آليات مكافحة الفساد.

إن تعقد ظاهرة الفساد الإداري وإمكانية تغلغلها في كافة جوانب الحياة ونتيجة لآثارها السلبية على كافة مفاصل الحياة، فقد وضعت عدة آليات لمكافحة هذه الظاهرة ولعل من أهمها: ([1])

1- المحاسبة:

هي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم، أي أن يكون الموظفين الحكوميين مسؤولين أمام رؤسائهم (الذين هم في الغالب يشغلون قمة الهرم في المؤسسة أي الوزراء ومن هم في مراتبهم) الذين يكونون مسؤولين بدورهم أمام السلطة التشريعية التي تتولى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

2- المساءلة:

هي واجب المسؤولين عن الوظائف العامة، سواء كانوا منتخبين أو معينين، تقديم تقارير دورية عن نتائج أعمالهم ومدى نجاحهم في تنفيذها، وحق المواطنين في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال الإدارات العامة (أعمال النواب والوزراء والموظفين العموميين), حتى يتم التأكد من أن عمل هؤلاء يتفق مع القيم الديمقراطية ومع تعريف القانون لوظائفهم ومهامهم، وهو ما يشكل أساساً لاستمرار اكتسابهم للشرعية والدعم من الشعب.

وتعني المسائلة تقديم حساب عن تصرف ما لجهة تملك الحق في الرقابة على من قام بهذا الفعل والموظف يخضع لمسائلة مديره والسلطة التنفيذية تخضع لمسائلة السلطة التشريعية...وهكذا، والغرض من المسائلة الحد من الفساد واستخدام الموقع الوظيفي لأغراض شخصية. ([2])

3- الشفافية:

هي وضوح ما تقوم به المؤسسة ووضوح علاقتها مع الموظفين (المنتفعين من الخدمة أو مموليها ) وعلنية الإجراءات والغايات والأهداف، وهو ما ينطبق على أعمال الحكومة كما ينطبق على أعمال المؤسسات الأخرى غير الحكومية.

والشفافية مصطلح يعني الوضوح والصدق والعلنية في اتخاذ القرارات الإدارية أو المداولات العامة بحيث يعرف الشعب ما جرى وما يجري وما سيجري، فطالما أن الموظف العام وكيل الدولة وأمين على مرافقها العامة وساع لتحقيق الصالح العام فيتعيّن أن يعمل نهارًا جهارًا دون لف أو دوران أو إخفاء خطأ أو عيب، فإنفاق المال العام –على سبيل المثال يتم بالأوجه المتعلقة بالنفع العام فلا تحجب معلومة عن الصحافة أو المستفيدين من خدمات المرفق العام بحجة سرية غير مبررة. ([3])

 إن توفر الشفافية الإدارية يعتبر من أهم متطلبات  مكافحة الفساد الإداري وهو إحدى أهم الاستراتجيات الهامة التي تتبعها الدول لمكافحة الفساد بأشكاله المختلفة، فزيادة درجة الشفافية تساهم إلى حد بعيد في  زيادة درجة الثقة التي يمنحها المواطنون للأفراد العاملين في القطاع الحكومي. ([4])

إن أهمية  تفعيل الإدارة بالشفافية كمبدأ عام في إدارة الشؤون العامة، يساعد على خلق مناخ للإبداع  وهو بذلك  يعمل على ابعاد كل السلوكيات غير السوية داخل  مختلف التنظيمات الإدارية والسياسية، باعتبار  أن الأهداف  التنموية  الحالية في المجتمعات المعاصرة تعمل على  إيجاد آلية من اجل والقضاء على الفقر ورفع المستويات  المعيشية للشعوب وتحقيق الحكم الراشد والإدارة الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان والإصلاح الإداري، والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والابتكار التطويري والوقاية من الفساد, وأن ونجاح الإدارة في أداء وظائفها، أمور لا يمكن تحقيها إلا مع وجود مبدأ عام للشفافية والمشاركة في إدارة كافة الشؤون العامة في الدولة، في مختلف مؤسساتها عامة كانت أم خاصة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأزمات الحديثة تشهد تطورات في حقل الاتصالات والثورة التكنولوجية, وأن التنظيمات المنفتحة تقبل التغير النابع من ثقافة المجتمع.

4- النزاهة:

هي منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص والمهنية في العمل، وبالرغم من التقارب بين مفهومي الشفافية والنزاهة إلا أن الثاني يتصل بقيم أخلاقية معنوية بينما يتصل الأول بنظم وإجراءات عملية.

وان آليات المكافحة السابقة تشكل عناصر أساسية في إستراتيجية مكافحة الفساد الإداري وتمثل الإستراتيجية كافة الإجراءات التي تتخذ في المنظمة بهدف إحراز أداء أعلى، كذلك وتعتبر الإستراتيجية نشاطا مستمرا يأخذ بنظر الاعتبار القيم الإدارية والبيئية. لذلك فأن اغلب مؤسسات مكافحة الفساد الإداري تضع إستراتيجية معينة لمكافحة حالات الفساد الموجود وتبنى هذه الإستراتيجية على الشمولية والتكامل لمكافحة هذه الظاهرة.

وينبغي الإشارة إلى أن القضاء على الفساد الإداري يتطلب صحوة ثقافية تبين مخاطره السياسية والاقتصادية والاجتماعية (التي تم ذكرها مسبقا)، كما ينبغي توفر الإرادة الجادة والحقيقية من قبل القيادة السياسية لمحاربة الفساد الإداري حتى يكون ذلك على مستوى الدولة والمجتمع أو على الأقل بأن لا تصطدم توجهات مكافحة الفساد الإداري مع السلطة السياسية وان أي إستراتيجية لمحاربة الفساد تتطلب استخدام وسائل شاملة تدعمها الإرادة السابقة وعلى النحو التالي:

1- تبني نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ فصل السلطات، وسيادة القانون، من خلال خضوع الجميع للقانون واحترامه والمساواة أمامه وتنفيذ أحكامه من جميع الأطراف، نظام يقوم على الشفافية والمساءلة.

2- بناء جهاز قضائي مستقل وقوي ونزيه، وتحريره من كل المؤثرات التي يمكن أن تضعف عمله، والالتزام من قبل السلطة التنفيذية على احترام أحكامه.

3- تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع المستويات، كقانون الإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وقانون الكسب غير المشروع، وقانون حرية الوصول إلى المعلومات، وتشديد الأحكام المتعلقة بمكافحة الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة العامة في قانون العقوبات.

4- تطوير دور الرقابة والمساءلة للهيئات التشريعية من خلال الأدوات البرلمانية المختلفة في هذا المجال مثل الأسئلة الموجهة للوزراء وطرح المواضيع للنقاش العلني، وإجراءات التحقيق والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة.

5- تعزيز دور هيئات الرقابة العامة كمراقب الدولة أو دواوين الرقابة المالية والإدارية أو دواوين المظالم، التي تتابع حالات سوء الإدارة في مؤسسات الدولة والتعسف في استخدام السلطة، وعدم الالتزام المالي والإداري، وغياب الشفافية في الإجراءات المتعلقة بممارسة الوظيفة العامة.

6- التركيز على البعد الأخلاقي وبناء الإنسان في محاربة الفساد في قطاعات العمل العام والخاص وذلك من خلال التركيز على دعوة كل الأديان إلى محاربة الفساد بأشكاله المختلفة, وكذلك من خلال قوانين الخدمة المدنية أو الأنظمة والمواثيق المتعلقة بشرف ممارسة الوظيفة ( مدونات السلوك ).

7- إعطاء الحرية للصحافة وتمكينها من الوصول إلى المعلومات, ومنح الحصانة للصحفيين للقيام بدورهم في نشر المعلومات وعمل التحقيقات التي تكشف عن قضايا الفساد ومرتكبيها.

8- تنمية الدور الجماهيري في مكافحة الفساد من خلال برامج التوعية بهذه الآفة ومخاطرها وتكلفتها الباهظة على الوطن والمواطن، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد التعليمية والمثقفين في محاربة الفساد والقيام بدور التوعية القطاعية والجماهيرية.

وقد تم تحديد اتجاهين أساسيين لمكافحة الفساد الإداري هما: ([5])

الاتجاه الأول: العمل بالإصلاحات الإدارية والترتيبات الوقائية، ويشمل هذا التوجه استخدام كافة الطرق والأساليب الوقائية بهدف منع حدوث حالات الانحراف.

الاتجاه الثاني: مقاضاة المخالفين والضرب بيد من حديد على الرؤوس الفاسدة داخل الجهاز الإداري، ويشمل هذا التوجه استخدام كافة الطرق والأساليب العلاجية بهدف معالجة حالات الانحراف.

كذلك فان التوجهين السابقين لا يعتبر احدهما بديلا عن الآخر، لكن احدهما مكملا للآخر وباجتماعهما يكونان منظومة متكاملة يطلق عليها منظومة احتواء الفساد، هدفها الأساسي احتواء ظاهرة الفساد وتحجيمها ومن ثم القضاء عليها, وأن هذه المنظومة تعمل باتجاهين وكل اتجاه له خططه وسياساته التي تحول دون وقوع حالات الانحراف أو معالجتها.

 


([1]) الفساد بين الشفافية والاستبداد, ص 73, مازن زاير اللامي، الطبعة الأولى, مطبعة دانية، بغداد, العراق, 2007م.

([2]) الحوكمة: مفاهيم الأسس العلمية للمعرفة، ص 10, سامح فوزي، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية، القاهرة, مصر, 2004م.

([3]) التدابير القانونية لمكافحة الفساد, المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد, ص 10, عبد الحفيظ عبد القادر الشيخلي, مرجع سبق ذكره.

([4]) الشفافية والقيادة في الإدارة، ص 65, احمد فتحي أبو كريم، الطبعة الأولى, دار الحامد للنشر والتو زيع، عمان، 2009م.

([5]) الفساد في الحكومة, نادر أحمد أبو شيخة, المنظمة العربية للتنمية الإدارية, القاهرة, مصر, 1994م.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 1999 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,488

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters