أصبحت تطبيقات التكنولوجيا الحديثة تستخدم للتدريب على اتخاذ القرارات في المستويات الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية، حيث تستخدم لعب الحرب في المستويين الاستراتيجي والعملياتي، لمساعدة صانعي القرارات والمخططين على اتخاذ أفضل القرارات اللازمة لاستخدام القوة الوطنية والأداة العسكرية، أما على المستوى التكتيكي الذي تتناوله هذه المقالة فتستخدم المشبهات ولعب الحرب، لتطوير مهارات القتال في ميدان المعركة.
قد يبدو من الوهلة الأولى أن مصطلح لعب الحرب من المصطلحات الحديثة، ولكنه في الحقيقة قديم في فكرته وتطبيقه واستخداماته، حيث يذكر أن المفكر العسكري الصيني (صن تزو) قد استخدم لعب الحرب في العصر القديم، ورغم أنها كانت تستخدم في البداية للتسلية، إلاّ أنها سرعان ما أثبتت جدواها في تدريب وتعليم الطلاب على المهن المختلفة، وفي الوقت الراهن تستخدم عديد من المنظمات تلك التمارين لتطوير القادة وتهيئتهم لعملية اتخاذ القرار في ظروف واقعية. ومن بين أنواع لعب الحرب التي تستخدم في تدريب المرؤوسين على مهارات اتخاذ القرار: تمرين القرار التكتيكي (TDE)، حيث توفّر هذه التمارين آلية فعالة لتطوير المقدرات الفردية على اتخاذ القرار تحت ظروف الضغط البدني والذهني، وفي حين أن هذه التمارين لا يمكن أن تكون هي البديل الأمثل للتمارين والتدريبات الفعلية، ولكنها تفيد في صقل المهارة الفردية لاتخاذ القرار بالحدس. وفي ظروف المعركة الحديثة التي تتسم بالضغوط وتعدد المهام تتيح تمارين القرار التكتيكية فرصة للقادة على كافة المستويات لصقل مهارات اتخاذ القرار أثناء تنفيذ سيناريوهات تضع القادة المتدربين في مواقف تتصف بالضغط الشديد، وقد شهدت الآونة الأخيرة عملية إحياء لتمارين القرار التكتيكي (TDE) كنوع من لعب الحرب بعد أن أثارت تجارب العمليات وقت السلم الاهتمام بمزايا استخدام هذه السيناريوهات لتطوير مهارات اتخاذ القرار.
تاريخ لعب الحرب
لا يعرف أحد بالتحديد من هو أول من ابتكر لعب الحرب، ولكن المؤرخين يعزون الفضل لضابط في الجيش البروسي يدعى (فون ريسيفتز) كأول من نقل لعب الحرب من مجال التسلية والترفيه للمجال العسكري، ففي عام 1811م صمّم ذلك الضابط لعبة مستخدماً بيادق بعلامات تمثل الوحدات، ثم نقل لاحقاً لعب الحرب من لوحة الشطرنج إلى طاولة رملية ذات معالم تمثّل طبيعة الأرض، وأصبح بإمكان اللاعبين نقل البيادق بسهولة حسب قدرات الوحدات المعنية.
وانتشرت لعبة (ريسيفيتز) في بلاط الملوك والطبقات الراقية في المجتمع، بيد أنها لم ترسخ بعد في الأوساط العسكرية المحترفة، ولم يفطن كثير من العسكريين لمزايا اللعبة. وفي عام 1824م طور ابن (ريسيفيتز) الذي كان ضابط مدفعية في الجيش البروسي نسخة معدلة من اللعبة تضمنت عدداً من التحسينات والقواعد وخرائط طبوغرافية تمثل ميدان المعركة، وحظيت اللعبة باهتمام واسع وأصبحت أخيراً ترياقاً للعسكريين، وكان من بين المعجبين بها الجنرال (فون مولتكه) الذي شيد عام 1828م نادياً لممارسة هذه اللعبة، وعندما تولى (فون مولتكه) رئاسة هيئة أركان الجيش البروسي عام 1857م ساهم في انتشار اللعبة بين العسكريين في كافة قطاعات الجيش.
وأثناء الحرب الفرنسية البروسية بين عامي 1870 1871م، ألحق الجيش البروسي هزيمة نكراء بالجيش الفرنسي المرموق في غضون خمسة شهور فقط، رغم أن الجيش البروسي كان يتألف في معظمه من قوات احتياط ومليشيات، وكان انقلاب موازين القوى في أوروبا سريعاً ومفاجئاً، مما أحدث صدمة عالمية. وقد كتب المؤرخ العسكري المشهور (مايكل هوارد) مشيراً إلى أن النصر الساحق الذي حققه الجيش البروسي كان في جانب كبير منه بسبب التنظيم والتعليم، وقد دفعت الانتصارات العسكرية التي حققها ذلك الجيش كثيراً من الدول لتحليل الإصلاحات التي أجراها البروسيون، وإدخال بعضها في المؤسسات العسكرية في تلك الدول، وكان من بين تلك الإصلاحات تعليم الضباط من خلال لعب الحرب. ومنذ ذلك الوقت أجريت العديد من التعديلات والابتكارات على لعب الحرب، وبالطبع فإن التقنية الحديثة قد أضافت بعداً جديداً للعبة، وساعدت على ممارستها بالحاسب الآلي والمشبهات، ومن بين تلك الأنواع العديدة للعب الحرب تمارين القرار التكتيكي (TDE) وفيها تعرض معضلة عسكرية للمشارك في اللعبة على شكل موقف ما، ومخطط بسيط، ثم يحدد له وقت قصير لتطوير الحل الممكن خلال ذلك الوقت ليعرضه على شكل أوامر للمرؤوسين.
ورغم عدم معرفتنا لأول من طوّر تمارين القرار التكتيكي (TDE) على وجه الدقة، ولكن الثابت أن البعض لا يقر بمزايا تطبيق تلك التمارين في الدوائر العسكرية كما حدث مع لعبة (ريسيفيتز) في السابق، بل إن الجدل يحتدم حتى حول اسمها: أهي لعبة أم تمرين؟ وبدلاً من الانسياق في مثل هذا الجدل، يبدو أنه من الحصافة النظر في فوائد تطبيقها، مع العلم بأن تمارين القرار التكتيكية ليست هي العلاج الشافي لكافة المشاكل الناجمة عن تقليص ميزانية الدفاع أو افتقار الخبرة القتالية، ولن تكون بديلاً مناسباً لتدريب الوحدات، إلا أنها في الوقت نفسه أداة فعالة يمكن أن تستخدم مع طرق وأساليب أخرى لتعليم القادة والمرؤوسين حسبما أثبتت تجارب كثير من المنظمات خارج نطاق المؤسسة العسكرية.
فوائد لعب الحرب
إن الأهم من دراسة تاريخ مثل هذه الألعاب هو معرفة ما تعود به من نفع على مستخدميها، فشواهد التاريخ تدل على أن ألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة قد أفلحت في استخدام أنواع منها لتدريب وتعليم أفرادها على ممارسة فن الحرب. وتمارين القرار تساعد مستخدميها على دراسة بدائل حل المشاكل ومناقشتها، وممارسة عملية اتخاذ القرار تحت مختلف الظروف والمواقف، بل إن الدراسات الحديثة بدأت تتعمق في تطوير القدرات الفردية على اتخاذ القرار. ويعيد ذلك للأذهان السؤال التقليدي حول ما إذا كان القائد يولد بالفطرة، أم يمكن اكتساب القيادة؟ وسواء كانت الإجابة إيجاباً أم سلباً، فإن المشاركة في تمارين القرار التكتيكي (TDE) تعمل على تطوير مقدرات الفرد على اتخاذ القرار بصورة أفضل وأسرع.
إن تمارين القرار التكتيكي تضع الطلاب كقادة في مواقف تكتيكية، وتحدد لهم معضلة معينة يطلب منهم حلها أو التعامل معها. وتتألف المواد من مخططات بسيطة (صور، خرائط، أو رسومات برنامج Power Point)، ونص قصير مكتوب يبين التفاصيل الضرورية عن المعضلة المعنية، ويتضمن النص أيضاً تعليمات محددة عن الأشياء المطلوبة من القائد، ويحدد له الوقت المتاح لحل المعضلة. وعادة ما يمنح المشاركون مدة تتراوح ما بين 5 15 دقيقة حسب التمرين المطلوب، ومن المتطلبات العامة أن يطوّر القائد الأوامر التي سيصدرها لمرؤوسيه بناء على الموقف، وفور انتهاء الوقت المحدد يتوقف المشاركون عن العمل ويختار المدرب أحد الطلاب ليصدر أوامره للمجموعة، ويمكن للطالب أن يسهب في شرح طرق الحل الممكنة ويجيب على الأسئلة ويدافع عن مبررات اختياره لتلك الطرق، ولكن ذلك يتم بعد أن يصدر أوامره لزملائه.
ويفيد هذا النوع من التفاعل بين مجموعة صغيرة أيما فائدة في تبادل الآراء، فليس هناك قالب محدد للإجابة، مما يشجع المناقشة على عدة محاور لحل المشكلة، كما تتيح تمارين القرار التكتيكي (TDE) فرصة لمدربي المجموعات الصغيرة لترسيخ مبادئ العقيدة العسكرية والتعريف بعدد من التكتيكات والأساليب والإجراءات.
ويعمل المدربون على إدارة حلقات المناقشة، وإشراك أي عدد من الطلاب في تقويم إيجاز خطط التمرين، ولكن يكفي تقديم طالبين للإيجاز لتوضيح النقاط المهمة، ويختار المدربون التمارين المختلفة لتتطابق مع الدروس، وعادة ما تقدم تمارين اتخاذ القرار في نهاية الدروس المتعلقة بها، لتسلط الضوء على أهمية أهداف التدريب، فمثلاً قد يستخدم المدرب تمرين اتخاذ قرار بناء على وصف لموقف تعرض له قائد سرية في كوريا للتركيز على أهمية التحليل السليم باستخدام عوامل المهمة، والعدو، والأرض، والقوات، والوقت المتاح، والشؤون المدنية، فيضع تمرين اتخاذ القرار الطلاب في موقف قتالي واجه أحد قادة المشاة ذات يوم من الأيام، ويناقش الطلاب الوصف التاريخي الموجز بعد محاولاتهم الخاصة لحل الموقف، ويضفي ذلك طابعاً من الحيوية عندما يتبينوا مدى نجاح أو فشل ذلك القائد في مثل تلك الظروف.
وهناك عدة أساليب لتمارين القرار التكتيكية على الورق أو المشبهات بالحاسب الآلي. وسواء كانت التمارين على الورق أو بالمشبهات فإنها تتيح للطلاب فرصة ممارسة تصور المواقف التكتيكية، ووصف تلك التصورات، واتخاذ قرارات بشأن الحلول الممكنة، وتوجيه المرؤوسين لإنجاز المهام، كما أن تقديمهم لإيجاز عن حلولهم على شكل أوامر لزملائهم وليس لمرؤوسين يمكنهم من ممارسة بعض جوانب قيادة المعركة، فضلاً عن أن تكرار تطبيق المهارات الذهنية المطلوبة لحل المعضلات التكتيكية يساعد الطلاب على تطوير قدراتهم على اتخاذ قرارات صائبة في الوقت المناسب وعلى إصدار أوامر واضحة ومختصرة، وبصرف النظر عما إذا كانت المجموعة مؤلفة من زملاء أو مختلطة، فإن جميع المشاركين سيستفيدون فائدة جمة من خبرات المجموعة والآراء المختلفة عن المشاكل التكتيكية وحلولها.
