مجالات التجارة الإلكترونية وإمكانية استفادة الدول الإسلامية منها:
أدى التقدم السريع لتقنية المعلومات وانتشار استخدام الإنترنت الواسع على نطاق دول العالم، إلى تحويل كثير من الأنماط التقليدية للتجارة والأعمال وغيرها من الأنشطة الاقتصادية إلى أنماط إلكترونية عبر شبكة الإنترنت. وتقدم الإنترنت فرصا متعددة للدول الإسلامية لتطبيق التجارة الإلكترونية في العديد من القطاعات التجارية والاقتصادية سواء على المستوى المحلي أو فيما بينها وبين العالم الخارجي. وسنتناول في هذا القسم بعضا من هذه المجالات في الدول الإسلامية والمتاحة للاستفادة من تطبيقات التجارة الإلكترونية.
تقدم تقنية الإنترنت مجالا واسعا وواعدا لقطاع الخدمات التمويلية والمصرفية في البلدان الإسلامية، حيث لعبت هذه التقنية دورا جوهريا في البلدان المتقدمة في إعادة هيكلة مستقبل القطاعات البنكية فيها(). وبالرغم من أن القطاعات المصرفية في الدول الإسلامية بعامة هي أكثر القطاعات استخداما للتكنولوجيا وتقنية المعلومات إلا أن انتشار الإنترنت وما تتيحه من فرص وإمكانيات غير مسبوقة، يفتح المجال أمامها لمواكبة هذه الثورة المعلوماتية والاستفادة من الفرص المتاحة في تطوير خدماتها المصرفية وتعزيز قدراتها التنافسية وفتح قنوات جديدة للعبور إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
وقد أصبح توظيف تكنولوجيا الإنترنت في الخدمات المصرفية ضرورة ملحة ينبغي على كافة الدول الإسلامية العمل على إعداد وتطوير الاستراتيجيات الملائمة التي تمكنها من تطبيقها والتأقلم مع المتغيرات المصرفية العالمية والاستفادة منها بما يحقق مصالحها. ومن أبرز مزايا الصيرفة الإلكترونية تقديم الخدمات المصرفية مثل إدارة الحسابات الشخصية وغيرها من الخدمات إلى العملاء بدلا من ذهابهم إلى المصارف وفق الطريقة التقليدية. إضافة إلى تمكين المصارف من اجتذاب عملاء جدد نتيجة لسهولة الوصول وسرعة التعامل مع المصارف في مواقعها على الإنترنت، وزيادة الكفاءة وانخفاض التكاليف الإدارية من خلال توفير الخدمات على مدار الساعة، وكذلك الاستغناء عن إنشاء فروع إضافية للمصرف أو تحويل بعض الفروع القائمة إلى فروع إلكترونية بدون موظفين(). كما تتيح الإنترنت للمصارف في البلدان الإسلامية فرصة للانتشار ووسيلة لتسويق خدماتها المصرفية والتمويلية للأفراد والمؤسسات محليا ودوليا، إذ أنها تملك إمكانات وقدرات تؤهلها لتحقيق مزايا تنافسية في مجالات لا تقدمها بنوك أخرى مثل الصيرفة الإسلامية. وعلى مستوى التعامل بين الدول الإسلامية، توفر الصيرفة الإلكترونية فرصة تطوير العلاقات التجارية فيما بينها، وتوحيد شبكة معلومات المصارف مما يسهل عملية ربط حسابات ومعلومات الشركات التجارية والأفراد الذين يتعاملون في هذه الدول.
ومن ناحية أخري، يسهم تبني المصارف التقليدية في البلدان الإسلامية للأعمال الإلكترونية في إنجاح التجارة الإلكترونية، حيث إنها تلعب دور الوسيط بين البائعين والمشترين لتسهيل وإنجاز العمليات الإلكترونية والوفاء بالالتزامات الناشئة عن التعاقدات الإلكترونية. فالمصارف هي جهات موثوق بها في التعاملات المالية مما يزيد من ثقة المتعاملين، وبالتالي زيادة حجم المعاملات المصرفية وعوائد المصارف().
يعد قطاع التجارة الخارجية أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا بتقنية المعلومات والاتصالات (ICT) والتجارة الإلكترونية (E-Commerce). تؤدي تطبيقات التجارة الإلكترونية في قطاع الصادرات إلى زيادة حجم التجارة وتعزيز القدرة التنافسية للدولة في الأسواق الدولية، وذلك نظرا لسهولة الوصول إلى مصادر الطلب في أي مكان في العالم، وسرعة إتمام الصفقات عبر الحدود الجغرافية والجمركية. كما أن التجارة الإلكترونية لها تأثير جوهري خصوصا على قطاع الصادرات الخدمية (الصادرات غير المنظورة) التي يمكن تحويلها إلى منتجات رقمية (Digital Products) وإتمام عملية بيعها وتسليمها عبر شبكة الإنترنت().
وفي هذا المجال بإمكان البلدان الإسلامية الإفادة من تطبيقات التجارة الإلكترونية لدعم تجارتها الخارجية وتعزيز مكانتها ومقدرتها التنافسية في الأسواق الدولية. ويمتلك العالم الإسلامي من المقومات والعوامل التي تؤهله أن يكون له نصيب من التجارة الدولية. فمن ناحية المقومات البشرية والثقل السكاني فهو يمتلك ما يعادل أكثر من خمس سكان العالم، وأكثر من ربع سكان العالم النامي. وجغرافيا يمتلك مساحات شاسعة تعادل سدس مساحة العالم، تمتد فوق أربع قارات من ألبانيا في أوربا شمالا إلى موزنبيق في أفريقيا جنوبا، وغربا من قيانا في أمريكا اللاتينية إلى أندونيسيا في آسيا شرقا().
وبالرغم من امتلاك الدول الإسلامية هذه المقومات إلا أن حجم صادراتها لا يزال متدنيا مقارنة ببعض الدول الأخرى. كما أن صادراتها تتركز غالبا في الصادرات السلعية وتحديدا المواد الأساس مثل المنتجات الزراعية والنفط الخام والمنتجات النفطية. وهذا يتطلب من هذه الدول العمل على تنويع هيكل صادراتها وتبني برامج دعم قطاعات التصدير والإفادة من التجارة الإلكترونية في تسويق منتجاتها في الأسواق الدولية. أما فيما يتعلق بصادراتها الخدمية فهي لا تزال دون المأمول مقارنة ببعض الدول، فكما تشير البيانات في جدول 11 تحتل دول إسلامية مثل تركيا وماليزيا ومصر واندونيسيا مراتب متأخرة ( ما بين مرتبة 26 إلى 40) في التصنيف الدولي للصادرات الخدمية على مستوى العالم، حيث لم تمثل نسب صادراتهم الخدمية من إجمالي صادرات العالم سوى (1.1) ، (0.7) ، (0.6) ، (0.4) على التوالي. بينما دولا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والهند وتايلاند تتقدم عليها في حجم صادراتها الخدمية. وهذا الأمر يوضح مدى تأخر الدول الإسلامية في هذا المجال مما يتطلب ضرورة الاهتمام بقطاعات الصادرات الخدمية والاستفادة من قنوات التجارة الإلكترونية في الوصول إلى الأسواق الدولية.
جدول: ترتيب دول اسلامية مختارة بحسب صادرات الخدمات مقارنة مع دول اخرى 2004م ().
الدولة |
الترتيب |
% من صادرات العالم |
معدل النمو |
كوريا الجنوبية |
17 |
1.7 |
16 |
سنغافورة |
18 |
1.7 |
3 |
الهند |
21 |
1.4 |
7 |
تايلاند |
23 |
1.3 |
7 |
دول إسلامية مختارة |
|||
تركيا |
26 |
1.1 |
29 |
ماليزيا |
29 |
0.7 |
- 9 |
مصر |
34 |
0.6 |
19 |
اندونيسيا |
40 |
0.4 |
- |
ومن ناحية أخرى فإنه بإمكان الدول الإسلامية الإفادة من التجارة الإلكترونية في تعزيز حجم التجارة البينية، حيث لا يزال التبادل التجاري فيما بين الدول الإسلامية يتراوح بين 8 – 11 % خلال الفترة 1997م-2000م، مما يعني أن ما يقارب 90% من صادراتها يذهب إلى دول غير أعضاء وبخاصة الدول الصناعية().
3. قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة:
تقدم تطبيقات التجارة الإلكترونية مجالا واسعا ورحبا لقطاع المنشآت التجارية المتوسطة والصغيرة في البلدان الإسلامية في تحويل أنماطها التجارية التقليدية إلى وسائل الكترونية سريعة. واقتصاديا يكتسب هذا القطاع أهمية متزايدة في معظم بلدان العالم لما يقدمه من فرص عمل جديدة وزيادة متنامية في حجم الاستثمار وما تحققه من تعظيم للقيمة المضافة، وزيادة في حجم المبيعات. إضافة إلى دورها في تحقيق التكامل بين الأنشطة الاقتصادية على اختلاف مستوياتها وأحجامها. وتبرز أهمية تطبيق التجارة الإلكترونية في هذه المنشآت في كون الدول الإسلامية كغيرها من البلدان النامية تعج بالمنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تشير الإحصائيات، في منتصف 1422هـ، إلى وجود أكثر من 500 ألف منشأة تمثل المؤسسات الفردية منها نحو 94.8 %، وتبلغ المصانع المتوسطة، التي يتراوح رأس مالها 1-5 مليون، أكثر من 2465 مصنعا، وإذا أخذنا المنشآت المسجلة في البلديات فإن نسبة المنشآت المتوسطة والصغيرة تتجاوز 90 % من إجمالي عدد المنشآت التجارية في المملكة(). ومن خلال تبني هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتقنيات التجارة الإلكترونية سوف يفتح أمامها المجال في الدخول إلى نطاق أوسع في السوق المحلي والأسواق الدولية متخطية بذلك عقبة الحدود الجغرافية، مما يمكنها من التعامل مع أعداد كبيرة من المستهلكين الجدد وكذلك يمكنها من التعامل مع عدد كبير من المنشآت الأخرى في قطاع التوريد عوضا عن ارتباطها مع منشآت محددة في ظل تجارتها التقليدية. ولكي تتمكن مثل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم من الاستفادة من تقنيات التجارة الإلكترونية وتحويل عملياتها التجارية التقليدية إلى أساليب إلكترونية في كافة مراحل عملياتها التجارية، فإنها تحتاج إلى الدعم المالي والكوادر المؤهلة لهذه البيئة والتخطيط الاستراتيجي المنظم. وهنا يمكن للحكومات والمؤسسات الرسمية ذات العلاقة بقطاع التكنولوجيا وتقنية المعلومات أن تلعب دورا بارزا في ذلك.
قطاع النشر من القطاعات الأخرى المتاحة لتطبيق التجارة الإلكترونية في الدول الإسلامية، والذي يتمثل في إنتاج وتوزيع الأعمال الأدبية المكتوبة أو المطبوعة مثل الكتب والصحف والدوريات العلمية وغيرها من المطبوعات. ويعد قطاع النشر من القطاعات الهامة التي لها أبعاد اقتصادية وذلك عن طريق الفوائد التي يتحصل عليها الأفراد والمجتمع من خلال اكتساب المعارف ونقل التكنولوجيا والتقدم في العلوم والصناعة، إضافة إلى ما ينتج عنه من إيجاد فرص عمل جديدة وتطوير الخدمات الاجتماعية، الأمر الذي ينعكس في نهاية المطاف على النمو الاقتصادي في المجتمع(). ومن أبرز مزايا تحويل قطاع النشر من نمطه التقليدي إلى قطاع نشر إلكتروني (E-publishing) انخفاض تكاليف إنتاج وتوزيع المطبوعات مما يمنح الأفراد والمنشآت الصغيرة فرصة المساهمة في هذا القطاع، وبالتالي إيجاد أسواق تنافسية مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار ومضاعفة حجم إنتاج النشر في المجتمع. وبالنظر إلى مكانة هذا القطاع في الدول الإسلامية نلاحظ أنه لا يزال متأخرا مقارنة مع دول نامية أخرى إذا ما أخذنا بعض المؤشرات المتاحة لحجم قطاع النشر فيها.
جدول : دور النشر في بعض الدول الإسلامية ودول نامية أخرى عام 1999م().
