الإسلام اليوم / القاهرة

في الماضي القريب كان حلم كل فتاة أن تكون زوجة منزل، ملكة متوجة في بيت الزوجية، ترعى أولادها وتحقق ذاتها من خلال ممارستها لعاطفة الأمومة، ولكن في العقود الأخيرة حدث تغيّر في المفاهيم والاتجاهات بسبب التدفق الإعلامي الداخلي والوافد عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى, وهذا التغيير اتسم بالسلبية في بعض الجوانب والإيجابية في جوانب أخرى، ويطرح التغيير السلبي في القيم والاتجاهات لدى الفتيات العديد من التساؤلات، ويفرض على مؤسسات التثقيف والتوجيه ومؤسسة الأسرة العربية مراجعة آليات عملها، وأساليب التنشئة للفتيات، ومعرفة حجم التأثير ووضع استراتيجيات لتعزيز إيجابياته وتلافي سلبياته.

حول هذه القضية الهامة، وهي تغير الاتجاهات لدى طالبات الجامعة؛ قامت الباحثة في العلوم الاجتماعية بجامعة القاهرة خديجة محمود الريدى؛ بإجراء دراسة ميدانيّة على مائتي طالبة من طالبات الجامعة من كليات جامعة القاهرة المختلفة، تحت عنوان (موقف فتيات الجامعة من العمل خارج المنزل)، كنموذج لقياس مقدار التغير في المفاهيم والاتجاهات حول موضوع العمل للفتاة، طرحت الباحثة على الطالبات مجموعة من الأسئلة حول رغبة الفتاة في العمل بعد التخرج؟ وما هي الأسباب التي تدفع الفتاة للعمل بعد التخرج؟ والشروط المطلوب أن تلتزم بها الفتاة عند خروجها للعمل؟ ولماذا ترفض بعض الفتيات فكرة العمل خارج المنزل؟ وهل هناك علاقة بين عمل الأمهات ورغبة بناتهم في العمل؟ وما هو موقف الفتاة تجاه عمل والدتها خارج المنزل؟ وهل توافق عليه؟ وهل يؤثر على رعاية الأم للأبناء والبنات؟!

إجابات الطالبات كشفت عن حدوث تغيّر في الاتجاهات والقيم، فهناك 84% من فتيات العينة يردن الالتحاق بالعمل بعد التخرج، وذكرن أسبابًا مختلفة؛ منها خدمة المجتمع والاستقلال المادي، ثم تحقيق الذات ومساعدة الأسرة، ثم يأتي سبب آخر هو المكانة الاجتماعية، يليها اكتساب الخبرات وتكوين الصداقات.. ويتضح من تلك النتيجة أن تحقيق الاستقلال المادي ومساعدة الأسرة وخدمة المجتمع أسباب رئيسية لرغبة الفتاة في العمل، ويأتي تحقيق الذات في المرتبة الثالثة في ترتيب أسباب العمل، وكأن تربية الأبناء والقيام بدور الزوجة والأم ليس كافيًا لتحقيق الفتاة لذاتها.

الجديد الذي جاءت به إجابات الطالبات أنّ نسبة منهن يردن العمل لممارسة الدعوة إلى الله تعالى وسط زميلاتهن، في حين ذكرت أخريات أنّ العمل ضرورة، حتى تحقق المرأة المشاركة في بناء المجتمع وخدمة بلادها، واستشهدن بالمقولة التي تُشير إلى أنّ المرأة نصف المجتمع وهي مساوية للرجل, واللافت للنظر أنّ عددًا من الطالبات اشترطن مراعاة الشروط الشرعية؛ من اللباس الإسلامي، وعدم الاختلاط عند خروج المرأة للعمل، وأنّ يكون العمل نفسه شرعيًا، فلا تعمل المرأة في مجالات عرض الأزياء، أو التمثيل، وبلغت نسبة من وضعت تلك الشروط 4.5%من العينة.

