د. علي الحمادي
إن عملية التأثير في الآخرين أمر متاح للجميع، ولكن لها مستلزمات ومتطلبات، ومن مستلزماتها أن يقتنع الإنسان أنه قادر على ذلك، وأن تكون رؤيته لنفسه ولمستقبله واضحة جلية لديه، وأن يتخذ قرارا حازمًا للوصول إليها، وأن يبدأ المشوار بجد واجتهاد، وقبل هذا وذاك أن يتوكل على الله ويستعين به.
إننا جميعا مدعوون إلى التسابق في هذا المضمار؛ إذ إنه مضمار خير ونفع للفرد والمجتمع، بل وللبشرية بأسرها، وصدق خالق السماوات والأرض إذ يقول: {سَابِقُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ والأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} (سورة الحديد: 21).
ويقول الله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام: {وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (سورة طه: 84).
ويقول الشاعر:
دعي نفسي التكاسل والتواني وإلا فاثبتي في ذا الهوانِ
فلم أرَ للكسالى الحظ يُعطَى سوى ندم وحرمان الأماني
منهج ابن اليمان
ويحسن بنا الإشارة إلى أهم العوائق التي تحول بين المرء وإحداث تأثير نافع فذ في هذه الحياة؛ وذلك للتحذير منها والتنبه إلى خطورتها، وكذلك إلى ضرورة التخلص منها ومعالجتها، متخذين في ذلك منهج الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان، الذي كان ممن يسأل عن الشر لا حبًّا فيه، وإنما رغبة في التحذير منه، حتى لا يقع هو فيه أو يُبتَلى فيه أحد أفراد أمته.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنُه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "انظر جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
ويقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
العوائق العشرون
أما بخصوص عوائق التأثير والعقبات التي يمكن أن تعترضه فهي كثيرة، ولكن أهمها عشرون، وهي:
1- عدم توفيق الله تعالى، ومن حُرِم توفيق الله تعالى فقد وُكل إلى نفسه، ومن وُكل إلى نفسه خاب وخسر.
2- التردد وعدم الحزم في اتخاذ القرارات اللازمة لصناعة التأثير.
3- الخوف من المجهول، أو من الآثار المتوقعة لصناعة التأثير.
4- عدم الاقتناع بأهمية وضرورة أن يكون الإنسان مؤثرًا وصانعًا للحياة.
5- ضعف الهمة وانعدام الطموح.
6- الخجل من مزاحمة المؤثرين أو المساعدين على التأثير، وعدم ولوج مجالسهم ومنتدياتهم، والابتعاد عن محاورتهم ومناقشتهم.
7- الشعور بالنقص والدونية.
8- الاستسلام للفشل، وانعدام نفسية التحدي، وعدم المثابرة حتى آخر رمق.
9- القناعة المزيفة التي تؤدي بصاحبها إلى الرضى بالدون.
10- مجالسة الكسالى والتأثر بهم.
11- عدم المحاولة والبعد عن التجريب.
12- التعود على الإمعية والتبعية وتربية الذات (أو الجيل) عليها.
13- القهر والاستبداد، وكتم أنفاس البشر، وعدم ترك المجال لهم للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم.
14- الجهل وعدم تطوير الذات؛ مما يحول دون فهم وإدراك مجالات التأثير وأدواته وفرصه، وأساليبه، وطرقه ووسائله.
15- اليأس والإحباط من الواقع الخاص أو العام.
16- انعدام الجدية، والتعامل مع الحياة بصورة مائعة هزلية.
17- الاهتمام بصغائر الأمور وإهمال عظائمها.
18- الاستعجال في قطف الثمرة، والتسرع في إصدار الأحكام على الأشخاص والقضايا، وعدم القدرة على استيعاب الأوضاع والتكيف مع المستجدات بشيء من التعقل والتروي والأناة.
19- التربية الخاطئة وضيق الصدر.
20- الحماقة وقلة العقل، وصدق من قال:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها