الدكتور هزوان الوز

يأخذ موضوع الإبداع والابتكار حيزاً هاماً وقدراً وافياً من الاهتمام لدى الدول، وتعتبره بعض حكومات البلدان المتقدمة من القضايا الهامة التي يجب أن تكون موضع بحثٍ مستمر، لأنَّ الإبداع والابتكار هما محركا الحضارة الإنسانية، ومولدا الطاقة الحركية لتقدم الأمم وتطورها.
يفرّق بعض العلماء والباحثين أمثال: "أربني" و"رللومامي" بين مستويين من الإبداع والابتكار، ويطلقون على النوع الأول: الإبداع العظيم، مثل إبداع "وليام شكسبير" و"فيكتور هوجو" و"لويس باستور" و"بيتهوفن" وغيرهم من العظماء، هذا الإبداع هو الذي يحقّق الإنجازات الكبيرة للحضارة الإنسانية على مر العصور في مجالات الأدب، أو الطب، أو الموسيقى، وغيرها، وهو الذي يؤدي إلى التقدم الاجتماعي والمعرفي والفكري.
أما النمط الثاني من الإبداع فهو الإبداع العادي الذي قد يكون موجوداً لدى أي إنسان عادي يحاول الابتعاد قليلاً عن الوضع القائم، ويحاول تحسينه، وتغييره للأفضل.
وسأركز في هذا المقال على الجانب الإداري والاقتصادي من عملية إدارة الإبداع والابتكار، حيث أصبحت المعرفة في وقتنا الراهن هي القاعدة الرئيسية لهما استجابةً وتفاعلاً مع الثورة المعلوماتية التي صاحبها الانفجار المعرفي في شتى المجالات: العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية... وغيرها، بما استوجب لإدارة المؤسسات أن تتفاعل وتستجيب لهذا الانفجار المعرفي، وأنْ تتماشى مع الثورة المعلوماتية وما فرضته من نُظم حديثة سريعة التغيير والتلاحق، فمدير المؤسسة أو المنظمة، لم يعدْ هو ذلك المدير المحلي القابع في عمله متمسكاً بأساليب تقليدية لم ولن تفلح مع تلك المتغيرات.
من هنا كان من اللازم أن يتّسم المدير بسمات القيادة المقنعة والمؤثرة، الفاعلة والمتفاعلة، الموجهة والمنسقة والمقيّمة للأمور، وأنْ يكون قائداً إدارياً ناجحاً ومؤثراً يلتف حوله الجميع تحقيقاً لمصلحة المؤسسة التي يديرها وأهدافها، حيث يأتي الابتكار كأحد أهم وأفضل المهارات القيادية للانطلاق بالمؤسسة نحو الأفضل، ونحو التميز والإبداع.
يتسم العصر الحالي بدخول معظم المؤسسات أو المنظمات في سباق للاتجاه نحو العولمة والعالمية والانفتاح على العالم في مختلف المجالات خاصةً مع اتساع دائرة المنافسة الدولية والتطور السريع في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ودخول المنظمات في علاقات تجارية ومالية واقتصادية وإدارة أعمال دولية، والتوسع الواسع للمنتجات، وبزوغ عصر الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي خرجت إلى العالم مستخدمةً ثمرات التقدم التقني في جعل العالم بأسره سوقاً لها، سواء أكان سوقاً للمنتجات تامة الصنع، أو مجالاً جديداً لتقسيم العمل بحيث يقوم على التخصص في اتباع جزء من أجزاء السلعة تاركةً الأجزاء الأخرى من العملية الإنتاجية لمناطق أخرى من العالم.
كل هذا يتطلب اتخاذ قرارات إدارية دقيقة، وأصبح من أساسيات الأداء الفعّال للقيادة الإدارية القدرة على التكيف والتواؤم مع البيئة المحيطة، وأيضاً البيئة الدولية حتى تتمكن من مواجهة هذه التحديات والمنافسة في السواق المحلية والأجنبية، ومواجهة السلع المستوردة، والمحافظة على حياة وبقاء مؤسساتها في ظل الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والثقافية وسوق العمل، وتتطلب طبيعة العصر وتحديات العولمة نوعيات جديدة من القيادة الإدارية عالية الكفاءة ورفيعة المستوى من النواحي الأكاديمية والمهنية والثقافية، نوعيات فعالة في عملية التغيير، قيادات قادرة على تعليم مهارة التفكير الإبداعي والابتكاري، ومهارات البحث والاستكشاف وإدارة الابتكار.
ومن الضروري أن تتبنى مؤسساتنا وشركاتنا سياسة التحسينات المستمرة على خدماتها، وجعلها ميزة تنافسية بالتركيز على عناصر إدارة المعرفة، بالإضافة إلى الوصول إلى أساليب وطرق علمية تساعد الشركات الخدمية من الاستفادة من إدارة المعرفة لتعزيز ميزاتها التنافسية المستدامة عن طريق تحسين الابتكارات التنظيمية، لأنَّ معظم الدراسات العلمية المتخصصة توصّلت إلى وجود تأثير إيجابي بين إدارة المعرفة والابتكارات.

 

تُشير إدارة المعرفة إلى الاستراتيجيات والتراكيب التي تُعظم الموارد الفكرية والمعلوماتية، من خلال قيامها بعمليات شفافة وتكنولوجية تتعلق بإيجاد وجمع ومشاركة وإعادة تجميع وإعادة استخدام المعرفة، بهدف إيجاد قيمة جديدة من خلال تحسين الكفاءة والفعالية الفردية والتعاون في عمل المعرفة لزيادة الابتكار، واتخاذ القرار، وتُعد إدارة المعرفة تلك العملية التنظيمية الهادفة إلى خلق قيمة تنظيمية ورأس مال بشري، ومعرفة جديدة وكفاءة متزايدة في مختلف المجالات داخل المؤسسات والمنظمات، وتتضمن ثلاثة مكونات رئيسة، تتمثل في:
• عمليات إدارة المعرفة: تشمل التقاط وتوليد الاحتياجات المعرفية، مع القيام بالمحافظة عليها، والمشاركة فيها، عن طريق تقنيات المعلومات والاتصال، واستخدامها بطريقة فعّالة بما يضمن تحقيق غايات المؤسسة أو المنظمة.
• تقنيات إدارة المعرفة: تختلف تقانة المعلومات عن تقانة المعرفة؛ ذلك أن تقانة المعلومات هي وسيلة لمعالجة المعرفة، أما تقانة المعرفة فهي حجر الزاوية لإدارة المعرفة، والتي تشمل التقانات المتطورة للمعرفة المستخدمة لتطبيق عمليات إدارة المعرفة، عن طريق فريق المعرفة لرفع إنتاجية المؤسسة أو المنظمة.
• فريق المعرفة: يشمل كلاً من صناع المعرفة ومديريها وإدارة معرفة الزبون، الذين يحملون على عاتقهم الحث على التطبيق الجيد للمعرفة، وإزالة كافة العوائق التي تقف في طريق وصول المعرفة إلى أفراد المؤسسة أو المنظمة.
يتعلق الإبداع باستكشاف فكرة جيدة ومتميزة، أما الابتكار فيتعلق بوضع تلك الفكرة موضع التنفيذ؛ أي أن الابتكار هو التطبيق الفعلي للأفكار المبدعة، والذي يُشير إلى الرغبة في التوصل إلى ما هو جديد، ويُضيف قيمة وأهمية أكبر للمؤسسة أو للمنظمة وأسرع من المنافسين في سوق أصبحت فيه المعرفة هي الأساس، وهذا يعني أن تكون المؤسسة أو المنظمة هي الأول في الفكرة، والأولى في المنتج، والأولى في السوق.
أما بالنسبة لما يُعرف بالابتكار التنظيمي، فيقصد به التوصل إلى مفاهيم جديدة قابلة للتحول إلى سياسات وتنظيمات، وطرق لتجسد الأفكار المبدعة في شكل منتجات، بإحداث تغيرات تقنية تُساهم في خلق منتجات وخدمات، تحتوي على إضافات جديدة تختلف عن باقي المنافسين، ويظهر الابتكار التنظيمي في ثلاثة أشكال هي:
الابتكار الإداري: يشمل كافة التغيرات في الهيكل التنظيمي وتصميم العمل وعمليات وسياسات واستراتيجيات المؤسسة أو المنظمة، والهدف وراء ذلك كله استغلال المعارف الجديدة حول الأسواق، والتمركز الجيد في السوق التنافسية.
الابتكار التقني: يشمل تطوير منتجات وخدمات المنظمة، أو إدخال تغيرات في التقنيات المستخدمة، أو تغيرات في أساليب الإنتاج، حيث تولد الابتكارات وتدعم من قبل فريق المعرفة الذين يملكون الخبرة لذلك.
الابتكار الإضافي: يُركّز على الاهتمام بالزبون بتقديم خدمات إضافية تجعله أكثر رضاً على المؤسسة أو المنظمة.
 لذلك فمن الضروري الاعتماد على إدارة المعرفة كاستراتيجية تنافسية، تنطلق من تثمين كفاءاتها ومواردها البشرية باعتبارها الرصيد الحقيقي الكفيل بتحقيق إدارة فعالة تهدف إلى تعزيز الميزة التنافسية المستدامة عن طريق تحسين الابتكارات التنظيمية.
لقد أثبت بعض الباحثين وجود علاقة تأثير متبادلة بين كل من المعرفة والابتكار، وإدارة المعرفة والابتكارات التنظيمية، حيث تظهر علاقة التأثير بين إدارة المعرفة والابتكارات التنظيمية من خلال الآتي:
- إن كل عنصر من عناصر إدارة المعرفة يؤثر سلباً أو إيجاباً في الابتكارات التنظيمية، وتؤدي في النهاية إلى أن تصبح الابتكارات معرفة بعد تطبيقها، وتصبح معرفة في قاعدة المعرفة بمؤسسة أو المنظمة، مما يستدعي تجديد العملية مرة أخرى للبحث عن ابتكارات جديدة.
- تلعب الابتكارات التنظيمية دوراً مهماً وفعالاً في تفعيل نشاطات إدارة المعرفة، حيث تركز الإدارة عليها في عملية توليد المعرفة بغية اتخاذ القرارات الإدارية الكفيلة بتوجيه اليد البشرية إلى استثمار المعرفة، وخزنها، وتوثيقها، واستعمالها كسلاح تنافسي، وتساعدها على امتلاك الوسائل التقنية الكفيلة بتلبية ما تريد المؤسسة أو المنظمة الوصول إليه لتساير التطورات التقنية، من خلال تلك التعديلات الهيكلية التي تعمل على توجيه نظم العمل المعرفي، وفرق المعرفة إلى تطبيق السياسة الجديدة للمؤسسة أو للمنظمة.



المصدر : الباحثون العدد 42 كانون الأول 2010
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 3500 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,754,483

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters