تختلف الرؤى والنظريات حول أساليب العلاج التربوية والنفسية لأطفالنا وأبنائنا الذين قد يعانون من مشكلات مختلفة , ففي حين يرى بعض العلماء أن أساليب المواجهة والتعريف بالمشكلة وتبيين حجمها للطفل دافعا له في سبيل حل مشكلته , فإن آخرين يرون أن التهوين من شأن الأزمات التي يمر بها الطفل وتيسير أثرها هو دافع له في سبيل الحل , وقد انتشرت الطرق التقويمية للعلاج بالنصح المباشر والضبط الانفعالي والتقنين السلوكي والعقاب وغيره مما هو يصب في بوتقة واحدة هي التوجيه المباشر للفعل والمنع المباشر عن الخطأ عن طريق بعض الضغوط الكلامية والتوجيهية وقد يستعمل فيها العنف في بعض الأحيان , ونحن هنا نقدم أنموذجا آخر لعلاج مشكلات الأبناء بأسلوب أسماه المتخصصون بأسلوب " العلاج الملطف " ويمكننا نحن أن نسميه : أسلوب العلاج بالرفق .. ونحاول أن نعرض أهم محاور هذه الطريقة العلاجية فيما يلي : يتركز العمل بهذا الأسلوب في مجال التعامل مع المشكلات النفسية والسلوكية بين أصحاب المشكلات السلوكية كالأبناء المصابين بالعنف في سلوكهم مع الغير وإمراض النطق الناتجة عن الارتباك النفسي و وأمراض الانطواء والخجل المبالغ فيه , والخارجين من صدمات انفعالية أو من تعرضوا لمصائب حياتية , بل تتعدى إلى علاج المشكلات الكامنة مثل : الكذب عند الأطفال والأنانية وحب الامتلاك للأشياء والعجب وحب التميز وغيره..طريقة إسلامية: تعتبر طريقة العلاج الملطف هي طريقة قد اعتمدتها النظرية التربوية الإسلامية منذ قرون, بل لا نبالغ إذا قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع أسس هذه الطريقة العلاجية بوضوح تام وأصل أصولها وقعد قواعدها وبين طريقة تطبيقها , وهؤلاء العلماء التربويون الغربيون الذين يقدمون هذه الطريقة الجديدة لم يأتونا بما لا نعلم قبل 1426 عاما..فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق وأمر به ودعا إليه فقال في الصحيح: "ما كان الرفق في شىء إلا زانه وما منع عن شىء إلا شآنه" وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الرفق في أمره كله, وقال صلى الله عليه وسلم لعائشه كما في صحيح البخاري : ياعائشه إن الله لا يحب القول الغليظ , وقد جرب النبي صلى الله عليه وسلم تجربة تربوية ناجحة يحكيها لنا تابعه الصحابي الجليل أنس بن مالك الذي صار من أهم الشخصيات الإسلامية العالمية المؤثرة بعد ذلك, يقول أنس: " لقد خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين , فما قال لي عن شىء فعلته لم فعلت ذلك ولا عن شىء لم أفعله لم لم تفعل ذلك , ولم يعبس في وجهي قط".. فانظر ايها القارىء إلى ذلك التطبيق البديع وذلك الأثر الرائع الذي تركته تلك الطريقة التربوية المؤثرة في سواء شخصية أنس واستقامتها..طريقة منهجية مختلفة: بالرغم من بعض الاختلافات الرئيسية بين التعليم الملطف وأساليب العلاج السلوكي الأخرى، فإن هناك نقاط تماثل تجعل أوجه الشبه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف. فالتعليم الملطف ـ مثله في ذلك مثل العلاج السلوكي ـ يبدأ بتحديد المشكلة تحديدا نوعيا ويرسم أهدافا مسبقة للعلاج، ويستخدم كثيرا من الأساليب الشائعة في العلاج السلوكي كالتدعيم والتجاهل. ومن ثم فإننا نراه مكملا ـ وليس بديلا ـ عن العلاج السلوكي. لكن التعليم الملطف يختلف عن المناهج العلاجية السلوكية التقليدية في جوانب منها : 1ـ أنه يرفض استخدام العقاب تماما ويتجنب استخدام الأساليب التنفيرية في تعديل السلوك بما في ذلك كل أشكال العقاب كتكاليف الاستجابة والإبعاد المؤقت , والنظرية الإسلامية التربوية تثبت العقاب وتقبله لكن تضعه في أسلوب علاجي مختلف قد يلجأ إليه في حالات خاصة 2ـ يرفض عملية الضبط والتحكم كهدف من الأهداف العلاجية. ويبشر بأن أهداف العلاج يجب أن تكون متجهة لتكوين رابطة وجدانية بين المريض والمربي. 3ـ يتبنى فلسفة المشاركة والاقتناع بكل سلوك يقوم به الطفل ولا يجبره على شىء يفعله بل يترك له حرية الاختيار , ويكون ذلك بعد التوجيه العقلي والبيان الكامل للصواب والخطأبعبارة أخرى فعملية العلاج في ضوء هذا المنهج تتجه إلى تكوين صلات وجدانية قوية بالمريض، وتتبنى وجهة نظر تربوية نحو مشكلاته، وتركز على التبادل والأخذ والعطاء بين الطفل والمعالج خلال عملية العلاج. 