د. سعد بن عبد الله البريك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
أهمية الموضوع:
- في اتباع الهدي النبوي كل التوفيق ، وتحقيق لما يطمح إليه الزوجان من سعادة { وإن تطيعوه تهتدوا} .
- كثرة الخلافات الزوجية التي ربما قادت إلى تدمير الأسرة.
- استقرار الأسرة من أهم الأمور وأخطرها لأنه يحفظ للمجتمع استقراره وللأمة قوتها ، فالأسرة المستقرة مصنعٌ للأجيال ، وفي انهيارها انهيار للمجتمع كله .
لا يخفى أن الهدي النبوي جزء من الرسالة المحمدية ، وفيه من الشمول والكمال والعصمة ما يجعل اتباعه حتم واجب قال تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
وفي موضوع العشرة الزوجية ، فإن التوجيهات النبوية تبدأ من الوقت الذي يبدأ فيه الرجل بالبحث عن الزوجة . فمن ذلك :
حسن اختيار الشريك ، سواء كان زوجاً أو زوجة ، وهذا أمر مهم جداً في توطيد السعادة بين الزوجين . ولذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى معيار كفيل بتحقيق ذلك وهو : الدين والخلق .
فعندما يبدأ الزوج بالبحث عن زوجة يأتي التوجيه النبوي لإرشاده إلى المواصفات المطلوبة في المرأة . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تُنْكَح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ". رواه البخاري .
ومع بُعْدِ الناس عن هذا الهدي النبوي في اختيار المرأة بات المعيار هو الوظيفة والراتب ، أو القبيلة ، أو الجمال أو المكانة الاجتماعية دون النظر إلى شرط التدين الذي علق النبي صلى الله عليه وسلم التوفيق عليه !!فوقعت كثير من المشاكل الأسرية .
وفي المقابل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم وليّ المرأة أن يُحسِنَ اختيار الرجل المناسب لموليته . قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". رواه الطبراني في الأوسط .
لكن المؤسف هو أن السؤال بات يتركز على وظيفة الزوج ومكانته الاجتماعية ولو كان مقصراً في دينه أو غير مرضي في أخلاقه .
ومن الهدي النبوي قبل الزواج : رؤية الخاطب لمخطوبته . وهذا من أسباب المودة بين الزوجين . قال النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه وقد خطبامرأة :"انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يُؤدَم بينكما". رواه الحاكم في المستدرك .
قال أبو هريرة مكثتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل من الأنصار، فأخبره أنه تزوّجامرأة من الأنصار، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب وينظر إليها.
والبعض إزاء هذا الأمر على طرفين:
فبعض الآباء يرى أن رؤية الخاطب لابنته أو موليته أمراً معيباً .
وفرّط آخرون ، فمكنوا الخاطب من الخلوة بالمخطوبة وربما تساهلوا إلى درجة السماح له بالخروج معها .
وكل ذلك قبل عقد النكاح ، مما أسفر عن محاذير وقع ضحيتهاالفتاة الضحية والأب المفرط.
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : عدم المغالاة في المهوروحفلات الزواج . قال صلى الله عليه وسلم : "خير الصداق أيسره".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان صداق النبي صلى اللهعليه وسلم لأزواجه اثنتي عشر أوقية.
وقال عمر بن الخطاب رضي اللهعنه :" ما نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ولا أنكح بناته، على أكثر مناثنتي عشر أوقية .
فالتوسط في المهر ، وعدم الإفراط في نفقات الزواج من أسباب السعادة الزوجية ، لأن الرجل الذي أُثقِل كاهلُه بجمع نفقات الزواج الباهظة ، أو تكبد ديوناً ينوء بثقلها زمناً طويلاً ، سوف يُحمَّل الزوجة ووليها مسؤولية ذلك إذا ساءت ظروفه ، أو سجن لعجزه عن السداد ، أو عند وقوع خلاف بسيط ربما يتحول مشكلة كبيرة إذا شعر الزوج أن المرأة لا تقدر تضحياته التي تحملها لأجلها .
أما إن تم الزواج، بمهر ميسَّر ونفقات معقولة ، فإن ما يراه الزوج من إحسان ولي زوجته إليه بتخفيف المهر وتقليل تكاليف الزواج ، يجعله ممتناً له ، محاولاً مكافأة ذلك بالإحسان إلى الزوجة .
ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : أن يؤدي كل طرف حقوق الطرف الآخر.
فلكل من الزوجين حقوق وعليه واجبات نذكرها باختصار لضيق المقام . فمن حقوق الزوجة :
1 - النفقة: فيجب على الرجل أن ينفق على زوجته من ماله وإن كانت ميسورة الحال ، فيوفر لها الطعام والشراب والمسكن والملبس المناسب حسب وسعه وطاقته ، بلا تقصير ولا إسراف ، قال تعالى{لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما أتاها}. وقال{وأسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}.
عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح - أي: لا تقل لها: قبحك الله -، ولا تهجر إلا في البيت".رواه أبو داود وابن حبان.
وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة على الزوجة والأبناء، فقال : "دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك ". رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : "إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها - أي: يبتغى بها وجه الله ورضاه - كانت له صدقة ". متفق عليه.
وللزوجة أن تأخذ من مال زوجها - من غير إذنه - ما يكفيها، إذا قصر في الإنفاق عليها وعلى أبنائها، شرط ألا تزيد عن حد الكفاية.
سألتْ هند بنت عتبة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه ، وهو لا يعلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". متفق عليه.
وإذا أنفقت المرأة من مال زوجها من غير إفساد ولا إسراف ، كتب لها صدقة عليه . عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقتْ ، ولزوجها أجره بما كسب. رواه مسلم.
2 – ومن حق الزوجة على زوجها : حسن العشرة . فيجب على الرجل أن يدخل السرور على أهله، وأن يسعد زوجته ويلاطفها، لتدوم المودة، ويستمر الوفاق. قال تعالى {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.
وقال صلى الله عليه وسلم :" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي " رواه الترمذي. فإن أحسن الرجل إلى زوجته أحسنت إليه، وجعلت حياته سعادة وهناء .
وقال صلى الله عليه وسلم :" الكلمة الطيبة صدقة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه : " فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك ؟ " رواه البخاري .
وكان عمر رضي الله عنه يقول : ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي - أي في الأنس والسهولة - فإن كان في القوم كان رجلاً.
كان أحدهم يقول لزوجته :
الصبا والجمال ملكُيديْكِ أي تاج أعز من تاجيكِ
نصب الحبُ عرشَهفسألنا من تراها له فدل عليكِ
قتل الورد نفسه حسداً منكِ وألقى دِماه في وجنتيكِ
والفراشات ولَّت الزهرلما حدثتها الأنسام عن شفتيكِ
رأى رجل زوجته بدون كحل فسألها : لم لَمْ تكتحلي؟ فقالت خشيت أن أشغل جزءاً من أجزاء عيني عن النظر إليك.
كن لزوجتك كما تحب أن تكونَ هي لك ، فإنها تحب منك كما تحب منها. قال تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف }. قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي .
شاركها وجدانياً فيما تحب أن تشاركك فيه ، زر أهلها وحافظ على علاقة المودة واحترام معهم .
والناس في موضع العشرة طرفان مذمومان :
منهم من لا تعرف الرحمةوالعطف إلى قلبه سبيلاً . قال صلى الله عليه وسلم : "استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه؛ فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج ". متفق عليه .
ومنهم من يفرط في التساهل والتسامح حتى ينفلت زمامالأمور من يده ويعجز عن ضبط شؤون البيت .
ومن حسن المعاشرة : مساعدة الرجل زوجته في الأعمال المنزلية ، وهذا هدي نبوي غفل عنه كثير من الناس ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يساعد أهله في المنزل . قالت عائشة رضي الله عنها :" كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله - يعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " . رواه البخاري.
ومن حسن المعاشرة : تبادل الهدايا ولو كانت رمزية قال صلى الله عليه وسلم : تهادوا تحابوا ".
ومنها : النزهة القصيرة للترويح ولو لوقت قصير لها أثر كبير في إحياء المودة بين الزوجين . فقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فسبقته لما كانت جارية ، ثم سبقها بعد ذلك وقال :" يا عائشة هذه بتلك".
ومن حسن المعاشرة : إفساح المجال للمرأة للتعبير عن رأيها: فالحياة الزوجية مشاركة بين الزوجين، وإذا أعطى الرجل زوجته الفرصة لتعبر عن رأيها فيما يدور داخل بيتها، فإن هذا يجعل الحياة بين الزوجين يسيرة وسعيدة .
ويحسن بالرجل أن يحترم رأي زوجته، ويقدره إذا كان صوابًا، وإن خالف رأيه. وقفت زوجة عمر رضي الله عنه لتراجعه في أمر ، فلما أنكر عليها ذلك، قالت: ولِمَ تنكر أن أراجعَك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجِعْنه. رواه البخاري.
3- ومن حقوق الزوجة : تحصينها وإعفافها عن الحرام .
4- ومن حقوق الزوجة : العدل سيما إذا كان للرجل أكثر من زوجة، قال تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الجور وتفضيل واحدة على الأخرى ، فقال : "من كانت له امرأتان، يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ". رواه الترمذي.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته، حتى إنه كان يقرع بينهن عند سفره. رواه البخاري .
ومن العدل بين الزوجات : العدل في الإنفاق على المأكل والمشرب، والملبس والمسكن ، والعدل في المبيت ، أما العدل في الجانب العاطفي، فأمر لا يملكه الإنسان، فقد يميل قلبه إلى إحدى زوجاته أكثر من ميله للأخرى، لكن هذا لا يبرر تفضيلها على غيرها في النفقة.
5- ومن حقوق الزوجة : المهر ، وقد سبق التنبيه على هذه المسألة.
حقوق الزوج:
1- القوامة : قال تعالى{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
فللرجل على المرأة حق القوامة، وعلى المرأة أن تستأذن زوجها في الخروج من بيته ، أو الإنفاق من ماله، أو نحو ذلك . لكن البعض قد يسيء استعمال القوامة ، فيمنع زوجته من الخروج، إذا كان لها عذر مقبول، كصلة الرحم أو قضاء بعض الحاجات الضرورية.
2 - ومن حقوق الزوج : الطاعة في المعروف . فإذا أمرها بمعصية ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المطيعة بالجنة فقال :" إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت ". رواه أحمد والطبراني.
3- ومن حقوق الزوج : عدم الامتناع منه إذا طلبها لحاجته. قال صلى الله عليه وسلم :" إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح ". رواه البخاري ومسلم .
وذلك درءًا للفتنة وإعفافاً له عن الوقوع في الحرام . قال صلى الله عليه وسلم : "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأتِ أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه ". رواه مسلم.
لكن لا طاعة للزوج في الجماع إذا كان ثمة مانع شرعي يحول دون تلبية رغبته كالحيض والنفاس وصيام رمضان ، أو نذر، أو قضاء ضاق وقته ، أو أن تكون مُحْرِمَة بحج أو عمرة، أو الجماع في الدبر .
4- ومن حق الزوج : التزين له. ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ألا يدخل أحدهم على زوجته فجأة عند عودته من السفر؛ حتى تتهيأ وتتزين له . عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يَطْرُقَ الرجل أهله ليلاً.متفق عليه.
ويحسن بالمرأة أن تَتَعَرَّف الزينة التي يحبها زوجها، فتتحلى بها، ويحسن بها أن تعرف ما لا يحبه فتتركه إرضاءً له.
5- ومن حق الزوج : أن تحافظ الزوجة على عرضه وماله:
فتصون عرضها عن الشبهات، وتحفظ مال زوجها فلا تبدده، ولا تنفقه في غير مصارفه الشرعية، فحسن التدبير نصف المعيشة.
وللزوجة أن تنفق من مال زوجها بإذنه كما مر معنا . عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها -غير مفسدة- كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب. رواه مسلم .
6- ومن حق الزوج على زوجته : الاعتراف بفضله. فالرجل يسعى ويكد لينفق على زوجته وأولاده، ويؤمن لهم حياة هادئة هانئة بعيداً عن ذل السؤال ، ويصونهم من كل مكروه وشر ، ومن تمام الشكر أن تعترف المرأة بفضل زوجها العظيم عليها ، والذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها ". رواه أبو داود والترمذي وابن حبان.
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم النساء أن يجْحَدْن فضل أزواجهن، فقال : " أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن قيل أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط".رواه البخاري .
7- ومن الحقوق الواجبة على المرأة : خدمة الزوج . وهذه المسألة وإن وقع فيها خلاف بين أهل العلم، إلا أن القولالصحيح، أنّ خدمة الزوجة لزوجها واجبة .
فأساس العلاقة بين الزوج وزوجته هي المساواة في الحقوقوالواجبات قال تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجالعليهن درجة}. فالآية تعطى المرأة من الحقوق مثل ما للرجل عليها.
والأساس الذي وضعه الإسلام للتعامل بين الزوجينهو أساس فطرى وطبيعي، فالرجل أقدر على العمل والكدح والكسبخارج المنزل، والمرأة أقدر على تدبير المنزل وتربية الأولاد وتيسير أسباب الراحةالمنزلية.
فيكلف الرجل ما هو مناسب له ، وتكلف المرأة ما هو من طبيعتها،
وبهذا ينتظم الأمر .
وقد جعل النبيصلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله عنها خدمة البيت، وجعل على عليّ رضي الله عنه العمل والكسب.
روى الشيخان أنفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها منالرخاء وتسأله خادماً. فقال:" ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما: إذاأخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين،فهو خير لكما من خادم".
وعن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما أنهاقالت:كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله وكان له فرس فكنت أسوسه وكنت أحش لهوأقوم عليه)
ففي هذين الحديثين ما يفيد بأن على المرأة أن تقومبخدمة بيتها ، كما أن على الرجل أن يقوم بالإنفاق عليها.
قال ابن القيم:هذا أمر لا ريب فيه، ولايصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية. فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدمزوجها، وجاءت الرسول صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة فلم يسمعشكايتها.أ . هـ .
وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأزواج أصحابه يتكلفن الطحين والخبزوالطبخ وأشباه ذلك.
ومع ذلك نجد من النساء منترهق زوجها، فتطالبه بخادمة مع قدرتها على خدمة المنزل مدفوعة بحب المباهاة أو التقليد الأعمى.
وهذا أحدأسباب المشاكل الأسرية ، لما فيه من زيادة الأعباء على الزوج ، خصوصاً إذا كانت حالته المادية محدودة ، كما أن الفراغ الذي تعيشه الزوجة نتيجة عدم عملها في المنزل سيدفعها إلى طلبات وأمور تثقل كاهل الزوج ، وتزيد من التصدع في أسس الأسرة .
وما يقال للزوجة، يقال للزوج ، فلا يجوز له أن يكلّفها فوقطاقتها بل يجب أن يراعي قدرتها وطاقتها على العمل ، وإن وجد أنها عاجزة عن الخدمة أخدَمَها إن كان مقتدراً.
ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : غض الطرف عمَّا يصدر من الطرف الآخر من أخطاء وتذكُّر محاسنه ، فإن هذا يغطي النقص ويجبره. قال صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك - أي لا يبغض - مؤمنٌ مؤمنة إن كرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر". رواه مسلم .
والنساء مثل الرجال في هذا .
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : ألا تصوم تطوعاً وهوحاضر إلا بإذنه.عن عائشة رضي الله عنها عن رسول صلى اللهعليه وسلم:"لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه". رواه مسلم .
فصيام التطوعقد يُفَوِّت على الزوج كمال الاستمتاع بزوجته ، فإن رضي بهفقد أسقط حقّه باختياره، وهذا إنما يكون في الصيام النافلة دون الواجب.
ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : المعاملة بالرفق . وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء بقوله:" رفقاً بالقوارير " رواه أحمد. وقال : " استوصوا بالنساء خيرا " رواه البخاري .
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة:" عليك بالرفق ، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ".رواه مسلم .
والرفق هو الأساس في حل المشكلات التي يمكن أن تحدث بين الزوجين .
فلا تكاد أسرة تسلم من مشكلة لسبب أو لآخر وهذا أمر متوقع ، فحتى البيت النبوي حصل فيه شيء من هذا ، وهذا من تمام التشريع ومن الحكمة في إرسال الرسل ، ولتعرف الأمة سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وهديه عندما تحدث مثل هذه المشكلات ، لتقتدي الأمة به وتتأسى بهديه.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهاتالمؤمنين بِصَحْفَةٍ فيها طعام ، فضربت التي كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة، فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة،ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: " غارَتْ أمُّكم"، ثم حبسالخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التيكُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت فيه .والقصة معروفة وهي عند البخاري .
فأعظم علاج للمشكلات الزوجية هو الأناة والحكمة ، وما لم يقم الزوجان أو احدهما بذلك فإن الأمر قد يتفاقم إلى ما لا تحمد عقباه.
ومما يعين على هذا : عدم نقل المشكلات خارج البيت ، لأن ذلك يوسع إطارها ويزيد اشتعالها ، خصوصاً إذا علم بها أهل الزوجين ، لأنهم قد لايدركون أبعاد المشكلة وأسبابها، وغالباً ما يسمعون وجهة نظر طرف واحد ، وهو خصم،والخصم لا يسمع كلامه إلا بحضور خصمه ، وقد تأخذهم الحمية أو التهور إلى إيقاد نار العداوة أكثر ، الأمر الذي يقضي على فرص علاج المشكلة.
- ومن الهدي المعصوم في العشرة الزوجية : استشارة ذوي العقول والسعي في الإصلاح عند استفحال المشكلة بين الزوجين . قال تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواحَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِاللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } .
فالحكمان من أهل الطرفين إن توفرت لديهما النية الصادقة للإصلاح والعزيمة على رأب الصدع ، مع الحكمة وبُعْدِ النظر من أسباب حل الخلافات الزوجية ، ولذا كان عمر رضي الله عنه يشنع على من الحكمين إذا فشلا في الإصلاح بين الزوجين ويقول لهما لو صلحت نيتكما لوفقتما في سعيكما مستشهداً بقوله تعالى { إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما} .
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية عدم إهانة الزوجة.قال صلى الله عليه وسلم :" ولا تضرب الوجه ولا تقبح ". رواه النسائي.
فبعض الرجال – باسم القوامة - يكيل الشتائم والإهانات لزوجته أو يضربها ، ثم يطالبها بأن تعاشره بالمعروف . عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّيُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ) رواه البخاري
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : عدم إفشاء السر. فيجب على كل واحد من الزوجين أن يكتم ما يراه من صاحبه، أو يسمعهمنه، وهذا أدب عام حثّ عليه الإسلام ، ورغب فيه وبخاصة ما يقع بين الزوجين ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها". رواه ابن أبي شيبة .
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : التناصح بين الزوجين . فللتناصح دور كبير في الحياة الزوجية للارتقاء بها نحو الأفضل وعلاج ما قد يحدث من مشكلات أو تقويم الأخطاء بأسلوب هادئ بعيداً عن العنف والتجريح .
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : التشاور بين الزوجين. فالتشاوروتداول الرأي بين الزوجين من الأمور المهمة ، خصوصاً فيما يتعلق بشئون البيت وتدبير أمر الأسرة، ومصالح الأولاد وحاجاتهم ، فليس من الحكمة أن يستبد الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة امرأته،بحجة أن استشارتها أو العمل برأيها قادح في رجولته ومنقص من قوامته.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سلمة غاضباً مما فعلأصحابه يوم الحديبية حيث أمرهم بالحلق والتحلل فكأنهم تحرجوا وتباطؤوا، فأشارت عليهأم سلمة أن يحلق هو حتى يحلقوا، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورتها، فما كانإلا أن بادروا إلى امتثال أمره عليه الصلاة والسلام.
