عالم السياسة والثقافة الإخباري .. منال العبادي
خزان البلدة ...!!!
تلك قصة ليست من الأدب العالمي ولكنها قد تصلح لان تكون إحدى روائع حلقات الفساد في التاريخ المعاصر ، هي غريبة وشاذة ولكنها نمت وترعرعت حتى صارت واقع نعيشه كل يوم وتتكشف آثاره تباعا مع مرور الزمن ، بدأت في الماضي القريب ولا تزال أحداثها مستمرة وممتدة حتى الساعة وبإزدياد مضطرد .... بدأت القصة عندما قرر الملك بناء خزان ماء كبير في أحد أطراف البلدة ، بحيث يتوجب على كل فرد يجلب الماء إلى بيته بأن يضع القليل منه في خزان القرية ، وقد إستعمل بعض العمال عليه لإيصال الماء الى من لا يستطيع جلب الماء بنفسه من أبناء البلده ولإنشاء بعض المزارع المروية منه ليقتات من ضعف منهم ، فمنهم المريض و الكبير والعاجز ... .
كان الخزان كبيرا وواسعا يكفي برحمة من الله الضعفاء من أهل البلدة فلا يخاف أحدا العيّلة أو قلة من ماء وكل من كبر وعجز سيبقى مطمئن السريرة مرتاح البال فخزان البلدة يكفي الجميع .
ومع مرور السنين وجميع أهل القرية لا يملّون ولا يبخلون عن رفد الخزان بالماء وقد أصبحت المزارع التابعة له كبيرة ومزدهرة وأهل القرية مطمئنون على مستقبلهم والملك مطمئن على رعيته ، جاء بعض بطانة الملك ممن دنت نفوسهم ولم تسعهم مزارعهم وقد زاد طمعهم وأسروا في أنفسهم ملذات من مطامع ، فأشاروا على الملك ببناء خزانات إضافية حول خزان البلدة ، ظاهرهم يوحي بأن تلك الخزانات ستزيد من إستيعابه ووفرته فيكثر الخير ، ولتوسعة مزارع الخزان بحيث يزيد إنسياب الماء لها فيطمئن الناس وتزيد راحتهم .
لم يكن الخزان بمأمن منهم من قبل مع أن الملك قد وضع حرسا شدادا عليه ، فقد كانوا يأخذون أكبر بكثير من حصتهم من الماء بحجة الكبر أو المرض وكثيرة كانت ذرائعهم تبريرا لوسائلهم ... ولكن ذلك لم يكفيهم ولم يمنعهم من التغول على نصيب أكبر لإشباع طمعهم وغيرهم ورفد مزارعهم وشركائهم وتوسعة خزاناتهم الخاصة أوغيرهم ممن يدفع بالدولار .
كانت نصائحهم للملك مقنعة بفعل الخير لأهل البلد ، فلم يمانع الملك دام ذلك يصب في صالح البلد ، فبدأت أعمال التوسعة ثم المقاولون الوهميون ثم الخصخصة والأذرع الإستثمارية والمحافظ والمؤسسات الحكومية المستقلة والنوادي النيابية ، والحرس يقفون ولا يدرون ماذا يفعلون ، فهي بالظاهر أوامر الملك ولكن الباطن لم يعلمه أحد ، وبدل أن ترفد الخزانات الصغيرة الخزان الكبير بالماء حدث العكس وبدأ الماء ينساب اليها فامتلأت هي وبدأت تصب في مزارع لا يعلم الناس عن ملكيتها لمن تعود ولبيوت لا يعلم أحد من أصحابها ، أما الماء بالخزان الكبير فبدأ ينحسر بشكل ملحوظ مع أن أبناء البلدة ما زالوا يرفدونه بالماء يوميا طوعا لأوامر الملك بلا كلل ولا ملل .
ولما أصبح الأمر واضحا للعيان وجميع أهل البلدة علموا بأن قسمة مائهم أصبحت حكرا للبعض ، ضجّوا وتعالت الأصوات من حول الخزان ، فما كان من بطانة السوء ألا أن أوحوا لحراس الخزان بأن هؤلاء القوم ما يريدون إلا الشر أو أن يثقبوا الخزان ، وبما أن المشاريع هي من وحي الملك كما أُخبروا من قبل .... وهم لا يعلمون ما قد أحدث الزمان في الخفاء ، نزلوا إلى الناس والسيوف مسلطة على الأعناق يدافعون عن ما أوكل لهم بعلمهم من الملك عن أمانة حراسة ماء الناس ومن ورائهم يدعمهم من بات مستفيدا مما قد حدث من إزدهار .
ما زال الخزان كباقي مقدرات أهل البلد بات ضحية إما بيع وإما أُجّر وإما وهب وإما دمر أو نهب وكل ذلك بشرط ألا يستفيد منه أي من أهل البلد ، فكلها حكر لبطانة الملك .
اليوم الخزان يُرفد بالماء من عامة الناس ، وبعض المزارع الخاصة ما زالت تُرفد من ماء الخزان ويستمر الزمان بالكشف عن الصفقات وعن باطن المقاولات والإستثمارات التي كانت تحدث في الخفاء .
ونقتبس من آخر الأفلام // وطلب رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور اطلاع مجلس الوزراء على حيثيات الموضوع، وأوعز فورا باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أموال الضمان، التي تمثل مدخرات كل الأردنيين، وذلك بالسرعة القصوى // . دعاء نهاية القصة : اللهم أحمي ما تبقى من ماء الخزان من كل بهلوان ، رحمة ورأفة بهذا الوطن البسيط الذي تكالبت عليه الذئاب من كل مرحلة ومشروع تحول .
منال العبادي