هدى سيد
أيام وتطل علينا امتحانات نهاية العام، وما إن نسمع هذه الكلمة حتى ترافقها كلمات أخرى كثيرة، مثل القلق والتوتر والخوف، بل يصل الأمر إلى إعلان حالة الطوارئ، كما نسمع في كثير من البيوت، ويتغير نمط الحياة الاعتيادي، ويصل الحال إلى إلغاء الكثير من الأمور الحياتية، التي اعتاد عليها البيت، كالترفيه أو الخروج والتنزه أو حتى متابعة التلفاز, مما جعل هذه الأيام تبدو كأنها شبح مخيف هجم على الأسرة ليحول الحياة فيها إلى حالة من الفزع والرعب الذي لا ينتهي إلاّ بانتهاء هذه الأيام، ومن ثم يتنفس الجميع بعدها الصُّعَداء لمدة، ثم يدخلون مرة أخرى في دوامة انتظار النتائج.
لماذا كل هذا القلق الذي تعيشه الأسر في هذا التوقيت من كل عام بسبب الامتحانات؟ وما أثر ذلك على أبنائنا من الناحية النفسية والتربوية والصحية؟ هذا ما نوضحه في التحقيق التالي..
طلب العلم
عن أهمية طلب العلم وقيمته في حياة الإنسان يقول د. طلعت عفيفي -عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر-: إن المرء إذا لم يتعلم في صغره بكى طول عمره، ولابد أن يقطع الإنسان شوطًا طويلاً في طلب العلم. وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: "مع المحبرة إلى المقبرة"، وعندما سُئل سيدنا عبد الله بن عباس عن سر دأبه في تحصيل العلم قال: إنه يحصله في بكور كبكور الغراب، وحرص الثعلب, وصبر الجمال.
ومن آداب طلب العلم أن يكون الطالب ذا همة عالية؛ فلا يرضى من العلم باليسير مع إمكان تحصيل الكثير، وعليه ألاّ يسوّف ولا يؤخّر تحصيل فائدة، طالما تمكن منها، فلا يؤخر تحصيلها لما في التسويف من آفات، ولإمكان تحصيل غيرها في الزمن الثاني الذي يؤجل فيه.
ويضيف الدكتور: إن العلم يجتمع جزءًا جزءًا؛ كالسيل الذي يجتمع من نقاط المطر، فلا يترك الطالب وقتًا من الأوقات إلاّ ويتعلم فيه فائدة. والعلم لا يأتي بمجرد الأمنية، بل لابد من بذل الجهد، وإتقان العمل، والأخذ بأسباب النجاح، وحسن التوكل على الله عز وجل، وعلى الطالب أن ينقِّيَ قلبه من الذنوب، وفكره من العيوب، وينصرف عن الأشياء التي تعيقه عن تحصيل العلم، حتى يتحقق له النجاح والفلاح. وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: لا ينال العلمَ إلا فتًى خالٍ من الأفكار والشغل.
عقيدة عملية
توجّه الداعية سمية مشهور، بعض النصائح لأبنائنا الطلاب، حتى تمرّ عليهم أيام الامتحانات بهدوء وسلام، فتقول: حث الإسلام على طلب العلم، وجعله فريضة على كل مسلم، وأجزل الثواب لمن يطلب العلم كما ثبت في الحديث الشريف: «وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء».
والعلم المطلوب هو العلم الديني الذي يعرف به المسلم شؤون دينه، ويتقرب به إلى ربه عز وجل، والعلم الدنيوي الذي به ترتقي الحياة، ويكف المرء به نفسه عن السؤال، وبه يصل الإنسان إلى التقدم والرقي الذي من شأنه استمرار الحياة وازدهارها. وطلب العلم هنا يجب ألاّ يكون لتحصيل مغنم دنيوي فقط، بل لابد أن تصاحبه النية الصالحة والإخلاص لله تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» [الأنعام:162]، فالتعلم شيء ضروري في الحياة، وبدونه يظل الإنسان يسبح في بحار الجهل والتأخر، فلا يتقدم ولا ترتقي به الأمة، ولكن من المؤسف أن ما يحدث الآن أن جعلت الأسرة كل همها منصبًا في تحصيل الأبناء أعلى الدرجات، ودخول كلية "قمة"، ثم العمل في "وظيفة كبيرة"، مما انعكس أثر هذا القلق والضغط على الأبناء، وتحصيلهم بشكل خاص، وعلى الأسرة والمجتمع بشكل عام.
وأضافت: على الأسرة أن تعلم أبناءها ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وما يسعدهم في أخراهم، وعليها أن تنشئهم على حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، وأن تستفيد من فترة الامتحانات في بث وغرس العقيدة العملية في نفوسهم، من أهمية الحفاظ على الصلوات في وقتها بالمسجد، وحسن التوكل على الله عز وجل، والأخذ بالأسباب، والاستعانة بالله -عز وجل- في كل شيء، وفوق ذلك مراقبة وتقوى الله سبحانه وتعالى في كل أمر، قال تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).[الطلاق:2-3]، وأشارت إلى أهمية ابتعاد أبنائنا عن الذنوب والمعاصي؛ حتى يمنّ الله عليهم بالتذكر وعدم النسيان، وقد كان الإمام الشافعي يقول:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي
فأرشدني إلى تركِ المعاصي
وأخبرني بأن العلمَ نورٌ
ونورُ اللهِ لا يُهدى لعاصي.
إن على الطالب -وغيره- إذا صعب عليه شيء أن يقول، ما علّمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه-: «اللهم لا سهل إلاّ ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً».
وثمة أمر يقتضيه المقام، وهو أنه قد انتشر بين الطلاب، ترديد بعض الأدعية قبل وأثناء وبعد المذاكرة، وعند استلام ورقة الامتحان، مثل ( اللهم إني أسالك فهم النبيين..الخ) و(اللهم إني أستودعك ما حفظت..الخ) و( يا حي يا قيوم.. الخ).
ونقول: الدعاء بالتوفيق والحفظ والتثبيت، مستحبّ على كل حال، وخاصة في مثل هذه المواطن، سواء بهذه الأدعية أو غيرها، لكن المحظور شرعًا، هو تعيين أدعية -خاصة بهذه المناسبة أو غيرها- لم ترد في السنة، والالتزام بنصوص هذه الأدعية، وتعميمها بين الطلاب، كما لو كانت آثارًا رُويت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ إن تعيين دعاء مخصوص لوقت أو حال مخصوص، يحتاج إلى دليل، وليس ثمَّ، فعلى الطالب أن يدعوَ بما فتح الله عليه به، ولا يتقيد بالتزام نص معين، إلاّ ما ورد به النقل عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. كما في الحديث السابق: « اللهم لا سهل إلاّ ما جعلته سهلاً..»
الامتحانات والاكتئاب
يوضح د. حمدي محمد يس -أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس- أن الطالب عليه أن يستعد للامتحانات منذ بداية العام الدراسي، ولا يؤجل المذاكرة إلى ما قبل الامتحانات بشهر، كي لا يقع فريسة للضغط والاكتئاب، وليس من الصحة في شيء أن تطغى على البيت في فترة الامتحان هذه الحالة من القلق والتوتر، بل لابد من التهيئة النفسية الجيدة للأبناء؛ حتى تمر هذه الأيام بشكل طبيعي. وأشار إلى أن أهم ما يحتاجه الأبناء طوال عمرهم وفى فترات الامتحان بشكل خاص، هو الحب غير المشروط، واعتبار فترة الامتحانات فرصة تربوية لاستدراك النقص أو الوسائل السلبية في تربية الأبناء، وكذلك في العلاقة بينهم وبين الآباء.
المذاكرة والغذاء
أكدت دراسة في مؤتمر البيولوجيا التجريبية الذي انعقد في سان دييجو مؤخرًا ونُشر بوكالة قدس برس، أن الأطعمة الغنية بالزنك تساعد في تحسين الأداء الأكاديمي للأطفال والمراهقين في المدرسة، وتزيد من استيعابهم وقدرتهم على التحصيل العلمي.
وعن أهمية الزنك والأطعمة الغنية به يقول د. فوزي الشوبكي -أستاذ التغذية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة-: إن أفضل مصادر الحديد والزنك هي المواد الغذائية العشبية، مثل أبخرة المهدئات والمحار ومعجون القمح والحبوب وفول الصويا واليقطين، أو القرع العسلي وكافة أنواع الحبوب والأسماك واللحوم، وبذور ونخالة القمح الغنية بالزنك.
والزنك متوفر أيضًا في البقول كالفاصوليا والفول والعدس والبسلة والخبز الأسمر الغني بالردة، وفى الحبوب واللبن والبيض وشوربة الخضار. هذا مع ملاحظة أن الأطعمة المجمدة تفقد نسبة كبيرة من الزنك الموجود بها.
ويقول د. حمدي عبد الله -خبير التغذية-: يفضل في وجبة الإفطار أن تكون من الألبان ومنتجاتها، والعسل أو المربى كمصدر للطاقة، وثمرات طازجة من الفاكهة، ووجبة الغذاء يجب أن تحتوي على البروتينات في اللحوم أو الدواجن والفيتامينات في الخضروات الطازجة.
وأضاف: من الأطعمة التي تنشّط الذاكرة وتقوى التركيز، الفواكه الطازجة عمومًا والعصائر والخضروات، والتي تحوي الكثير من الفيتامينات. ويجب عدم الإكثار من المنبهات أثناء المذاكرة، بحجة زيادة التركيز والمساعدة على السهر، وهذا من أخطر ما يصيب الطالب؛ لأن المنبهات تؤثر على المخ، وتجبره على العمل فترة أطول من الطبيعية بالنسبة له، فيقلّ التحصيل ويكثر النسيان، كما يزيد التوتر والقلق.