وعلى الزوج أن يستمع إلى نقد زوجته بصدر رحب ، فقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن .
ومن الهدي النبوي صلى الله عليه وسلم في العشرة الزوجية : الصدق في المودة، وهذا مما لا تتم السعادة الزوجية إلا به ، فتحبب كلٌ من الزوجين إلى صاحبهوإظهار صدق المودة، وتراشق الكلمات الجميلة ، مما تستقيم به أحوالالزوجين . وقد كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته رضي الله عنهن .
والحياة الزوجية التي يُفقد من قاموسهاالكلمات الطيبة الجميلة، والعبارات الدافئة ، تصبح حياة أشبه ما تكون بسجن يتطلع نازله ساعة الفرج لمغادرته .
- ومن الهدي النوي في العشرة الزوجية : التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات كأن تمرض الزوجة أو تحمل فتحتاج إلى عناية حسيةومعنوية من الزوج ، أو يتضايق الزوج لسبب ما فيحتاج إلى عطف معنوي من الزوجة . فالتألملآلام الآخر له أكبر الأثر في بناء المودة بين الزوجين وجعلهما أكثر قرباً ومحبة لبعضهم . عن عائشة قالت رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وارأساه فقال :" بل أنا يا عائشة وارأساه ، ثم قال : والله ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ثم دفنتك ؟". قلت : لكأني بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعتَ إلى بيتي وأعرستَ فيه ببعض نسائك . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري والنسائي واللفظ له .
- ومن الهدي النبوي في العشرة الزوجية : الملاطفة والمداعبة. أخرج مسلم في حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثمتضحك . وأخرجه النسائي بلفظ آخر فقالت : أهوى النبيصلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة فقالوأنا صائم فقبلني .
وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم المرأة إلى نوع من ذلك فيمعاملة الرجل حين غضبه بقوله " قال إلا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة" ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :" كل ولود ودود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب أي زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى". رواه الطبراني في المعجم الصغير .
ومن ذلك : الاحتراموالتقدير المتبادل بينالزوجين . فإكرام المرأة وحسن معاشرتها دليل على كمال شخصية الرجل ونبله ، وإهانتها علامة علىالخسة واللوم . وكما قيل : ما أكرمهن إلا كريم وماأهانهن إلا لئيم .
والأجمل من هذا كله العذرالمتبادل كما قال أبو الدرداء لزوجه : إن أنا غضبت فرضني وإن أنت غضبتي فرضيتك و إلافلن نصطحب .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا.
وقال آخر:
وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع
ويجب الحذر من الإكثار من العتاب والملاحظة وكثرة التشكي والتبرم فإن هذا مُذهب للمودة منغص للسعادة :
إذا أردتِ صفاء العيش يا أملي فجنبي الصدر آثار الحزازات
نحي الخلافات عند دنيا محبتنا فالحب يذبل في أرض الخلافات
يا من تعاتبني والنفسعاشقة بلومها وهي لم تعلم بغاياتي
هل أصطفيك لنفسي إن بي شغفاً إلى اصطفائك يا أحلى ابتساماتي
وكيف لا أصطفي من يستريح لها قلبي ويسلم من تنغيص آهاتي
بعض الأحبة عبء في محبتهم وبعضهم خير عون في الملمات
- ومن الهدي النبوي : نداء الزوجة بأحب الأسماء إليها أو تصغيره من باب الترخيم ، والترخيم هو إنقاص حرف أو زيادة حرف ليقع الاسم موقعاً جميلاً فيقلب المرأة أو في قلب الزوج . فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول "يا عائش هذا جبريليقرؤك السلام " . رواه البخاري . وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لها : " يا حميراء".رواه النسائي .
0 | 0 |