التخطيط :
1- مفهوم التخطيط :
يعرف التخطيط بأنه «التدبير الذي يرمي إلى مواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفاً لتحقيق أهداف محددة»، ويعد التخطيط من أهم وظائف الإدارة العامة، وهو الفكرة التمهيدية السابقة لتنفيذ أي عمل من الأعمال. ومن خلال التخطيط يستطيع القائد الإداري تحديد الهدف المنشود والوسائل الكفيلة بتحقيقه بأقل تكلفة ممكنة وفي الوقت المناسب ولاسيما أن الأعباء التي ألقيت على عاتق الدولة جسيمة جداً، ولا يمكن تحقيقها بصورة عشوائية وعفوية.
2 - أهمية التخطيط :
إن العمل بدون خطة يصبح ضربًا من العبث وضياع الوقت سدى، إذ تعم الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول إلى الهدف بعيد المنال.
وتبرز أهمية التخطيط أيضًا في توقعاته للمستقبل وما قد يحمله من مفاجآت وتقلبات حيث أن الأهداف التي يراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية أي أن تحقيقها يتم خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر ، مما يفرض على رجل الإدارة عمل الافتراضات اللازمة لما قد يكون عليه هذا المستقبل وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في تنفيذ الأهداف وخلال مراحل التنفيذ المختلفة.
3 - مزايا التخطيط :
ينطوي التخطيط على كثير من المزايا يمكن إيجازها فيما يلي:ـ
أ ـ يساعد التخطيط على تحديد الأهداف المراد الوصول إليها بحيث يمكن توضيحها للعاملين، مما يسهل
تنفيذها.
ب ـ يساعد التخطيط على تحديد الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ الأهداف.
ج ـ يساعد التخطيط في التنسيق بين جميع الأعمال على أسس من التعاون والانسجام بين الأفراد بعضهم
البعض وبين الإدارات المختلفة ما يحول دون حدوث التضارب أو التعارض عند القيام بتنفيذ هذه
الأعمال.
د ـ يعتبر التخطيط وسيلة فعالة في تحقيق الرقابة الداخلية والخارجية على مدى تنفيذ الأهداف.
هـ ـ يحقق التخطيط الأمن النفسي للأفراد والجماعات، ففي ظل التخطيط يطمئن الجميع إلى أن الأمور التي
تهمهم قد أخذت في الاعتبار.
وـ يتناول التخطيط محاولة توقع أحداث مما يجعل الإدارة في موقف يسمح لها بتقدير ظروف في ذلك
المستقبل وعدم ترك الأمور المحض الصدفة.
ح ـ يساعد التخطيط على تحقيق الاستثمار الأفضل للموارد المادية والبشرية مما يؤدي إلى الاقتصاد في
الوقت والتكاليف.
ط ـ يساعد التخطيط في تنمية مهارات وقدرات المديرين عن طريق ما يقومون به من وضع للخطط
والبرامج.
4 - مقومات وأنواع التخطيط :
تتضمن عملية التخطيط الإداري عددًا من المقومات الأساسية تتمثل في تحديد الأهداف، التنبؤ، السياسات والبرامج، والإجراءات، وأخيرًا بلورة طرق العمل ونقصد به الوسائل والإمكانات.
وقد تباينت أراء علماء الإدارة بالتقسيمات الموضوعة للتخطيط ، فمنهم من قسمها حسب الزمن أي إلى ثلاثة أقسام وهي : التخطيط طويل الأجل ، والتخطيط المتوسط الأجل ، والتخطيط القصير الأجل ، ومنهم من قسمها حسب الوظيفة أو المستويات الإدارية ، ومنهم من أضاف إلى هذه التقسيمات تقسيمات أخرى مثل التخطيط الإداري، والتخطيط القومي، والتخطيط الإقليمي ، فأصبحت ستة أنواع بدلاً من ثلاثة .
أ - التخطيط الإداري :
(1)- تخطيط طويل الأجل ـ المستويات العليا ـ رسم السياسيات والأهداف العامة ـ تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها.
(2)- تخطيط متوسط الأجل ـ المستويات الوسطى ـ ترجمة الأهداف إلى برامج عمل ـ تحديد الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتحديد الهدف.
(3)- تخطيط قصير الأجل ـ المستويات الإشرافية ـ تحويل الخطط والبرامج العامة إلى برامج عمل تفصيلية.
ب - التخطيط الإستراتيجي :
تعتبر الإدارة الاستراتيجية هي قمة الهرم الإداري في الفكر والتطبيق ، فقد أدى إهتمام الرواد والباحثين الإداريين بتأثير العوامل البيئية ككل ( السياسية ، الإقتصادية ، الإجتماعية ، الفنية ، القانونية ، ...) إلى إستبدال مصطلح سياسات الأعمال الذي كان منتشراً في ذلك الحين إلى ما أصبح يطلق عليه مصطلح الإدارة الإستراتيجية نظراً لشموليته وقدرته على تمكين المنظمات من بلوغ أهدافها بفاعلية وكفاءة عالية .
5 – إعداد الخطة :
التخطيط بالمعنى الفني يعني تحديد أهداف محتملة مستقبلية وبلورة وسائل بديلة ذات ابعاد زمنية متميزة لتحقيق تلك الأهداف ، ومن ثم مقارنة البدائل المطروحة وإختيار أكثرها مناسبة لظروف وإمكانيات الجهاز الإداري المقصود ، والتخطيط وسيلة لتحقيق غاية ونجاحه يتوقف على عدة عوامل هي :
أ – صحة البيانات والإحصائيات : لكي تكون الإفتراضات صحيحة يجب أن تبنى على إحصائيات
صحيحة وواقعية .