مجالات عمل المرأة

وأشارت 6% من العينة إلى أنّ هناك أعمالًا معينة هي الّتي يُسمح للمرأة شرعًا بالعمل فيها، وحددن مجالات العمل في الطب والتدريس على سبيل المثال، وأضفن بأنّ الأصل في المرأة هو القرار في البيت، وعدم الخروج للعمل في غير تلك المجالات؛ إلا في حالة الحاجة المادية، حيث يصبح عمل المرأة في هذه الحالة ضرورة شرعية.. ومن الأمور الّتي استرعت انتباهنا؛ قول بعض الفتيات أنهن سيعملن بعد التخرج فقط حتى يتزوجن وينجبن، وإذا وجدن أنهن استطعن التوفيق بين رعاية شؤون المنزل والزوج والأطفال، وبين العمل، فيستمررن في العمل؛ أما إذا لم يستطعن التوفيق فسيتركن العمل، والجديد اللافت للانتباه، والذي يعكس تطورًا إيجابيًا في اتجاهات ومفاهيم الفتيات، هو قول إحدى الفتيات في العينة التي خضعت للدراسة: إنّها (ستعمل فقط في حالة الحاجة المادية, أما إذا لم تكن بحاجة مادية فهي لن تعمل، لترك مجال أوسع للرجال, إلا أنها قالت: إنها سوف تعمل بدون مقابل مادي في بعض الأعمال التي تخدم المجتمع.

والتطور الآخر جاء على لسان 24 من فتيات العينة، أي بنسبة 12%، حين أكّدن على رفض العمل بعد التخرج، وكانت أسباب هذا الرفض هي صعوبة التوفيق بين العمل ورعاية شؤون المنزل, وجاءت الأسباب الشرعية في المرتبة التالية؛ حيث ذكرت خُمس الرافضات أنّ مكان المرأة هو البيت، ويستشهدن بقوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [من الآية 33 من سورة الأحزاب], ومنهم من قالت: إن جو العمل في هذا العصر لا تتوافر فيه الضوابط الإسلامية. وثمة ملاحظة طريفة ذكرتها الباحثة؛ هي أنّ بعض الفتيات اللاتي رفضن العمل بسبب عدم توافر الضوابط الشرعية كن غير مرتديات للزى الإسلامي، مما يجعلهن في تناقض بين عدم مراعاتهن للشروط الشرعية في الزي، ثم التحجج بأسباب شرعية لرفض العمل, وذكر 12.5% من العينة أنهن يرفضن العمل بسبب الكسل، وأنّ العمل مُرهق، وقالت أخريات: إنه لا يوجد عمل مناسب للمرأة، وإنهن يرفضن العمل حتى يمكن توفير وقت لأشياء أهم. وذكر بعضهن أن العمل خارج البيت يجعل الفتاة أكثر جرأة، وهذا أمر غير مرغوب من وجهة نظرهن, وتبيّن من الدراسة أن هناك 3.5%من العينة لم يحددن موقفهن من العمل، وقلن: إنّ من الأفضل ترك العمل من عدمه لظروف الحياة، فهن لا يعارضن العمل من حيث المبدأ، وكذلك لا يقلن بوجوب العمل.

وكان الرأي الغالب هو الحرص على التوفيق بين العمل والمنزل، فإذا استطعن أن يحققن ذلك التوفيق فسيعملن، وإذا تعارض عمل البيت مع العمل خارج البيت فسيرفضن العمل خارج البيت، وترك البعض الآخر اتخاذ القرار بالعمل أو عدم العمل للحالة المادية للأسرة؛ فإذا تطلبت تلك الحالة العمل لتحسين دخل الأسرة فسيعملن.

وأشارت الدراسة إلى عدم وجود علاقة بين رأى الفتاة بالنسبة للعمل بعد التخرج، وبين أن تكون الأم عاملة أو غير عاملة، حيث بلغ عدد الرافضات للعمل ممن تعمل والداتهن 11 فتاة، في حين كانت الرافضات 14 فتاة ممن لا تعمل والداتهن, وكان موقف فتيات العينة تجاه عمل والداتهن أن 5.45% أيدن أن تعمل الوالدة، في حين رفض الباقيات أن تعمل والداتهن، ولم تشتك سوى 27.8% من العينة، وحرصن على تأكيد أنّ عمل والداتهن أثّر على رعايتهن لهن ولأخواتهن، وأنّ العمل خارج المنزل يجعل الأم تهمل بيتها وأطفالها. والدراسة بهذه النتائج كشفت عن تطور إيجابي في اتجاهات الطالبات؛ حيث أخذ البعد الديني مكانة متقدمة في تفكيرهن عند اتخاذ قرار العمل خارج المنزل، وهذا يتطلب تكثيف العمل الدعوي داخل الجامعات، ووضع برامج للتوعية الإسلامية للطالبات لمساعدتهن على اتخاذ القرار الصحيح.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 618 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,892,338

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters