ان التركيبة الاقتصادية - الاجتماعية التي من خلالها يتم تطوير الانتاج وهذا التطور اساس في تطور المجتمع، وبلا شك هو مقدمة لتغيرات في العلاقات الانتاجية وقوى الانتاج تؤدي الى تكيف اجتماعي متواز مع هذه التغيرات ينعكس سلبا وايجابا على الفرد والمجتمع وبنظرة بسيطة الى تاريخ التطور الاجتماعي، يمكن ملاحظة ان ادوات الانتاج في كل مرحلة من مراحل التطور فرضت اسلوبا جديدا للحياة والمجتمع، يتم من خلاله تطوير خبرة الناس ومهاراتهم ومعرفتهم وقدراتهم وهو السبب الجذري للتطور الاجتماعي باسره.
(ان الانسان يواجه الطبيعة كواحدة من قواه وهو يحرك ذراعيه وقدميه ورأسه ويديه - القوى الطبيعية لجسده) لكي يمتلك منتجات الطبيعة في هيئة تتوافق مع احتياجاته، وهو بفعله هذا على العالم الخارجي وتغييره له يغير في الوقت نفسه طبيعته هو، انه يطور قواه الهاجعة ويجبرها على ان تعمل طوع ارادته).(ماركس - رأس المال - المجلد الاول - الجزء السابع - القسم الاول) وهو بهذا يحاول اشباع حاجاته من خلال الانتاج.
لذا تتجلى اهمية التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية في كونها تمنحنا الفهم الكامل لدراسة التاريخ باعتباره عملية مقننة لتطور الانسانية ومراحل تطور الوعي في المجتمع الانساني، على اساس حاجاته، وما تؤدي اليه من تغيرات بنيوية تفرض شكلا جديدا للحضارة والثقافة كبنى فوقية مما يجعل من العامل الاقتصادي واحدا من اهم المحركات في تاريخ التطور الانساني عموما منذ اول تأسيس اجتماعي، كذلك ينبغي التأكيد على ان العامل الاقتصادي في حالة استقراره يؤدي الى ثراء في الحياة الروحية والعكس صحيح فالامم التي تتمتع باقتصاد جيد ومستقر تكون قادرة على انتاج بنى ثقافية قادرة على التأثير بما حولها وتجعل الانسان اكثر عطاء، وتقلل من الاثار السلبية للظواهر الاجتماعية.. كالجريمة، والارهاب والسرقة والفساد المالي والاداري.. الخ، ومن اهم الظواهر التي تواجه المجتمعات هي :
اولا: ظاهرة الفقر
من التأثيرات الاقتصادية الهامة في المجتمع ظاهرة الفقر ويعرف علماء الاجتماع الفقر عن طريق تطبيق مفهومي الفقر المطلق والفقر النسبي ويرتبط مفهوم الفقر النسبي اساسا بفكرة العيش الكفاف اي الشروط الاساسية التي ينبغي توافرها ليظل المرء على قيد الحياة في وضع صحي معقول، وتتضمن هذه الشروط الغذاء الكافي والمأوى والكساء (علم الاجتماع - انتوني غوتز ص373) وعليه فان نوعية الحياة في البلد ترتبط ارتباطا وثيقا بدخل الفرد وكلما قل الدخل كلما ارتفعت نسبة الفقر ووجد الانسان نفسه امام صعوبة سد حاجاته وهذا ما يلجئه في كثير من الاحيان الى الشذوذ وامتهان الجريمة ليكون عامل تهديم بدل البناء وتخريب للحياة فالحرمان يولد لدى الناس الاحساس بالمظلومية والتي من شأنها ان تزيد من حدة التناقضات الاجتماعية وتؤثر في عملية التطور والنمو في المجتمع ويقف الافراد عن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
(ومن المستحيل رسم صورة تصف الفقراء نظرا لاختلاف الملامح والمتغيرات في وجه الفقر في مختلف المجتمعات) (علم الاجتماع.. المصدر نفسه ص382)، وبنائها وهذا ما يجعل لكل بلد خصوصية مختلفة عن الاخر. ان زيادة الفقر في اي بلد تعني زيادة الطبقات المهمشة اجتماعيا وهذا القياس اقتصادي بحت يؤشر خللاً اجتماعيا، يمكن في بعض الاحيان من خلق فوضى اجتماعية يكون الانسان ضحيتها والمجتمع، بشكل عام، مما يعكس التدهور الكبير في الجانب الانساني عموما يرتبط العامل الاقتصادي باهم ثالوث اجتماعي وهو الفقر والجهل والتخلف.