4ـ يراعي العلاج الملطف الشعورية ويجعل لها موقعا قويا في أي خطة علاجية بما في ذلك التركيز على الحب والتقبل والتسامح والدفء وغيره. الفكرة التي يقوم عليها العلاج تقوم هذه الطريقة العلاجية على أساس اعتبار أن كل التفاعلات الإنسانية ـ ناجحة أو فاشلة ـ تعتمد أساسا على اتجاهاتنا ومعتقداتنا وأحكامنا الأخلاقية المتبادلة وجواذبنا الشعورية والوجدانية ومن ثم، فإن كنا نعتقد أن الطفل المشاغب ( مثلا ) هو شخص قد أفسدته التربية والتدليل، فإن تفاعلاتنا مع هذا الطفل ستتجه في الغالب الأعم إلى الحزم والعقاب وإملاء الأوامر، وقد يسهم أسلوبنا هذا بدوره في تكوين معتقدات وأحكام لديه يرانا بمقتضاها أننا لا نفهمه وأننا نتسلط عليه ولا نصغى لمشاعره، ولهذا فإن التفاعل الصحي ستبتره منذ البداية الأحكام والآراء المتبادلة للأشخاص موضوع هذا التفاعل. ويطلق أصحاب التعليم الملطف على هذه المجموعة من القيم الشخصية اسم الوضع القيمي أو الإطار المرجعي الشخصي الذي نسترشد به خلال عملية التفاعل، والذي من شأنه أن يحكم نشاطاتنا اليومية. والوضع القيمي شئ غير محدد بدقة. فهو كإطار مرجعي يتغير دوما بحسب ما نواجه من الشخص الذي نتفاعل معه. ومن ثم فهو يتعدل ويتغير عندما نواجه شخصا عدوانيا أو انسحابيا. ومن المهم الانتباه إلى الجهاز القيمي العاطفي لكل شخص خلال عملية التفاعل. هذا الانتباه كفيل بألا يجعل هدفنا هو التركيز على تعديل جانب محدد من السلوك الشاذ، أو القفز إلى استخدام الأساليب الفنية الجاهزة. إن معرفتنا بهذا للطفل صاحب المشكلة تساعدنا بادئ ذي بدء على إقامة إطار عمل يمكننا من خلاله تقدير نتائج التفاعل، ومدى استناده إلى المبدأ الرئيسي من مبادئ العلاج المتبادل بدلا من التركيز على الانصياع والطاعة والخضوع. الهدف الرئيسي من التعليم الملطف : إن الهدف الرئيسي من العلاج الملطف هو تكوين رابطة وجدانية قائمة على مساندة صاحب المشكلة ومن ثم يهدف إلى المعالج هنا إلى تطوير علاقة إيجابية بالطفل قبل الدخول في خطة العلاج. ونتيجة للرابطة الوجدانية التي تتكون تدريجيا مع الطفل، يتعلم الطفل ثلاثة أشياء هي :1ـ إن وجود المربي يرتبط لدى الطفل بالأمان والطمأنينة.2ـ إن كلماتنا وإيماءاتنا ( بما فيها اللمس، الابتسام، والعناق ) تعني الإثابة والمكافأة في ذاتها، وليس التحكم والرغبة في الضبط.3ـ إن مكافأة الطفل تأتي من إسهامه ( وليس من مجرد خضوعه ).وذلك سيجعل من الميسور علينا تحقيق تغيرات إيجابية في تفاعلاتنا مع الطفل. لا أن تكون خططنا قائمة على مجرد رد الفعل ودرء الخطر. فالمربي الذي استطاع أن يبني علاقة دافئة، سيكون بإمكانه التنبؤ بالسلوك ؛ قبل حدوثه، وسيكون بإمكانه الاستفادة من هذه الرابطة في أكثر المواقف خطرا وحرجا. لهذا نجد أن العلاج الملطف غالبا ما يحقق نجاحا كبيرا في مثل هذه الحالات بالذات. نصائح المتخصصين للمربين في هذا المجال :1ـ اجعل وجودك مدعما للطفل، وبعبارة أخرى، يحتاج الوالدان والمشرفون على تربية الطفل إلى أن يجعلوا حضورهم أو وجودهم مع الطفل مرتبطا بالدفء والرعاية والتقبل والاهتمام , ولا يشترط هنا الثواب والهدية , فالغثابة ليست من ضمن وسائل هذه الطريقة العلاجية.. بل لا تكاد تحتاج إليها 2ـ شجع الطفل على تبادل السلوك التحبيبي والوجداني , كالمصافحة الطويلة والابتسامه في الوجه مع النظرة في العين , والتسريب الوجداني لما يمكن أن يكوةن قد أغضبه أو التفريغ النفسي لمواقف سابقة قد مرت به أو غيره. وكل هذا هنا مرتبط بالنجاح في العلاقة الإيجابية والاتصال، وليس كمجرد استجابة لسلوك بصفة المعالج السلوكي بأنه سلوك جيد أو غير مرضي.3ـ أن تكون تفاعلاتنا مع الطفل طبيعية وغير مفتعلة , وناشئة عن قناعة وجدانية من الوالدين والمربين. 4ـ عندما يعزف الطفل عن الإسهام والتفاعل لأي سبب، يجب على المربين أن يخلقوا الظروف الملائمة التي تدفع الطفل إلى السلوك المطلوب ولا يدفعونه إليه دفعا باستخدام الأوامر والنواهي.
المصدر: http://almoslim.net/node/97319
نشرت فى 1 يونيو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,877,201