هي أبداً لن تموت ، فمنذ أن ينفصل كل منا عن أمه بالولادة ، تتلبسه هي ويحملها في دمه حملا طويلا ليس له مخاض ولا ولادة ولا ألم ، فلن تنساها أبدا حتى حين يحتفل حولك أولادك فأنت ترى في إحداهن أمك ، وهذه الحالة من التشبث الجسدي بالزوجة هي تعبير رمزي بالتشبث الروحي بالأم ، وهذا الحب الشديد للابنة هو امتداد لحب الأم لأنها جزء من روح أمي التي انتقلت لها من خلال روحي ، وأنت حين تمر قريبا من قبر أمك تنخلع روحك و لا تسكن أبدا لأن جزء منها اقترب من موطنه ونحن جميعا منذ الرحيل الجسدي لأمهاتنا نظل تائهين وبداخلنا شيء نجهله ، دائما لدينا رغبة مجهولة لفعل شيء ما ، فمنذ رحيلها أنا في صقيع دائم لا أعلم سببه مهما احتوتني أحضان ، وأنا في جوع مستبد مهما حاولت الشبع ، وأنا في عطش دائم مهما وردت موارد الري ، روحي في شوق جنوني للتماس مع جسد لا تجده ، كل نجاح يرى الناس أني حققته لا أجد له جمهورا حقيقيا بعدها ، وكل انجاز أصل إليه أنظر حولي باحثا حينئذ عن أمي ، أذكر حين أذعت أول قصيدة لي في إذاعة صوت الصعيد بالمنيا 1993 م ( صلاة في محراب الأمومة ) كانت تنصت إلى المذياع القديم في فرح غامر وكأن ثورة حدثت في العالم ، وحين حصلت على التمهيدي وأنا في الغربة القاتلة أبرقت لها ـ وكانت الدموع تتساقط مني على صفحة البرقية ـ أنا نجحت يا ماما ، وحين حصلت على الماجستير بعد مرار جد شديد لم تصبني مسرة لأننا لم أجدها بجواري وقتها بين المهنئين ، وحين .... وحين .... رفقا بي أيتها الذاكرة رفقا رفقا ...
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
146,138
ساحة النقاش