ثانيا: العمل واهميته اجتماعيا
ان العمل والحياة الاقتصادية تشكل مساحة واسعة من نشاط الاغلبية الساحقة من الناس وتعد من اكبر الاهتمامات لما للعمل من طابع القداسة، وفقدانه ذو تأثير نفسي كبير يؤدي بالكثير الى الهروب والنكوص ويجعل من الحياة عبئا لايطاق.
والعمل يسبغ على شخصية الفرد طابعا جديا وهوية اجتماعية واعتدادا بالنفس وهذا كثيرا ما يرتبط بالاسهام الاقتصادي في تلبية احتياجات الاسرة و(تمثل الطبيعة المعقدة المركبة لتقسيم العمل واحدة من السمات المميزة للاتساق الاقتصادي في المجتمعات الحديثة) (علم الاجتماع... ص44) وهذا متأت من التطور الحاصل في العلوم والثقافة، والذي فرض تقسيما للعمل. يعد التطور الكبير والهائل في وسائل الانتاج، دقع الى التخصص، وتطلب خبرة ومهارة عالية، فقد توزع العمل على اعداد كبيرة من المجالات والمهن. واصبح من الصعب القيام بجملة اعمال دون الاعتماد على الاخرين هذا التغير دفع الفرد الى الاعتماد على الجماعة في اشباع حاجاته وجعل الترابط المتعدد الابعاد في عملية الانتاج والتوزيع ضرورة لتعزيز التضامن والدخول في عملية عقد اجتماعي قيمي جديد. وفي العراق يعد العامل الاقتصادي احد المعوقات الاساسية في عملية التغيرات الحاصلة في عملية التحول السياسي والديمقراطي وتاثيره اصبح اكثر وضوحا بعد اتساع ظاهرة الفقر وازدياده، والتي استشرى الى جانبها ظاهرة جديدة لا تقل خطورة عن الفقر هي الفساد الاداري والمالي وازدياد اعداد المهمشين.
ثالثا: ظاهرة الفساد المالي والاداري والحقيقة التي لا يختلف عليها احد ان ما من مجتمع في الشرق والغرب يمكن تسميته بـ (الفاضل) بل ان كل المجتمعات تحتوي على قدر من الفساد والمفسدين، ولكن القضية في تحديد حجم الفساد ودائرته، وما يمكن ان يسببه من تعطيل يهدد مسيرة التنمية ومستقبل المجتمع، بعد ان تحول الى ظاهرة، اصبح معها محاربته قضية اجتماعية واخلاقية تهدد بانهيار قيمي اجتماعي، بالاضافة الى تهديدها جوهريا كيان الدولة وعلاقة الفرد والمجتمع، ومدى جدية القانون مما جعل التندر مجالا يؤشر خللا يرتبط بالسلوك الاجتماعي، وانحرافه يقتضي العمل على استئصاله واجتثاثه قضية ملحة لاعادة المؤسسة (الدولة، القانون) كمفاعيل في انتاج القيم، بالاضافة الى ما يؤدي اليه من اثار اقتصادية مدمرة، فالنهب للمال العام يولد مشاكل اقتصادية واجتماعية ليس من السهل التكهن بنتائجها، وهذا ما يصعد من التناقضات الاجتماعية الاساسية.
المعالجات
ولمعالجة ما يعانيه المجتمع العراقي (اقتصاديا - اجتماعيا) لابد من وضع معيارية يتم على اساسها العمل :
اولا: اعتماد مرجعية ومعايير يتم القياس عليها في معرفة الواقع الاقتصادي - الاجتماعي العراقي واين نحن من بلدان العالم الاول، الثاني، الثالث، الرابع... الخ لوضع برنامج يجري العمل على تجاوزه.
ثانيا: حاجز التقنية والتحديث لما له من تأثير كبير في عملية التطور الاقتصادي - الاجتماعي.
ثالثا: تحديث الهيكلية الصناعية والانتقال بها لخلق فرص عمل ونمو اقتصادي.
رابعا: العمل على التخلص من واحدية المورد والانتقال الى التصدير.
خامسا: في ضوء التحولات الاقتصادية الجديدة لابد من الاهتمام بشبكة الضمان الاجتماعي لايقاف التداعيات الناجمة عن هيكلة الاقتصاد والتحول الى اقتصاد السوق، وانعكاساتها الاجتماعية وخصوصا على الطبقات المسحوقة وعموم الكادحين.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.
المصدر: جريدة الصباح-10-6-2006
شهاب احمد الفضلي
نشرت فى 19 ديسمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,877,930