ب – كفاءة الجهاز الإداري المسؤول عن تنفيذ الخطة .
جـ - مشاركة الجميع في وضع وإعداد الخطة .
د – مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ : مشارمة العاملين في الدولة في إعداد الخطة .
هـ - الوعي بأهمية التخطيط : ومساهمة المواطنين في تحقيق الأهداف المنشودة من الخطة .
6 - معوقات التخطيط :
1ـ عدم الدقة في المعلومات والبيانات
2ـ اتجاهات العاملين: كثيرًا ما تحدث اتجاهات السلبية نحو الخطة أثرًا كبيرًا في عرقلة مسيرتها.
3ـ عدم صحة التنبؤات والافتراضات.
4ـ إغفال الجانب الإنساني: يؤدي إلى تجاهل الخطة للعامل الإنساني إلى مقاومة هؤلاء العاملين للخطة ووضع العراقيل في طريق تنفيذها، مما قد يؤدي إلى فشلها في تحقيق أهدافها.
5ـ الاعتماد على الجهات الأجنبية في وضع الخطة.
6ـ القيود الحكومية.
7ـ عدم مراعاة التغير في الواقع.
8ـ أسباب متعلقة بعدم مراعاة إتباع خطوات التخطيط.
7 - التخطيط في الإسلام :
ويعتبر الفكر الإسلامي عمومًا فكرًا استراتيجيًا في التفكير وحتى في إصدار الأحكام، حيث يهتم اهتمامًا بالغًا بالمقاصد الشرعية والنظرة إلى المآل في الأمور وقضية التوازن بين المصالح والمفاسد وقضية اعتبار المصالح وغيرها من أساسيات الفكر الإسلامي .
كما أن المجتمع الإسلامي في جميع عصوره قد شهد صورا ً كثيرة من التخطيط ولم يكن ثمة خلاف بينه وبين التخطيط المعاصر إلا في الوسائل وحجم الخطة ولكنه في واقعه كان يشتمل على عناصر الإعداد والتنفيذ ويدخل في كافة نشاطات الدولة السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والحربية ، بل ويتميز عن أي تخطيط آخر ، ويمكن القول أن التخطيط الإداري من منظور إسلامي هو : وظيفة إدارية يقوم بها فرد أو جماعة من أجل وضع ترتيبات عملية مباحة لمواجهة متطلبات مستقبلية مشروعة في ظل المعلومات الصحيحة المتاحة والإمكانات الراهنة والمتوقعة كأسباب ، توكلا ً على الله عز وجل من أجل تحقيق أهداف مشروعة .
ملامح التخطيط في الإدارة الإسلامية :
يمكن القول أن ملامح التخطيط في الإدارة الإسلامية هي على النحو التالي :
1 - إنه وظيفة إدارية رئيسية يقوم بها فرد أو جماعة وليس كما أشار معظم الكتاب إليه بأنه أسلوب عمل جماعي ... فالفرد في شؤونه الخاصة به يخطط ، وصاحب الحانوت يخطط ، وصاحب المؤسسة التجارية يخطط ، وأصحاب الشركة في القطاع الخاص يخططون ، وكذلك رجال القطاع الحكومي.
2- وضع تدابير وترتيبات عملية مباحة لمواجهة المستقبل ... ويقصد بالتدابير المباحة أي الالتزام بحدود الله تعالى التي بينها في كتابه إجمالا ً وفصلها وشرحها المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه حتى أصبح الحلال بينا ً والحرام بينا ً وبينهما أمور مشتبهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.
3- متطلبات مستقبلية مشروعة ... إذ لا يجوز التخطيط لمتطلبات مستقبلية محظورة أو مشتبه في جوازها لأن الإدارة بوظائفها ومنها التخطيط أداة تستخدم لعبادة الله تعالى ، وبهذا يجب التقيد بمشروعية الاحتياجات المستقبلية التي يسعى التخطيط إلى الاستعداد لتحقيقها.
4- المعلومات المتاحة والإمكانات الراهنة والمتوقعة يجب أن تكون صحيحة ... وهذا يعني عدم اللجوء إلى تشويه الحقائق وتزييف المعلومات والمبالغة في التقديرات للاحتياجات المالية والفنية والبشرية والنظر إلى الإمكانيات المالية بنظرة واقعية وإلى المتوقعة منها بصورة أقرب إلى الواقع ، إذ أن المغالاة في هذا الجانب تؤدي إلى ظهور تصورات خاطئة واتجاهات منحرفة ونفقات مالية متهورة وسفه وتبذير هنا وهناك مما ينتج عنه تدهور إداري خطير وفساد كبير.
5 - التوكل على الله تبارك وتعالى هو القاعدة الأساسية في التخطيط الإسلامي إذ أن التخطيط الإداري الحديث لا يعير هذا الجانب أي اهتمام ولا يحسب له أي حساب ، فكل البيانات والمعلومات والتوقعات إنما هي وسيلة ( سبب ) وليست غاية في حد ذاتها. فالتخطيط في الإدارة الإسلامية ما هو إلا من قبيل ( اعقلها وتوكل ) وليس من باب التدخل في علم الغيب والادعاء بالمعرفة التامة بمستقبل الفكر والأداء والإنجاز.
6- تحقيق الأهداف المشروعة ... وهذا هو بيت القصيد فبغية التخطيط في الإدارة الإسلامية أن يسعى في كل خطواته إلى الوصول إلى أهداف تتفق مع مقاصد الشرع الحنيف الخمسة ، وهي : حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، وإنه في ظل هذه المقاصد فقط – والتي حددها فقهاء الأمة الإسلامية – يتحقق مفهوم المشروعية للأهداف التي يجب على المخطط الإداري المسلم التقيد بها والعمل من أجلها