة التوأمة بين مراكز ومعاهد الصيد البحري وتربية الأحياء المائية في الدول العربية لتوحيد الجهود والاستفادة من الطاقات العلمية والبحثية في تلك المراكز والمعاهد .
3- التأكيد على أهمية بنك المعلومات .
كذلك أكد مؤتمر صنعاء لتنمية الصيد البحري لعام 2002م الذي نظمته وزارة الثروة السمكية بالتعاون مع الاتحاد العربي لمنتجي الأسماك في مجال البحث العلمي السمكي على تعزيز قدرات مؤسسات البحث العلمي في مجال المصايد البحرية بهدف تقديرات واقعية للمخزونات السمكية ووضع سياسات وخطط تنظيم المصايد والاستزراع السمكي مع التأكيد على أهمية إشراك المنتفعين الآخرين في وضع وتنفيذ تلك الخطط وتفعيل التعاون بين مؤسسات البحث العلمي في هذا المجال .
تسلط هذه الورقة الضوء على أهم أسبقيات البحث العلمي في مجال الثروة السمكية في الوطن العربي كما تطرح أفكار عن آليات ممكنة للتعاون والتكامل بين المراكز البحثية العربية. واهم هذه الآليات ما يلي : -
1-عقد لقاء لمسئولي المراكزالبحثية المتخصصة بالثروة السمكية في الوطن العربي ويتولى الاتحاد العربي لمنتجي الأسماك التنسيق لهذا اللقاء.
و يقدم المشاركون بهذا اللقاء أوراق عمل هدفها تنسيق الجهود البحثية وتكاملها في مجالات البحث العلمي المتخصص بالثروة السمكية في الوطن العربي ويمكن ان يكون هذا اللقاء دوريا كل سنتين مثلا .
2- البدء بإنشاء قاعدة بيانات عن نشاط البحث العلمي المتخصص بالثروة السمكية في الوطن العربي ويمكن ان تكون الخطوات الأولى لإنشاء هذه القاعدة كما يلي :
أ) توزيع استمارة المعلومات المرافقة لهذه الدراسة بين المعنيين من إدارات المراكز البحثية العربية.
ب) يقوم الاتحاد العربي لمنتجي الأسماك ومن خلال الشبكة العربية للمعلومات السمكية (في مراحل التأسيس) بتجميع البيانات وتبويبها وجعلها بمتداول المراكز البحثية العربية .
ج) يمكن أن يلعب الاتحاد العربي لمنتجي الأسماك دوراً في ترويج هذه البيانات بين المستفيدين.
3- يمكن أن تمد جسور تعاون بدءاً بآليات بسيطة صعوداً نحو تكامل بحثي بين المراكز وعلى النحو التالي المتسلسل :
أ) تبادل الخطط البحثية والنتائج العلمية (المنشورات) .
ب) تبادل زيارات علمية .
ج) التدريب في المراكز البحثية .
د) إعارة الباحثين بين المراكز .
هـ) بحوث ثنائية (بين قطرين) .
و) بحوث إقليمية .
ز) بحوث في مراكز متعددة (شبكة) .
4- يمكن أن تلعب المنظمات العربية كالهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والمجلس العربي للثروة السمكية (تحت التأسيس) والمنظمة العربية للتنمية الزراعية والمنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة (FAO) دوراً بارزاً في التمويل والمساعدات الفنية. ومن المعلوم أن برامج المساعدات الدولية التي تستفيد منه دولاً متعددة قد تعطى أسبقية أعلى مما لو كانت جهة الاستفادة دولة واحدة .
ساحة النقاش