وتتيح تمارين القرار التكتيكي (TDE) للقادة أيضاً فرصة تطوير العمل الجماعي والتماسك في التسلسل القيادي الأعلى والأدنى وبين الزملاء، وتفسح مجالاً للمرؤوسين لتبصر كيفية تفكير القادة بشأن المشاكل التكتيكية، وتمكن القائد من التدرب على وصف رؤيته والتعبير عن نواياه للقادة الذين يترجمون رؤيته ونواياه إلى أعمال. ومن شأن مثل هذه التمارين أيضاً أن تتيح للمرؤوسين قادة الفصائل مثلاً فرصة نادرة للتعرف على طريقة تفكير القائد عند مشاركتهم جميعاً في تمرين واحد، فالتصور المشترك للعمليات الذي يعتمد على الفهم المشترك للموقف لا ينشأ فجأة بصورة سحرية فور عبور الوحدة لخط المغادرة، وإنما ينطلق من التدريب المشترك والخبرات المتبادلة بين قادة الوحدة. ولعل تمارين القرار التكتيكية هي نقطة الانطلاق لتطوير هذا الفهم بأقل التكاليف في الموارد والوقت.
ومن أعظم فوائد استخدام تمارين القرار التكتيكية ضمن مجموعات أن المشاركين يحصلون على تغذية عكسية من مشاركين آخرين، وليست هناك إجابات صحيحة أو خاطئة في مثل هذه التمارين، بل إن الإجابة أقل أهمية من المسوغات وطريقة التفكير التي يبديها المشارك من خلال إجابته.
وعندما يشرح مقدم الإيجاز مسوغاته للمجموعة، فإن بقية أعضاء المجموعة يصبحون أكثر إدراكاً للمشكلة، وتساهم التغذية العكسية والتعليقات التي يبديها المشاركون الآخرون في تكوين رؤية يتمكن من خلالها مقدم الإيجاز من حل المشكلة التكتيكية بصورة أفضل في المرة القادمة، ويستفيد كل فرد من التمرين من حيث تحسين مقدرته على صياغة الخطة بسرعة وتقديم إيجاز عنها، ويضاعف القادة من قدرتهم على اتخاذ قرارات صائبة بسرعة من خلال تكرار التدرب على تصور المواقف، ووصفها للآخرين، وتوجيه المرؤوسين بالأوامر والتعليمات، وإجراء مثل هذه التمارين بصورة منتظمة يطور قدرة المرء على تقويم الموقف وإصدار الأوامر. ومن النقاط الجوهرية في ذلك التقيد الشديد بقاعدة: "عليك تقديم إيجاز الخطة كما لو كنت تتحدث مع المرؤوسين".
تمرين قرار تكتيكي رقم (1)
هجوم مشاة خفيفة على سلسلة تلال.
الموقف. بوصفك قائد السرية الأولى المؤلفة من ثلاثة فصائل : بنادق، وقسم م-د، وقسم هاون، وعنصر قيادة، وسريتك بكامل ملاكها من الأفراد والمعدات.
على مدى الأسبوعين الماضيين تعرضت كتيبتك لهجمات قوية من عنصر مشاة خفيفة معادي نجح في عبور وادي (أسد) شمال غربي الجبل 122، وهو آخر ساتر مهم بين القوات الصديقة والعدو، وبناء على ذلك أصدر قائد فرقتنا أمره للوائنا بمنع الاختراق، ومهمة كتيبتنا هي احتلال سلسلة تلال تطل على الوادي لتسهيل هجوم اللواء () على رأس جسر العدو، والجبل (122) هو علامة بداية سلسلة التلال، وتتمثل نوايا قائد الكتيبة في تدمير كافة أسلحة الطاقم والأسلحة م-د، والسيطرة على قمم سلسلة التلال الرئيسة للجبل، وعبور اللواء () دون عوائق على امتداد المحور (أزرق) الذي يتجه شمال غرب ويمر بمراكز القيادة (2، 3، 5)، يقع مركز القيادة (5) شمال غرب المخطط.
وقد فشلت كتيبتك مرتين في احتلال سلسلة الجبال في محاولتين سابقتين خلال اليومين السابقين. ونظراً لأن السرايا الأخرى قد تعرضت للإنهاك من جراء الهجمات التي نفذتها، فقد اختار القائد سريتك للقيام بهذا الهجوم، وعليك باحتلال المنطقة المرتفعة حول الجبل (122) لتأمين موطئ قدم لتسهيل احتلال الكتيبة لبقية سلسلة التلال وعبور هجوم اللواء الرئيس.
وسريتك هي العنصر الأمامي لتقدم الكتيبة ولك أولوية طلب نيران المدفعية، وقد أكملت كتيبة مدفعية الإسناد المباشر (105 ملم) مهمة إخماد مدتها (15) دقيقة على الهدف تمهيداً لهجومك. ونظراً لتوقع حدوث قتال شرس بناء على تجربة السرية الثانية بالأمس، عليك التحرك بالهجوم على قفزات أثناء عبور الجسر (نمر) على وادي (صقر)، وقد تقدم فصيلك الأمامي حتى العلامة على قمة الجبل (122) تقريباً عندما تعرّض لنيران أسلحة أتوماتيكية من جهة الجنوب.
وقد اتصل عليك قائد الكتيبة لإعطائه تقديراً للموقف وأخبرك أن السرية الثالثة قد بدأت في التعرض لنيران هاون شرق الجسر (نمر).
المطلوب: خلال 12 دقيقة، عليك تطوير الأوامر التي ستصدرها لمرؤوسيك، على أن يتضمن ذلك توجيهات لأسلحة الإسناد، ووصفاً مختصراً لخطتك، ومن ثم تقديم شرح موجز.
ومن فوائد تمارين القرار التكتيكية أيضاً عدم وجود إجابات محددة على الطريقة المدرسية، وإنما يتمثل الاختبار الحقيقي لنجاح أو فشل الخطة في التنفيذ الفعلي، وإذا لم تتواصل التمارين حتى هذه المرحلة فإن الفشل يترتب على قدرة المشارك في التعبير عن نواياه بوضوح مستخدماً مفاهيم تكتيكية صحيحة. وينبغي على اللاعب الدفاع عن مسوغاته للخطة، ولكن عدم وجود إجابة محددة يشجع المشاركين على الأخذ بزمام المبادأة والتفكير دون قيود. ورغم أن استخدام تمارين مبنية على شواهد تاريخية ليس شرطاً أساسياً، إلاّ أنه يفضل لما فيه من إثراء للمناقشة، حيث يمكن أن يختتم المدرب التمرين بسرد ما فعله شخص ما في مثل ذلك الموقف وما حققه من نجاح أو فشل، ولكن لا ينبغي أن يقف ذلك حجر عثرة في سبيل طرق الحل الممكنة، وإنما يشجع على المناقشة. وكلما كان المشارك ضليعاً في التاريخ العسكري كلما كان بارعاً في استخدام تلك الوقائع التاريخية في دعم طروحاته عن طرق الحل الممكنة التي يقدمها.
ومن النتائج الطبيعية للمشاركة في هذه التمارين أنها تحفز على مناقشة طرق خوض القتال والعمل العسكري، وتشجع على دراسة التاريخ العسكري. ولا يعني ذلك أن معرفة طريقة زيد من الناس في القتال أثناء الهجوم على موقع ما عام 1944م سيكفل النجاح في الحروب الحديثة أو حروب المستقبل، وإنما يدرس القادة سِيَر القادة العسكريين العظماء لفهم أسس اتخاذ القرارات وعوامل النجاح في ضوء بيئة العمل العسكري الحالية.
إن الاستفادة من تجارب الآخرين أمر لا غبار عليه شريطة إدراك المرء للمخاطر الناجمة عن أخذ الأمور خارج إطارها، إذ يمكن فهم تصرفاتهم في مواقف معينة وتطبيقهم لمبادئ الحرب تحت ظروف بعينها، وبالتالي فإن ممارسة تمارين القرار التكتيكية مع أخذ الحيطة والحذر سوف يساعد في تعزيز الوعي المهني، وطرح الوقائع التاريخية للمناقشة سوف يثير بلا ريب جدلاً فكرياً.