دول إسلامية مختارة |
عدد دور النشر |
دول نامية أخرى |
عدد دور النشر |
أفغانستان |
6 |
الأرجنتين |
116 |
الجزائر |
3 |
البرازيل |
220 |
بروناى |
1 |
الهند |
262 |
الكامرون |
5 |
تايلأند |
31 |
إيران |
3 |
سنغافورة |
44 |
ليبيا |
1 |
الفلبين |
47 |
سوريا |
2 |
كولومبيا |
56 |
أوزبكستان |
2 |
كوبا |
16 |
فكما نلاحظ في جدول 12مدى الفجوة بين قطاع النشر في الدول الإسلامية وتلك التي في بعض الدول النامية، وهذا يعني زيادة حجم واردات الدول الإسلامية من منتجات النشر عن صادراتها وبالتالي زيادة حجم عجزها التجاري في هذا القطاع. لذلك فإن توظيف تقنيات الإنترنت في هذا القطاع سيدفع عجلة النمو في قطاع النشر المحلي لدى الدول الإسلامية من حيث تطوير هيكل القطاع والارتقاء بنوعية وجودة مواد النشر واتساع أسواقها وانخفاض تكاليف إنتاجها، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن تكلفة إنتاج وتوزيع المجلات العلمية إلكترونيا (E-journal)، على سبيل المثال تقل عن تكلفتها التقليدية بنحو 28% إلى 48%().
5. التجارة الإلكترونية ودور المرأة:
أدت ثورة تقنية المعلومات والاتصالات (ICT) وتطبيقات التجارة الإلكترونية (E-commerce) إلى اتساع مجال أعمال أفراد المجتمع بما في ذلك الأعمال التي تقوم بها المرأة سواء على المستوى الإداري أو الاجتماعي أو الاقتصادي. ولذلك فإن تقنية المعلومات والاتصالات تقدم العديد من الفرص الوظيفية والاستثمارية للمرأة في المجتمعات الإسلامية أسوة بالرجل، بل إن أهميتها للمرأة المسلمة قد تفوق نظيرتها في المجتمعات غير الإسلامية، وذلك لعدة عوامل من أبرزها أن المرأة في الدول الإسلامية تواجه عدة عقبات اجتماعية وثقافية من الانخراط في ممارسة الأعمال كما هو حال الرجل. ومن أبرز الاستخدامات التي تقدمها ثورة المعلومات للمرأة هو أولا: إمكانية إقامة أعمال أو مشروعات اقتصادية صغيرة في مجالات متعددة مثل الحرف اليدوية والهدايا والمنتجات الغذائية أو غيرها من الأنشطة التجارية المنزلية، واستغلال التجارة الإلكترونية في تسويقها وتطويرها. وثانيا: إمكانية المرأة العمل في القطاعات التي تستخدم تقنية المعلومات في أعمالها دون اضطرارها للخروج والحضور في مكاتب عمل معينة، وإنما تقوم بكافة الأعمال الموكلة إليها عبر الشبكة الإلكترونية. وهذه الأعمال التي تتم عبر شبكة الإنترنت تعفي المرأة من الوقوع في المحاذير الشرعية مثل خروج المرأة واختلاطها مع الرجال في أماكن العمل. ولكن لكي تصبح المرأة في البلدان الإسلامية قادرة على استثمار هذه التقنية، فإنه لابد أن يسبق ذلك مراحل متعددة يتم من خلالها القضاء على الأمية المنتشرة في الدول الإسلامية فضلا عن أمية التكنولوجيا وتقنية المعلومات، ومن ثم تبني برامج التعليم والتدريب في مجال تقنية المعلومات واستغلال الإنترنت.
فكما نلاحظ من خلال بعض المؤشرات المتعلقة بالمرأة في الدول الإسلامية (انظر شكل 2) نجد أن متوسط معدل الأمية بلغ نحو 35 % وفي الدول الإسلامية الأقل نمو تجاوز 60 %. كما أن الأمية منتشرة في الفئات العمرية (15-24سنة) بنحو 21 %، وهذه الفئة هي الطبقة المستهدفة للتوعية واستخدام الإنترنت. وعلى ضوء هذه المؤشرات السلبية ينبغي على الحكومات في هذه البلدان أن تتبنى استراتيجيات تهدف إلى استغلال هذه الطاقات البشرية من الإناث لاسيما وان نسبة الإناث في هذه المجتمعات تمثل تقريبا نصف سكانها. شكل : مؤشرات مختارة للإناث في الدول الإسلامية حسب المجموعة خلال الفترة 1990-2000م().