القرار في حقيقته، عبارة عن اختيار بين مجموعة بدائل مطروحة لحل مشكلة ما أو أزمة أو تسيير عمل معين . ولذلك فإننا في حياتنا العملية نكاد نتخذ يومياً مجموعة من القرارات بعضها نتنبه وندرسه والبعض الآخر يخرج عشوائياً من غير دراسة
.
الا ان عملية صنع القرار السياسي لاتاتي بصورة فجائية او طارئة او بصورة عبثية ، بل تأتي بشكل منظم ومدروس، لانها بالضرورة تحتاج الى تراكم خبرة ودراية وجهد مماثلين من الدراسة المعمقة لاوضاع معينة تدفع الجهة المعنية لاتخاذ القرار نحو ما تصبو اليه الحاجة
.
و تشكل القرارات التي تعمل على أساسها الدول بشكل عام , الروح الحركية والتفاعلية التي تنظم من خلالها مسيرة الحياة في الداخل ، اوفي علاقات تلك الدول مع العالم الخارجي ، ولذلك , فان خطورة وأهمية صناعة ذلك القرار تكون كبيرة لما قد يتسبب به من فوضى في حال لم يؤسس على قواعد علمية وعملية قوية , وهنا لابد من التأكيدعلى ضرورة الاعتناء بالقرارقبل اصداره ,لانه يمثل مكانة الدولة ومنزلتها، ويدلل على تحضر ورقي تلك الدولة , في تعاملاتها و علاقاتها مع بقية دول العالم , حيث ان هنالك ارتباط العديد من القرارات الداخلية بالعالم الخارجي
.
لذا فقد برز الاهتمام من قبل معظم دول العالم وحكوماتها بصناعة القرارات انطلاقا من تلك الأهمية البالغة .
ولذلك يكون القرار السياسي براينا هو المرآة العاكسة لفلسفة وايديولوجية واهداف النظام السياسي السائد من خلال طرح البدائل الموجودة في الدولة والعمل على المفاضلة بينها، ومن ثم اختيار افضلها حتى الوصول الى المرحلة التي يصبح فيها القرار قد بلغ مرحلة التطبيق الفعلي وفق احكام القانون الداخلي او احكام القانون الدولي .
فالارتباط الصميمي بين الفلسفة التي تتبناها الدولة وبين القرار يظهر واضحا للعيان من خلال القرار السياسي اومن خلال الاختيار الدقيق لحل المشكلة القائمة بالقرار .. فاتخاذ القرار هو بحد ذاته قرار .. والمفاضلة ما بين البدائل هو قرار والعمل على تطبيق القرار هو قرار ايضا
فالقرار اذن ومن وجهة نظر متواضعة هو اختيار مبني على توجهات مُحَدِّدة وفقا لطبيعة الترتيبات والإجراءات المزمع تنفيذها تحقيقا لهدف مقصود تتجه اليه الدولة وفق الاطار القانوني ووفق منظورها الفلسفي لتحققه من خلال ذلك القرار .
* تقسيم القرار السياسي :
يمكننا في هذا المقام تقسيم القرار السياسي الى نوعين :
اولا: القرار السياسي المتعلق بالوضع المحلي : وهو ماتتخذه الحكومات في داخل حدودها الدولية بما تتمتع به من حقوق كونها دولة ذات سيادة لها الحق في التصرف وفق القانون بما يحقق مصلحة المواطن والوطن دون ان يشاركها احد في عملية صنع القرار ودون ان يكون صدور القرار نتيجة ضغط داخلي او خارجي من جهات غير الحكومة.
ثانيا : القرارات الخارجية والمتعلقة بالسياسة الدولية وعلاقة الدولة بالدول الاقليمية ودول العالم, وهو الأخطر بكل تأكيد , لما يترتب عليه من ارتباط بالعالم الخارجي , وما قد تنعكس سلبياته على العملية السياسية في الداخل , فيقصد به تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد , ويبنى انطلاقا من جهات تبدأ من رئيس الحكومة , ووزير الخارجية , والأجهزة الحكومية الأخرى , والسلطة التشريعية , ووسائل الإعلام والرأي العام في ذلك .
* العوامل التي تؤثر في صنع القرار السياسي:
اولا : العوامل الداخلية:
هي مجمل الظروف القائمة في إطار الدولة أي النظام السياسي و الأحزاب و جماعات الضغط السياسي ، و من المعروف أن الأنظمة الديمقراطية التي تقبل الراي والراي الاخر فان صنع القرار فيها يشهد تقدما ملموسا على ارض الواقع والسبب في ذلك هو توسيع دائرة المشاركة للاحزاب والمنظمات والصحافة والراي العام عموما من خلال الكثير من الاجراءات التي تتخذها الدولة من اجل معرفة رد الفعل حول القرار .
وعلى العكس منه بالأنظمة غير الديمقراطية ، نجد ان مساحةالراي الاخر موجودة شكلا دون مضمون ان لم نقل منعدمة تماما عن المشاركة في الحياة السياسة مع وجود الدستور فيها والذي يعطيها الحق في طرح افكارها واقتراحاتها وارائها المؤيدة او المعارضة للنظام القائم ، الاانها تبقى نصوصا قانونية غير مفعلة في هذا المجال .
العوامل الخارجية :
وهي ظروف المجتمع الدولي بشكل عام بما يتضمنه من دول و منظمات دولية ، و قد كانت عملية تأثير الوضع الخارجي مع عملية صنع القرار السياسي في الداخل ليست بذات قيمة ، والسبب ان الوضع الداخلي لم يكن يؤثر او يتاثر بما موجود خارج النطاق الداخلي ، اما بعد التطورات العالمية ودخول الكثير من المسائل الداخلية في المنظور الدولي بحيث اصبحت معالجتها تتم وفق احكام القانون الدولي وليس القانون الداخلي كحقوق الانسان والبيئة والمناخ والنزاعات الداخلية وومدى توفر الديمقراطية في الحكم وغيرذلك من امور، أصبحت البيئة الخارجية تاخذ دورا هاما في التأثير على القرار و مدى تنفيذ ه و ظهرت هذه الأهمية في المرحلة المعاصرة نتيجة وجود معطيات جديدة منها:
اولا: و جود المنظمات الدولية ومنها منظمة الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني .
ثانيا : العلاقات القانونية بين الدول وفق القانون الدولي: فكثيرا مااخذت القرارات السياسية طابعا دوليا من خلال تاثرها وتاثيرها في العالم الخارجي نتيجة العلاقات الايجابية او السلبية بين الدول.
ثالثا : قيام التكتلات العسكرية الاقتصادية : وهذه التكتلات العسكرية نؤثر في صنع القرار داخل الدول الاعضاء في هذه التكتلات لما للقرار من اهمية في مسايرة اهداف ومناهج وافكارذلك التكل ، وبما يخدم مصلحته اولا واخيرا ، وينطبق هذا الكلام على جميع انواع التكلات ، العسكرية منها اوالاقتصادية على حد سواء، اذ إن مجمل هذه العناصر تترك تأثيرها الكبير في عملية صنع القرار السياسي ، و تظهر قوة تأثير هذه العناصر على القرار السياسي كلما ضعفت قوى الوضع الداخلي او ضعف اعتماد الدولة على إمكاناتها الداخلية و ازدياد اعتمادها على الموارد الخارجية التي تزيد من تأثير قوى الضغوط الخارجية عليها .
* عملية صنع القرار:
أول خطوة لصنع القرار تبدأ بـ "مشروع القرار" حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية بعد اقتراح من رئيس الوزراء او احد الوزراء بهذا المشروع او اي جهة رسمية اخرى غير الحكومة
وعادة ما يكون لرئيس الجمهورية دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.
اما في الدول ذات النظام البرلماني والتي لها رئيس جمهورية او ملك ، فبالإضافة إلى رئيس الحكومة ، يكون لرئيس الجمهورية او الملك دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات االسياسة فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه.
إن أهمية دور رئيس الحكومة في صنع القرار السياسي تستمد عادة من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.
وبالقدر الذي ترتبط به عملية صنع القرار السياسي بالأمن القومي للدولة، فأنها ترتبط ايضاً بالعملية السياسية الديمقراطية، الإطار الاساس في عملية صنع القرار واتخاذه تعود الى سلطة الدولة التي حدد لها المشرع اختصاصا فعليا وفق مواده لاتخاذ القرار ووتفعيل اليات تنفيذه بشكل قانوني ويمكن القول ان من يتخذ القرار يتحمل المسؤولية ومن يطبق القرار يتحمل المسؤولية ايضا .
فالدول التي نطلق عليها دولة القانون ونقصد بها الدولة التي تتقلص فيها الاخطاء وتنحصر فيها الفجوة بين الواقع العملي والنص القانوني بصورة كبيرة هي دولة تسعى الى تطبيق القانون بالقانون، ودولة القانون لها سياقاتها في عملية صنع القرار، وكذا الأمر بالنسبة للدولة التي تتقلص فيها مساحات العمل بالقانون ، أوالتي يضعف فيها الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ان يكون لاحدى هذه السلطات الدور الابرز في كيفية صناعة القرار فمثلا قد تسيطر السلطة التنفيذية على عملية صنع القرا حارمة السلطة التشريعة من هذا الحق ، او ان يكون للسلطة التشريعة دور غير فاعل في صنع القرار.او من خلال حرمان الهيئات السياسة الاخرى والفعالة في صنع القرار مع احقيتها القانونية في ذلك
وكلما مرت عملية صنع القرار بقنوات يتوازن فيها التشريعي والتنفيذي كمحصلة للتكافؤ في التخصص، وعدم التداخل في الأختصاص، كلما عكست حالة من الأستقرار والتعاطي في موضوع الديمقراطية في ظل توافق القوى تحت سقف يفترض أنه يمثل أو يعبر عن مدى تمثيل الشعب والاخذ بمعطيات جديدة ، وليس بمفهوم المكونات العرقية أوالأثنية، التي يتشكل منها المجتمع. وهنا فأن حيز الديمقراطية يتسع أويتقلص تبعاً لأتساع أوتقلص نفوذ السلطة التنفيذية للدولة في متوازية معروفة.
وتشارك في صنع القرار في النظام السياسي عدة دوائر منها الدوائر الرسمية التي تشكل بنية النظام القانونية ودوائر غير رسمية مثل ، الأحزاب المعارضة، المجتمع المدني وكذلك القوى الدولية، هذه الدوائر يستشيرها النظام السياسي من خلال هيئات استشارية تقوم بعملية الرصد والبحث والاستشراف تساعد في بلورة وبناء القرار المراد صنعه واتخاذه.
* مبدا المشروعية وعملية صنع القرار:
عملية صنع القرار ليست عملية سهلة او اعتيادية ، فهي وان كانت تختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي لكل دولة. إلا أنه على الرغم من هذا الاختلاف فإن هناك أصولاً مشتركة في صنع القرارا السياسي .
وموضوع صنع القرار السياسي للدولة، يحاط في اغلب الاحيان بالسرية ونوع من الغموض على اعتبار ان صنع القرار السياسي شان داخلي وامر لابد ان تنفرد به الدولة دون ان يكون لاي جهة خارجية ان تؤثر او تتعرف على الكيفية التي تم بموجبها صنع القرا ر
وعملية صنع القرار شانها شان صانعو القرار، يختلف حسب فلسفة وفكر وتوجه الدولة المعنية به وهذا التنوع في صنع القرار يضعنا امام حقيقة قانونية مفادها : ان الوضع القانوني والدستوري داخل مؤسسات الدولة قد يتناسب عكسيا مع القرار نفسه ، فاذا صدر القرار السياسي من الجهة المختصة وبموجب القانون ووفقا لمبدا المشروعية ، ونعني بالمشروعية هو الاتفاق المبدئي بين قرارات وقوانين الدولة مع احكام الدستور فان القرار السياسي سيخرج الى الضوء دون اعتراضات من جانب السطات التنفيذية او التشريعية لانه جاء مطابقا لمواد الدستور.
اما الحالة الثانية والتي تتحقق فيها العلاقة العكسية ،هي حالة القرار السياسي الصادر والمخالف لمبدأ المشروعية اي مخالف لاحكام ومبادئ الدستور، في هذه الحالة ستكون الفجوة بين الواقع والقانون فجوة عميقة تحاول الاعتراضات والانتقادات والمطالبات المختصة وغير المختصة بالرجوع الى احكام الدستور وسد الفجوة ، وقد لايكون القرار السياسي الصادر غير قانوني بحد ذاته بقدر ماتكون اليات او كيفية صنعه باطلة لمخالفتها نصا دستوريا واضحا ، فسواء كانت عمليات صنع القرار او اتخاذ القرار او تنفيذ القرار بصورة باطلة ترتب عليها اجرءات البطلان وانسحابها باثر رجعي الى الحالة التي كانت عليها قبل صدور القرار.
ان توخي صانع القرار تحقيق الهدف من القرار لايكفي من الناحية القانونية ، بل لابد من توافر شروط القرار السليم المبني على المبادئ القانونية ووفق احكام القانون ، فليست كل القرارات مطابقة للقانون ، ولايتوقف القرار السياسي على مدى مطابقته للقانون من عدمه ، كذلك يسري الحال على مجال تفعيل القرار ، فقد يصدر القرار السياسي من الناحية القانونية من دون عيب يشوبه ، الا ان الية تنفيذه تصطدم مع نص قانوني يعاد من خلالها القرار الى مرحلة صنع القرار مما يؤدي بالقرار الى اعادة صياغته وفق منظور قانوني سليم .
ان القرار السياسي ليس الا تطبيقا لفسلفة الدول بما يتفق مع سياستها الداخلية والخارجية ويحقق الهدف المطلوب من اتخاذه في تحقيق الصالح العام وفق اطار قانوني يسري عليه دون انحياز او مغالاة اوتفريط بالحقوق او اخلال بها
المصدر: بقلم:زياد عبدالوهاب النعيمي
نشرت فى 11 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,884,456