ومن الطرق الأخرى للتشجيع على الدراسة تحديد موضوع للطلاب لبحثه وتطوير تمارين القرار التكتيكي بأنفسهم بناء على وقائع تاريخية محددة، وتزخر كتب التاريخ العسكري بالنماذج التي يمكن استخدامها لهذا الغرض.
ونظراً لأن تمارين القرار التكتيكي تتيح للقادة فرصة التدرب على الورق، فإنها ذات فعالية كبيرة، فالتمرين بهذه الطريقة أقل تكلفة من حيث الوقت والموارد والجهد المبذول، ولا يحد منه سوى قدرة المشارك على الإبداع والخيال. وبرغم بساطة التمارين، فإن سيناريوهات صنع القرار تعود بفوائد جمة على ضباط الصف والضباط على حد سواء طالما تم تصميمها لتناسب مستخدمها، ولكنها أكثر فاعلية في تدريب المرؤوسين لمستوى أو مستويين للأدنى، فهي تتيح للمرؤوس فرصة العمل في المواقف نفسها التي يعمل فيه رئيسه وما يكتنفها من اعتبارات تؤخذ في الحسبان. ويساعد ذلك في إسداء النصح للقادة الأدنى رتبة لزيادة تركيزهم داخل المنظمة.
وتعد تمارين القرار التكتيكي وسيلة لتهيئة القادة ذهنياً لمصاعب القتال، وفي حين أنها ليست مماثلة تماماً للمواقف القتالية، إلا أنها تمنحهم قدرة على ممارسة إصدار القرارات وتنفيذها تحت نوع من مواقف الضغط الذهني والبدني، وكما نستخدم التدريب البدني لإعداد الجسم لصدمات ومصاعب القتال، فإن الذهن يحتاج أيضاً إلى تهيئة.
صنع القرار
تتمثل طبيعة تمارين القرار التكتيكي كنوع من لعب الحرب في تعرض الفرد لمعضلة ما، ومن ثم يطلب من المشارك في اللعبة معالجة معلومات معينة للتوصل إلى طريقة من طرق الحل الممكنة، وتطوير الأوامر المطلوبة، لكي ينفذ المرؤوسون الخطة.ويشكل الوقت المتاح للمشارك نوعاً من الضغط عليه، وفي الحقيقة. إن الغرض من جعل الوقت المتاح قصيراً هو دفع المشارك للدخول في صلب الموضوع بسرعة واتخاذ الإجراء المطلوب، وينطبق ذلك أيضاً على شح المعلومات المتوفرة عن الموقف، مما يضاعف الضغط عليه، ولتطبيق ما يواجهه في القتال الفعلي من مواقف كضباب الحرب وضغوطها. وخلاصة القول إن تكييف الظروف كالوقت والمكان يضاعف من الضغوط.
ويتفق الباحثون بصفة عامة على تقسيم طرق صنع القرار إلى طريقتين هما: الطريقة التحليلية والطريقة الحدسية. وتتضمن الطريقة التحليلية لصنع القرار جمع المعلومات وتحليليها للتوصّل إلى طرق حل ممكنة ومقارنتها ثم اختيار أفضلها، وتقوم هذه الطريقة إلى حد كبير على التحليل المنطقي للموقف. ومن الأمثلة الحيّة على هذه الطريقة "عملية صنع القرار التكتيكي" المستخدمة في الجيش الأمريكي، وتكون الطريقة التحليلية أكثر فاعلية فيما لو توفرت معلومات دقيقة، وأهداف واضحة، وصانع قرار مقتدر. ويغلب على مراكز التدريب العسكري نهج الطريقة التحليلية.
أما الطريقة الحدسية لصنع القرار فتبني القرارات على الإدراك والخبرة، وتعرف بعدة مسميات منها "الطريقة الطبيعية لصنع القرار" وهو الاسم الذي يطلقه عليها بعض الباحثين ويعرفونها بأنها: "الطريقة التي يلجأ فيها الناس إلى خبراتهم لصنع القرارات في مواقف ميدانية". والطريقة الحدسية لصنع القرار ليست مجرد تحليل داخلي لصنع القرار، وتمارين القرار التكتيكي تمنح المشاركين فرصة صقل تجاربهم ليصبحوا صناع قرار بالحدس بصورة أفضل.
وقد خلص عديد من الدراسات العسكرية والعلمية إلى أن القادة في واقع الأمر يعولون في البيئة الميدانية على الحدس أكثر من اعتمادهم على إجراءات صنع القرارات التحليلية. وتوصلت جلّ الدراسات التي تناولت عملية صنع القرار إلى وجود خصائص مشتركة معينة بين الأفراد الذين يعتمدون على الحدس أكثر من اعتمادهم على الطريقة التحليلية لصنع القرار، ويؤثر الأفراد الذين تواجههم مشكلات شائكة ومواقف معقدة، وضيق في الوقت اللجوء للطريقة الحدسية لاتخاذ قراراتهم، وفي مثل هذه الظروف يميل صانعو القرار المتمرسين لتوظيف الطرق الحدسية أكثر من الطرق التحليلية.
ولا يشكل ضغط الوقت والمخاطر المحدقة سوى النذر اليسير من العموميات المرتبطة بصنع القرار بالحدس، وما ارتباط البيئة بصفة عامة بطريقة الحدس إلاّ وصف دقيق لما يمكن أن يواجهه القادة في القتال، فعندما يواجه شخص ما مثل هذه الأوضاع، فمن المنطقي أن يخلص إلى أن المحصلة النهائية سوف تكون إضعافاً لفاعلية صنع القرار، وليس بوسع القادة التغلّب على عدم اليقين والضغوط التي تشوب المواقف القتالية، ولكن الخبرة ستساعدهم على اتخاذ القرارات. وسوف تجد تلك الدراسات ضالتها في الجنود، وضباط الشرطة ورجال المطافئ وفنيي مهنة الطب. وتتوفر عديد من المراجع التي يمكن أن يطلع عليها الراغبون في تطبيق تمارين القرار التكتيكي في البيئة العسكرية، وتزخر هذه المراجع بفيض من المعلومات التي يمكن الاستعانة بها في تصميم التمارين المناسبة للأنواع المختلفة من التدريبات.
الربط الشبكي
إن الجهود المبذولة من أجل دمج الوسائط التكنولوجية في المذهب العسكري والتدريب العسكري سوف تفسح مجالاً أرحب لتمارين القرار التكتيكي. ويعد إنشاء موقع على شبكة الإنترنت مؤخراً للمشاة لتعزيز الاتصال بين الميدان ومراكز التدريب حافزاً قوياً على تبادل مثل هذه الأساليب التدريبية المفيدة. ويعتبر هذا الموقع من المواقع المهمة لتناول المواضيع العسكرية. ويتيح الربط الشبكي بمجلتي Infantry Magazinee و Infantry Forum فرصة لتبادل الآراء دون حواجز جغرافية، ووسيلة لتبادل الأفكار حول التكتيكات والأساليب والإجراءات مثل تمارين القرار التكتيكي.
ورغم أن استخدام التمارين كأداة للتدريب ليس جديداً، إلا أن بساطة الاستخدام وتبادل الآراء ومناقشتها هو ما تسعى المؤسسة العسكرية لتحقيقه، وتنشر مجلة Infantry Magazine تمريناً من تمارين القرار التكتيكي في كل عدد من أعدادها متضمناً الحلول التي يطرحها القراء.
وخلاصة القول، إن صنع القرار بطريقة فعالة يعد أمراً ضرورياً لنجاح العمليات العسكرية، وما المشاركة في تمارين القرار التكتيكي إلاّ وسيلة من وسائل تطوير المهارات اللازمة لتنفيذ القرارات وإصدارها بطريقة حكيمة. ويساهم ذلك في جعل القادة أكثر فاعلية في مواجهة المواقف التي يكتنفها الغموض والضغط الشديد. ولعل هذه المقالة تكون بادرة لتبادل أساليب تدريب القادة المساعدين على مهارات صنع القرار
المصدر: المنتدى العربي للدفاع والتسليح , الرائد- فرانك بريويستر (الجيش الأمريكي)
نشرت فى 9 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,884,533